الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة فصلت/(3) من قوله تعالى {فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة} الآية 13 إلى قوله تعالى {ونجينا الذين امنوا} الآية 18

(3) من قوله تعالى {فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة} الآية 13 إلى قوله تعالى {ونجينا الذين امنوا} الآية 18

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة فصِّلت

الدَّرس: الثَّالث

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ * إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ * فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ * وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ[فصلت:13-18]

– الشيخ : .. لا إله إلا الله.

يقولُ سبحانه وتعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا}، يعني: هؤلاءِ الكفَّار الذين جعلُوا للهِ أنداداً، ولمْ ينتفِعُوا بهذه الآيات الكونية كخلقِ الأرض والسموات، إن أعرضَ هؤلاء ولم يقبلُوا الدعوة ولم يستجيبوا للدعوةِ إلى عبادة الله وحدَه لا شريكَ له، ولم يؤمنوا بالرسولِ، {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً} يعني: أُحَذِّركم أنْ تنزلَ بكم صاعقةٌ {مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ}.

وجاءَ في التفسيرِ أنَّ الرسولَ قرأَ أولَ هذه السُّورةِ على الوليدِ بنِ المغيرة، فلمَّا جاء عندَ هذه الآية يعني رُعِبَ وخافَ ووضعَ يدِهِ على فَمِ الرسول كأنه يقول: "لا، لا، لا"، {فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} {فإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ * إِذْ جَاءَتْهُمُ}، يعني: حينَ {جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ}، فعَادٌ جاءَهم نبيُّ اللهِ هود، وثمودُ جاءَهم نبيُّ الله صالح، وقد فَصَّلَ اللهُ قصةَ القبيلتَيْن والرسولَيْنِ، عادٌ وثمود، اسمانِ لقبيلتينِ، عادٌ وثمود.

{إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ}، هذه دعوةُ الرسلِ، كلُّهم جاءوا يقولونَ للناس: "لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ"، لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ"، هذا ما دعا إليهِ نوحٌ وهودٌ وصالح وكلّ الرسل، {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:36]، سبحان الله.

{قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً}، يعني يقولون: لا، كيف نطيع بشراً مثلنا؟! هذه شبهةُ المشركين الأولين والأخيرين، {مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ..} [المؤمنون:33]، يعني ما له فضلٌ، ما له فضلٌ علينا، هو يريد أنْ يَدَّعِي الفضلَ والشرفَ علينا، {لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً}، وهذه طَلبتُهم، يطلبون أنْ يأتيهم مَلَكٌ، وهذا من التَّعَنُّتِ والعِناد، ولّا إرسال بشر مثلهم هذا أصلحُ لهم، أصلح لهم؛ لأنَّهُ يُرَادُ منهم أنْ يقتدُوا به وأنْ يتصرَّفوا كتصرُّفِهِ شريعةً، سبحان الله.

{لَوْ شَاءَ رَبُّنَا}، وهذا يدلُّ على أنَّهم يُقِرُّونَ بالربوبيةِ لله، يُقِرُّونَ بالربوبية، يقولون {لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً}، وفي الآية الأخرى قومُ نوح يقولونَ: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً} [المؤمنون:24] وقريشٌ أيضاً نفسهم يقولون: {مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا} [الفرقان:7]، سبحان الله تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ! أقولاهُم متشابهةٌ.

يقولون: {لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً}، يقولونَ للرسلِ: {فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ}، يؤكدون: {فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ}، إصرارٌ على الكفر.

ثم ذكرَ الله شيئاً من حال الأُمَّتَين: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ}، عادٌ عندَهم كِبْرٌ، عندَهم تَمِيُّزٌ بالكِبر، {فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ … وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً}، لأنَّ اللهَ أعطاهُم أجساماً وأعطاهم قوةً فهم يتطاولونَ ويفتخرونَ بقوتِهم: {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً}؟

قال الله: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً}، اللهُ أَشَدُّ مِنْهُمْ قوة، هو الذي أعطاهُم القوةَ فهو أشدُّ منهم قوةً، {هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ}، يعني: يُكَذِّبونَ بآياتِ الله، {وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ}.

