بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة فصِّلت
الدَّرس: الرَّابع
*** *** ***
– القارئ : أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ:
وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ * فَإِن يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ [فصلت:19-24]
– الشيخ : إلى هنا، سبحان الله، سبحان الله العظيم.
قولُهُ تعالى: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ} {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ} يعني: واذكرُوا ذلكَ اليومَ الشديدَ الهَوْلِ، {يَوْمَ يُحْشَرُ} يعني: يُجمَعُ ويُسَاقُ {يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ} أعداءُ اللهِ هم الكافرون، أعداءُ الرسل، الـمُكذِّبون لرسلِ اللهِ هؤلاءِ أعداءُ اللهِ.
الناسُ صِنْفانِ: أولياءُ اللهِ المؤمنون المتقون، أعداءُ الله هم الكافرون، هم الكفار هم أعداءُ الله وأعداءُ رسله، يُحشَرُون يوم القيامة إلى النارِ {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا} [الزمر:71] {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} [الإسراء:97]
{يُحْشَرُ أَعْدَاء اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ} يُذَادُون ويُسَاقُون، لا إله إلا الله {حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا} {حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا} يعني: حتى إذا جَاؤُوهَا،
– طالب: {حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا}
– الشيخ : أنا أيش قلت؟
– طالب: مَا جَاؤُوهَا
– الشيخ : {حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا} {حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا} "ما" {حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا} "ما" يقولُ أهل اللغةِ: هذهِ زائدةٌ للتأكيدِ. المعنى: "حتى إذا جَاؤُوهَا"، {حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ} لعلَّ المعنى أنَّها تشهدُ عليهم آذانُهم، جوارحُهم، وأعينُهم، كما تشهدُ عليهِم أيديهِم وأرجلُهم، كما في الآياتِ الأُخَرى، إذاً تشهدُ عليهم جوارحُهم أيديهم وأرجلُهم وأعينُهم وآذانُهم وجلودُهم في هذه الآية: {حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} يَشهدونَ عليهم بأعمالِهم، يقولونَ: عملُوا كذا، وعملتُم كذا، وعملُوا كذا {بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} {وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
{وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا} سبحان الله! ينكرونَ كيفَ جلودُهم..، أنتم جلودُنا تشهدونَ علينا! أيدينا وتشهدونَ علينا! أرجلُنا وتشهدونَ! {لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ} اللهُ أنطقَهم {أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ}، {أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} فكلُّ ناطقٍ فإنَّما أنطقَهُ اللهُ، {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} نعم اقرأ. اقرأ الآية.
– القارئ : {أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ}
– الشيخ : {وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} {وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} هو خالقُكم هو الذي بدأَ خَلْقَكُم {وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} وقد رجعُوا إلى اللهِ، وهو جازيهِم بأعمالِهم.
{وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ} {وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُم وَلَكِن ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ} يظنُّونَ أنَّ أعمالَهم تَخْفَى على اللهِ، {وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ} واللهُ تعالى عليمٌ بكلِّ شيءٍ، يَعلمُ أعمالَ العبادِ، سِرَّهَا وعلانيتَها، ظاهرَها وباطنَها، قليلَها وكثيرَها، ولهذا يُنَبِّئُهُمُ اللهُ يومَ القيامةِ بما كانوا يعملونَ {ثمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزمر:7]
{وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ} ظَنُّكُمُ السَّيءُ {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ} هو الذي أردَاكُم وأصارَكُم إلى هذا الـمصيرِ البائسِ {أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ} {خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر:15] {فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ}.
قال الله: {فَإِن يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ} أيُّ فائدةٍ في هذا الصبرِ؟! {فَإِن يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ}، {فَاصْبِرُوا} -كما في الآية الأخرى- {فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ} [الطور:16] صبرتُم أو لمْ تصبرُوا سِيَّانِ، المصيرُ والمثوى والمستقرُّ جهنَّمُ {فاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاء عَلَيْكُمْ} {فَإِن يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ} ما هم بمقبولٍ لهم عُذرٌ، لا يَعتذرونَ ولا يُقْبَلُ لهمْ عذرٌ. إلى آخره.
(تفسيرُ السعدي)
– القارئ : أحسنَ الله إليك، بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالَمين، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، قالَ الشيخُ عبدُ الرحمن السعدي رحمَه الله تعالى في تفسيرِ قولِ الله تعالى: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ} الآيات.
