الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الشورى/(9) من قوله تعالى {والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون} الآية 39 إلى قوله تعالى {وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله} الآية 46

(9) من قوله تعالى {والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون} الآية 39 إلى قوله تعالى {وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله} الآية 46

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الشُّورى

الدَّرس: التَّاسع

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ

وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (44) وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ (45) وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ [الشورى:39-46]

الشيخ : إلى هنا، الحمدُ للهِ، ومن هؤلاءِ… المؤمنين أنَّهم إذا بُغِيَ عليهم ينتصرون، إذا بُغِيَ عليهم ينتصرون… {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ}

ولكنَّهم إذا انتصروا لا يعتدونَ ولا يظلمون، ينتصرون ويعدلون {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} لا يتجاوزون كما كانَ أهلُ الجاهليَّة إذا اعتُدِيَ عليهم وقُتِلَ منهم قتلُوا من القبيلةَ الأخرى أعداداً ويستهدفون أيَّ فردٍ من القبيلةِ فلا يقفون عن حدِّ العدلِ {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ} فقط.

ثمَّ أرشدَ تعالى إلى العفوِ، فهذهِ ثلاثُ مراتبَ: العدلُ، والعفوُ، والظُّلمُ، فمَن انتقمَ بقدرِ حقِّه فهذا عدلٌ، ومن عفا فهذا فضلٌ، ومن تجاوزَ الحدَّ كانَ ظالماً  {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} ثمَّ قالَ: {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}، وهذا في الحقوق الشَّخصيَّةِ، أمَّا إذا البغي بتعدِّي حدودِ اللهِ، كاعتداءِ الكفَّار على المسلمين، لا، لا بدَّ من الأخذِ بالثَّأرِ والانتصارِ للمسلمين؛ لأنَّه حينئذٍ ليس الانتصارُ للحقِّ الشَّخصيِّ بل انتصارٌ لله، الانتصارُ حينئذٍ للهِ {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}

{وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} مَن انتصرَ مِن الظَّالمِ، ممَّن ظلمَه واعتدى عليه وبغى عليه، فلا سبيلَ عليه يعني: فلا لومَ ولا عقابَ، فلا يُلامُ، ولا يُعاقَبُ، {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ إِنَّمَا السَّبِيلُ} سبيلُ اللَّومِ والانتقامِ من الظَّالمِ {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}

ثمَّ قالَ: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} وهذا ترغيبٌ بالصَّبر ترغيبٌ بالصَّبرِ والمسامحةِ والمغفرةِ، {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}

{وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ} من يُضلُّه اللهُ فلا وليَ له يهديه، فلا هاديَ له، {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ}

ثمَّ قالَ تعالى: {وَتَرَى الظَّالِمِينَ} يومَ القيامةِ، الكفَّار والمشركين {وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ} يتمنَّون العودةَ، الرَّجعةَ إلى الدُّنيا.

{وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ}

{وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا} أي: على النَّارِ {وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ} ذليلين ساكنينَ، مذلَّة وخزي وعار، أعوذُ باللهِ {خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ}

ثمَّ قالَ تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا} يومَ القيامةِ يقولُ المؤمنونَ: {إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا} يعني: إنَّ الْخَاسِرِينَ حقَّاً {الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيم}

{وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ}

 

 (تفسيرُ السَّعديِّ)

القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ} الآياتَ.

{وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ} أي: وصلَ إليهم مِن أعدائِهم {هُمْ يَنْتَصِرُونَ} لقوَّتِهم وعزَّتِهم، ولم يكونُوا أذلَّاءَ عاجزينَ عن الانتصارِ.

فوصفَهم بالإيمانِ، والتَّوكُّلِ على اللهِ، واجتنابِ الكبائر والفواحشِ الَّذي تُكفَّرُ بهِ الصَّغائرُ

الشيخ : لقولِهِ تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء:31]

القارئ : والانقيادِ التَّامِّ، والاستجابةِ لربِّهم، وإقامةِ الصَّلاةِ، والإنفاقِ في وجوهِ الإحسانِ، والمشاورةِ في أمورِهم، والقوَّةِ والانتصارِ على أعدائِهم، فهذهِ خصالُ الكمالِ قد جمعُوها، ويلزمُ مِن قيامِها فيهم، فعلُ ما هوَ دونَها، وانتفاءُ ضدِّها.

قالَ اللهُ: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} الآياتَ.

ذكرَ اللهُ في هذهِ الآيةِ، مراتبَ العقوباتِ، وأنَّها على ثلاثِ مراتبَ: عدلٌ وفضلٌ وظلمٌ.