قال الله: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ}، أيْ: على عادٍ أرسلَ اللهُ عليهِم: {رِيحًا صَرْصَرًا} شديدةَ البرودةِ، تُحَطِّمُ أجسامَهم، تُدَمِّرُهُم بِبَرْدِها وبقوتِها وتَعصِفُ بهم، ترفعُهم وتطرحُهم حتى صاروا {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} [الحاقة:7]، {أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} [القمر:20]

{فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ}، أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ يعني: هي سبعةُ أيامٍ، {سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ} [الحاقة:7] {سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ}، هذه أَيَّامٌ نَحِسَاتٌ فيها النَّحْسُ والشَّرُّ والعذابُ والشَّقاءُ.

{فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى} فعذَّبَهُم في الدنيا وسَيُعَذِّبُهُم في الآخرةِ عذاباً أشدّ وأخزى.

ثم قال تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ}، يعني: دَلَلْنَاهُم على طريقِ الحقِّ، وبَيَّنَا لهم الخيرَ مِن الشَّرِّ {فَهَدَيْنَاهُمْ} ولكنَّهم آثرُوا الضلالَ على الهُدى، {فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى}، فكذَّبُوا نبيَّ اللهِ صالحاً وعاندوهُ وعصَوهُ وعَقَرُوا الناقةَ التي نهاهُم عنها، أخرجَها اللهُ لهم آيةً، ونهاهم نبيُّ اللهِ عن أنْ يمسُّوها بسوءٍ، {فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ} [الشعراء:157]، {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ} [الحجر:83] قالَ اللهُ هنا: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ}، أَخَذَتْهُمْ صَاعِقَة، صيحةٌ عظيمةٌ، قالَ المفسِّرون: يعني لِعِظَمِهَا قطَّعَتْ قلوبُهم في أجوافِهم، فَأَخَذَتْهُمْ الصَاعِقَةُ.

{فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} يعني بسببِ عملِهم وكَسبِهم وكفرِهم.

{وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}، وهذه سُنَّةُ اللهِ في أنبيائِهِ وأوليائِهِ، ذكرَ هذا المعنى في قومِ نوحٍ، في نوحٍ ومن معَه نجَّاهم بالسفينةِ، وكذلك نبيُّ اللهِ هود، وكذلك نبيُّ اللهِ صالح، كلُّهم أخبرَ اللهُ عن نجاتِهم من العذاب الذي نزلَ بأممِهم، {وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}، فالإيمانُ والتقوى هو حبلُ النجاةِ مِن عذابِ الدنيا والآخرةِ.

 

(تفسيرُ السَّعدي)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ السَّعديّ رحمه الله تعالى:

فَتَرْكُ المشركينَ الإخلاصَ لهذا الربِّ العظيمِ الواحدِ القهارِ، الذي انقادَتِ المخلوقاتُ لأمرِهِ ونَفَذَ فيها قَدَرُهُ مِن أعجبِ الأشياءِ، واتخاذِهمِ لَه أندادًا يُسوونَهم بِه، وهم ناقِصونَ في أوصافِهم وأفعالِهم

– الشيخ : تناقض، يَتَناقضون، يُقرُّون بأنَّ الله خالقُ السموات والأرض وخالقُهم، ومع ذلك -والعياذ بالله- يعبدونَ غيره، مما زينَه لهم الشيطان، أما الآن فكثيرٌ من الكفرة الملاحدة مِن الوَثنيين والشيوعيين والمنتسبينَ للنصرانيةِ واليهودية أكثرُهم لا يؤمنون بالله ولا برسلِه، إنما هم يعبدون هذه الحياة، يعبدونَ الدنيا، يعبدون هذه الحياة وهذا الـمَتاع، ولا يُقِرُّونَ ببعثٍ ولا نشورٍ، فلا يؤمنونَ بمبدأٍ ولا مَعادٍ ولا بمُبدعٍ وخالقٍ، فهم أكفرُ من أولئك، أكفرُ مِن المشركين الأولين.

