الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الزخرف/(2) من قوله تعالى {ولئن سألتهم من خلق السماوات} الآية 9 إلى قوله تعالى {وإنا إلى ربنا لمنقلبون} الآية 14

(2) من قوله تعالى {ولئن سألتهم من خلق السماوات} الآية 9 إلى قوله تعالى {وإنا إلى ربنا لمنقلبون} الآية 14

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الزخرف

الدَّرس: الثَّاني

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ

وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (10) وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (11) وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ [الزخرف:9-14]

الشيخ : إلى هنا، لا حول ولا قوَّة إلَّا بالله.

يخبرُ تعالى عن المشركين -الَّذين اتَّخذوا من دونِ اللهِ آلهةً، اتَّخذوا من دونه انداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ، أنداداً يعبدونهم- بأنَّهم إذا سُئِلُوا مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ؟ قالوا: الله، {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} هم يقولون: "خلقَهنَّ اللهُ" واللهُ هو الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ، والآياتُ في هذا متعدِّدةٌ: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [المؤمنون:84-85] {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ} [يونس:31] ومع إقرارِهم للهِ بالرُّبوبيَّةِ يسوّون به بعضَ مخلوقاتِه، وهذا من الجهلِ والسَّفهِ، سبحان الله! يسوَّون المخلوقَ المربوبَ المدبَّرَ العبدَ، بالخالقِ المالكِ المدبِّرِ المتصرِّفِ، هذا من أسفهِ السَّفهِ وأعظمِ الجهلِ، وأعظمِ الأمورِ مناقضةً للعقل، فلهذا يأتي في الآياتِ {أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} {أَفَلَا تَتَّقُونَ} {فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} كيف تعدلونَ عن عبادةِ هذا الرَّبِّ الَّذي هذا شأنُه {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا} جعلها ممهَّدةً، مذلَّلةً، {لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا}

{وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا} طرقٌ تسلكونها في تنقلاتكم وأسفاركم، طرقٌ فهناك سلاسلُ جبالٍ يجعلُ اللهُ فيها فتحاتٍ ينفذُ منها النَّاسُ، {وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} تَهْتَدُونَ إلى مقاصدكم في أقطارِ الأرضِ.

{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (10) وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} هذهِ كلُّها تعدادُ لنعمِهِ وآياتِه الدَّالَّةِ على قدرتِه وعلى رحمتِه وحكمتِه {وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا} {أَنْشَرْنَا بِهِ} يعني: أحييْنا به {فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا} قالَ اللهُ: {كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ} كما يحيي اللهُ الأرضَ بعدَ موتِها بما ينزلُه عليها من ماءٍ كذلك يخرجُ الموتى من قبورِهم، {كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} [ق:11] {كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ} {إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى} [فصلت:39] وهذا من أدلَّة…، إحياءِ الأرضِ بعدَ موتِها هو من أدلَّةِ القرآنِ على إمكانِ البعثِ الَّذي يكذِّبُ به الكفَّارُ ويعجبون {فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا} [ق:2-3] {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} [الرعد:5] {أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ} [السجدة:10] {كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ}

{وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا} هذه كلُّها من أفعالِه تعالى {وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ} الأزواجُ: الأنواعُ، أنواعُ المخلوقاتِ، أنواعُ الأرزاقِ، أنواعُ النباتِ، {وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا} الأصنافَ، أصناف النباتاتِ، وأصناف الحيواناتِ {جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا} [الشورى:11] {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} [الزمر:6] {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ} [الأنعام:143] {وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ} [الأنعام:144] {وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا}

{وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ} أيضاً هذه نعمةٌ، نعمٌ أخرى {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ} السُّفنِ البحريَّةِ، وكذلك الْأَنْعَامِ من الإبلِ {مَا تَرْكَبُونَ}

{وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} على ظهورِ الفلكِ وعلى ظهورِ الأنعامِ {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} الاستواءُ: هو الارتفاعُ والعلو {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ} وقد جعلَ اللهُ للعبادِ أيضاً في هذا العصرِ مراكبَ بريَّةٍ تشبهُ المراكبَ البحريَّة، وذلك بهداية اللهِ، فهو خلقَ موادَ هذه المراكبِ من السَّيَّاراتِ والطَّيَّارات، اللهُ خلقَ موادَها، وهدى عقولَ العبادِ إليها، فكما كانَ النَّاسُ، كما هداهم اللهُ لصنعِ السُّفنِ في البحرِ، {وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ}  [الشورى:32] كذلك هدى اللهُ العبادَ وألهمَهم هذه الأفكارَ، وخلقَ لهم أسبابَها.

