الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الزخرف/(10) من قوله تعالى {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو} الآية 67 إلى قوله تعالى {لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون} الآية 73
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(10) من قوله تعالى {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو} الآية 67 إلى قوله تعالى {لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون} الآية 73

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الزخرف

الدَّرس: العاشر

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ

الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ * يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ * ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ [الزخرف:67-73]

الشيخ : إلى هنا، سبحانَ اللهِ.

لـمَّا قالَ تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} قالَ تعالى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ} الأصحابُ والأصدقاءُ في ذلكَ اليومِ تنفصلُ العلاقاتُ ويصيرون أعداءً، {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} تنتهي العلاقاتُ فيتبرَّأُ المتبوعون من الأتباعِ ويلعنُ بعضُهم بعضاً، ويلومُ بعضهم بعضاً -أعوذُ باللهِ-.

{الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} المتَّقون المؤمنون أولياءُ اللهِ مودَّتُهم وصداقتُهم ووَلايتُهم تدوم كانتْ في الدُّنيا وتكون في الآخرةِ، اللهُ أكبرُ {إِلَّا الْمُتَّقِينَ} فالمتَّقون تدوم مودَّتُهم، الله أكبرُ، نسأل الله…، {إِلَّا الْمُتَّقِينَ}

{يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ} اللهُ يقول للمتقين يومَ القيامة يقول لهم: {يَا عِبَادِ} هم أولياءُ اللهِ {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:62-63] {يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ}

{الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ} هؤلاء هذه صفتُهم: مؤمنون بآياتِ اللهِ، وهم مسلمونَ لله، {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67) يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} لا خوفٌ عليهم في مستقبلِهم، بل لهم البشرى ولهم الأمنُ ولا يحزنون على ما مضى وذهبَ من حظوظِ الدُّنيا وممَّا مضى عليهم ولا…، يقولون في الجنَّةِ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ} [فاطر:34] وكثيراً ما يذكرُ اللهُ هذا المعنى، يذكرُ ما وعدَ به أولياءَه من الأمنِ من كلِّ المخاوف، ومن السَّلوةِ عمَّا ما مضى وعدم التفكُّر فيه وتذكُّره ولا يحزنون {يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ}

{ادْخُلُوا الْجَنَّةَ} يُقالُ لهم: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ}، {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ} يعني تُنعَّمون، الحبورُ: هو السُّرورُ والنَّعيمُ، {فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ} [الروم:15] في آيةٍ أخرى {فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ} الحبورُ بمعنى: التَّنعُّم والسُّرور، الله أكبرُ، نعوذُ بالله من الحرمانِ والخذلانِ والخسرانِ {أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ}

ثمَّ ذكرَ سبحانه أنواعاً ممَّا يُنعَّمون به ويحصلُ لهم به السُّرورُ والحبورُ {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ}

صِحاف، والصِّحافُ تُقصَدُ للأكلِ، يُؤكَلُ فيها، فرقٌ بين الآنيةِ أو الأكوابِ، الأكوابُ للشَّرابِ، والصِّحافُ للطَّعامِ، {يُطَافُ عَلَيْهِمْ} يطوفُ عليهم الولدان، الولدان يطوفون عليهم بأكوابٍ وأباريقَ وكأسٍ.

{يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ} فيها المطاعمُ اللَّذيذةُ، والأشربةُ اللَّذيذةُ، وهي في نفسِ الوقتِ مناظرُ جميلةٌ، {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ} يعني: مناظرُ، فتضمَّنَت الآيةُ ذكرَ الطَّعامِ والشَّرابِ والمنظرِ، لذَّةُ البطنِ في الأكلِ والشُّربِ، المآكلُ والمشاربُ، ولذَّةُ النظرِ، {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ} وتمامُ ذلك: الخلودُ، أمن لا يخشون من انقطاعِ هذا النَّعيمِ، لا يخشون انقطاعَه، بخلافِ نعيمِ الدُّنيا الآن، مهما بلغَ الإنسانُ فيه ومُتِّعَ وأُعطِيَ فهو مهدَّدٌ بانتقالِه عنها، أو بزوالِ ما بينَ يديه من نعيمِها، سبحان الله، {وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى:17] { وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}

{وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا} هذه الجنَّةُ {أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} يعني: بسببِ أعمالِكم الصَّالحةِ، هي سببُ الوصولِ إلى هذه المقاماتِ ونيلِ هذه اللَّذَّاتِ.

{وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ} كثيرةٌ وأنواعٌ منوَّعةٌ، كثيرةٌ ومتنوِّعةٌ {مِنْهَا تَأْكُلُونَ} وبهذا تنتهي الآياتُ المتضمِّنةُ لهذا الوعدِ الكريمِ والنَّعيمِ المقيمِ لأولياءِ اللهِ المتَّقين.

 

(تفسيرُ السَّعديِّ)

القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ. قالَ الشيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} الآياتَ.

{الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ} أي: يومَ القيامةِ، المُتخالِّينَ على

الشيخ : يومئذٍ، يومَ القيامةِ، يعني: يومَ قيامِ السَّاعةِ، لأنَّ كلمةَ: {يَوْمَئِذٍ} إشارةٌ إلى ما في الآيةِ الَّتي قبلَها: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * الأخِلاءُ يَوْمَئِذٍ} تقومُ السَّاعةُ، {يَوْمَئِذٍ} تأتي السَّاعةُ.

القارئ : الـمُتخالِّينَ على الكفرِ والتَّكذيبِ ومعصيةِ اللهِ، {بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ}

الشيخ : أعوذُ بالله، أعوذُ بالله، لا إله إلَّا الله، لا إله إلَّا الله، الحمدُ لله، لا إله إلَّا الله.

