الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الزخرف/(5) من قوله تعالى {وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل} الآية 31 إلى قوله تعالى {وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع} الآية 35
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(5) من قوله تعالى {وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل} الآية 31 إلى قوله تعالى {وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع} الآية 35

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الزخرف

الدَّرس: الخامس

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ

وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32) وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (34) وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ [الزخرف:31-35]

الشيخ : إلى هنا، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله

يُخبِرُ تعالى عن المشركين، يُخبِر عنهم ببعضِ أقوالِهم التَّعَنُّتِيّة، يقولون: {لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} يَقترحون لو نُزِّلَ على غيرِ هذا محمد، لو نُزِّل على غيرِ محمدٍ {عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ} قال المفسرون: الْقَرْيَتَيْنِ: مكة والطائف، هما أبرزُ مدينتين في المنطقة، في منطقة… {لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} وما العظمة؟ الرسول إن كانَ المقياس مِن حيثُ الأخلاق وكَرَم النَّسَبِ فالرسول -عليه الصلاة والسلام- أكرمُهم نَسَبًا وأحسنُهُم خُلقًا -صلى الله عليه وسلم- نعم هو عاشَ يتيمًا وفقيرًا {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} [الضحى:6-8] فالعظمةُ عندَهم هي عظمةُ المال، {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [القصص:79] فهم يَقترحون على الله بسببِ جهلِهِم وسوءِ أدبِهم مع ربِّ العالمين، يَقترحون يقولون: لو نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ عظيمٍ مِنَ إحدى الْقَرْيَتَيْنِ.

قال الله: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ} فالله تعالى هو الذي قَسَمَ الأرزاقَ بين العباد، وفوق ذلك هو يقسِمُ فضلَه الدينيَّ والعلميَّ ذلك هو الذي يقسمُه، ويَخُصُّ به مَن يشاء، {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [آل عمران:74] {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}.

{وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا} اللهُ جعلَ الناس -سبحان الله- في أمرِ دنياهم درجاتٍ وطبقاتٍ؛ {لِيَتَّخِذَ..}، الحكمةُ مِن هذا أن {يَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا} انظروا الآن، كلّهم، كلهم بني آدم، كلهم خِلقتُهم مُتشابهة، ومع ذلك هذا كذا وهذا كذا، تدرَّج تدرَّج، مِن هذا المسكين الكادِح العامِل، وفي بعضِ أعمال دَنيئةٍ إلى مَن فوقَه إلى مَن فوقَه، فهم درجاتٌ في أمرِ دنياهم، ومِن حكمةِ ذلك أن يُسَخِّرُ بعضَهم لبعض:

الناس للناس من بَدوٍ وحاضرةٍ… بعضٌ لبعضٍ وإنْ لمْ يَشعرُوا خدمُ، كلُّهم درجاتٌ.

{لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} رحمتُه خيرٌ مِن هذه الدنيا، الجنة والكرامةُ التي أعدَّها اللهَ لأوليائه، والرحمة الإيمانية كما في النبوة، {وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} [القصص:86] فهذا القرآنُ هو رحمةٌ مِن اللهِ للعِباد، وقد اصطفى لإنزالِ هذا القرآن أفضلَ خلقِه محمداً -صلى الله عليه وسلم- {وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}.

قال الله: {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} لَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً، قالَ الله: {لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} يعني: قيل: أمةً واحدةً على الكفر، لو كانَ كلُّ مَن كفرَ أعطاهُ اللهُ وأغناهُ، وبلَّغَه هذا الغِنى البَاهِر {لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ}.

وقالَ بعضُ الـمُفَسِّرين: لولا أن يكونوا أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ، {أُمَّةً وَاحِدَةً}، يعني: ليسَ فيهم قويٌّ وضعيفٌ وغنيٌّ وفقيرٌ، بل كلهم، هذا تفوتُ به الحكمةُ المتقدمة: {لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا} يصير كلُّهم درجةً واحدةً، إذا كانوا كلُّهم درجةً واحدةً ما أمكن أن يكون هناك مَن يقوم بأنواعِ الأعمال الأخرى، لكن شاءَ الله أن يكونوا درجاتٍ، {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ}.

{وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا} يعني: مِن فضة {وَسُرُرًا} أي: من فضة، {لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ… وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا} قال المفسِّرون: الزُّخرُفُ: الذَّهب.

{وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا} أيش الآية؟

القارئ : {وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ}

الشيخ : {وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ} كلّ هذه الأمور مَتَاعُ الحياةِ الدنيا الزائلة، هذه المذكوراتُ لو كان الإنسان كلُّ شيء عندَه من فضة: البيت والسُّقُف والأبواب والدّرج كلُّها مِن فضة ومن ذهب، لم تغنِ شيئًا، مَتَاعٌ زائلٌ، سيموتُ ويتركُها أو يَنزلُ بها آفةً تُذهبُها وتُتلفُها.

قال الله: {وَالْآَخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} السعادةُ الحقَّةُ والفوزُ العظيم في الآخرة، ولِمَن يكون؟ لِلْمُتَّقِينَ، الذين آمنوا باللِه ورسلِه واستقامُوا على طاعِته {وَالْآَخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} الكرامةُ والثَّوابُ الجزيلُ، والسَّعادة والنعيمُ المقيم لِلْمُتَّقِينَ، الجنة أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ، قال الله في الجنة: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:133] {وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا} [يوسف:109]، فوازنْ بين هذه الدنيا والآخرة، هذه الدنيا يتمتعُ بها الكلّ، البَرُّ والفاجِر، كلُّهم في هذه الحياة يشتركون، كلّهم يأكلون ويشربون ويَتمتعون، أمَّا الآخرةُ فهي خالصةٌ لأولياءِ، {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الأعراف:32] لكن يشركُهُم فيها الكفار، وهي خالصةٌ للمؤمنينَ يوم القيامة {قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} خَالِصَةً، الرزقُ والزينةُ والنعيمُ هو للمؤمنينَ يوم القيامة لا يَشْركُهم فيها غيرُهم، أمَّا في هذه الدنيا فهي مُشتركة، اللِّباس والطعام والشَّراب والمسكن وسائرُ مُتَعِ الدنيا يَشتركُ فيها الناس، لكن على تفاضلٍ وتفاوتٍ في حظوظِهم منها، غنيٌّ وفقيرٌ وبين ذلك، غنيٌّ وفقيرٌّ وبينَ ذلك، مُتفاوتون.

 

(تفسيرُ السَّعديِّ)

القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ. قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسير قول الله تعالى: {وَقَالُوا لَوْلا نزلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}

{وَقَالُوا} مُقْتَرِحِينَ عَلَى اللَّهِ بِعُقُولِهِمِ الْفَاسِدَةِ:

الشيخ : يعني تَدَخُّلٌ فيما ليسَ لهم، يَقترحون يقولونَ: {لَوْلا نزلَ هَذَا الْقُرْآنُ} يعني: كأنَّهم يقولونَ: "إنزالُه على محمدٍ هذا غلط"، هذه ترجمةُ كلامِهم.

القارئ : {لَوْلا نزلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} أَيْ: مُعَظَّمٌ عِنْدَهُمْ، مُبَجَّلٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، أَوْ أَهْلِ الطَّائِفِ، كَالْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَنَحْوِهِ، مِمَّنْ هُوَ عِنْدَهُمْ عَظِيمٌ.

قَالَ اللَّهُ رَدًّا لِاقْتِرَاحِهِمْ: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ} أَيْ: أَهُمُ الْخُزَّانُ لِرَحْمَةِ اللَّهِ، وَبِيَدِهِمْ تَدْبِيرُهَا، فَيُعْطُونَ النُّبُوَّةَ وَالرِّسَالَةَ مَنْ يَشَاءُونَ، وَيَمْنَعُونَهَا مِمَّنْ يَشَاءُونَ؟

{نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} أَيْ: فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَالْحَالُ أَنَّ رَحْمَةَ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ مِنَ الدُّنْيَا.

فَإِذَا كَانَتْ مَعَايِشُ الْعِبَادِ وَأَرْزَاقُهُمُ الدُّنْيَوِيَّةُ بِيَدِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ الَّذِي يُقَسِّمُهَا بَيْنَ عِبَادِهِ، فَيَبْسُطُ الرِّزْقَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، وَيُضَيِّقُهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ بِحَسَبِ حِكْمَتِهِ، فَرَحْمَتُهُ الدِّينِيَّةُ –الَّتِي أَعْلَاهَا النُّبُوَّةُ وَالرِّسَالَةُ- أَوْلَى وَأَحْرَى أَنْ تَكُونَ بِيَدِ اللَّهِ تَعَالَى، فَاللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ.