فمرتبةُ العدلِ، جزاءُ السَّيِّئةِ بسيِّئةٍ مثلِها، لا زيادةَ ولا نقصَ، فالنَّفسُ بالنَّفسِ، وكلُّ جارحةٍ بالجارحةِ المماثلةِ لها، والمالُ يُضمَنُ بمثلِهِ.

ومرتبةُ الفضلِ: العفو والإصلاحُ عن المُسيءِ، ولهذا

الشيخ : {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:134]

 

القارئ : ومرتبةُ الفضلِ: العفو والإصلاحُ عن المُسيءِ، ولهذا قالَ: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} يجزيهِ أجراً عظيماً، وثواباً كثيراً

الشيخ : لكن يجبُ أن يكونَ العفو والمسامحةُ كأيِّ عملٍ صالحٍ يُفعَلُ ابتغاءَ وجهِ اللهِ، لا طلباً للمحمدة، ولا تحتَ الضغوط، الآن يحصلُ إذا حصلَ على أحدٍ عدوانٌ واستحقَّ القصاصَ يأتي إليه الناسُ ويطالبونه بالمسامحة ويلحّون عليه ويؤذونه، هذا لا يصلحُ، ما يصلحُ أن يلحّوا عليه ويضغطوا حتَّى يعفوَ ويتنازلَ على كُرهٍ، هذا ليسَ بعفوٍ ولا تبرأُ ذمَّةُ المعتدي الجاني، يعني يُطلَبُ منه بطريقةِ العرضِ والتَّرغيبِ: "جزاك اللهُ خيراً" وما أشبهَ ذلك، أمَّا إلحاحٌ وإلحاحٌ من أعدادٍ من الناس، هذا يؤدّي إلى تفويتِ الحقِّ.

 

القارئ : وشرطَ اللهُ في العفوِ الإصلاحُ فيهِ، ليدلَّ ذلكَ على أنَّهُ إذا كانَ الجاني لا يليقُ العفوُ عنهُ، وكانَتْ المصلحةُ الشَّرعيَّةُ تقتضي عقوبتَهُ، فإنَّهُ في هذهِ الحالِ لا يكونُ مأموراً بهِ.

وفي جعلِ أجرِ العافي على اللهِ ما يُهيجُ على العفوِ، وأنْ يعاملَ العبدُ الخلقَ بما يحبُّ أنْ يعاملَهُ اللهُ بهِ، فكما يحبُّ أنْ يعفوَ اللهُ عنهُ، فَلْيَعْفُ عنهم، وكما يحبُّ أنْ يسامحَهُ اللهُ، فليسامحْهم، فإنَّ الجزاءَ مِن جنسِ العملِ.

وأمَّا مرتبةُ الظُّلمِ فقد ذكرَها بقولِهِ: {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} الَّذينَ يجنونَ على غيرِهم ابتداءً، أو يقابلونَ الجاني بأكثرَ مِن جنايتِهِ، فالزِّيادةُ ظلمٌ.

{وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ} أي: انتصرَ ممَّن ظلمَهُ بعدَ وقوعِ الظُّلمِ عليهِ {فَأُولَئِكَ

الشيخ : هذه من نوعِ {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} يعني ما يُقالُ: "ليش [لماذا] ما عفا؟" ويُلام يُلام: "ليش ما عفا؟" لا، لا لومَ عليه، مَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ بعدلٍ لا بظلمٍ هذا لا يتوجَّهُ إليه لومٌ ولا عَتْبٌ ولا يجوزُ أن يُذَمَّ، يُذَمّ بذلك، له الحقُّ أن ينتقمَ لنفسه وأن ينتصرَ لنفسِه {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} ليس لأحدٍ عليه سبيلٌ يلومُه.

 

القارئ : {فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} أي: لا حرجَ عليهم في ذلكَ.

ودلَّ قولُهُ: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ} وقولُهُ: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ} أنَّهُ لا بدَّ مِن إصابةِ البغيِ والظُّلمِ ووقوعِهِ.

وأمَّا إرادةُ البغيِ على الغيرِ، وإرادةُ ظلمِهِ مِن غيرِ أنْ يقعَ منهُ شيءٌ، فهذا لا يُجازَى بمثلِهِ، وإنَّما يُؤدَّبُ تأديباً يردعُهُ عن قولٍ أو فعلٍ صدرَ منهُ.

{إِنَّمَا السَّبِيلُ} أي: إنَّما تتوجَّهُ الحجَّةُ بالعقوبةِ الشَّرعيَّةِ {عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} وهذا شاملٌ للظُّلمِ والبغيِ على النَّاسِ، في دمائِهم وأموالِهم وأعراضِهم. {أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي: موجِعٌ للقلوبِ والأبدانِ، بحسبِ ظلمِهم وبغيِهم.

