بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الشُّورى
الدَّرس: الأوَّل
*** *** ***
– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ، بِسْـــــمِ اللَّــهِ الرَّحْمَــــنِ الرَّحِيــــــمِ
حم (1) عسق (2) كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (4) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5) وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ [الشورى:1-6]
– الشيخ : إلى هنا
– القارئ : عفا اللهُ عنك
– الشيخ : لا إله إلَّا الله. الحمدُ للهِ، هذه سورةُ الشورى وهيَ مكِّيَّةٌ، وافتُتِحَت بخمسةِ حروفٍ من الحروفِ المقطَّعةِ {حم (1) عسق} {حم (1) عسق (2) كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} يعني: يُوحي اللهُ، يوحي إليك بما شاءَ كما أوحى إلى من قبلِك {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا} [النساء:163] في الآية الأخرى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ} [النساء:163] وفي آخرِ هذه السُّورةِ: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ} [الشورى:51] {كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} فهو العزيزُ وكتابُه عزيزٌ، وكتابُه حكيمٌ.
{اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} هي ملكُه، السمواتُ والأرضُ ومن فيهنَّ هي ملكُهُ؛ لأنَّه خالقُها ومُدبِّرها بعزَّتِه وحكمته تعالى: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} في إثباتِ علوِّه فله العلوُّ بكلِّ معانيه: ذاتاً وقدراً وقهراً، وهو العظيمُ الَّذي لا أعظمَ منه، {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} ومن عظمتِه أنَّه تخافُه الملائكةُ.
{تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} لا يفترونَ، لا يفترونَ من التَّسبيحِ يُسبِّحون اللَّيلَ والنَّهارَ لا يفترون، يسبِّحونَ الليلَ والنهار وهم لا يسأمون {يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ} [فصلت:38] {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الأَرْضِ} يستغفرون للمؤمنين خاصَّةً، يستغفرون للمؤمنين كما تقدَّمَ، {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا} [غافر:7] فقوله: { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الأَرْضِ} يعني: من المؤمنين، يستغفرون للمؤمنين عامَّةً، ويستغفرون لمن شاءَ اللهُ من عبادِه ومن أخذَ بأسبابِ المغفرةِ، يستغفرون {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الأَرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} فاللهُ غفورٌ ورحيمٌ، واستغفارُ الملائكةِ هو من أسبابِ مغفرةِ الله للمؤمنين فاللهُ يغفرُ للمؤمنين بمحضِ مشيئتِه، ويغفرُ للمؤمنين باستغفارِهم، ويغفرُ للمؤمنين باستغفارِ الملائكة كذلك، { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الأَرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}
ثمَّ قال: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَولِيَاء} الَّذين اتَّخذوا من دونِ اللهِ آلهةً يعبدونهم وأئمةً يتبعونهم ويُطيعونهم بغير الحقِّ {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَولِيَاء} فاللهُ هو الوليُّ … {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الأَرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5) وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَولِيَاء اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ} {اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ} يعني: مُحصٍ عليهم أعمالَهم وهو رقيبٌ عليهم لا يخفى عليه من أمرهم خافية.
{وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ} وهو على كلِّ شيءٍ وكيلٌ، فهو المُتصرِّفُ في خلقه بما شاءَ، لا يُعجزهُ شيءٌ {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الأَرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5) وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَولِيَاء اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ} وما أنتَ أيُّها الرسولُ، وما أنتَ أيُّها الرسولُ عليهم بوكيلٍ، بل اللهُ هو الوكيلُ عليهم المتصرِّف بأمرهم يهدي من يشاءُ ويُضلُّ من يشاءُ، فيبسطُ الرزقَ لمن يشاءُ ويقدرُ ويخفضُ ويرفعُ بحكمتِه وعزَّتِه.
(تفسيرُ السَّعديِّ):
– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى-:
تفسيرُ سورةِ الشُّورى وهيَ مكِّيَّةٌ.
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حم} الآياتَ.
