الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الزخرف/(9) من قوله تعالى {ولما جاء عيسى بالبينات} الآية 63 إلى قوله تعالى {لكم فيها فاكهة كثيرة} الآية 73
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(9) من قوله تعالى {ولما جاء عيسى بالبينات} الآية 63 إلى قوله تعالى {لكم فيها فاكهة كثيرة} الآية 73

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الزخرف

الدَّرس: التَّاسع

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ

وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63) إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (64) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (65) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (66) الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67) يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) الَّذِينَ آَمَنُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ [الزخرف:63-73]

الشيخ : إلى هنا، سبحان الله، لا إله إلا الله.

يقول تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى} عيسى ابن مريم {جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ} يعني: بالآيات البيِّنات، ومنها ما ذكرَه في مثل قوله تعالى: {وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (48) وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ} الآيات [آل عمران:49،48]

فهذه مِن الآياتِ التي جاء بها وهي تدلُّ على نبوتِه ورسالتِه وصدقِه -عليه الصلاة والسلام- {وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ} يعني: قالَ لبني إسرائيل: {قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ} والحكمةُ تشمَلُ العلمَ الصحيح النافعَ والاعتقاداتِ الصحيحة والعملَ الصالح والأخلاقَ الفاضلة {جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ} الحكمةُ العلميَّة الاعتقاديَّة، والحكمة العمليَّة، فعيسى -عليه السلام- أحدُ أولي العَزْمِ من الرسل، وقد جعلَهُ اللهُ آيةً في خلقِه حيث وُلِدَ مِن أمٍّ بلا أبٍ، سبحان الله! {ذَلِكَ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [مريم:35،34] {قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ}.

{وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ} فبنو إسرائيل قبلَ مجيء المسيحِ كان بينَهم اختلافاتٌ في أمر الاعتقاداتِ وفي الأعمالِ {وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ}.

{فَاتَّقُوا اللَّهَ} هذه دعوةُ الرسلِ كلّهم يدعونَ إلى عبادةِ الله وحدَه لا شريكَ له، ويدعون إلى تقوى الله {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} هذا حقُّ الرسولِ: الإيمانُ به وطاعتُه، وحقُّ الله هو عبادتُه وتقواه {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ} {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ} [نوح:3] {وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ}.

{إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ} هُوَ رَبِّي هو مَالكي، وهو الذي أنعمَ عليَّ بنعمِه وعلى سائر العباد {هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ} اعبدوه وحدَه لا شريك له {هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} هذا هو الطريق، الطريقُ الـمُوصِلُ إلى الله هو عبادةُ الله وحدَه لا شريكَ له، وطاعتُه وطاعةُ رسلِه {هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ}

{فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ} اختلفوا في شأنِ المسيح، {فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ} فمنهم مَن غلَا فيه وزعم أنه ابنُ الله، وجعله إلهًا مع الله، ومنهم مَن جَفَى وقال: إنه كذَّاب وليسَ برسول وإنه ابن بَغيٍّ كاليهود، {وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (156) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ} [النساء:156]

{فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ} "ويلٌ" تهديدٌ ووعيدٌ للظالمين وهم الكفارُ والمشركون وأعداءُ الرسل.

{فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ}.

{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} هل ينظرُ هؤلاء الظالمون الكافرون {إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً} الساعة: القيامة التي لا بُدَّ أنها ستأتي، ولكن لا يعلمُ ميعادَها إلا الله، لا يعلمُ أجلَها وميعادَها ووقتَها ومُرْسَاهَا، لا يَعلمُها مَلَكٌ مُقرَّبٌ ولا نبيٌّ مرسل، بل ذلك إلى اللهِ وحدَه {ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الأعراف:187] .

