الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الشورى/(6) من قوله تعالى {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده} الآية 25 إلى قوله تعالى {وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا} الآية 28
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(6) من قوله تعالى {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده} الآية 25 إلى قوله تعالى {وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا} الآية 28

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الشُّورى

الدَّرس: السَّادس

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذ باللهِ مِن الشيطانِ الرجيمِ

وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ * وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ * وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ * وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ [الشورى:25-28]

الشيخ : إلى هنا يا أخي، سبحان الله العظيم، لا إله إلا الله.

في هذه الآيات يُثني اللهُ تعالى على نفسِهِ، ويَمْتَنُّ على عبادِه بعفوِه وتوبتِه واستجابتِه {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} فإذا تابوا من ذنوبِهم توبةً نصوحةً تابَ الله عليهم، {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه:82] {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ} فاللهُ تعالى يغفر لعبادِه تارةً إذا تابوا إليه، وتارةً يغفرُ لهم بمحضِ كرمِه ورحمتِه {وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ}.

{وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} يعلمُ أفعالَ عبادِه قليلِها وكثيرِها صغيرِها وكبيرِها، كلُّ ذلكَ معلومٌ ومحفوظٌ {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ}.

{وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} يَسْتَجِيبُ لهم، يَسْتَجِيبُ دعاءَهم، ويقبلُ أعمالَهم الصالحة {وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} يَسْتَجِيبُ لهم الدعاءَ، ويقبلُ منهم العمل {وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ}، {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ} [الحديد:11] {وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} أعوذ بالله، فتضمَّنَتْ هذه الآية الوعدَ والوعيد، الوعدَ للمؤمنين التائبين الصادقين، والوعيدَ للكافرين، {وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ}.

قال تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ} أكثرُ الناس إذا وَسَّعَ اللهُ عليهم في أمرِ الدنيا بَغَوا وطغَوا وكفروا النعمةَ، ولكنه تعالى يُدبِّرُ أمرَ عبادِه، {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} وله في كلِّ ذلك حكمةٌ بالغةٌ، {وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ} يُنَزِّلُ الغيثَ بالقَدَرِ الذي يشاءُه وله فيه الحكمةُ البالغةُ {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ} فكلُّ أمرِ العباد إلى الله يُعطي ويَمنَعُ ويَخفِضُ ويَرفعُ ويُعِزُّ ويُذِلُّ، لا مُعقِّبَ لحكمِه، ولا رادَّ لقضائِه، {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:23] {إِنَّ اللهَ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ}، هو أعلم بعبادِه، يعلم حقائقَهم ونياتِهم وما يصلحهُم.

ثم قال: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ} أيضاً هذا ثناءٌ من الله على نفسِه، وامتنانٌ منه على عبادِه بهذه النعمة نعمةِ الغيث، التي تَنشأُ عنها الأرزاق، {وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ} [البقرة:22] وليس هذا مختصاً بما ينبتُ في الصحاري من الأعشاب، بل هذا شاملٌ لكلِّ ما يحصل وينشأُ من الماءِ مما للناسِ فيه تسبُّبٌ وما ليسَ للناس فيه تسببٌ، {وَنَزَّلْنَا} لاحظ {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ} [ق:9،10] فجعلَ هذه الجنَّات والبساتين والأشجار والنَّخيل كلُّها ناشئة بسببِ ذلك الماءِ المباركِ النازلِ من السماء، فالماءُ ينزلُ فَيَسْلُكُهُ اللهُ في الأرض ينابيعَ، هذه الأنهار الجارية الواسعة هذه ناشئةٌ عن الأمطار لها منابعُ تنزل عليها أمطارٌ عظيمةٌ فتجري بدوامٍ باستمرارٍ، وكذلك المياه التي يستخرجُها الناس من الآبار هي ناشئةٌ من الماء النازلِ من السماء، هذا أمرٌ معروفٌ.

{وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا} كثيراً ما يأتي الغيثُ بعدَ قَحْطٍ وجَدْبٍ وتأخُّرٍ، فيحصل عند الناس قنوطٌ ويأسٌ، فيأتي الغيثُ رحمةً فيستبشرُ به الناسُ، {فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [الروم:48]، {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ}.

