بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الزخرف
الدَّرس: الثَّالث
*** *** ***
– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ * أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ * وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ * وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ * وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ * أَمْ آَتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ * بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ * وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آَبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ * فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ [الزخرف:15-25]
– الشيخ : أحسنت، لا إله إلَّا الله.
يقول تعالى مُخْبِرَاً وذَامَّاً للمشركين الذين نسبُوا إليه الولدَ، وجعلوا له النوعَ الأدنى وهي البنات {وَجَعَلُوا لَهُ} جعلَ المشركون لله {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ} لأنَّ الولدَ جزءٌ مِن أبيه، تعالى الله عن قول الظالمين والجاهلين عُلُوّاً كبيراً، بل هو سبحانه الأحدُ الصمدُ الذي لمْ يلد ولم يُولَد ولم يكن له كُفُواً أحد، {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ} يعني: كفورٌ بَيِّنُ الكُفران.
{أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ} وهذا إنكار، يُنكِرُ اللهُ عليهم كيف يختارون له.. جمعُوا بين أمرين قبيحين: نسبةِ الولد إلى الله، ثم اختيارِهم النوعَ الناقص الذي لا يرضونَه لأنفسِهم، لا يُحِبُّونَه، {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا} [النحل:58] وهنا يقول: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ}.
{أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ} لأنهم -المشركون- يزعمُون أن الملائكةَ بناتُ الله، افتراءً وكذباً، فأنكرَ اللهُ ذلك عليهم وعابَه {أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ} وفي الآية الأخرى: {تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى} [النجم:22] أيْ: جَائِرة {أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ}
ثم قال تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ} إذا بُشِّرَ بالبنت، بالأنثى التي نسبَ لله أو جعلَها ولداً لله، جعلوها مِثْلاً؛ لأنَّ الولد نظيرُ ومِثلُ أبيه مِثلُ والده، في الآية الأخرى جاءت الآية مُصرِّحة: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ} [النحل:58،57] يعني: أمرٌ عجبٌ! يعني مِن كراهتِهم للبناتِ أمرٌ عجيبٌ! إذا بُشِّرَ أحدُهم بالبنت، أنه وُلِدَ له بنت {ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا} يتغيَّرُ وجهُه، ويسوَّدُ وجهُه، ويكون حزيناً وهو كظيمٌ حتى إنه يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ، يحب ما يَراه أحد يَخجل يَخجل، أمَا هو أمرٌ عجيبٌ! سبحان الله! يَخجل إذا بُشِّرَ، {يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ} يعني: يفكر ماذا يصنعُ بهذا المولود؟ ماذا يصنع؟ يُمْسِكُهُ عَلَى هَوانٍ ونقيصَةٍ ومَذَمَّةٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ويقتلُها مَوءودةَ {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ} هذه نفسُها الآيةُ الأخرى تفسِّرُها تماماً {ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ}.
{أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} هذا شأنُ الأنثى أنها تُنشَّأ في الزينةِ؛ لأنَّها يُطلَبُ لها التزيين والتحلية بالحُلي، تُنشَّأ مِن صغرها، شوف [انظر] البنات الآن يعني: الولدُ الذكر غايتُه أنه يُلتَمسُ له اللباس الذي يسترُه، أما البنتُ فمِن صِغَرِها وهم يزيِّنونها بالحُلي، فِي الْحِلْيَةِ {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} كذلك مِن شأنِ الأنثى أنَّها ليس لها في الخصومةِ تكون غيرُ مُبينة، يعني: لا تكونُ قويةَ الحجةِ، {وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} لا يُبِيْنُ ولا يُدلِي بالحجةِ ضِدَّ خصمِه.
ومِن هذا نعلم إنَّ مِن الجهل والغلطِ أن تكونَ النساءُ مُحَاميات، الآن فُتِحَ بابُ الـمُحاماةِ للنساء، تكونُ مُحاميَة، فالذي يختارُ امرأةً لقضيتِه؛ لتخاصمَ فيها: هو غالطٌ ومعتمدٌ على الجنسِ الضعيفِ العاجزِ عن الخصومةِ وعن إقامةِ الحُجَّة، فَحَرِيٌّ بالمحاميَة أنْ تفشلَ في خصومتِها {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ}.