 

– القارئ : واتخاذِهمِ لَه أندادًا يُسوونَهم بِه، وهم ناقِصونَ في أوصافِهم وأفعالِهم أعجبُ وأعجبُ، ولا دواءَ لهؤلاءِ إنْ استمرَّ إعراضُهم إلا العقوباتُ الدنيويةُ والأخرويةُ، فلهذا خوَّفَهَم بقولِهِ:

{فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} الآيات.

أَيْ: فَإِنْ أَعْرَضَ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبُونَ بَعْدَ مَا بَيَّنَ لَهُمْ مِنْ أَوْصَافِ الْقُرْآنِ الْحَمِيدَةِ، وَمِنْ صِفَاتِ الْإِلَهِ الْعَظِيمِ {فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً} أَيْ: عَذَابًا يَسْتَأْصِلُكُمْ وَيَجْتَاحُكُمْ، {مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} الْقَبِيلَتَيْنِ الْمَعْرُوفَتَيْنِ، حَيْثُ اجْتَاحَهُمُ الْعَذَابُ وَحَلَّ عَلَيْهِمْ وَبِيلُ الْعِقَابِ وَذَلِكَ؛ بِظُلْمِهِمْ وَكُفْرِهِمْ.

حَيْثُ {جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ} أَيْ: يَتْبَعُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مُتَوَالِينَ، وَدَعْوَتُهُمْ جَمِيعًا وَاحِدَةٌ. {أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ} أَيْ: يَأْمُرُونَهُمْ بِالْإِخْلَاصِ لِلَّهِ، وَيَنْهَوْنَهُمْ عَنِ الشِّرْكِ بِه، فَرَدُّوا رِسَالَتَهُمْ وَكَذَّبُوهُمْ، {قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لأَنْزَلَ مَلائِكَةً} أَيْ: وَأَمَّا أَنْتُمْ فَبَشَرٌ مِثْلُنَا {فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} وَهَذِهِ الشُّبْهَةُ لَمْ تَزَلْ مُتَوَارَثَةً بَيْنَ الْمُكَذِّبِينَ مِنَ الْأُمَمِ، وَهِيَ مَنْ أَوْهَى الشُّبَهِ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْإِرْسَالِ، أَنْ يَكُونَ الْمُرْسَلُ مَلَكًا، وَإِنَّمَا شَرْطُ الرِّسَالَةِ أَنْ يَأْتِيَ الرَّسُولُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ، فَلْيَقْدَحُوا -إِنِ اسْتَطَاعُوا- بِصِدْقِهِمْ بِقَادِحٍ عَقْلِيٍّ أَوْ شَرْعِيٍّ، وَلَنْ يَسْتَطِيعُوا إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا.

قال الله تعالى: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} الآيات.

هَذَا تَفْصِيلٌ لِقِصَّةِ هَاتَيْنِ الْأُمَّتَيْنِ: عَادٍ، وَثَمُودَ. {فَأَمَّا عَادٌ} فَكَانُوا -مَعَ كُفْرِهِمْ بِاللَّهِ، وَجَحْدِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ، وَكُفْرِهِمْ بِرُسُلِهِ- مُسْتَكْبِرِينَ فِي الْأَرْضِ، قَاهِرِينَ لِمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْعِبَادِ، ظَالِمِينَ لَهُمْ، قَدْ أَعْجَبَتْهُمْ قُوَّتُهُمْ. {وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} قَالَ تَعَالَى رَدًّا عَلَيْهِمْ بِمَا يَعْرِفُهُ كُلُّ أَحَدٍ: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} فَلَوْلَا خَلْقُهُ إِيَّاهُمْ لَمْ يُوجِدُوا، فَلَوْ نَظَرُوا إِلَى هَذِهِ الْحَالِ نَظَرًا صَحِيحًا لَمْ يَغْتَرُّوا بِقُوَّتِهِمْ، فَعَاقَبَهُمُ اللَّهُ عُقُوبَةً تُنَاسِبُ قُوَّتَهُمُ الَّتِي اغْتَرُّوا بِهَا.