 

(تفسير السعدي)

القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين، قالَ الشيخُ عبدُ الرحمن السَّعدي رحمه الله تعالى

الشيخ : رحمه الله، ورحمنا وإياه، لا إله إلا الله.

القارئ : في تفسير قول الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} الآيات:

هَذَا بَيَانٌ لِكَمَالِ كَرَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَسَعَةِ جُودِهِ وَتَمَامِ لُطْفِهِ، إذ يَقبلُ التَّوْبَةِ الصَّادِرَةِ مِنْ عِبَادِهِ حِينَ يُقْلِعُونَ عَنْ ذُنُوبِهِمْ وَيَنْدَمُونَ عَلَيْهَا، وَيَعْزِمُونَ عَلَى أَنْ لَا يُعَاوِدُوهَا، إِذَا قَصَدُوا بِذَلِكَ وَجْهَ رَبِّهِمْ فَإِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُهَا بَعْدَ مَا انْعَقَدَتْ سَبَبًا لِلْهَلَاكِ، وَوُقُوعِ الْعُقُوبَاتِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالدِّينِيَّةِ.

{وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ} وَيَمْحُوهَا وَيَمْحُو أَثَرَهَا مِنَ الْعُيُوبِ وَمَا اقْتَضَتْهُ مِنَ الْعُقُوبَاتِ، وَيُعُودُ التَّائِبُ عِنْدَهُ كَرِيمًا، كَأَنَّهُ مَا عَمِلَ سُوءًا قَطْ، وَيُحِبُّهُ وَيُوَفِّقُهُ لِمَا يُقَرِّبُهِ إِلَيْهِ.

وَلَمَّا كَانَتِ التَّوْبَةُ مِنَ الْأَعْمَالِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي قَدْ تَكُونُ كَامِلَةً بِسَبَبِ تَمَامِ الْإِخْلَاصِ وَالصِّدْقِ فِيهَا، وَقَدْ تَكُونُ نَاقِصَةً عِنْدَ نَقْصِهِمَا، وَقَدْ تَكُونُ فَاسِدَةً إِذَا كَانَ الْقَصْدُ مِنْهَا بُلُوغَ غَرَضٍ مِنَ الْأَغْرَاضِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَكَانَ مَحَلُّ ذَلِكَ الْقَلْبَ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، خَتَمَ هَذِهِ الْآيَةَ بِقَوْلِهِ: {وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} فَاللَّهُ تَعَالَى دَعَا جَمِيعَ الْعِبَادِ إِلَى الْإِنَابَةِ إِلَيْهِ وَالتَّوْبَةِ مِنَ التَّقْصِيرِ، فَانْقَسَمُوا -بِحَسَبِ الِاسْتِجَابَةِ لَهُ- إِلَى قِسْمَيْنِ: مُسْتَجِيبِينَ وَصَفَهُمْ بِقَوْلِهِ: {وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أَيْ: يَسْتَجِيبُونَ لِرَبِّهِمْ لِمَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ، وَيَنْقَادُونَ لَهُ وَيُلَبُّونَ دَعْوَتَهُ؛ لِأَنَّ مَا مَعَهُمْ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ يَحْمِلُهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَإِذَا اسْتَجَابُوا لَهُ، شَكَرَ اللَّهُ لَهُمْ، {وَهُوَ الْغَفُورُ الشَّكُورُ}.

{وَيَزِيْدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} تَوْفِيقًا وَنَشَاطًا عَلَى الْعَمَلِ، وَزَادَهُمْ مُضَاعَفَةً فِي الْأَجْرِ زِيَادَةً عَنْ مَا تَسْتَحِقُّهُ أَعْمَالُهُمْ مِنَ الثَّوَابِ وَالْفَوْزِ الْعَظِيمِ.

وَأَمَّا غَيْرُ الْمُسْتَجِيبِينَ لِلَّهِ وَهُمُ الْمُعَانِدُونَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِهِ وَبِرُسُلِهِ، فَـإنهم {لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ مِنْ لُطْفِهِ بِعِبَادِهِ، أَنَّهُ لَا يُوَسِّعُ عَلَيْهِمُ الدُّنْيَا سِعَةً، تَضُرُّ بِأَدْيَانِهِمْ فَقَالَ: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ} أَيْ: لَغَفَلُوا عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ،

الشيخ : شوف [انظر] لنا هذه الآية عند ابن كثير {وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}.