{وَلَمَنْ صَبَرَ} على ما ينالُهُ مِن أذى الخلقِ {وَغَفَرَ} لهم، بأنْ سمحَ لهم عمَّا يصدرُ منهم، {إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمُورِ} أي: لمِن الأمورِ الَّتي حثَّ اللهُ عليها وأكَّدَها، وأخبرَ أنَّهُ لا يُلقَّاها إلَّا أهلُ الصَّبرِ والحظوظِ العظيمةِ، ومِن الأمورِ الَّتي لا يُوفَّقُ لها إلَّا أولو العزائمِ والهممِ، وذوو الألبابِ والبصائرِ.

فإنَّ تركَ الانتصارِ للنَّفسِ بالقولِ أو الفعلِ، مِن أشقِّ شيءٍ عليها، والصَّبرَ على الأذى، والصَّفحَ عنه، ومغفرتَهُ، ومقابلتَهُ بالإحسانِ، أشقُّ وأشقُّ، ولكنَّهُ يسيرٌ على مَن يسَّرَهُ اللهُ عليهِ، وجاهدَ نفسَهُ على الاتِّصافِ بهِ، واستعانَ اللهَ على ذلكَ، ثمَّ إذا ذاقَ العبدُ حلاوتَهُ، ووجدَ آثارَهُ، تلقَّاهُ برحبِ الصَّدرِ، وسعةِ الخلقِ، والتَّلذُّذِ فيهِ.

انتهى {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ}

الشيخ : قرأْنا هذا، كمّل شوي

القارئ : قالَ اللهُ تعالى: {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ} الآياتَ.

يخبرُ تعالى أنَّهُ المنفردُ بالهدايةِ والإضلالِ، وأنَّهُ {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ} بسببِ ظلمِهِ {فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ} يتولَّى أمرَهُ ويهديهُ.

{وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ} مرأىً ومنظراً فظيعاً، صعباً شنيعاً، يُظهرونَ النَّدمَ العظيمَ، والحزنَ على ما سلفَ منهم، و {يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ} أي: هل لنا طريقٌ أو حيلةٌ إلى رجوعِنا إلى الدُّنيا؛ لنعملَ غيرَ الَّذي كنَّا نعملُ؟ وهذا طلبٌ للأمرِ المحالِ الَّذي لا يمكنُ.

{وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا} أي: على النَّارِ {خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ} أي: ترى أجسامَهم خاشعةً للذُّلِ الَّذي في قلوبِهم، {يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ} أي: ينظرونَ إلى النَّارِ مسارقةً وشَزَراً، مِن هيبتِها وخوفِها.

{وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا} حيثُ ظهرَتْ عواقبُ الخلقِ، وتبيَّنَ أهلُ الصِّدقِ مِن غيرِهم: {إِنَّ الْخَاسِرِينَ} على الحقيقةِ {الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} حيثُ فوَّتُوا على أنفسِهم جزيلَ الثَّوابِ، وحصلُوا على أليمِ العقابِ وفرقَ بينَهم وبينَ أهليهم، فلم يجتمعُوا بهم، آخرَ ما عليهم.

{أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ} أنفسَهم بالكفرِ والمعاصي {فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ} أي: في سوائِهِ ووسطِهِ، مُنغمِرينَ لا يخرجونَ منهُ أبداً، ولا

الشيخ : هذا في الكافرين، أقولُ: معلومٌ أنَّ هذا في الكافرينَ {أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ} بالكفرِ والمعاصي يعني: الكفَّارَ، أمَّا الظَّالمين أنفسَهم بالمعاصي مع ثبوتِ أصلِ الإيمانِ فهم متعرِّضون للعقابِ، ولكنَّه عقابٌ ليس مقيماً ولا دائماً.

 

 – القارئ : ولا يفترُ عنهم وهم فيهِ مُبلِسونَ.

{وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ} كما كانُوا في الدُّنيا يَـمنونَ أنفسَهم بذلكَ

الشيخ : "يـُمنّون"

القارئ : يـُمنُّونَ، ففي القيامةِ يتبيَّنُ لهم ولغيرِهم أنَّ أسبابَهم الَّتي أمَّلُوها تقطَّعَتْ، وأنَّهُ حينَ جاءَهم عذابُ اللهِ لم يدفعْ عنهم. {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ} تحصلُ بهِ هدايتُهُ، فهؤلاءِ ضلُّوا حيثُ زعمُوا في شركائِهم النَّفعَ ودفعَ الضُّرِّ، فتبيَّنَ حينئذٍ ضلالُهم.

قالَ اللهُ تعالى: {اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ..}

الشيخ : إلى آخره، هذا موقفٌ