القارئ : لأنَّ خلَّتَهم ومحبَّتَهم في الدُّنيا لغيرِ اللهِ، فانقلبَتْ يومَ القيامةِ عداوةً. {إِلا الْمُتَّقِينَ} للشِّركِ والمعاصي

الشيخ : "الْمُتَّقِينَ للشرك والمعاصي"، يعني: مُتجنبين للكفرِ والمعاصي، ويصحُّ أن تكونَ للمتَّقين لله، المتَّقين الخائفين من اللهِ، المتَّقين لغضبِ اللهِ وعذابِه بفعلِ الواجبات وتركِ المحرَّماتِ.

 

القارئ : فإنَّ محبَّتَهم تدومُ وتتَّصلُ، بدوامِ مَن كانَتْ المحبَّةُ لأجلِهِ، ثمَّ ذكرَ ثوابَ المتَّقينَ، وأنَّ اللهَ تعالى يناديهم يومَ القيامةِ بما يسرُّ قلوبَهم، ويُذهِبُ عنهم كلَّ آفةٍ وشرٍّ، فيقولُ: {يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} أي: لا خوفٌ يلحقُكم فيما تستقبلونَهُ مِن الأمورِ، ولا حزنٌ يصيبُكم فيما مضى منها، وإذا انتفى المكروهُ مِن كلِّ وجهٍ، ثبتَ المحبوبُ المطلوبُ.

{الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وكانوا مسلمين} أي: وصفُهم الإيمانُ بآياتِ اللهِ، وذلكَ شاملٌ التَّصديقَ بها، وما لا يتمُّ التَّصديقُ إلَّا بهِ مِن العلمِ بمعناها والعملِ بمقتضاها. {وَكَانُوا مُسْلِمِينَ} للهِ منقادينَ لهُ في جميعِ أحوالِهم، فجمعُوا بينَ الاتِّصافِ بعملِ الظَّاهرِ والباطنِ.

{ادْخُلُوا الْجَنَّةَ} الَّتي هيَ دارُ القرارِ {أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ} أي: مَن كانَ على مثلِ عملِكم، مِن كلِّ مقارنٍ لكم: مِن زوجةٍ، وولدٍ، وصاحبٍ، وغيرِهم. {تُحْبَرُونَ} أي: تُنعَّمونَ وتُكرمونَ، ويأتيكم مِن فضلِ ربِّكم مِن الخيراتِ والسُّرورِ والأفراحِ واللَّذاتِ، ما لا تعبِّرُ الألسنُ عن وصفِهِ.

{يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ} أي: تدورُ عليهم خدَّامُهم مِن الوِلدانِ المخلَّدينَ بطعامِهم، بأحسنِ الأواني وأفخرِها، وهيَ صِحافُ الذَّهبِ وبشرابِهم بألطفِ الأواني

الشيخ : يقولُ في الحديثِ الصَّحيحِ: أنَّه عليه الصلاةُ والسلامُ نهى قالَ: (لا تشربُوا في آنيةِ الذَّهبِ والفضَّةِ ولا تأكلُوا في صحافِهما) يعني: في صِحافِ الذَّهب والفضَّة (فإنَّها لهم في الدُّنيا ولكم في الآخرةِ) "لهم في الدُّنيا" للكفَّار يأكلون فيها، "ولكم في الآخرةِ"

 

القارئ : وبشرابِهم بألطفِ الأواني، وهيَ الأكوابُ الَّتي لا عُرَى لها، وهيَ مِن أصفى الأواني، مِن فضَّةٍ أعظمُ مِن صفاءِ القواريرِ.

{وَفِيهَا} أي: الجنَّةِ {مَا تَشْتَهِيهِ الأنْفُسُ وَتَلَذُّ الأعْيُنُ} وهذا لفظٌ جامعٌ يأتي على كلِّ نعيمٍ وفرحٍ، وقرَّةِ عينٍ، وسرورِ قلبٍ، فكلُّ ما اشتهَتْهُ النُّفوسُ: مِن مطاعمَ، ومشاربَ، وملابسَ، ومناكحَ، وما تلذُّهُ العيونُ، مِن مناظرَ حسنةٍ، وأشجارٍ محدقةٍ، ونعمٍ مونقةٍ

الشيخ : لا إله إلَّا الله، لا إله إلَّا الله، آمنَّا بالله، لا إله إلَّا الله، يا سلام سلِّمْ، لا إله إلَّا الله.

القارئ : ومبانٍ مزخرفةٍ، فإنَّهُ حاصلٌ فيها، مُعدٌّ لأهلِها، على أكملِ الوجوهِ وأفضلِها، كما قالَ تعالى: {لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ}

{وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} وهذا هوَ تـمامُ نعيمِ أهلِ الجنَّةِ، وهوَ الخلدُ الدَّائمُ فيها، الَّذي يتضمَّنُ دوامَ نعيمِها وزيادتِهِ، وعدمَ انقطاعِهِ.

{وَتِلْكَ الْجَنَّةُ} الموصوفةُ بأكملِ الصِّفاتِ، هيَ {الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي: أورثَكم اللهُ إيَّاها بأعمالِكم، وجعلَها مِن فضلِهِ جزاءً لها، وأودعَ فيها مِن رحمتِهِ ما أودعَ.

{لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ} كما في الآيةِ الأخرى: {فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ} [الرحمن:52] {مِنْهَا تَأْكُلُونَ} أي: ممَّا تتخيَّرونَ مِن تلكَ الفواكهِ الشَّهيَّةِ، والثِّمارِ اللَّذيذةِ تَأْكُلُونَ.

ولمَّا ذكرَ نعيمَ

الشيخ : إلى هنا، خلص، انتهى.