بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الزخرف
الدَّرس: الثَّاني عشر
*** *** ***
– القارئ : قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (81) سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (82) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُالزخرف:81-84]
– الشيخ : إلى هنا بس [يكفي]، لا إله إلَّا الله.
يأمرُ اللهُ نبيَّهُ أنْ يقول للمشركين: {إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ} يعني: كما تقولون، قد تقدَّمَ أنَّه يقولون: الملائكةُ بناتُ اللهِ {إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} بعضُهم يقولُ: {إِنْ} هذه نافيةٌ يعني: ما كانَ للرَّحمنِ ولدٌ، والأظهرُ أنَّها شرطيَّةٌ لقوله: {فَأَنَا} فهذا جوابٌ: {إِنْ} اقترنَ بالفاءِ {إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ}، {إِنْ كَانَ} على فرضِ على زعمِكم {إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} له، يعني: للولدِ، لكنَّه تعالى ليسَ له ولدٌ تعالى وتقدَّسَ، بل هو ربُّ السمواتِ والأرضِ وربُّ العرشِ، عمَّا يصفُ… {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ}
{سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ} تنزيهٌ، تنزيهٌ لله عن الولدِ، لا، ليسَ له ولدٌ، {سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} ودائماً إذا ذكرَ اللهُ عن المشركين قولهم: "له ولدٌ" يُتبعُ ذلك بالتسبيحِ، وهذا في مواضعَ كثيرةٍ: {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} [البقرة:116] {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [يونس:68] {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} [الأنبياء:26]
{فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ}
ثمَّ قالَ: {فَذَرْهُمْ} اتركْهم، وهذا أسلوبُ تهديدٍ، اتركْهم في لهوهم ولعبِهم، اتركْهم بلهوِهم ولعبهم وغفلتِهم وإعراضِهم، {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا}، يَخُوضُوا في الباطلِ، يَخُوضُون في الباطلِ بالأقوالِ الباطلةِ والاعتقاداتِ الباطلةِ، يَخُوضُون على غيرِ هدىً ولا بصيرةٍ، ويلعبون في متاعِ الدُّنيا ولذَّاتِها ولهوِها، {فَذَرْهُمْ} {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ} حتَّى يلقون اليومَ الَّذي فيه يُوعَدون، لا إله إلَّا الله.
ثمَّ قالَ تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ} اللهُ في السَّماءِ إلهٌ، {وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ}، وإلهٌ واحدٌ، هو إلهٌ واحدٌ، إلهُ أهلِ السمواتِ وإلهُ أهلِ الأرضِ، ما ثَمَّ إلهانِ، لا، إلهٌ واحدٌ، هو إلهُ أهلِ السمواتِ وإلهُ أهل الأرضِ، {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ} هو معبودٌ في السَّموات ومعبودٌ في الأرض، هو معبودُ أهلِ السمواتِ وأهلِ الأرضِ، لا إلهَ إلَّا هو، لا إلهَ غيرُه، {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ} هو الإلهُ الحقُّ الَّذي لا يستحقُّ العبادةَ سواهُ، وهوَ الحكيمُ في تدبيره وفي تشريعه، له الحكمةُ البالغةُ، وهو الَّذي علمُه محيطٌ بكلِّ شيءٍ، فيعلمُ ما كانَ، وما يكونُ، وما لا يكونُ لو كان كيفَ يكونُ.
(تفسيرُ السَّعديِّ)
– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} الآياتَ.