 

(تفسيرُ السَّعديِّ)

القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ. قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى-: {وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ} الدَّالَّةِ عَلَى صِدْقِ نُبُوَّتِهِ وَصِحَّةِ مَا جَاءَهُمْ بِهِ، مِنْ إِحْيَاءِ الْمَوْتَى، وَإِبْرَاءِ الْأَكْمَهِ وَالْأَبْرَصِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ. {قَالَ} لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: {قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ} النُّبُوَّةِ وَالْعِلْمِ، بِمَا يَنْبَغِي عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَنْبَغِي. {وَلأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ} أَيْ: أُبَيِّنُ لَكُمْ صَوَابَهُ وَجَوَابَهُ، فَيَزُولَ عَنْكُمْ بِذَلِكَ اللَّبْسُ، فَجَاءَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- مُكَمِّلًا وَمُتَمِّمًا لِشَرِيعَةِ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَلِأَحْكَامِ التَّوْرَاةِ، وَأَتَى بِبَعْضِ التَّسْهِيلَاتِ

الشيخ : كانَ عيسى عليه السلام، مُتعبَّدًا بالتوراة وبالعملِ بها إلا أنَّه جاءَ بنَسخِ بعضِ أحكامِها مثل قوله تعالى: {وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ … فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} [آل عمران:50] مُتَمِّمًا ومُكَمِّلًا لشريعةِ التوراةِ.

 

القارئ : لِشَرِيعَةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلِأَحْكَامِ التَّوْرَاةِ. وَأَتَى بِبَعْضِ التَّسْهِيلَاتِ الْمُوجِبَةِ لِلِانْقِيَادِ لَهُ، وَقَبُولِ مَا جَاءَهُمْ بِهِ.

{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} أَيِ: اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَامْتَثِلُوا أَمْرَهُ، وَاجْتَنِبُوا نَهْيَهُ، وَآمِنُوا بِي وَصَدِّقُونِي وَأَطِيعُونِ.

{إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} فَفِيهِ الْإِقْرَارُ بِتَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ، بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُرَبِّي جَمِيعَ خَلْقِهِ بِأَنْوَاعِ النِّعَمِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ، وَالْإِقْرَارُ بِتَوْحِيدِ الْعُبُودِيَّةِ، بِالْأَمْرِ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَإِخْبَارِ عِيسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَنَّهُ عَبْدٌ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، لَيْسَ كَمَا قَالَ النَّصَارَى فِيهِ: "إِنَّهُ ابْنُ اللَّهِ أَوْ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ" وَالْإِخْبَارُ بِأَنَّ هَذَا الْمَذْكُورَ صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ، مُوَصِّلٌ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى جَنَّتِهِ.

{فِـ} لَمَّا جَاءَهُمْ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِهَذَا {اخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ} الْمُتَحَزِّبُونَ عَلَى التَّكْذِيبِ مِنْ بَيْنِهِمْ كُلٌّ قَالَ بِعِيسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- مُقَالَةً بَاطِلَةً، وَرَدَّ مَا جَاءَ بِهِ، إِلَّا مَنْ هَدَى اللَّهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، الَّذِينَ شَهِدُوا لَهُ بِالرِّسَالَةِ، وَصَدَّقُوا بِكُلِّ مَا جَاءَ بِهِ، وَقَالُوا: إِنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ.

{فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا} أَيْ: مَا أَشَدَّ حُزْنَ الظَّالِمِينَ {مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ} وَمَا أَعْظَمَ خَسَارَهُمْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ".

قال الله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا السَّاعَةَ} الآيات.

يقول تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ} أَيْ: هَلْ يَنْتَظِرُ الْمُكَذِّبُونَ، وَهَلْ يَتَوَقَّعُونَ {إِلا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} أي: فَإِذَا جَاءَتْ، فَلَا تَسْأَلُوا عَنْ أَحْوَالِ مَنْ كَذَّبَ بِهَا، وَاسْتَهْزَأَ بِمَنْ جَاءَ بِهَا.

{الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ…}

الشيخ : إلى هنا بس [يكفي].

القارئ : أحسن الله إليك