بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الزخرف
الدَّرس: السَّادس
*** *** ***
– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ
وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ * حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ * وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ * أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ * أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ * فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ * وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آَلِهَةً يُعْبَدُونَ [الزخرف:36-45]
– الشيخ : حسبُك، أستغفرُ اللهَ، أستغفرُ اللهَ، لا إله إلَّا الله.
قولُه تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ} العَشَا هو ضعفُ البصرِ يقولون، العمى هو عدمُ البصرِ، والعَشَا ضعفٌ، {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ} يعني: يُعرِضُ عنه {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ} عن الذِّكر الَّذي أنزلَه وهو القرآنُ، فلا يتذكَّرُ به ولا يُصغِي إليه {نُقَيِّضْ لَهُ} أعوذُ باللهِ {نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا} نُسلِّطُ عليه شيطاناً {فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} يُلازمُه، { نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ} الشَّيطانُ أو الشياطينُ يصدُّون من يقترنون به، وهذا من أعظمِ العقوبات، أنْ يُسلَّطَ على الإنسانِ شيطانٌ يزيِّنُ له الشرَّ، فإنَّه بهذا يزدادُ شرَّاً إلى شرٍّ {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا * فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا } [مريم:83-84] {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ} [فصلت:25]
قالَ اللهُ: {حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ} {حَتَّى إِذَا جَاءَنَا} هذا الـمُعرِضُ الَّذي سُلِّطَ عليه الشيطانُ، حَتَّى إِذَا جَاءَ يومَ القيامةِ {حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ} يقولُه لشيطانِه، لذلك الشيطانِ الَّذي أضلَّه.
{وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} هؤلاءِ الشَّياطينُ يصدُّونهم عن سبيلِ الله، عن طريق الحقِّ، عن الإيمانِ، أو عمَّا أمرَ بالله، فالشياطينُ إمَّا أنْ تدعوَ من تُقارنِه إلى الكفرِ، وإن لم يحصلْ ذلك فإنَّها تُزيِّنُ لهم المخالفات والمعاصي.
{حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ} وفي قراءةٍ: {حَتَّى إِذَا جَاءَانَا} {جَاءَانَا} يعني: الإنسانُ المعرِضُ عن ذكرِ اللهِ، وقرينُه ذلك الشيطانُ؛ لأنَّهما جميعاً يَرِدَانِ موقفَ القيامةِ {حَتَّى إِذَا جَاءَانَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ}
قالَ اللهُ: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} هم {فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} لكنَّ اشتراكَهم في العذابِ لا يُهوِّنُ عليهم ما هم فيه من الشقاءِ، كما كان في الدُّنيا، فإنَّه في الدُّنيا الاشتراك في المصائب يُهوِّنها على من أُصيبَ على المصابِ، وهذا واضحٌ، يعني إذا نظرَ الإنسانُ إلى من أُصيبَ بمثل مصيبتِه هوَّنَ عليه في قلبِه، بخلافِ ما لو أُصيبَ بمصيبةٍ اختصَّ بها من بين كثيرِ الناس، فاللهُ تعالى يقول: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ}
ثمَّ قالَ تعالى: {أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} هذا خطابٌ من الله لنبيِّه، يقولُ: أنتَ لا تُسْمِعُ الصُّمَّ ولا تَهْدِي الْعُمْيَ، فاللهُ تعالى هو الَّذي يُسمِعُ من شاءَ ويهدي من شاءَ، {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص:56] {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} [النمل:80] {أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}
{فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ} يعني: إنْ قبضْناك إلينا وتوفِّيْناكَ إلينا {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ} من أولئكَ الكفرةِ أعدائِكَ {فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ} بعدَ وفاتِكَ.
{فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ * أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ} هذا ممكنٌ، هذا وهذا ممكنٌ، ممكنٌ أن ينتقمَ اللهُ منهم في حياةِ النَّبيِّ، ويمكنُ أن ينتقمَ اللهُ منهم بعد وفاتِه {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ * أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ}
{فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} هذا أمرٌ من اللهِ للنبيِّ بأنْ يستقيمَ على ما جاءَه من اللهِ عملاً به ودعوةً إليه، {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ} {إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}
{وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} ذكرٌ لكَ ولقومِك من قريشٍ، ذكرٌ لك يعني: تَذكُّرٌ لكَ ولقومِكَ، وبعضُ المفسرين يقولون: أنَّهم شَرفٌ لك، وكلاهما حقٌّ، فإنَّه شَرفٌ، هذا الوحي وهذه النبوُّةِ وهذا القرآن شَرفٌ للنبيِّ -عليه الصلاة والسلامُ-، وفيه شَرفٌ لقومه، {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ}
{وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} هذا لم يكنْ، فكلُّ رسولٍ بعثَه اللهُ فإنَّه يدعو إلى عبادةِ اللهِ وحدَه لا شريكَ له، ويَنهى عن عبادةِ ما سِواه، {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ} [الأعراف:59] كلُّ نبيٍّ يقولُ لقومه: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ…} فالشركُ لم يشرعْه اللهُ، لم يشرعْه اللهُ بأيِّ شريعةٍ من شرائعِ الأنبياءِ بل نهى اللهُ عنه، وأمرَ بالتوحيدِ بعبادتِه تعالى وحدَه لا شريكَ له.