القارئ : وَأَقْبَلُوا عَلَى التَّمَتُّعِ بِشَهَوَاتِ الدُّنْيَا، فَأَوْجَبَتْ لَهُمُ الْإِكْبَابَ عَلَى مَا تَشْتَهِيهِ نُفُوسُهُمْ، وَلَوْ كَانَ مَعْصِيَةً وَظُلْمًا.

{وَلَكِنْ يُنزلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ} بحسبِ

الشيخ : أعد أعد، {وَلَوْ بَسَطَ}

القارئ : ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ مِنْ لُطْفِهِ بِعِبَادِهِ، أَنَّهُ لَا يُوَسِّعُ عَلَيْهِمُ الدُّنْيَا سِعَةً، تَضُرُّ بِأَدْيَانِهِمْ فَقَالَ:

الشيخ : هذا معلومٌ أنه بالنسبة لبعضِ العباد، منهم مَن يَبتليهِ بالبَسْطِ ويَصُبُّ عليه حظوظَ الدنيا العاجلة؛ استدراجاً، ومنهم مَن يلطفُ به ويمنعُه، يمنعُه من الأمور التي يمكن أنْ تضرَّه، فلا يبسطُ عليه الرزقَ؛ حتى لا يَطغى.

 

القارئ : فقال: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأرْضِ} أَيْ: لَغَفَلُوا عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ، وَأَقْبَلُوا عَلَى التَّمَتُّعِ بِشَهَوَاتِ الدُّنْيَا، فَأَوْجَبَتْ لَهُمُ الْإِكْبَابَ عَلَى مَا تَشْتَهِيهِ نُفُوسُهُمْ، وَلَوْ كَانَ مَعْصِيَةً وَظُلْمًا.

{وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ} بِحَسَبِ مَا اقْتَضَاهُ لُطْفُهُ وَحِكْمَتُهُ {إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ} كَمَا فِي بَعْضِ الْآثَارِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: "إِنَّ مِنْ عِبَادِي مَنْ لَا يُصْلِحُ إِيمَانَهُ إِلَّا الْغِنَى، وَلَوْ أَفْقَرْتُهُ لَأَفْسَدَهُ ذَلِكَ، وَإِنَّ مِنْ عِبَادِي مَنْ لَا يُصْلِحُ إِيمَانَهُ إِلَّا الْفَقْرُ، وَلَوْ أَغْنَيْتُهُ لَأَفْسَدَهُ ذَلِكَ، وَإِنَّ مِنْ عِبَادِي مَنْ لَا يُصْلِحُ إِيمَانَهُ إِلَّا الصِّحَّةُ، وَلَوْ أَمْرَضَتْهُ لَأَفْسَدَهُ ذَلِكَ، وَإِنَّ مِنْ عِبَادِي مَنْ لَا يُصْلِحُ إِيمَانَهُ إِلَّا الْمَرَضُ وَلَوْ عَافَيْتُهُ لَأَفْسَدَهُ ذَلِكَ، إِنِّي أُدَبِّرُ أَمْرَ عِبَادِي بِعِلْمِي بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ، إِنِّي خَبِيرٌ بَصِيرٌ".

{وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ} أَيِ: الْمَطَرُ الْغَزِيرُ الَّذِي بِهِ يُغِيثُ الْبِلَادَ وَالْعِبَادَ، {مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا} وَانْقَطَعَ عَنْهُمْ مُدَّةً ظَنُّوا أَنَّهُ لَا يَأْتِيهِمْ، وَأَيَسُوا وَعَمِلُوا لِذَلِكَ الْجَدْبِ أَعْمَالًا فَيُنْزِلُ اللَّهُ الْغَيْثَ {وَيَنْشُرُ بِهِ رَحْمَتَهُ} مِنْ إِخْرَاجِ الْأَقْوَاتِ لِلْآدَمِيِّينَ وَبَهَائِمِهِمْ، فَيَقَعُ عِنْدَهُمْ مَوْقِعًا عَظِيمًا، وَيَسْتَبْشِرُونَ بِذَلِكَ وَيَفْرَحُونَ. {وَهُوَ الْوَلِيُّ} الَّذِي يَتَوَلَّى عِبَادَهُ بِأَنْوَاعِ التَّدْبِيرِ، وَيَتَوَلَّى الْقِيَامَ بِمَصَالِحِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ. {الْحَمِيدُ} فِي وِلَايَتِهِ وَتَدْبِيرِهِ، الْحَمِيدُ عَلَى مَا لَهُ مِنَ الْكَمَالِ، وَمَا أَوْصَلَهُ إِلَى خَلْقِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْإِفْضَالِ. قال الله تعالى..

