الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الجاثية/(7) من قوله تعالى { ولله ملك السماوات} الآية 27 إلى قوله تعالى {وبدا لهم سيئات ما عملوا} الآية 33

(7) من قوله تعالى { ولله ملك السماوات} الآية 27 إلى قوله تعالى {وبدا لهم سيئات ما عملوا} الآية 33

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الجاثية

الدَّرس: السَّابع

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ من الشَّيطانِ الرَّجيمِ

وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (27) وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (30) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ (31) وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (32) وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ [الجاثية:27-33]

الشيخ : إلى هنا بس [يكفي].

الحمدُ للهِ، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} هو خالقُها ومدبِّرُها وما فيها، له الملكُ كلُّهُ، وله الحمدُ كلُّه، وبيده الخيرُ كلُّه، {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ} تقومُ القيامةُ، لها وقتٌ، وقتٌ معلومٌ، ولها أسماءٌ: القيامةُ والسَّاعةُ، {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ} يومُ القيامةِ {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [القيامة:1] وهيَ ساعةٌ ساعةٌ عظيمةٌ، حدثٌ عظيمٌ، أعظمُ حدثٍ، تتابعُ فيها الأمورُ العظامُ -لا إله إلَّا الله- يومٌ عظيمٌ! في ذلكَ اليوم يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ، يخسرون خسرانًا مبينًا، يخسرون أنفسَهم وأهليهم؛ لأنَّهم لم يقدِّموا من أسبابِ الرِّبح والنَّجاح والنَّجاة {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ}

وفي ذلكَ اليوم تكونُ الأممُ جائيةً تنتظرُ مصيرَها، تنتظرُ مصيرها كما في الآية: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ} [الروم:14] ليسَ فيه استقرارٌ إلَّا في إحدى الدَّارين -أعوذُ بالله من النَّارِ!- {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا} لها كتابٌ {كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} {الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ} يومُ الجزاءِ على الأعمال صغيرِها وكبيرِها، {الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ … هَذَا كِتَابُنَا} هذا كتابُ الأعمالِ المسطورُ الّذي كان يكتبُه الكاتبون الحفظةُ في الدُّنيا {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.

{وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء:13-14] {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} [الكهف:49] {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}

ثمَّ إنَّ النَّاسَ فريقان، يكونون فريقين كما كانوا في الدُّنيا فريقين: مؤمنٌ وكافرٌ، وبرٌّ وفاجرٌ، ومصلِحٌ ومفسِدٌ، تظهرُ أحوالهم ويكون يوم القيامة كذلك، فريقٌ في الجنَّة وفريقٌ في.. {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ} في الجنة {فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ} الفوزُ البيِّنُ، الفوزُ العظيمُ، الفوزُ الكبيرُ.

{وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا} فيقالُ لهم: {أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ} توبيخًا لهم {أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ (31) وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ} يُوبَّخون على هذا، هذه حالُهم {أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ (31) وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ}

{وَبَدَا لَهُمْ} في ذلك اليومِ {وَبَدَا لَهُمْ} في ذلك اليومِ {وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} حلَّ بهم الهلاكُ ونزلَ بهم العذابُ، الَّذين كانوا يستهزئونَ به في الدُّنيا يقولون للرُّسل: {ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا} [الأعراف:77] {مَتَى هَذَا الْوَعْدُ} سخريةً واستبعادًا، فيُوبَّخون على ذلك ويُقالُ: هذا ما كنْتُم به تستهزئون.

 

(تفسيرُ السَّعديِّ)

القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ. قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الآياتَ.

يُخبِرُ تعالى عن سعةِ ملكِهِ وانفرادِهِ بالتَّصرُّفِ والتَّدبيرِ في جميعِ الأوقاتِ وأنَّهُ {يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ} ويجمعُ الخلائقَ لموقفِ القيامةِ يحصلُ الخسارُ على المبطلينَ الَّذين أتَوا بالباطلِ؛ ليدحضوا بهِ الحقَّ، وكانَتْ أعمالُهم باطلةً؛ لأنَّها متعلِّقةٌ بالباطلِ فبطلَتْ في يومِ القيامةِ، اليومُ الَّذي تستبينُ بهِ الحقائقُ، واضمحلَّتْ عنهم وفاتَهم الثَّوابُ.