إذاً إذا ركبتَ السَّيَّارةَ أو الطائرةَ تذكَّرْ، سبِّحْ، سبِّحْ بحمدِ ربِّك، واذكرْ ربَّك، واذكر اللهَ، تفكَّرْ في الخالقِ للسمواتِ والأرضِ والخالقِ لهذه الأسبابِ، ولا يكنْ التفكيرُ في هؤلاء الصنَّاع الكفرةِ الَّذين صنعُوها، يصيرُ التفكيرُ فيهم والتعجُّبُ من فعلهم ومن ذكائِهم، تجاوزْ تجاوزْ هذه الأسبابَ، تجاوزْها إلى الَّذي خلقَها، خلقَ أسبابها وخلقَ العقولَ وهداها، كانتْ عقولُ النَّاس هي هي، أترى أنَّ النَّاسَ صارَ لهم عقولٌ الآن أفضلَ من قبلِ؟ لا، النَّاسُ لم يزالوا لهم عقولٌ ولهم أفكارٌ يفكِّرون في شؤونِ هذه الدُّنيا، لكن كلُّ شيءٍ بقدرٍ، كلُّ شيءٍ بأجله، هذه الحضارةُ لها ميعادٌ ولها وقتٌ خرجَتْ فيه بتقدير اللهِ، ولها أجلٌ تنتهي عندَه وتضمحلُّ.

{لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} {سخَّرَ .. الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ} [الجاثية:12] وسخَّر كذلك الفلكَ ويسَّرَها، وسخَّرَ بهيمةَ الأنعامِ وذلَّلها، مراكبَ بريَّة، ومراكبَ بحريَّة {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} قالَ المفسِّرون: وما كنا له بمطيقينَ، لولا أنَّ اللهَ أقدرَهم وأعانَهم وذلَّلَ هذه البهائمَ ما قدرَ العبادُ على التَّحكُّمِ فيها، {وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} بالرجوعِ إليه، بالموتِ أوَّلاً ثمَّ بالموتِ ثانياً.

 

 (تفسيرُ السَّعديِّ)

القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ. قالَ المؤلِّفُ -رحمَهُ اللهُ تعالى-: قالَ اللهُ تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} الآياتَ.

يخبرُ تعالى عن المشركينَ، أنَّكَ {لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، العزيزُ الَّذي دانَتْ لعزَّتِهِ جميعُ المخلوقاتِ، العليمُ بظواهرِ الأمورِ وبواطنِها، وأوائلِها وأواخرِها، فإذا كانُوا مُقرِّينَ بذلكَ، فكيفَ يجعلونَ لهُ الولدُ والصَّاحبةُ والشَّريكُ؟! وكيفَ يشركونَ بهِ مَن لا يخلقُ ولا يرزقُ، ولا يُميتُ ولا يُحيي؟!

الشيخ : {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الروم:40]

القارئ : ثمَّ ذكرَ أيضاً مِن الأدلَّةِ الدَّالَّةِ على كمالِ نعمتِهِ واقتدارِهِ، بما خلقَهُ لعبادِهِ مِن الأرضِ الَّتي مهَّدَها وجعلَها قراراً للعبادِ، يتمكَّنونَ فيها مِن كلِّ ما يريدونَ.

{وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً} أي: جعلَ منافذَ بينَ سلاسلِ الجبالِ المتَّصلةِ، تنفذونَ منها إلى ما وراءَها مِن الأقطارِ. {لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} في السَّيرِ في الطُّرقِ ولا تضيعونَ، ولعلَّكم أيضاً تهتدونَ في الاعتبارِ بذلكَ والادِّكارِ فيهِ.