{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا} أَيْ: رِيحًا عَظِيمَةً، مِنْ قُوَّتِهَا وَشِدَّتِهَا لَهَا صَوْتٌ مُزْعِجٌ كَالرَّعْدِ الْقَاصِفِ. فَسَخَّرَهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ {في أيَّامٍ نَحِسَاتٍ} {سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} [الحاقة:7] فَدَمَّرَتْهُمْ وَأَهْلَكَتْهُمْ، {فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} [الأحقاف:25] وَقَالَ هُنَا: {لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} الَّذِي اخْتَزُوا بِهِ وَافْتَضَحُوا بَيْنَ الْخَلِيقَةِ. {وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ} أَيْ: لَا يُمْنَعُونَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، وَلَا يَنْفَعُونَ أَنْفُسَهُمْ.

قال الله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} الآيات.

{وَأَمَّا ثَمُودُ} وَهُمُ الْقَبِيلَةُ الْمَعْرُوفَةُ الَّذِينَ سَكَنُوا الْحِجْرَ وَحَوَالَيْهِ، الَّذِينَ أَرْسَلَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ صَالِحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ، يَدْعُوهُمْ إِلَى تَوْحِيدِ رَبِّهِمْ، وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الشِّرْكِ وَآتَاهُمُ اللَّهُ النَّاقَةَ آيَةً عَظِيمَةً، لَهَا شِرْبٌ وَلَهُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ، يَشْرَبُونَ لَبَنَهَا يَوْمًا وَيَشْرَبُونَ مِنَ الْمَاءِ يَوْمًا، وَلَيْسُوا يُنْفِقُونَ عَلَيْهَا، بَلْ تَأْكُلُ مِنْ أَرْضِ اللَّهِ، وَلِهَذَا قَالَ هُنَا: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} أَيْ: هِدَايَةَ بَيَانٍ، وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَيْهِمْ؛ -وَإِنْ كَانَ جَمِيعُ الْأُمَمِ الْمُهْلِكَةِ قَدْ قَامَتْ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ وَحَصَلَ لَهُمُ الْبَيَانُ- لِأَنَّ آيَةَ ثَمُودَ آيَةٌ بَاهِرَةٌ، قَدْ رَآهَا صَغِيرُهُمْ وَكَبِيرُهُمْ وَذَكَرُهُمْ وَأُنْثَاهُمْ، وَكَانَتْ آيَةً مُبْصِرَةً فَلِهَذَا؛ خَصَّهُمْ بِزِيَادَةِ الْبَيَانِ وَالْهُدَى.

وَلَكِنَّهُمْ -مِنْ ظُلْمِهِمْ وَشَرِّهِمْ- اسْتَحَبُّوا الْعَمَى -الَّذِي هُوَ: الْكُفْرُ وَالضَّلَالُ- عَلَى الْهُدَى -الَّذِي هُوَ: الْعِلْمُ وَالْإِيمَانُ- {فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} لَا ظُلْمًا مِنَ اللَّهِ لَهُمْ.

{وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} أَيْ نَجَّى اللَّهُ صَالِحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ وَمَنِ تَبِعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، الْمُتَّقِينَ لِلشِّرْكِ وَالْمَعَاصِي.

الشيخ : أحسنتَ.

القارئ : {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ} [فصلت:19]

الشيخ : نعم بعده.