بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الدُّخان
الدَّرس: الخامس
*** *** ***
– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ
إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (40) يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (41) إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (42) إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ (47) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (48) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49) إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ [الدخان:40-50]
– الشيخ : إلى هنا، لا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا بالله، لا إله إلَّا الله.
لـمـَّا ذكرَ سبحانه وتعالى بعضَ أخبارِ الأممِ الماضين، وذكرَ أحوالَ المشركينَ الحاضرين، لا إله إلَّا الله، أخبَر أنَّ لهؤلاءِ لجميعِهم موعِدٌ وميقاتٌ يجمعُهم اللهُ فيه {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ}، يَوْمُ الْفَصْلِ اسمٌ من أسماءِ يومِ القيامةِ، {يَوْمَ الْفَصْلِ}، ويومَ الجمعِ، ويومَ الحسابِ، ويومَ النُّشورِ، يَوْمَ الْفَصْلِ {لِيَوْمِ الْفَصْلِ (13) وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ (14) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} [المرسلات:13-15] {قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} هذا ميقاتُهم يومُ الفصلِ.
{إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (40) يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا} لا يُغني صديقٌ عن صديقٍ، ولا قريبٌ عن قريبٍ، لا يغني أحدٌ عن أحدٍ، {لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} [البقرة:48] {لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا} [لقمان:33]
{إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (40) يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ} هؤلاءِ الكافرون أعداءُ الرُّسل المكذِّبون المشركون المعتدون الملحدون هؤلاء لا يجدون نصيراً لا يُنصَرون.
{يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (41) إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ} من رحمَه اللهُ فهو منصورٌ وناجٍ، إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ تعالى هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ، {إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}
ثمَّ ذكرَ سبحانه وتعالى حالَ هؤلاء الكافرين إذا صاروا إلى دارِ الشَّقاءِ دارِ الخلودِ العذاب الأليم، ولهم فيها طعامٌ وشرابٌ، لهم فيها طعامٌ، شجرةُ الزَّقومِ.
{إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ} {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ} أعوذُ بالله، نعوذُ بالله من النَّار، نعوذُ بالله من حالِ الشَّقاء، نعوذُ بالله من الشَّقوةِ.
{كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ} يأمرُ اللهُ الملائكةَ بأن يأخذوا هذا الكافرَ، هذا الكفور الشَّقي، {خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ} وسطَ الجحيمِ، ألقوه في وسطِ الجحيم، {خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ}.
{ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ} ثمَّ يوبِّخُ {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} يقولُ أهلُ العلم المفسِّرون: إنَّ هذا من نوعِ التَّهكُّمِ به، وهذا لونٌ من ألوان العذابِ النفسيِّ، فيجتمعُ لهم العذابُ الجسديُّ والعذابُ النَّفسيُّ، {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} {أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} يقولون إذاً الحقيقة: إنَّك أنتَ الذَّليلُ اللَّئيمُ المهينُ، هذا هو المعنى.
{إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ} هذا العذابُ هذا هو الَّذي كنتم به تشكُّون وتمارون وتجادلون، مثل الآية الأخرى، هذه النَّارُ الَّتي كنْتُم تُوعَدونَ اصلوها اليومَ بما كنْتُم تكسبونَ.
(تفسيرُ السعدي)
– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ. قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ بنُ ناصرٍ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ} الآياتَ.
{إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ} وهوَ يومُ القيامةِ الَّذي يفصلُ اللهُ بهِ بينَ الأوَّلينَ والآخرينَ
– الشيخ : اللهُ أكبرُ، يعني: يفصلُ بينهم يحكمُ بينهم، فيميزُ الخبيثَ من الطَّيِّبِ {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [الأنفال:37]
– القارئ : وبينَ كلِّ مختلفِينَ {مِيقَاتُهُمْ} أي: الخلائقَ {أَجْمَعِينَ}
كلُّهم سيجمعُهم اللهُ فيهِ ويحضرُهم ويحضرُ أعمالَهم ويكونُ الجزاءُ عليها
– الشيخ : لا إله إلَّا الله، لا إله إلَّا الله، ما أعظمَ الأمرَ! وما أعظمَ الهولَ! وما أعظمَ ذلكَ اليومَ! سبحانَ الله، {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6] {أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ} [المطففين:4-5] فالقرآنُ فيه ذكرُ البعثِ والنُّشورِ، وذكرُ هذا اليومِ بأسمائِه المختلفةِ.
– القارئ : {يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا} لا قريبٌ عن قريبِهِ ولا صديقٌ عن صديقِهِ، {وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ} أي: يُمنَعونَ مِن عذابِ اللهِ -عزَّ وجلَّ-؛ لأنَّ أحداً مِن الخلقِ لا يملكُ مِن الأمرِ شيئاً.
{إِلا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} فإنَّهُ هوَ الَّذي ينتفعُ ويرتفعُ برحمةِ اللهِ تعالى الَّتي تسببَ إليها وسعى لها سعيَها في الدُّنيا. ثمَّ قالَ تعالى: {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الأثِيمِ} الآياتَ.
لمَّا ذكرَ يومَ القيامةِ وأنَّهُ يفصلُ بينَ عبادِهِ فيهِ ذكرَ افتراقَهم إلى فريقَينِ: فريقٌ في الجنَّةِ، وفريقٌ في السَّعيرِ وهم: الآثمونَ بعملِ الكفرِ والمعاصي وأنَّ طعامَهم {شَجَرَةَ الزَّقُّومِ} شرَّ الأشجارِ وأفظعَها وأنَّ طعمَها {كَالْمُهْلِ} أي: كالصَّديدِ المُنتنِ خبيثِ الرِّيحِ والطَّعمِ شديدِ الحرارةِ
– الشيخ : أعوذُ بالله، أعوذُ بالله، يا الله، اللَّهمَّ آمنَّا، نسألُ اللهَ العافيةَ.
– القارئ : {يَغْلِي فِي الْبُطُونِ} بطونِهم {كَغَلْيِ الْحَمِيمِ} ويُقالُ للمُعذَّبِ: {ذُقْ} هذا العذابَ الأليمَ والعقابَ الوخيمَ {إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} أي: بزعمِكَ أنَّكَ عزيزٌ ستمتنعُ مِن عذابِ اللهِ وأنَّكَ كريمٌ على اللهِ لا يصيبُكَ بعذابٍ، فاليومَ تبيَّنَ لكَ أنَّكَ أنتَ الذَّليلُ المُهانُ الخسيسُ. {إِنَّ هَذَا} العذابَ العظيمَ {مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ} أي: تشكُّونَ فالآنَ صارَ عندَكم حقُّ اليقينِ.
– الشيخ : إلى هنا، باركَ اللهُ بك.