(تفسيرُ السَّعديِّ)
– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ} الآياتَ.
يخبرُ تعالى عن عقوبتِهِ البليغةِ بـمَن أعرضَ عن ذكرِهِ، فقالَ: {وَمَنْ يَعْشُ} أي: يُعرِضُ ويصدُّ {عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ} الَّذي هوَ القرآنُ العظيمُ
– الشيخ : يعني: عبَّر عن الإعراضِ بعَشا البصرِ بعمى البصرِ {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} فالمعرضُ عن هدى اللهِ يشبَّهُ بالأعمى وبالأعشى.
– القارئ : {عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ} الَّذي هوَ القرآنُ العظيمُ، الَّذي هوَ أعظمُ رحمةٍ رحمَ بها الرَّحمنُ عبادَهُ، فمَن قبِلَها، فقد قبِلَ خيرَ المواهبِ، وفازَ بأعظمِ المطالبِ والرَّغائبِ، ومَن أعرضَ عنها وردَّها، فقد خابَ وخسرَ خسارةً لا يسعدُ بعدَها أبداً، وقيَّضَ لهُ الرَّحمنُ شيطاناً مَريداً، يقارنُهُ ويصاحبُهُ، ويعدُهُ ويمنِّيهُ، ويؤزُّهُ إلى المعاصي أزَّاً.
{وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ} أي: الصِّراطِ المستقيمِ، والدِّينِ القويمِ. {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} بسببِ تزيينِ الشَّيطانِ للباطلِ وتحسينِهِ لهُ، وإعراضِهم عن الحقِّ، فاجتمعَ هذا وهذا.
فإنْ قيلَ: فهل لهذا مِن عذرٍ، مِن حيثُ إنَّهُ ظَنَّ أنَّهُ مهتدٍ، وليسَ كذلكَ؟
قيلَ: لا عذرَ لهذا وأمثالِهِ، الَّذينَ مصدرُ جهلِهم الإعراضُ عن ذكرِ اللهِ، معَ تمكُّنِهم على الاهتداءِ، فزهدُوا في الهدى معَ القدرةِ عليهِ، ورغبُوا في الباطلِ، فالذَّنبُ ذنبُهم، والجرمُ جرمُهم.
فهذهِ حالةُ هذا الـمعرضِ عن ذكرِ اللهِ في الدُّنيا معَ قرينِهِ، وهوَ الضَّلالُ والغيُّ، وانقلابُ الحقائقِ.
وأمَّا حالُهُ إذا جاءَ ربَّهُ في الآخرةِ، فهوَ شرُّ الأحوالِ، وهوَ: النَّدمُ والتَّحسُّرُ والحزنُ الَّذي لا يجبرُ مصابَهُ، والتبرِّي مِن قرينِهِ، ولهذا قالَ تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ}
كما في قولِهِ تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا} [الفرقان:27-29]
وقولُهُ تعالى: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} أي: ولا يَنْفَعَكُمُ يومَ القيامةِ اشتراكُكم في العذابِ أنتم وقرناؤُكم وأخلَّاؤُكم، وذلكَ لأنَّكم اشتركْتُم في الظُّلمِ، فاشتركْتُم في عقابِهِ وعذابِهِ.
ولن ينفعَكم أيضاً رَوحُ التَّسلي في المصيبةِ، فإنَّ المصيبةَ إذا وقعَتْ في الدُّنيا، واشتركَ فيها المُعاقَبونَ، هانَ عليهم بعضُ الهونِ، وتسلَّى بعضُهم ببعضٍ، وأمَّا مصيبةُ الآخرةِ فإنَّها جمعَتْ كلَّ عقابٍ ما فيهِ أدنى راحةٍ، حتَّى ولا هذهِ الرَّاحةِ. نسألُكَ يا ربَّنا العافيةَ، وأنْ تريحَنا برحمتِكَ.
قالَ اللهُ تعالى: {أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ} الآياتَ.
