الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة فصلت/(2) من قوله تعالى {قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض} الآية 9 إلى قوله تعالى {فقضاهن سبع سماوات} الآية 12
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(2) من قوله تعالى {قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض} الآية 9 إلى قوله تعالى {فقضاهن سبع سماوات} الآية 12

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة فصِّلت

الدَّرس: الثَّاني

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:

قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [فصلت:9-12]

– الشيخ : إلى هنا، لا إله إلا الله.

في هذه الآياتِ يَتَوجَّهُ الخطابُ إلى مَن تقدَّمَ ذِكْرُهُم وهم الكافرونَ الذينَ قالوا..، حكى اللهُ أقوالَهم في الآياتِ السابقةِ، توجَّهَ الخطابُ إليهم مُوَبِّخًا لهم، توبيخاً لهم، وإنكاراً عليهم أنْ  كفروا باللهِ، بإلهيته: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} تَكْفُرُونَ بربِّكم خالقِ هذه العوالمِ -السماواتِ والأرضِ- {خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} تَكْفُرُونَ بإلهيتِهِ فتعبدونَ وتشركونَ معه آلهةً أخرى، {وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا}: تَجْعَلُونَ لَهُ نُظَراءُ، وقد نَهَى اللهُ عن ذلكَ {فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً} [البقرة:22] {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} [البقرة:165]

{ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ} الذي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ هو ربُّ العالمين، وهو الإلهُ في السماواتِ والأرض. {الَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ}.

{وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ} وهي الجبالُ الرَّاسيةُ لتثبيتِ الأرضِ حتى لا تَـمِيدَ ولا تضطربَ، {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا} أودعَ فيها البركاتِ، وجعلَ فيها ما جعلَ من أسبابِ المنافعِ العظيمةِ {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً} [البقرة:29] خلقَ فيها المعادنَ، وخلقَ فيها القُوى والأسبابَ التي تجعلُها قابلةً للازْدِرَاعُ للزرعِ فيها، وفيها المياهُ التي يَستقي منها الناسُ لأنفسِهم ولدوابِّهم، وباركَ فيها {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا}.

{وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا} يعني: أقواتَ سُكَانِها مِن البشريةِ، قَدَّرَ فيها الأقواتَ، فأقواتُ البشريةِ الآن مِن أين؟ هذه الأقواتُ من أين؟ مما يُخْرِجُهُ اللهُ للناسِ بِشَتَّى الوسائلِ التي منها المطر، {فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ} فهذه الأرزاقُ مِن الحبوبِ والثمارِ كلُّها تخرجُ مِن الأرضِ بالأسبابِ التي خلقَها الله في الأرضِ، وبالأسبابِ التي يُحْدِثُها اللهُ، فهذه الزروعُ إنَّما تنشأُ وتُثْمِرُ وتتكاملُ وهذه الأشجارُ بما جعلَ اللهُ في الأرضِ مِن القابليةِ -قابلية الإنباتِ- وهي الأراضي الطيبة التي إذا نزلَ عليها الماءُ أنبتَت الكَلَأَ والعشبَ الكثيرَ وأنبتَتْ الزروعَ {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ * رِزْقًا لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} [ق:9-11]

واستكملَتِ الأرضُ بهذه الأمورِ أربعةَ أيامٍ {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ} إذاً اللهُ خلقَ الأرضَ وأودعَ فيها ما أودَعَ وأرْسَاهَا بالجبالِ في مدةِ أربعةِ أيامِ.

{ثُمَّ اسْتَوَى} سبحانه وتعالى {إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ} قالَ المفسرون: إنه بُخَارُ الماءِ، ثمَّ سَوَّى اللهُ سبعَ سماواتٍ {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} فكلُّ هذه المخلوقاتِ مُنقادةٌ لـِمَشيئتِهِ تعالى وأمرِهِ {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}.

{فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} إذاً هذه ستةٌ، هذه ستةُ أيامٍ، وقد ذكرَ اللهُ هذه الأيامَ مُجملةً في آياتٍ كثيرةٍ: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} [الأعراف:54،يونس:3]  يمكن في [يوجد] آياتٍ عديدةٍ أكثر مِن سبعِ آياتٍ فيها ذكرُ ستة أيام: {وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} [هود:7] {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} [ق:38]

فَصَّلَ هذه الأيامَ الستةَ فصَّلَها في هذه الآياتِ في هذه السورةِ، الأرضُ في أربعةِ أيامٍ والسمواتُ في يومين {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ}.

{وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} زيَّنَ السماءَ الدنيا القريبةَ مِناَّ، زيَّنَ السماء الدنيا القريبةَ منا زيَّنها بالمصابيحِ، بالكواكبِ المضيئةِ وبالشمسِ والقمرِ، فلم تكنِ السماءُ مِن فوقنا مظلمةً إذا جاءَ الليلُ، لا، أحسنُ ما تكونُ إذا أظلمَ الليلُ، إذا أظلمَ الليلُ ظهرتِ الزينةُ والبهجةُ في السماءِ، أنوارٌ ونجومٌ تَتَلَأْلَأُ! وهناكَ الشمسُ والقمرُ لهما حسابٌ قدَّرَهُ اللهُ سبحانه وتعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [يونس:5] وهنا قال: {وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} مُضِيئةٌ ويَهتدي بها الناسُ {وَحِفْظًا} للسماءِ، النجومُ اللهُ خلقَها لحِكَمِ: زينةً للسماءِ ورجومًا للشياطينِ وحِفظاً للسماءِ، وذكرَ اللهُ هذا في مواضع، ذكرَ اللهُ هذا المعنى في آياتٍ عديدةٍ، {وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا}.

{ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} فهذه المخلوقاتُ بـِما فيها مِن الدَّلائلِ والآياتِ، هي مِن آثارِ عِزَّتِهِ وعلمِهِ، فهو العزيزُ القويُّ، وهو العليمُ الذي أحاطَ بكلِّ شيءٍ عِلْماً.

 

(تفسيرُ السعدي)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين. قالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ السَّعديّ رحمه الله تعالى في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى:

{قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} الآيات.

يُنْكِرُ تَعَالَى وَيَعْجَبُ مِنْ كُفْرِ الْكَافِرِينَ بِهِ، الَّذِينَ جَعَلُوا مَعَهُ

الشيخ : كأنه يقولُ: إنَّ الاستفهامَ للإنكارِ والتَّعَجُّبِ من حالهم {أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ}؟

القارئ : الَّذِينَ جَعَلُوا مَعَهُ أَنْدَادًا يُشْرِكُونَهُمْ مَعَهُ، وَيَبْذُلُونَ لَهُمْ مَا يَشَاؤُونَ مِنْ عِبَادَاتِهِمْ، وَيُسَوُّونَهُمْ بِالرَّبِّ الْعَظِيمِ الْمَلِكِ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ الْكَثِيفَةَ الْعَظِيمَةَ فِي يَوْمَيْنِ، ثُمَّ دَحَاهَا فِي يَوْمَيْنِ بِأَنْ جَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا تُرْسِيهَا عَنِ الزَّوَالِ وَالتَّزَلْزُلِ وَعَدَمِ الِاسْتِقْرَارِ.

فَكَمَّلَ خَلْقَهَا وَدَحَاهَا وَأَخْرَجَ أَقْوَاتَهَا وَتَوَابِعَ ذَلِكَ {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} عَنْ ذَلِكَ، فَلَا يُنْبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ، فَهَذَا الْخَبَرُ الصَّادِقُ الَّذِي

الشيخ : وهؤلاءِ الكفرةُ الملاحدةُ يقولونَ: "إنَّ الأرضَ قطعةٌ مِن الشمسِ انفصلَتْ مِن الشمسِ، منذُ ملايين بل" -شوف [انظر]- "منذُ آلافِ الملايين" -انتبه للأرقامِ- "منذُ آلافِ الملايين"، وهذا الخيالُ وهذا التقديرُ وهذا الحسابُ الذي لا أصلَ له إلا مجرَّدُ الظنونِ والتقديراتِ والتَّخرُّصَاتِ، هذا الضلالُ، هذا يُلَقَّنُهُ الناشئُ في العلومِ. يقولونَ: الأرضُ –هذا مما نسمعُ به- الأرضُ انفصلَتْ مِن الشمسِ، مَنْ يعرفُ؟ مَن يعرفُ؟ أنتم درستُم، أيش حفظتُم في المدرسةِ؟ أربعةُ آلافِ وخمسمائةِ مليون سنة! شوف أربعة آلاف وخمسمائة مليون سنة.

هذا ونقولُ -مثلاً-: أيش المانع نقولُ: ستة آلاف مليون سنة. زِدْ عليها ألف مليون سنة، ويكون حكم الأول والثاني كلُّهُ واحد؛ لأنَّها كلها ما لها..، تقدير، قلْ إنْ شئتَ عشرة آلاف مليون سنة.