أي: قلْ يا أيُّها الرَّسولُ الكريمُ، للَّذينَ جعلُوا للهِ ولداً، وهوَ الواحدُ الأحدُ الفردُ الصَّمدُ، الَّذي لم يتَّخذْ صاحبةً ولا ولداً، ولم يكنْ لهُ كفواً أحدٌ. {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} لذلكَ الولدِ، لأنَّهُ جزءٌ مِن والدِهِ
– الشيخ : يعني: على فرض، على فرض
– القارئ : وأنا أوَّلُ الخلقِ انقياداً للأمورِ المحبوبةِ للهِ، ولكنِّي أوَّلُ المنكرينَ لذلكَ، وأشدُّهم لهُ نفياً، فعُلِمَ بذلكَ بطلانُهُ، فهذا احتجاجٌ عظيمٌ عندَ مَن عرفَ أحوالَ الرُّسلِ، وأنَّهُ إذا علمَ أنَّهم أكملُ الخلقِ، وأنَّ كلَّ خيرٍ فهم أولى النَّاسِ سبقاً إليهِ وتكميلاً لهُ، وكلَّ شرٍّ فهم أولى النَّاسِ تركاً لهُ وإنكاراً لهُ وبعداً منهُ، فلو كانَ على هذا للرَّحمنِ ولدٌ وهوَ الحقُّ
– الشيخ : "وهوَ الحقُّ" يعني: على هذا الفرضِ، يعني: لو كانَ هو الحقُّ، لو كانَ وجودُ أو ثبوتُ ولدٍ للرحمن لو كانَ هو الحقُّ، هذا على سبيلِ الفرضِ، فجملةُ وهو الحقُّ معطوفةٌ على قولِه: لو {كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ} نعم، "وأنَّهُ الحقُّ لكنْتُ أوَّلَ العابدينَ"
– القارئ : لكانَ محمَّدٌ بنُ عبدِ اللهِ أفضلَ الرَّسلِ أوَّلُ مَن عبدَهُ، ولم يسبقْهُ إليهِ المشركونَ.
ويُحتمَلُ أنَّ معنى الآيةِ: لو كانَ للرَّحمنِ ولدٌ، فأنا أوَّلُ العابدينَ للهِ، ومِن عبادتي للهِ، إثباتُ ما أثبتَهُ، ونفيُ ما نفاهُ، فهذا مِن العبادةِ القوليَّةِ الاعتقاديَّةِ، ويلزمُ مِن هذا لو كانَ حقَّاً لكنْتُ أوَّلَ مثبتٍ لهُ، فعُلِمَ بذلكَ بطلانُ دعوى المشركينَ وفسادِها عقلاً ونقلاً.
{سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} مِن الشَّريكِ والظَّهيرِ، والعوينِ، والولدِ، وغيرِ ذلكَ، ممَّا نسبَهُ إليهِ المشركونَ.
{فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا} أي: يخوضُوا بالباطلِ، ويَلعبُوا بالـمُحالِ، فعلومُهم ضارَّةٌ غيرُ نافعةٍ، وهيَ الخوضُ والبحثُ بالعلومِ الَّتي يعارضونَ بها الحقَّ وما جاءَتْ بهِ الرُّسلُ، وأعمالُهم لعبٌ وسفاهةٌ لا تُزكِّي النُّفوسَ، ولا تُثمرُ المعارفَ.
ولهذا توعَّدَهم بـما أمامَهم مِن يومِ القيامةِ فقالَ: {حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ} فسيعلمونَ فيهِ ماذا حصَّلُوا، وما حصلُوا عليهِ مِن الشَّقاءِ الدَّائمِ، والعذابِ المستمرِّ.
– الشيخ : نعوذُ باللهِ من الشِّقوةِ، نعوذ بالله من الشِّقوة
– القارئ : أحسنَ اللهُ إليك، {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ}
– الشيخ : انتهت؟ إي إي هذه تبعٌ لها، تبعٌ للآية
– القارئ : قالَ اللهُ تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأرْضِ إِلَهٌ} الآياتَ.
يُخبرُ تعالى أنَّهُ وحدَهُ المألوهُ المعبودُ في السَّمواتِ والأرضِ فأهلُ السَّمواتِ كلُّهم، والمؤمنونَ مِن أهلِ الأرضِ، يعبدونَهُ، ويعظِّمونَهُ، ويخضعونَ لجلالِهِ، ويفتقرونَ لكمالِهِ.
{تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء:44] {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} [الرعد:15]
فهوَ تعالى المألوهُ المعبودُ، الَّذي يألهُهُ الخلائقُ كلُّهم، طائعينَ مختارينَ، وكارهينَ. وهذهِ كقولِهِ تعالى: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ} [الأنعام:3] أي: ألوهيَّتُهُ ومحبَّتُهُ فيهما. وأمَّا هوَ فهوَ فوقَ عرشِهِ، بائنٌ مِن خلقِهِ
– الشيخ : يعني: ليسَ معناهُ أنَّ اللهَ في السَّمواتِ، أنَّ الله نفسَه في السمواتِ وفي الأرضِ، لا، معناه: أنَّه معبودٌ في السَّمواتِ والأرضِ، وهو فوقَ عرشِه، هو تعالى بذاتِه هو نفسُه فوقَ العرشِ، وهو معبودٌ ومألوهٌ في السمواتِ وفي الأرضِ.
– القارئ : وأمَّا هوَ فهوَ فوقَ عرشِهِ، بائنٌ مِن خلقِهِ، متوحِّدٌ بجلالِهِ، متمجِّدٌ بكمالِهِ.
{وَهُوَ الْحَكِيمُ} الَّذي أحكمَ ما خلقَهُ، وأتقنَ ما شرعَهُ، فما خلقَ شيئاً إلَّا لحكمةٍ، ولا شَرَعَ شيئاً إلَّا لحكمةٍ، وحكمُهُ القدريُّ والشَّرعيُّ والجزائيُّ مشتمِلٌ على الحكمةِ.
{الْعَلِيمُ} بكلِّ شيءٍ، يعلمُ السِّرَّ وأخفى، ولا يعزبُ عنهُ مثقالَ ذرَّةٍ في العالمِ العلويِّ والسُّفليِّ، ولا أصغرَ منها ولا أكبرَ
– الشيخ : لا إله إلَّا الله
– القارئ : {وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ..}
– الشيخ : إلى هنا {وَتَبَارَكَ} شوف [انظرْ] ابنَ كثيرٍ عندَ الآيةِ الأولى {قُلْ إِنْ كَانَ..} لا إله إلَّا الله، حسبُنا اللهُ ونعمَ الوكيل، لا إله إلَّا الله، قَدَرُ اللهِ وما شاءَ فعلَ، قَدَرُ اللهِ وما شاءَ فعلَ.
– القارئ : يقول -أحسن الله إليك- عن الآيةِ الأولى؟
– الشيخ : إي، بس [فقط] هي
– القارئ : يَقُولُ تَعَالَى: قُلْ يَا مُحَمَّدُ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ أَيْ: لَوْ فُرِضَ هَذَا
– الشيخ : "لَوْ فُرِضَ" يعني: فرضاً وتقديراً، والشيءُ الـمُحالُ يُفرَضُ، لَوْ فُرِضَ.
– القارئ : أَيْ: لَوْ فُرِضَ هَذَا لَعَبَدْتُهُ عَلَى ذَلِكَ، لِأَنِّي عَبْدٌ مِنْ عَبِيدِهِ مُطِيعٌ لِجَمِيعِ مَا يَأْمُرُنِي بِهِ لَيْسَ عِنْدِي اسْتِكْبَارٌ وَلَا إِبَاءٌ عَنْ عِبَادَتِهِ، فلو فُرِضَ كانَ هَذَا، وَلَكِنْ هَذَا مُمْتَنِعٌ فِي حَقِّهِ تَعَالَى وَالشَّرْطُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْوُقُوعُ وَلَا الْجَوَازُ أيضاً كما قالَ تعالى:
– الشيخ : ولا سيما.. مثل: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء:22] على سبيلِ الفرضِ.