ثم قال تعالى: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ} يعني: بهذه الطريقة {جَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ} الـمُكرَمون {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} جعلُوهم إناثاً، ثم يُوَبِّخُهم تعالى ويُبيِّن أنه لا مُستندَ لهم في هذا الزعم {أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ} يعني: حضَروا، عندَ خَلْقِ الله الملائكة ورأوا أنهم بنات؟ {سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ} هم الآن يَشهدون ويزعمونَ أنَّ الملائكةَ بناتٌ {سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ} فهذه بعضُ قبائحِ المشركين، ومِن قبائحِهم: الشِّرك، أعظمُ الذنوب. وأيضاً احتجاجُهم بالقدر، {وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ} يعني: هم يزعمونَ أنَّ الملائكةَ بناتُ الله ويعبدونَهم، هم يعبدون الملائكة {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ * وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ} هذا نظيرُ قوله تعالى في الآية الأخرى عن المشركين: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا} [الأنعام:148] {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا} [النحل:35] وهذا يُقال: إنه مِن قَبيلِ الاحتجاجِ بالقدر، والاحتجاجُ بالقدرِ على الكفرِ والشرك والمعاصي هذا سبيلُ المشركين وهي حجةٌ داحضةٌ، وقولهم: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ}، وقولُهم: {لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ} هذا هو مِن قبيلِ: "كلمةُ حقٍّ أُريدَ بها باطلٌ"، مِن قبيلِ: "كلمةُ حقٍّ أُريدَ بها باطلٌ"؛ لأنَّهم أرادوا بها معارضةَ الشَّرع، معارضةَ الرسلِ ودعوتَهم.
{وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ * أَمْ آَتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ} يعني: ليسَ لهم في هذا الافتراء، لا عِلمٌ حِسِّيٌّ بالمشاهدةِ، ولا علمٌ مُنَزَّلٌ في كتابٍ {أَمْ آَتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ} إلى آخر الآيات.
(تفسيرُ السَّعديِّ)
– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ. قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى: {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ} الآيات.
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ شَنَاعَةِ قَوْلِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ جَعَلُوا لِلَّهِ تَعَالَى وَلَدًا، وَهُوَ الْوَاحِدُ الْأَحَدُ، الْفَرْدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كَفُوًا أَحَدٌ، وَإِنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ مِنْ عِدَّةِ أَوْجُهٍ:
مِنْهَا: أَنَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ عِبَادُهُ، وَالْعُبُودِيَّةُ تُنَافِي الْوِلَادَةَ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الْوَلَدَ جُزْءٌ مِنْ وَالِدِهِ، وَاللَّهُ تَعَالَى بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، مُبَايِنٌ لَهُمْ فِي صِفَاتِهِ وَنُعُوتِ جَلَالِهِ، وَالْوَلَدُ جُزْءٌ مِنَ الْوَالِدِ، فَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَدٌ.
وَمِنْهَا: أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْبَنَاتِ أَدْوَنُ الصِّنْفَيْنِ، فَكَيْفَ يَكُونُ لِلَّهِ الْبَنَاتُ، وَيَصْطَفِيهِمْ بِالْبَنِينَ، وَيُفَضِّلُهُمْ بِهَا؟! فَإِذَاً يَكُونُونَ أَفْضَلَ مِنَ اللَّهِ، تَعَالَى
– الشيخ : يعني المشركون حينَ اختارُوا لأنفسِهم البنينَ، واختاروا للهِ البنات، يكون معناهُ إنَّهم تفضَّلُوا على اللهِ بذلك، وصارُوا أكرمَ وأفضلَ مِن الله؛ لأنَّهم جعلوا لأنفسِهم الصِّنف الأفضل -البنين- وجعلوا للهِ الصنف الأدنى، {أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ * فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ} [الصافات:153-157] ذكرَ اللهُ هذا المعنى في آياتٍ كثيرةٍ، ومنها هذه الآيات في سورةِ الصافات {فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ * أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ * وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ * فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الصافات:149-157]
– القارئ : فَإِذَاً يَكُونُونَ أَفْضَلَ مِنَ اللَّهِ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا.
– الشيخ : جَهَالات! سبحان الله، الحمد لله، الكفارُ عندهم سَفَاهَات! يعني كما أنَّ أمورَهم واعتقادَهم مناقضٌ للشرعِ مناقضٌ لِمَا جاءَت به الرسل فهو مناقضٌ للعقلِ أيضاً، يعني فهم لا عقلَ ولا سمعَ، لَا عَقْلَ وَلَا نَقْلَ.
– القارئ : وَمِنْهَا: أَنَّ الصِّنْفَ الَّذِي نَسَبُوهُ لِلَّهِ، وَهُوَ الْبَنَاتُ، أَدْوَنُ الصِّنْفَيْنِ، وَأَكْرَهُهُمَا لَهُمْ،
– الشيخ : يشيرُ الشيخُ إلى أنَّهم يكرهون البنات؟ سبحان الله! يكرهون البنات ثمَّ يزعمون أنَّ الملائكةَ بنات الله!