الشيخ : إلى هنا، انتهت الآية، نعم يا أبو أيوب.

القارئ : قوله تَعَالَى: {وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ} قَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: يَسْتَجِيبُ لَهُمْ، قَالَ ابْنُ جرير: معناهُ: يَسْتَجِيبُ الدعاءَ لهم لأنفسِهم وَلِأَصْحَابِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ، وَحَكَاهُ عَنْ بَعْضِ النُّحَاةِ، وَأَنَّهُ جعلَها كقوله: {فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ} [آلِ عِمْرَانَ: 195]

الشيخ : {فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ}

القارئ : {فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ} ثُمَّ رَوَى هُوَ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ سَبْرَة قال: خطبَنَا معاذ بِالشَّامِ، فَقَالَ: أَنْتُمُ الْمُؤْمِنُونَ، وَأَنْتُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ، والله إني لأرجو أن يُدْخِلَ الله مَنْ تَسْبُونَ مِنْ فَارِسَ وَالرُّومِ الْجَنَّةَ، وَذَلِكَ بِأَنَّ أَحَدَهمْ إِذَا عَمِلَ لَهُ -يَعْنِي أَحَدَهُمْ- عَمَلًا قَالَ: أَحْسَنْتَ رَحِمَكَ اللَّهُ، أَحْسَنْتَ بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ، ثُمَّ قَرَأَ {وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ}.

وَحَكَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّهُ جَعَلَ مثل قَوْلِهِ: وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا كَقَوْلِهِ: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ} [الزُّمَرِ:18] أَيْ هُمُ الَّذِينَ يَسْتَجِيبُونَ لِلْحَقِّ وَيَتَّبِعُونَهُ كَقَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ} [الْأَنْعَامِ: 36] وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ أَظْهَرُ

الشيخ : صح

القارئ : لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} أَيْ يَسْتَجِيبُ دُعَاءَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ فَوْقَ ذَلِكَ. وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُصَفَّى، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْكِنْدِيُّ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} قَالَ: (الشَّفَاعَةُ لِمَنْ وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ مِمَّنْ صَنَعَ إِلَيْهِمْ مَعْرُوفًا فِي الدُّنْيَا).

وَقَالَ قَتَادَةُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ اللَّخْمِيِّ في قوله تعالى: {وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ}، قَالَ: يُشَفَّعُونَ فِي إِخْوَانِهِمْ {وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} قَالَ: يُشَفَّعُونَ في إخوانِ إخوانِهم. وقوله: {وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ}، لَمَّا ذَكَرَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَا لَهُمْ مِنَ الثَّوَابِ الْجَزِيلِ ذَكَرَ الْكَافِرِينَ وَمَا لَهُمْ عِنْدَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْعَذَابِ الشَّدِيدِ الْمُوجِعِ الْمُؤْلِمِ

الشيخ : أعوذ بالله

القارئ : يَوْمَ مَعَادِهِمْ وَحِسَابِهِمْ.

الشيخ : أعوذ بالله، إلى هنا بس [فقط]

{وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا} {الَّذِينَ آمَنُوا} يعني قيلَ: إنَّها الموصول فاعل، يصير: {يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا} يستجيبون لربِّهم، كقولِه تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال:24]  فيكونُ الموصول فاعلاً، {وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ} والأول، القولُ الأول الآخر، أو القول الأول: يستجيبُ اللهُ لهم، فيصيرُ الموصول في محلِ نصبِ معمولٍ لــ "يَسْتَجِيبُ"، قال ابنُ كثير: وهذا أولى، يَسْتَجِيبُ لهم بدليلِ قوله: {وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} [فاطر:30] يَسْتَجِيبُ لهم {وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ}.