– القارئ : كما قالَ تعالى: {لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشاءُ سُبْحانَهُ هُوَ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ} [الزمر:4] وقالَ بعضُ المفسِّرينَ في قولِهِ تعالى: {فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ} أَيِ: الْآنِفِينَ
– الشيخ : والله إنَّها ثقيلةٌ، من الأَنَفَة؟
– القارئ : نعم
– الشيخ : ما.. المعنى الأوَّل هو الظاهرُ بس، وقالَ بعضُهم، أعدْ، وقالَ
– القارئ : وقالَ بعضُ المفسِّرينَ في قولِهِ تعالى: {فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ} أَيِ: الْآنِفِينَ، وَمِنْهُمْ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالْبُخَارِيُّ حَكَاهُ فَقَالَ: وَيُقَالُ: أَوَّلُ الْعَابِدِينَ الْجَاحِدِينَ مِنْ عَبَدَ يُعْبَدُ
– طالب: "عَبِدَ يَعْبَدُ" يا شيخ
– الشيخ : خلَّه بس [يكفي] لا
– القارئ : وَذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ
– الشيخ : أيش يقول: مِنْ عَبَدَ؟
– القارئ : يُعْبَدُ
– طالب: مِنْ عَبِدَ يَعْبَدُ. كأنَّه فعلٌ آخرُ
– الشيخ : ما نستفيدُ شيئاً، ما طلعنا، ما طلعنا بنتيجةٍ
– القارئ : وَذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ لِهَذَا الْقَوْلِ مِنَ الشَّوَاهِدِ مَا رَوَاهُ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنِ ابْنِ وهبٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ بَعَجَةَ بْنِ زَيْدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّ امْرَأَةً مِنْهُمْ دَخَلَتْ عَلَى زَوْجِهَا وَهُوَ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَيْضًا، فَوَلَدَتْ لَهُ فِي سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَذَكَرَ ذَلِكَ زَوْجُهَا لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، فَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُرْجَمَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فقالَ: إنَّ اللهَ تعالى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: {وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً} [الأحقاف:15] وقالَ عزَّ وجلَّ: {وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ} [لقمان:14] قالَ: فو اللهِ مَا عَبَدَ عُثْمَانُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنْ بَعْثَ إِلَيْهَا تُرَدُّ، قَالَ يُونُسُ:
قَالَ ابْنُ وهب: عبدَ استنكفَ
– الشيخ : إي هذا الي قالَ لك: "آنف"
– القارئ : مَتَى مَا يَشَأْ ذُو الْوُدِّ يَصْرِمْ خَلِيلَهُ … وَيَعْبَدُ عَلَيْهِ لَا مَحَالَةَ ظَالِمًا
وَهَذَا الْقَوْلُ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ كَيْفَ يَلْتَئِمُ مَعَ الشَّرْطِ فَيَكُونَ تَقْدِيرُهُ إِنْ كَانَ هَذَا فَأَنَا مُمْتَنِعٌ مِنْهُ؟
هَذَا فِيهِ نَظَرٌ فَلْيُتَأَمَّلْ، اللَّهُمَّ إِلَّا أنْ يُقالَ: أنَّ "إِنْ" لَيْسَتْ شَرْطًا وَإِنَّمَا هِيَ نَافِيَةٌ، كَمَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ} يَقُولُ: لَمْ يَكُنْ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ، فَأَنَا أَوَّلُ الشَّاهِدِينَ.
وَقَالَ قتادةُ: هيَ كلمةٌ مِن كلامِ العربِ {إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ} أَيْ: إِنْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فَلَا يَنْبَغِي، وَقَالَ أَبُو صَخْرٍ: {قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ} أَيْ: فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ عَبَدَهُ بِأَنْ لَا وَلَدَ لَهُ، وَأَوَّلُ مَنْ وَحَّدَهُ، وَكَذَا قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ} أَيْ: أَوَّلُ مَنْ عَبَدَهُ وَوَحَّدَهُ وَكَذَّبَكُمْ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: {فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ} الْآنِفِينَ وَهُمَا لُغَتَانِ رَجُلٌ عَابِدٌ وَعَبِدٌ، وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ عَلَى أنَّهُ شرطٌ وجزاءٌ ولكنْ هوَ ممتنعٌ، وقالَ السَّدِّيُّ: {قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ} يَقُولُ: لَوْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ كُنْتُ أوَّلَ مَن عبدَهُ بأنَّ لهُ ولداً، ولكنْ لَا وَلَدَ لَهُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ وَرَدَّ قَوْلَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ "إِنْ" نَافِيَةٌ. ولهذا قالَ تعالى: {سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} أَيْ: تَعَالَى وَتَقَدَّسَ وَتَنَزَّهَ
– الشيخ : إلى آخره، إلى آخره، خلاص، يكفي.