اللهُ أخبرَنَا في كتابِه عن مبدأِ هذا الوجودِ، عن مبدأِ خَلْقِ السماواتِ والأرضِ في ستةِ أيامٍ، بعضُ المفسرين يقولُ: أنَّ هذه الأيامَ الستةَ بِقَدْرِ أيامِنا هذه المعروفةُ، يعني أربع وعشرون ساعة، أربع وعشرون ساعة. بعضُهم يقولُ: لا، إنَّ اليومَ الواحدَ عندَ اللهِ بألفِ سنةٍ مِن حسابِنا لكن معَ هذا كلِّهِ، هل في [هناك] نسبةٌ بينَ ما يقولُه الخَرَّاصُون الـمُلْحِدُون؟ ما في [لا يوجد] نسبة.

جاءَ في الحديثِ الصحيحِ: (أنَّ اللهَ قَدَّرَ مقاديرَ الخلقِ قبلَ أنْ يخلقَ السماواتِ والأرض) بكم؟ (بخمسينَ ألفِ سنةً)، خمسينَ ألف سنة. هذا يجبُ أنْ نؤمنَ به؛ لأنَّهُ أخبرَ به الصادقُ المصدوقُ، (قَدَّرَ اللهُ مقاديرَ الخلقِ قبلَ أنْ يخلقَ السماواتِ والأرضَ بخمسينَ ألفِ سنة)، لا إله إلا الله.

ثمَّ بعدَ هذه المدةِ، بعدَ خلقِ اللهِ السماواتِ والأرض واستوائِهِ على العرشِ لأنَّ الله قالَ بعدَها: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [يونس:3] لَمَّا خلقَ السماواتِ والأرض قالَ: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} في ستِّ آياتٍ.

طيب بعدَ خلقِ السماواتِ كم؟ كم منذُ فرغَ اللهُ مِن خلقِ السماواتِ والأرض؟ هذا ما لا نعلمُهُ ولا نُقدِّرُهُ، لأنَّ ما عندنا [ليس عندنا] ما ندري، يمكن خمسةَ آلافِ سنة، يمكن عشرةَ آلاف سنة، يمكن عشرين ألف سنة، ممكن ما ندري، نُفُوِّضُ علمَ ذلك إلى اللهِ فلا يجوزُ التَّخَرُّصُ في أمورِ الغيبِ، نقفُ عندَ ما جاءَ بِه الشرعُ وما جاءَ به الوحيُ، الوحيُ مِن عندِ اللهِ على عبدِهِ ورسولِهِ صلَّى الله عليهِ وسلَّمَ.

 

القارئ : فَهَذَا الْخَبَرُ الصَّادِقُ الَّذِي لَا زِيَادَةَ فِيهِ وَلَا نَقْصَ.

ثُمَّ بَعْدَ أَنْ خَلَقَ الْأَرْضَ {اسْتَوَى} أَيْ: قَصَدَ {إِلَى} خَلْقِ {السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} قَدْ ثَارَ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ

الشيخ : ثارَ مِن الماءِ، ثارَ مِن الماء، بخارٌ، بخارٌ.

القارئ : {فَقَالَ لَهَا} وَلَمَّا كَانَ هَذَا التَّخْصِيصُ يُوهِمُ الِاخْتِصَاصَ، عَطَفَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: {وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا} أَيِ: انْقَادَا لِأَمْرِي، طَائِعَتَيْنِ أَوْ مُكْرَهَتَيْنِ، فَلَا بُدَّ مِنْ نُفُوذِهِ.

الشيخ : نُفُوذِ امره. نفوذُ. لا بد مِن نفوذِهِ، لا بدَّ مِن نفوذِ أمرِهِ، {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت:11]

القارئ : {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} لَيْسَ لَنَا إِرَادَةٌ تَخَالِفُ إِرَادَتَكَ.

{فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} فَتَمَّ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، أَوَّلُهَا يَوْمَ الْأَحَدِ، وَآخِرُهَا يَوْمَ الْجُمْعَةِ، مَعَ أَنَّ قُدْرَةَ اللَّهِ وَمَشِيئَتَهُ صَالِحَةٌ لِخَلْقِ الْجَمِيعِ فِي لَحْظَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَكِنْ مَعَ أَنَّهُ قَدِيرٌ، فَهُوَ حَكِيمٌ رَفِيقٌ، فَمِنْ حِكْمَتِهِ وَرِفْقِهِ أَنْ جَعَلَ خَلْقَهَا فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ الْمُقَدَّرَةِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ هَذِهِ الْآيَةِ، مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي النَّازِعَاتِ لَمَّا ذَكَرَ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ قَالَ: {وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} [النَّازِعَاتِ:30] يَظْهَرُ مِنْهُمَا التَّعَارُضُ، مَعَ أَنَّ كِتَابَ اللَّهِ لَا تَعَارُضَ فِيهِ وَلَا اخْتِلَافَ.

وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ مَا قَالَهُ كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ، أَنَّ خَلْقَ الْأَرْضِ وَصُورَتَهَا مُتَقَدِّمٌ عَلَى خَلْقِ السَّمَاوَاتِ كَمَا هُنَا، وَدَحْيُ الْأَرْضِ بِأَنْ {أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا * وَمَرْعَاهَا وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا} [النازعات:32،31] مُتَأَخِّرٌ عَنْ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ كَمَا فِي سُورَةِ النَّازِعَاتِ، وَلِهَذَا قَالَ فِيهَا: {وَالأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا أَخْرَجَ مِنْهَا}

الشيخ : فكأنَّ خَلقُ السماواتِ في يومينِ، بينَ اليومينِ الأولَينِ واليومينِ الآخرينِ، {الَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} ثمَّ قالَ سبحانه وتعالى: {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ} يعني: صارَ المجموعُ، صارَ يومين الأولين ويومين آخرَيْنِ، معَ قولِهِ: {وَالأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} كأنَّه يقتضي أنَّ خَلْقَ السماواتِ في يومينِ، جاءَ في أثناءِ مدةِ خلقِ الأرضِ، فقبلَ خلقِ السماواتِ خَلَقَ الأرضَ في يومين، وبعدَ خلقِ السماواتِ دَحَا الأرضَ {وَالأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ} أيْ: بعدَ خَلْقِ السمواتِ، كما أجابَ كثيرٌ مِن السلفِ.

 

القارئ : وَلِهَذَا قَالَ فِيهَا: {وَالأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا أَخْرَجَ مِنْهَا} إِلَى آخِرِهِ وَلَمْ يَقُلْ: "وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ خَلَقَهَا"

وَقَوْلُهُ: {وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا} أَيِ: الْأَمْرُ وَالتَّدْبِيرُ اللَّائِقَ بِهَا، الَّذِي اقْتَضَتْهُ حِكْمَةُ أَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ.

{وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} هي النُّجُومُ يُسْتَنَارُ بِهَا وَيُهْتَدَى، وَتَكُونُ زِينَةً وَجِمَالًا لِلسَّمَاءِ ظَاهِرًا، وَحِفْظاً لَهَا بَاطِنًا، بِجَعْلِهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ، لِئَلَّا يَسْتَرِقَّ السَّمْعَ فِيهَا. {ذَلِكَ} الْمَذْكُورُ مِنَ الْأَرْضِ وَمَا فِيهَا، وَالسَّمَاءِ وَمَا فِيهَا {تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ} الَّذِي عَزَّتُهُ، قَهَرَ بِهَا الْأَشْيَاءَ وَدَبَّرَهَا، وَخَلَقَ بِهَا الْمَخْلُوقَاتِ. {الْعَلِيمِ} الَّذِي أَحَاطَ عِلْمُهُ بِالْمَخْلُوقَاتِ الْغَائِبُ وَالشَّاهِدُ.

فَتَرْكُ الْمُشْرِكِينَ الْإِخْلَاصَ لِهَذَا الرَّبِّ الْعَظِيمِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ، الَّذِي انْقَادَتِ الْمَخْلُوقَاتُ لِأَمْرِهِ وَنَفَذَ فِيهَا قَدَرَهُ مِنْ أَعْجَبِ الْأَشْيَاءِ، وَاتِّخَاذُهُمْ لَهُ أَنْدَادًا يُسَوُّونَهُمْ بِهِ، وَهُمْ نَاقِصُونِ فِي أَوْصَافِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ، أَعْجَبُ وَأَعْجَبُ، وَلَا دَوَاءَ لِهَؤُلَاءِ، إِنِ اسْتَمَرَّ إِعْرَاضُهُمْ إِلَّا الْعُقُوبَاتُ الدُّنْيَوِيَّةُ وَالْأُخْرَوِيَّةُ، فَلِهَذَا خَوَّفَهُمْ بِقَوْلِهِ:

الشيخ : إلى هنا يا اخي: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ} بعده، بس [يكفي]. حسبنا الله.