فَعَلِمَ أَنَّ اقْتِرَاحَهُمْ سَاقِطٌ لَاغٍ، وَأَنَّ التَّدْبِيرَ لِلْأُمُورِ كُلِّهَا -دِينِيِّهَا وَدُنْيَوِيِّهَا- بِيَدِ اللَّهِ وَحْدَهُ.

هَذَا إِقْنَاعٌ لَهُمْ، مِنْ جِهَةِ غَلَطِهِمْ فِي الِاقْتِرَاحِ، الَّذِي لَيْسَ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْهُ شَيْءٌ، إِنْ هُوَ إِلَّا ظُلْمٌ مِنْهُمْ وَرَدٌّ لِلْحَقِّ.

وَقَوْلُهُمْ: {لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} لَوْ عَرَفُوا حَقَائِقَ الرِّجَالِ، وَالصِّفَاتِ الَّتِي بِهَا يُعْرَفُ عُلُوُّ قَدْرِ الرَّجُلِ، وَعِظَمِ مَنْزِلَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ خَلْقِهِ، لَعَلِمُوا أَنَّ مُحَمَّدًا بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هُوَ أَعْظَمُ الرِّجَالِ قَدْرًا، وَأَعْلَاهُمْ فَخْرَّا، وَأَكْمَلُهُمْ عَقْلًا وَأَغْزَرُهُمْ عِلْمًا، وَأَجَلُّهُمْ رَأْيًا وَعَزْمًا وَحَزْمًا، وَأَكْمَلُهُمْ خَلْقًا، وَأَوْسَعُهُمْ رَحْمَةً، وَأَشَدُّهُمْ شَفَقَةً، وَأَهْدَاهُمْ وَأَتْقَاهُمْ.

وَهُوَ قُطْبُ دَائِرَةِ الْكَمَالِ، وَإِلَيْهِ الْمُنْتَهَى فِي أَوْصَافِ الرِّجَالِ، أَلَا وَهُوَ رَجُلُ الْعَالَمِ عَلَى الْإِطْلَاقِ،

الشيخ : اللهم صلِّ وسلم عليه، لا إله إلا الله.

القارئ : يَعْرِفُ ذَلِكَ أَوْلِيَاؤُهُ وَأَعْدَاؤُهُ، فَكَيْفَ يُفَضِّلُ عَلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ مَنْ لَمْ يَشُمَّ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ كَمَالِهِ؟! وَمِنْ جُرْمِهِ وَمُنْتَهَى حُمْقِهِ أَنْ جَعْلَ إِلَهَهُ الَّذِي يَعْبُدُهُ وَيَدَعُوهُ وَيَتَقَرَّبُ إِلَيْهِ صَنَمًا، أَوْ شَجَرًا، أَوْ حَجَرًا، لَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ، وَلَا يُعْطِي وَلَا يَمْنَعُ، وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ، يَحْتَاجُ لِمَنْ يَقُومُ بِمَصَالِحِهِ، فَهَلْ هَذَا إِلَّا مِنْ فِعْلِ السُّفَهَاءِ وَالْمَجَانِينَ؟

فَكَيْفَ يُجْعَلُ مِثْلَ هَذَا عَظِيمًا؟ أَمْ كَيْفَ يُفَضِّلُ عَلَى خَاتَمِ الرُّسُلِ وَسَيِّدِ وَلَدِ آدَمَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ وَلَكِنِ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا يَعْقِلُونَ.

وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ تَنْبِيهٌ عَلَى حِكْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي تَفْضِيلِ اللَّهِ بَعْضِ الْعِبَادِ عَلَى بَعْضٍ فِي الدُّنْيَا {لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا} أَيْ: لِيُسَخِّرَ بَعْضَهُمْ بَعْضًا، فِي الْأَعْمَالِ وَالْحِرَفِ وَالصَّنَائِعِ.

فَلَوْ تَسَاوَى النَّاسُ فِي الْغِنَى، وَلَمْ يَحْتَجْ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، لَتَعَطَّلَتْ كَثِيرٌ مِنْ مَصَالِحِهِمْ وَمَنَافِعِهِمْ.

وَفِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ نِعْمَتَهُ الدِّينِيَّةَ

الشيخ : الله أكبر، {لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ} [المائدة:48] ابتلاءٌ، الكلُّ مُبْتَلـًى، الغنيُّ والفقيرُ، والقويُّ والضعيفُ، والعزيزُ والشريفُ وخِلافُه، والرئيسُ والمرؤوسُ كلُّهم، كلُّهم في هذه الحياة في ابتلاءٍ، كلٌّ مبتلـًى بما هو فيه، الله أكبر، والسعيدُ مَن قام بأمرِ اللهِ واستقامَ على هُداه، {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} [طه:123]

 

القارئ : فَلَوْ تَسَاوَى النَّاسُ فِي الْغِنَى، وَلَمْ يَحْتَجْ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، لَتَعَطَّلَ كَثِيرٌ مِنْ مَصَالِحِهِمْ وَمَنَافِعِهِمْ.

وَفِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ نِعْمَتَهُ الدِّينِيَّةَ خَيْرٌ مِنَ النِّعْمَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}

قال الله تعالى: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} الآيات

يُخْبِرُ تَعَالَى بِأَنَّ الدُّنْيَا لَا تَسْوَى عِنْدَهُ شَيْئًا، وَأَنَّهُ لَوْلَا لُطْفُهُ وَرَحْمَتُهُ بِعِبَادِهِ، الَّتِي لَا يُقَدِّمُ عَلَيْهَا شَيْئًا، لَوَسَّعَ الدُّنْيَا عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا تَوْسِيعًا عَظِيمًا، {وَلَجَعَلَ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ} أَيْ: دَرَجًا مِنْ فِضَّةٍ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ عَلَى سُطُوحِهِمْ.

{وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ} مِنْ فِضَّةٍ، وَلَجَعَلَ لَهُمْ {زُخْرُفًا} أَيْ: لَزَخْرَفَ لَهُمْ دُنْيَاهُمْ بِأَنْوَاعِ الزَّخَارِفِ، وَأَعْطَاهُمْ مَا يَشْتَهُونَ، وَلَكِنَّ مَنْعَهُ مِنْ ذَلِكَ؛ رَحْمَتُهُ بِعِبَادِهِ، خَوْفًا عَلَيْهِمْ مِنَ التَّسَارُعِ فِي الْكُفْرِ وَكَثْرَةِ الْمَعَاصِي

الشيخ : لا إله إلا الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، أعد شوي بس [أعد قليلا]

القارئ : {وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ} مِنْ فِضَّةٍ، وَلَجَعَلَ لَهُمْ {زُخْرُفًا}

أَيْ: لَزَخْرَفَ لَهُمْ دُنْيَاهُمْ بِأَنْوَاعِ الزَّخَارِفِ، وَأَعْطَاهُمْ مَا يَشْتَهُونَ، وَلَكِنَّ مَنْعَهُ مِنْ ذَلِكَ؛ رَحْمَتُهُ بِعِبَادِهِ، خَوْفًا عَلَيْهِمْ مِنَ التَّسَارُعِ فِي الْكُفْرِ

الشيخ : رحمةً بعبادِه "لئلَّا يَتسارعوا"، "خوفاً" هذه كأنَّها غيرُ مناسبة، "خوفاً عليهم" كأنَّها غيرُ مناسبة، "رحمةً منه بعباده لئلَّا يتسارعوا"، "مِن أجل ألّا يتسارعوا" بس، تستقيم ولا في حاجة إلى كلمةِ "خوفاً عليهم".

القارئ : وَكَثْرَةِ الْمَعَاصِي بِسَبَبِ حُبِّ الدُّنْيَا، فَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَمْنَعُ الْعِبَادَ بَعْضَ أُمُورِ الدُّنْيَا مَنْعًا عَامًّا أَوْ خَاصًّا لِمَصَالِحِهِمْ، وَأَنَّ الدُّنْيَا لَا تَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، وَأَنَّ كُلَّ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، مُنَغَّصَةٌ مُكَدَّرَةٌ فَانِيَةٌ، {وَأَنَّ الْآخِرَةَ عِنْدَ اللَّهِ} تَعَالَى خَيْرٌ {لِلْمُتَّقِينَ} لِرَبِّهِمْ بِامْتِثَالِ أَوَامِرِهِ وَاجْتِنَابِ نَوَاهِيهِ؛ لِأَنَّ نَعِيمَهَا تَامٌّ كَامِلٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَفِي الْجَنَّةِ مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ، وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ، فَمَا أَشَدَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الدَّارَيْنِ!

قال الله تعالى

الشيخ : {وَمَنْ يَعْشُ}؟

القارئ : نعم

الشيخ : خلاص، قف.