الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الجاثية/(5) من قوله تعالى {هذا بصائر للناس} الآية 20 إلى قوله تعالى {وخلق الله السماوات والأرض بالحق} الآية 22

(5) من قوله تعالى {هذا بصائر للناس} الآية 20 إلى قوله تعالى {وخلق الله السماوات والأرض بالحق} الآية 22

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الجاثية

الدَّرس: الخامس

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشيطان الرجيم:

هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (20) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21) وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ [الجاثية:20-22]

الشيخ : إلى هنا، لا إله إلَّا الله، لا إله إلَّا الله، لا إله إلَّا الله.

{هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ} [الأعراف:203] "هذا" إشارةٌ إلى القرآن العظيمِ، {هَذَا هُدًى} [الجاثية:11] {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة:2] {إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء:9] {هَذَا بَصَائِرُ}، يعني: آياتُه تُبَصِّرُ الناسَ، يعني: تبيِّنُ لهم وتهديهم وتعرِّفُهم، {بَصَائِرُ} تلك آياتٌ بيِّناتٌ، {هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ} يشبه {هُدًى لِلنَّاسِ} [آل عمران:4] مثل {هُدًى لِلنَّاسِ} القرآنُ هدىً للنَّاسِ، لكن لا ينتفعُ به إلَّا من آمنَ به واتَّبعه.

{هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} يكونُ رحمةً لمن آمنَ به، ويكون هدىً لمن آمنَ به وأيقنَ أنَّه من عند الله، من أيقنَ أنَّه من عندِ اللهِ انتفعَ به وصارَ له هدىً ورحمةً وشفاءً.

ثمَّ قالَ تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} ينكرُ تعالى على الكفَّار ومن أشبهَهم من المقترفين للسَّيِّئات والجرائم ينكرُ عليهم ظنَّهم أنَّ اللهَ يسوِّي بينهم وبين الَّذين آمنوا وعملوا الصَّالحاتِ، هذا لا يكونُ هذا حكمٌ سيِّئٌ، الحكم بالتَّسوية بينَ الَّذين آمنوا وعملوا الصَّالحاتِ وبين المفسدين وبينَ المتَّقين والفجَّار، كما قالَ تعالى: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص:28] يعني: لا، لا يكونُ هذا، {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ} [القلم:35] لا، لا يسوِّي اللهُ بينهم، وهذا يدلُّ على أنَّه لابدَّ من يومٍ يجزي اللهُ فيه العاملين من المحسنين والمسيئين، ولو لم يكن هناكَ بَعْثٌ ولا نشورٌ لزمَ من ذلك التَّسويةُ، وهذا ممتنعٌ في حقِّ الرَّبِّ؛ لأنَّ ذلكَ لا يليقُ بحكمتِه سبحانَه وتعالى.

{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ} اجْتَرَحُوها يعني: اقترفوها وفعلوها، {اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ} يعني: نُسوِّي بينهم في الحياةِ وبعدَ الممات، {سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} هذا حكمٌ سيِّئٌ لا يليقُ باللهِ، فاللهُ لا يسوِّي بينَ الصَّالحِ والفاسدِ والتَّقيِّ والفاجرِ والمؤمنِ والكافرِ، لا يسوِّي بينهم.

ثمَّ قال تعالى: {وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ} خلقَها بالحقِّ، لغايةٍ حميدةٍ، خلقَها؛ لابتلاءِ العبادِ، ما خلقَ السَّموات والأرضِ عبثاً، ما خلقَها لعباً ما خلقَها إلَّا بالحقِّ، وخلقَها ليجزيَ العاملين {وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ} خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ؛ ليبتليَ العبادَ ثمَّ يجازيهم بأعمالهم، {وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}.

 

(تفسيرُ السَّعديِّ)

القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى: {هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ} الآية.

{هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}.

أي: {هَذَا} القرآنُ الكريمُ والذِّكرُ الحكيمُ {بَصَائِرُ لِلنَّاسِ} أي: يحصلُ بهِ التَّبصرةُ في جميعِ الأمورِ للنَّاسِ فيحصلُ بهِ الانتفاعُ للمؤمنينَ.

{وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} فيهتدونَ بهِ إلى الصِّراطِ المستقيمِ في أصولِ الدِّينِ وفروعِهِ ويحصلُ بهِ الخيرُ والسُّرورُ والسَّعادةُ في الدُّنيا والآخرةِ وهيَ الرَّحمةُ. فتزكو بهِ نفوسُهم وتزدادُ بهِ عقولُهم ويزيدُ بهِ إيمانُهم ويقينُهم، وتقومُ بهِ الحجَّةُ على مَن أصرَّ وعاندَ.

الشيخ : أعوذُ باللهِ

القارئ : قالَ اللهُ تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ} الآيةَ.

أي: {أَمْ حَسِبَ} المسيئونَ المكثرونَ مِن الذُّنوبِ المقصِّرونَ في حقوقِ ربِّهم.

{أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} بأنْ قامُوا بحقوقِ ربِّهم، واجتنبُوا مساخطَهُ ولم يزالُوا مؤثِرينَ رضاهُ على هوى أنفسِهم؟ أي: أحسبُوا أنْ يكونُوا {سَوَاءً} في الدُّنيا والآخرةِ؟ ساءَ ما ظنُّوا وحسبُوا وساءَ ما حكمُوا بهِ، فإنَّهُ حكمٌ يخالفُ حكمةَ أحكمِ الحاكمينَ وخيرِ العادلينَ ويناقضُ العقولَ السَّليمةَ والفطرَ الـمستقيمةَ، ويضادُّ ما نزلَتْ بهِ الكتبُ وأخبرَتْ بهِ الرُّسلُ، بل الحكمُ الواقعُ القطعيُّ أنَّ المؤمنينَ العاملينَ الصَّالحاتِ لهم النَّصرُ والفلاحُ والسَّعادةُ والثَّوابُ في العاجلِ والآجلِ، كلٌّ على قدرِ إحسانِهِ، وأنَّ المسيئينَ لهم الغضبُ والإهانةُ والعذابُ والشَّقاءُ في الدُّنيا والآخرةِ.

الشيخ : نسألُ اللهَ العافيةَ.

القارئ : قالَ اللهُ تعالى: {وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ}

أي: خلقَ اللهُ السَّماواتِ والأرضَ بالحكمةِ وليُعبَدَ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، ثمَّ يحاسبُ بعدَ ذلكَ مَن أمرَهم بعبادتِهِ وأنعمَ عليم بالنِّعمِ الظَّاهرةِ والباطنةِ هل شكرُوا اللهَ تعالى وقامُوا بالمأمورِ؟ أم كفرُوا فاستحقُّوا جزاءَ الكفورِ؟

قالَ اللهُ تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الجاثية:23]

الشيخ : إلى هنا، باركَ اللهُ بك، الله المستعانُ، سبحانَ الله وبحمده.