الشيخ : نسألُ اللهَ العافيةَ

القارئ : وحصلُوا على أليمِ العقابِ.

ثمَّ وصفَ تعالى شدَّةَ يومِ القيامةِ وهولِهِ؛ لِيَحْذَرَهُ ويستعدَّ له العُبَّادُ، فقالَ: {وَتَرَى} أيُّها الرَّائي لذلكَ اليومِ {كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً} على ركبِها خوفًا وذعرًا وانتظارًا لحكمِ الملكِ الرَّحمنِ.

{كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا} أي: إلى شريعةِ نبيِّهم الَّذي جاءَهم مِن عندِ اللهِ، وهل قامُوا بها فيحصلُ لهم الثَّوابُ والنَّجاةُ؟ أم ضيَّعُوها فيحصلُ لهم الخسرانُ؟

{الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} فأمَّةُ موسى يُدعَونَ إلى شريعةِ موسى وأمَّةُ عيسى كذلكَ وأمَّةُ محمَّدٍ كذلكَ

الشيخ : "أبو أيوب"، "أبو أيوب"؟

القارئ : ما حضرَ، ما حضرَ!

الشيخ : شوف [انظر] تفسيرَ ابن كثير عندكم يا أحدكم على الآيةِ: {كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا}

القارئ : وهكذا غيرُهم كلُّ أمَّةٍ تُدعَى إلى شرعِها الَّذي كُلِّفَتْ بهِ، هذا أحدُ الاحتمالاتِ في الآيةِ

الشيخ : هذا أحدُ الاحتمالاتِ، إي

القارئ : وهوَ معنىً صحيحٌ في نفسِهِ غيرُ مشكوكٍ فيهِ، ويُحتمَلُ أنَّ المرادَ بقولِهِ: {كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا} أي: إلى كتابِ أعمالِها

الشيخ : هذا أظهرُ، هذا أظهرُ، واللهُ أعلمُ، أمرُ الشَّريعةِ انقضى

القارئ : وما سُطِّرَ عليها مِن خيرٍ وشرٍّ وأنَّ كلَّ أحدٍ يُجازَى بما عملَهُ بنفسِهِ كقولِهِ تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} [فصلت:46]

ويُحتمَلُ أنَّ المعنيَينِ كليهما مرادٌ مِن الآيةِ ويدلُّ على هذا قولُهُ: {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ} أي: هذا كتابُنا الَّذي أنزلْنا عليكم، يفصلُ بينَكم بالحقِّ الَّذي هوَ العدلُ، {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} فهذا كتابُ الأعمالِ.

ولهذا فصلَ ما يفعلُ اللهُ بالفريقينِ فقالَ: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}

الشيخ : إلى هنا بس [يكفي]، قفْ على هذا…

– طالب: أحسنَ الله إليكم، تفسيرُ ابن كثيرٍ -رحمه اللهُ-، الموضع الَّذي طلبتَه.

الشيخ : طيب تفضَّل اقرأْ

– طالب: قالَ رحمَهُ اللهُ تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ}

– الشيخ : لا، لا، بعدها {وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً}

– طالب: ثمَّ قالَ تعالى: {وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً} أَيْ: عَلَى رُكَبِهَا مِن الشِّدَّةِ والعظمةِ، ويُقالُ: إنَّ هذا إِذَا جِيءَ بِجَهَنَّمَ