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ أَعْدَائِهِ الَّذِينَ بَارَزُوهُ بِالْكُفْرِ بِهِ وَبِآيَاتِهِ وَتَكْذِيبِ رُسُلِهِ وَمُعَادَاتِهِمْ وَمُحَارَبَتِهِمْ، وَحَالِهِمِ الشَّنِيعَةِ حِينَ يُحْشَرُونَ، أَيْ: يُجْمَعُونَ، {إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ} أَيْ: يُرَدُّ أَوَّلُهُمْ عَلَى آخِرِهِمْ، وَيَتَّبِعُ آخِرُهُمْ أَوَّلَهُمْ، وَيُسَاقُونَ إِلَيْهَا سَوْقًا عَنِيفًا
– الشيخ : أعوذُ بالله
– القارئ : لَا يَسْتَطِيعُونَ امْتِنَاعًا، وَلَا يَنْصُرُونَ أَنْفُسَهُمْ
– الشيخ : أعوذُ باللهِ، أعوذُ باللهِ، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله.
– القارئ : وَلَا يَنْصُرُونَ أَنْفُسَهُمْ، وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ.
{حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا} أَيْ: حَتَّى إِذَا وَرَدُوا عَلَى النَّارِ، وَأَرَادُوا الْإِنْكَارَ، أَوْ أَنْكَرُوا مَا عَمِلُوهُ مِنَ الْمَعَاصِي، {شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ} عُمُومٌ بَعْدَ خُصُوصٍ.
– الشيخ : كأنَّ الشيخَ يريدُ {وَجُلُودُهُمْ} جعلوها..، {وَجُلُودُهُمْ} تعمُّ جوارحَهم كلَّها، {وَجُلُودُهُمْ} تعمُّ جوارحَهم كلَّها. ولهذا قال "عُمُومٌ بَعْدَ خُصُوصٍ".
– القارئ : {بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} أَيْ: شَهِدَ عَلَيْهِمْ كُلُّ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِمْ، فَكُلُّ عُضْوٍ يَقُولُ: أَنَا فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، يَوْمَ كَذَا وَكَذَا. وَخَصَّ هَذِهِ الْأَعْضَاءَ الثَّلَاثَةَ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الذُّنُوبِ إِنَّمَا تَقَعُ بِهَا أَوْ بِسَبَبِهَا.
– الشيخ : الله المستعان، لا إله إلا الله.
– القارئ : فَإِذَا شَهِدَتْ عَلَيْهِمْ عَاتَبُوهَا، {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ} هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الشَّهَادَةَ تَقَعُ مِنْ كُلِّ عُضْوٍ -كَمَا ذَكَرْنَا- {لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا} وَنَحْنُ نُدَافِعُ عَنْكُنَّ؟ {قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} فَلَيْسَ فِي إِمْكَانِنَا الِامْتِنَاعُ عَنِ الشَّهَادَةِ حِينَ أَنْطَقَنَا الَّذِي لَا يَسْتَعْصِي شيءٌ عَنْ مَشِيئَتِهِ.
{وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} فكما خلقكم بذواتكم وأجسامكم، خلق أيضا صفاتكم، ومِن ذلك: الإنطاق. {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} في الآخرة، فيجزيكم
– الشيخ : اصبر، اصبر، {قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} يعني لعلَّ هذه في الجملةِ -والله أعلم- جملةٌ مُسْتَأنَفَةٌ، {وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ} هذا كلامٌ مُستأنَفٌ، ليسَ مِن كلامِ الجُلُودِ، {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} انتهى. كانَ هذا آخرُ الكلامِ للجلودِ، ثمَّ استُئْنِفَ الكلامُ: {وَهُوَ خَلَقَكُمْ} أيُّها الكفارُ، يعني صارَ فيهِ التفاتٌ لهم وخطابٌ لهم في هذه الدنيا: {وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} يومَ القيامةِ {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.
– القارئ : {وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} فَكَمَا خَلَقَكُمْ بِذَوَاتِكُمْ وَأَجْسَامِكُمْ، خَلَقَ أَيْضًا صِفَاتِكُمْ، وَمِنْ ذَلِكَ: الْإِنْطَاقُ. {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} فِي الْآخِرَةِ، فَيَجْزِيكُمْ بِمَا عَمِلْتُمْ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ: الِاسْتِدْلَالُ عَلَى الْبَعْثِ بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ كَمَا هُوَ طَرِيقَةُ الْقُرْآنِ.
{وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ} أَيْ: وَمَا كُنْتُمْ تَخْتَفُونَ عَنْ شَهَادَةِ أَعْضَائِكُمْ
– الشيخ : "تَخْتَفُونَ" ولَّا "تَسْتَخْفُونَ"؟
– القارئ : لا، "تَخْتَفُونَ"
– الشيخ : "تَخْتَفُونَ"، طيّب، {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ} يناسبُها: "تَسْتَخْفُونَ"، "تَسْتَخْفُونَ".
– القارئ : وَلَا تُحَاذِرُونَ مِنْ ذَلِكَ. {وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ} بِإِقْدَامِكُمْ عَلَى الْمَعَاصِي {أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ} فَلِذَلِكَ صَدَرَ مِنْكُمْ مَا صَدَرَ، وَهَذَا الظَّنُّ صَارَ سَبَبَ هَلَاكِهِمْ وَشَقَائِهِمْ وَلِهَذَا قَالَ: {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ} الظَّنُّ السَّيِّئُ، حَيْثُ ظَنَنْتُمْ بِهِ مَا لَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ. {أَرْدَاكُمْ} أَيْ: أَهْلَكَكُمْ {فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} لِأَنْفُسِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَأَدْيَانِهِمْ بِسَبَبِ الْأَعْمَالِ الَّتِي أَوْجَبَهَا لَكُمْ ظَنُّكُمُ الْقَبِيحُ بِرَبِّكُمْ، فَحَقَّتْ عَلَيْكُمْ كَلِمَةُ الْعِقَابِ وَالشَّقَاءِ، وَوَجَبَ عَلَيْكُمُ الْخُلُودُ الدَّائِمُ فِي الْعَذَابِ،
– الشيخ : أعوذ بالله من الشِّقوة، أعوذ بالله من الشِّقوة.
– القارئ : الذي لا يَفْتُرُ عنهم ساعةً:
{فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ} فَلَا جَلَدَ عَلَيْهَا وَلَا صَبْرَ، وَكُلُّ حَالَةٍ قُدِّرَ إِمْكَانُ الصَّبْرِ عَلَيْهَا، فَالنَّارُ لَا يُمْكِنُ الصَّبْرُ عَلَيْهَا، وَكَيْفَ الصَّبْرُ عَلَى نَارٍ قَدِ اشْتَدَّ حَرُّهَا، وَزَادَتْ عَلَى نَارِ الدُّنْيَا، بِسَبْعِينَ ضِعْفًا، وَعَظُمَ غَلَيَانُ حَمِيمِهَا،
– الشيخ : أعوذُ بالله مِن النار، أعوذُ بالله مِن النار.
– القارئ : وَزَادَ نَتِنُ صَدِيدِهَا، وَتَضَاعَفَ بَرْدُ زَمْهَرِيرِهَا
– الشيخ : اللهمَّ سلِّم سلِّم، نسألُ اللهَ لنا ولكم..، النَّجاة النَّجاة، يا سلام سلِّم سلِّم.
– القارئ : وَعَظُمَتْ سَلَاسِلُهَا وَأَغْلَالُهَا، وَكَبُرَتْ مَقَامِعُهَا، وَغَلُظَ خُزَّانُهَا، وَزَالَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ رَحْمَتِهِمْ؟ وَخِتَامُ ذَلِكَ سَخْطُ الْجَبَّارِ، وَقَوْلُهُ لَهُمْ حِينَ يَدْعُونَهُ وَيَسْتَغِيثُونَ: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:108]
{وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا} أَيْ: يَطْلُبُوا أَنْ يُزَالَ عَنْهُمُ الْعَتْبُ، فيَرْجِعُوا إِلَى الدُّنْيَا؛ لِيَسْتَأْنِفُوا الْعَمَلَ. {فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ} لِأَنَّهُ ذَهَبَ وَقْتُهُ، وَعَمَّرُوا مَا يُعَمِّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَهُمُ النَّذِيرُ وَانْقَطَعَتْ حُجَّتُهُمْ، مَعَ أَنَّ اسْتِعْتَابَهُمْ، كَذِبٌ مِنْهُمْ {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}.
انتهى.