يقولُ تعالى لرسولِهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-، مسلِّياً لهُ عن امتناعِ المكذِّبِينَ عن الاستجابةِ لهُ، وأنَّهم لا
– الشيخ : لا إله إلَّا الله وحده لا شريكَ له، أعد
– القارئ : يقولُ تعالى لرسولِهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-، مسلِّياً لهُ عن امتناعِ المكذِّبينَ عن الاستجابةِ لهُ، وأنَّهم لا خيرَ فيهم، ولا فيهم زكاءٌ يدعوهم إلى الهدى: {أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ} أي: الَّذينَ لا يسمعونَ {أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ} الَّذينَ لا يُبصرونَ، أو تهدي {مَنْ كَانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} أي: بَيِّنٌ واضحٌ، لعلمِهِ بضلالِهِ، ورضاهُ بهِ.
فكما أنَّ الأصمَّ لا يسمعُ الأصواتَ، والأعمى لا يبصرُ، والضَّالُّ ضلالاً مُبِيْنَاً لا يهتدي، فهؤلاءِ قد فسدَتْ فطرُهم وعقولُهم، بإعراضِهم عن الذِّكرِ، واستحدثُوا عقائدَ فاسدةٍ، وصفاتٍ خبيثةً، تمنعُهم وتحولُ بينَهم وبينَ الهدى
– الشيخ : آمنتُ باللهِ
– القارئ : وتوجبُ لهم الازديادَ مِن الرَّدى، فهؤلاءِ لم يبقَ إلَّا عذابُهم ونكالُهم، إمَّا في الدُّنيا، أو في الآخرةِ، ولهذا قالَ تعالى:
{فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ} أي: فإنْ ذهبْنا بكَ قبلَ أنْ نريَكَ ما نعدُهم مِن العذابِ، فاعلمْ بخبرِنا الصَّادقِ أنَّا منهم منتقمونَ.
{أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ} مِن العذابِ {فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ} ولكنَّ ذلكَ متوقِّفٌ على اقتضاءِ الحكمةِ لتعجيلِهِ أو تأخيرِهِ، فهذهِ حالُكَ وحالُ هؤلاءِ المكذِّبينَ.
وأمَّا أنتَ {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ} فعلاً واتِّصافاً، بما يأمرُ بالاتِّصافِ بهِ ودعوةٍ إليهِ، وحرصاً على تنفيذِهِ في نفسِكَ وفي غيرِكَ. {إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} موصِلٌ إلى اللهِ وإلى دارِ كرامتِهِ
– الشيخ : يا الله العافية، يا ربُّ نسألُك العافيةَ.
– القارئ : وهذا ممَّا يُوجِبُ عليكَ زيادةَ التَّمسُّكِ بهِ والاهتداءِ إذا علمْتَ أنَّهُ حقٌّ وعدلٌ وصدقٌ، تكونُ بانياً على أصلٍ أصيلٍ، إذا بنى غيرُكَ على الشُّكوكِ والأوهامِ، والظُّلمِ والجورِ.
{وَإِنَّهُ} أي: هذا القرآنُ الكريمُ {لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} أي: فخرٌ لكم، ومنقبةٌ جليلةٌ، ونعمةٌ لا يقادرُ قدرُها، ولا يعرفُ وصفَها، ويذكِّرُكم أيضاً ما فيهِ الخيرُ الدُّنيويُّ والأخرويُّ، ويحثُّكم عليهِ، ويذكِّرُكم الشَّرَّ ويرهبُكم عنهُ، {وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} عنهُ، هل قمْتُم بهِ فارتفعْتُم وانتفعْتُم، أم لم تقوموا بهِ فيكونُ حجَّةً عليكم، وكفراً منكم بهذهِ النِّعمةِ؟
{وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} حتَّى يكونَ للمشركينَ نوعُ حجَّةٍ، يتَّبعونَ فيها أحداً مِن الرُّسلِ، فإنَّكَ لو سألْتَهم واستخبرْتَهم عن أحوالِهم، لم تجدْ أحداً منهم يدعو إلى اتِّخاذِ إلهٍ آخرَ معَ اللهِ معَ أنَّ كلَّ الرُّسلِ، مِن أوَّلِهِم إلى آخرِهم، يدعونَ إلى عبادةِ اللهِ وحدَهُ لا شريكَ لهُ. قالَ تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:36] وكلُّ رسولٍ بعثَهُ اللهُ، يقولُ لقومِهِ: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}، فدلَّ هذا أنَّ المشركِينَ ليسَ لهم مُستَنَدٌ في شركِهم، لا مِن عقلٍ صحيحٍ، ولا نقلٍ عن الرُّسلِ.
انتهى.