{وَالَّذِي نزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ} لا يزيدُ ولا ينقصُ، ويكونُ أيضاً بمقدارِ الحاجةِ، لا ينقصُ بحيثُ لا يكونُ فيهِ نفعٌ، ولا يزيدُ بحيثُ يضرُّ العبادَ والبلادَ، بل أغاثَ بهِ العبادَ

الشيخ : الأظهرُ -واللهُ أعلمُ- أنَّه بقَدَرٍ، كلُّ ما ينزلُ قليلاً كانَ أو كثيراً فهو مقدَّرٌ، هو مُقدَّرٌ، سواءٌ كان قليلاً فهو بقدرٍ، أو كثيراً فهو بقدرٍ، يعني: هذا التَّفسيرُ فيه نظرٌ، أنَّه قالَ: إنَّ اللهَ ينزلُه بقدرٍ بحيثُ لا يزيد ولا ينقص، هو في الحقيقةِ أحياناً يزيدُ وأحياناً ينقصُ، أحيانا يكونُ طوفاناً ويكونُ له آثارٌ بالهدم والغرق، وأحياناً يكون قليلاً، لكن الكلُّ  بقدرٍ، الكلُّ  مُقدَّرٌ، هذه الأمورُ ليستْ هكذا صدفةً بدون… لا، هذه بتدبيرٍ، إن نزلَ قليلاً فهذا بتدبيرِ اللهِ وبمشيئته، وإن نزلَ كثيراً فكذلك.

 

القارئ : بل أغاثَ بهِ العبادَ، وأنقذَ بهِ البلادَ مِن الشِّدَّةِ، ولهذا قالَ: {فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا} أي: أحييْناها بعدَ موتِها، {كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ} أي: فكما أحيا الأرضَ الميِّتةَ الهامدةَ بالماءِ، كذلكَ يحييكم بعدَما تستكملونَ في البَرْزخِ؛ ليجازيَكم بأعمالِكم

الشيخ : يعني: تستكملون المدَّةَ المقدَّرةَ في القبورِ، تُخرَجون

القارئ : ليجازيَكم بأعمالِكم.

{وَالَّذِي خَلَقَ الأزْوَاجَ كُلَّهَا} أي: الأصنافَ جميعَها، ممَّا تنبتُ الأرضُ ومِن أنفسِهم وممَّا لا يعلمونَ، مِن ليلٍ ونهارٍ، وحرٍّ وبردٍ، وذكرٍ وأنثى، وغيرِ ذلكَ. {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ} أي: السُّفنِ البحريَّةِ، الشِّراعيَّةِ والبخاريَّةِ

الشيخ : الشِّراعيَّة هي المعروفةُ من قديمٍ، والبخاريَّةُ هي الَّتي حدثَتْ أخيراً صارتْ سفناً تسيرُ في البحرِ بالبخارِ، ثمَّ صارتْ تسيرُ بالوقود البتروليِّ، وبأسبابٍ أخرى، سبحانَ الله!

 

القارئ : {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ} أي: السُّفنِ البحريَّةِ، الشِّراعيَّةِ والبخاريَّةِ، {والأنعامِ مَا تَرْكَبُونَ لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ}

وهذا شاملٌ لظهورِ الفلكِ ولظهورِ الأنعامِ، أي: لتستقرُّوا عليها، {ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ} بالاعترافِ بالنِّعمةِ لِمَن سخَّرَها، والثَّناءِ عليهِ تعالى بذلكَ، ولهذا قالَ: {وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} أي: لولا تسخيرُهُ لنا ما سخَّرَ مِن الفلكِ، والأنعامِ، ما كنَّا مطيقينَ لذلكَ وقادرينَ عليهِ، ولكنْ مِن لطفِهِ وكرمِهِ تعالى، سخَّرَها وذلَّلَها ويسَّرَ أسبابَها.

والمقصودُ مِن هذا، بيانُ أنَّ الرَّبَّ الموصوفَ بما ذكرَهُ، مِن إفاضةِ النِّعمِ على العبادِ، هوَ الَّذي يستحقُّ أنْ يُعبَدَ، ويُصلَّى لهُ ويُسجَدَ.

انتهى.