يُخبرُ تعالى أنَّهُ أوحى هذا القرآنَ العظيمَ إلى النَّبيِّ الكريمِ، كما أوحى إلى مَن قبلَهُ مِن الأنبياءِ والمُرسَلِينَ، ففيهِ بيانُ فضلِهِ، بإنزالِ الكتبِ، وإرسالُ الرُّسلِ، سابقاً ولاحقاً
– الشيخ : يعني: فضلُ اللهِ على العبادِ، فيه فضلُ اللهِ، تفكيرُ العبادِ بفضله عليهم بإرسالِ الرسلِ وإنزالِ الكتب.
– القارئ : وإرسالِ الرُّسلِ، سابقاً ولاحقاً، وأنَّ محمَّداً -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- ليسَ ببدعٍ مِن الرُّسلِ، وأنَّ طريقتَهُ طريقةُ مَن قبلَهُ، وأحوالَهُ تناسبُ أحوالَ مَن قبلَهُ مِن المرسلينَ. وما جاءَ بهِ يشابهُ ما جاؤُوا بهِ؛ لأنَّ الجميعَ حقٌّ وصدقٌ، وهوَ تنزيلُ مَن اتَّصَفَ بالألوهيَّةِ والعزَّةِ العظيمةِ والحكمةِ البالغةِ، وأنَّ جميعَ العالمِ العلويِّ والسُّفليِّ ملكُهُ وتحتَ تدبيرِهِ القدريِّ والشَّرعيِّ.
وأنَّهُ {الْعَلِيُّ} بذاتِهِ وقدرِهِ وقهرِهِ. {الْعَظِيمُ} الَّذي مِن عظمتِهِ
{تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ} على عظمِها وكونِها جماداً، {وَالْمَلائِكَةُ} الكرامُ المقرَّبونَ خاضعونَ لعظمتِهِ، مستكينونَ لعزَّتِهِ، مذعنونَ بربوبيَّتِهِ. {يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} ويعظِّمونَهُ عن كلِّ نقصٍ، ويصفونَهُ بكلِّ كمالٍ، {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأرْضِ} عمَّا يصدرُ منهم، ممَّا لا يليقُ بعظمةِ ربِّهم وكبريائِهِ، معَ أنَّهُ تعالى هوَ {الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} الَّذي لولا مغفرتُهُ ورحمتُهُ، لعاجلَ الخلقَ بالعقوبةِ المُستأصِلةِ.
وفي وصفِهِ تعالى بهذهِ الأوصافِ، بعدَ أنْ ذكرَ أنَّهُ أوحى إلى الرُّسلِ كلِّهم عموماً، وإلى محمَّدٍ -صلَّى اللهُ عليهم أجمعينَ- خصوصاً، إشارةٌ إلى أنَّ هذا القرآنَ الكريمَ، فيهِ مِن الأدلَّةِ والبراهينَ، والآياتِ الدَّالَّةِ على كمالِ الباري تعالى، ووصفِهِ بهذهِ الأسماءِ العظيمةِ الموجبةِ لامتلاءِ القلوبِ مِن معرفتِهِ ومحبَّتِهِ وتعظيمِهِ وإجلالِهِ وإكرامِهِ، وصرفِ جميعِ أنواعِ العبوديَّةِ الظَّاهرةِ والباطنةِ لهُ تعالى، وأنَّ مِن أكبرِ الظُّلمِ وأفحشِ القولِ، اتِّخاذَ أندادٍ للَّهِ مِن دونِهِ، ليسَ بيدِهم نفعٌ ولا ضررٌ، بل هم مخلوقونَ مفتقرونَ إلى اللهِ في جميعِ أحوالِهم، ولهذا عقَّبَهُ بقولِهِ: { وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ }
يتولَّونَهم بالعبادةِ والطَّاعةِ، كما يعبدونَ اللهَ ويُطيعونَهُ، فإنَّما اتَّخذُوا الباطلَ، وليسُوا بأولياءٍ على الحقيقةِ. {اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ} يحفظُ عليهم أعمالَهم، فيجازيهم بخيرِها وشرِّها. {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} فتسألُ عن أعمالِهم، وإنَّما أنتَ مُبلِّغٌ أدَّيْتَ وظيفتَكَ. ثمَّ ذكَرَ مِنَّتَهُ على رسولِهِ وعلى النَّاسِ، حيثُ أنزلَ اللهُ {قُرْآنًا عَرَبِيًّا} بينَ
– الشيخ : إلى آخرِ الآيات، قفْ عندها.