– القارئ : حَتَّى إِنَّهُمْ مِنْ كَرَاهَتِهِمْ لِذَلِكَ {إِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا} مِنْ كَرَاهَتِهِ وَشَدَّةِ بُغْضِهِ، فَكَيْفَ يَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ؟ ومنها:
– الشيخ : في الآية الأخرى: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ} جاءَتْ الآياتُ مُصرِّحة {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى} [النحل:62]
– القارئ : وَمِنْهَا: أَنَّ الْأُنْثَى نَاقِصَةٌ فِي وَصْفِهَا، وَفِي مَنْطِقِهَا وَبَيَانِهَا، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ} أَيْ: يُجَمَّلُ فِيهَا، لِنَقْصِ جَمَالِهِ، فَيَجْمُلُ بِأَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهُ؟ {وَهُوَ فِي الْخِصَامِ} أَيْ: عِنْدَ الْخِصَامِ الْمُوجِبِ لِإِظْهَارِ مَا عِنْدَ الشَّخْصِ مِنَ الْكَلَامِ، {غَيْرُ مُبِينٍ} أَيْ: غَيْرُ مُبَيِّنٍ لِحُجَّتِهِ، وَلَا مُفْصِحٍ عَمَّا احْتَوَى عَلَيْهِ ضَمِيرُهُ، فَكَيْفَ يَنْسِبُونَهُنَّ لِلَّهِ تَعَالَى؟
وَمِنْهَا: أَنَّهُمْ جَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ اللَّهِ إِنَاثًا، فَتَجَرَّأُوا عَلَى الْمَلَائِكَةِ الْعِبَادِ الْمُقَرَّبِينَ، وَرَقَّوْهُمْ عَنْ مَرْتَبَةِ الْعِبَادَةِ وَالذُّلِّ، إِلَى مَرْتَبَةِ الْمُشَارَكَةِ لِلَّهِ فِي شَيْءٍ مِنْ خَوَاصِّهِ، ثُمَّ نَزَلُوا بِهِمْ عَنْ مَرْتَبَةِ الذُّكُورِيَّةِ إِلَى مَرْتَبَةِ الْأُنُوثِيَّةِ، فَسُبْحَانَ مَنْ أَظْهَرَ تَنَاقُضَ مَنْ كَذَبَ عَلَيْهِ وَعَانَدَ رُسُلَهُ!
وَمِنْهَا: أَنَّ اللَّهَ رَدَّ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَشْهَدُوا خَلْقَ اللَّهِ لِمَلَائِكَتِهِ، فَكَيْفَ يَتَكَلَّمُونَ بِأَمْرٍ مِنَ الْمَعْلُومِ عِنْدَ كُلِّ أَحَدٍ، أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ؟! وَلَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يُسْأَلُوا عَنْ هَذِهِ الشَّهَادَةِ، وَسَتُكْتَبُ عَلَيْهِمْ، وَيُعَاقَبُونَ عَلَيْهَا.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ} فَاحْتَجُّوا عَلَى عِبَادَتِهِمِ الْمَلَائِكَةَ بِالْمَشِيئَةِ، وَهِيَ حُجَّةٌ لَمْ يَزَلِ الْمُشْرِكُونَ يَطْرُقُونَهَا، وَهِيَ حُجَّةٌ بَاطِلَةٌ فِي نَفْسِهَا عَقْلًا وَشَرْعًا. فَكُلُّ عَاقِلٍ لَا يَقْبَلُ الِاحْتِجَاجَ بِالْقَدْرِ، وَلَوْ سَلَكَهُ فِي حَالَةٍ مِنْ أَحْوَالِهِ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهَا قَدَمُهُ.
وَأَمَّا شَرْعًا: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبْطَلَ الِاحْتِجَاجَ بِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ عَنْ غَيْرِ الْمُشْرِكِينَ بِهِ الْمُكَذِّبِينَ لِرُسُلِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَقَامَ الْحُجَّةَ عَلَى الْعِبَادِ، فَلَمْ يُبْقِ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ حُجَّةٌ أَصْلًا وَلِهَذَا قَالَ هُنَا: {مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ} أَيْ: يَتَخَرَّصُونَ تَخَرُّصًا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَيَتَخَبَّطُونَ خَبْطَ عَشْوَاءَ.
ثُمَّ قَالَ: {أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ} يُخْبِرُهُمْ بِصِحَّةِ أَفْعَالِهِمْ، وَصِدْقِ أَقْوَالِهِمْ؟ لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ أَرْسَلَ مُحَمَّدًا نَذِيرًا إِلَيْهِمْ، وَهُمْ لَمْ يَأْتِهِمْ نَذِيرٌ غَيْرُهُ، أَيْ: فَلَا عَقْلَ وَلَا نَقْلَ، وَإِذَا انْتَفَى الْأَمْرَانِ، فَلَا ثَمَّ إِلَّا الْبَاطِلُ.
– الشيخ : إلى هنا.. {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا}.