الشيخ : إي، أعوذُ بالله من النَّارِ

– طالب: فَإِنَّهَا تَزْفِرُ زَفْرَةً، لَا يَبْقَى أَحَدٌ إِلَّا جَثَا لِرُكْبَتَيْهِ، حَتَّى إِبْرَاهِيمُ الخليلُ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- وَيَقُولُ: نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي! لَا أَسْأَلُكَ الْيَوْمَ إلَّا نفسي. وحتَّى أنَّ عيسى -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- لَيَقُولُ: لَا أَسْأَلُكَ الْيَوْمَ إِلَّا نَفْسِي لَا أسألُكَ مَرْيَمَ الْيَوْمَ الَّتِي وَلَدَتْنِي! قَالَ مُجَاهِدٌ وَكَعْبُ الْأَحْبَارِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ {كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً} أَيْ: عَلَى الرُّكَبِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: جَاثِيَةً مُتَمَيِّزَةً عَلَى نَاحِيَتِهَا وَلَيْسَ عَلَى الرُّكَبِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى.

قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَاهُ أنَّ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- قَالَ: (كَأَنِّي أَرَاكُمْ جَاثِينَ بِالْكَوَمِ دُونَ جَهَنَّمَ) وقالَ إسماعيلُ بنُ أبي رَافِعٍ الْمَدِينِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، مَرْفُوعًا فِي حديثِ الصُّورةِ: فَيَتَمَيَّزُ النَّاسُ وَتَجْثُو الْأُمَمُ، وَهِيَ الَّتِي يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا} وَهَذَا فِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ وَلَا مُنَافَاةَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَوْلُهُ عز وجل: {كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا} يَعْنِي: كِتَابَ أعمالِها كقولِهِ جلَّ جلالُهُ:

{وَوُضِعَ الْكِتابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ} [الزُّمَرِ:69] وَلِهَذَا قالَ سبحانَهُ وتعالى: {الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أَيْ تُجَازَوْنَ بأعمالِكم خيرِها وشرِّها كقولِهِ عزَّ وجلَّ: {يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13) بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} [الْقِيَامَةِ:13-15] ولهذا قالَ جلَّتْ عظمتُهُ: {هَذَا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ} أَيْ يَسْتَحْضِرُ جَمِيعَ أَعْمَالِكُمْ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ كقولِهِ جلَّ جلالُهُ: {وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ، وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنا مالِ هذَا الْكِتابِ لَا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف:49] وقولِهِ عزَّ وجلَّ: {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أَيْ: إِنَّا كُنَّا نَأْمُرُ الْحَفَظَةَ أَنْ تَكْتُبَ أَعْمَالَكُمْ عليكم.

قالَ ابنُ عبَّاسٍ -رضيَ اللهُ عنهما- وَغَيْرُهُ: تَكْتُبُ الْمَلَائِكَةُ أَعْمَالَ الْعِبَادِ ثُمَّ تَصْعَدُ بها إلى السَّماءِ، فيقابلونَ الملائكةَ في ديوانِ الأعمالِ على ما بأيديهم، مِمَّا قَدْ أُبْرِزَ لَهُمْ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ فِي كُلِّ لَيْلَةِ قَدْرٍ، مِمَّا كَتَبَهُ اللَّهُ فِي الْقِدَمِ عَلَى الْعِبَادِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُمْ فَلَا يَزِيدُ حَرْفًا وَلَا يَنْقُصُ حَرْفًا ثُمَّ قَرَأَ {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}

الشيخ : انتهى؟

– طالب: انتهى

الشيخ : هذا هو الصَّحيحُ، ابنُ كثيرٍ اقتصرَ على أنَّه يرادُ بالكتاب كتابُ الأعمال.

– طالب: أحسن الله عنكم شيخنا ورضيَ عنكم، الكتابُ كتابٌ واحدٌ للأمَّة أم لكلِّ عاملٍ

الشيخ : لا، لكلِّ عاملٍ كتابٌ، يُطلَقُ كتاب على الكتب، الكتاب كثيرًا في القرآنِ يرادُ به الكتبُ، جنس جنس.