الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الجاثية/(8) من قوله تعالى {وقيل اليوم ننساكم} الآية 34 إلى قوله تعالى {وله الكبرياء في السماوات} الآية 37

(8) من قوله تعالى {وقيل اليوم ننساكم} الآية 34 إلى قوله تعالى {وله الكبرياء في السماوات} الآية 37

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الجاثية

الدَّرس: الثَّامن

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ

وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (34) ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (35) فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (36) وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الجاثية:34-37]

الشيخ : قولُهُ سبحانه وتعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ} [الجاثية:31] هذه الآياتُ تضمَّنتْ أنَّ الكفَّارَ يُوبَّخون يومَ القيامة على تكذيبهم {أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ (31) وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (32) وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الجاثية:31-33] ويُقالُ لهم توبيخًا أيضًا: {وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} شقاءٌ، أيُّ شقاءٍ؟! أعوذُ بالله، أعوذُ بالله من الشَّقوةِ {وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ}

ويذكرُ تعالى لهم السَّببَ: {ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ}

ثمَّ خُتِمَت السُّورةُ بالثَّناء على الله وبأنَّه المستحقُّ للحمد كلِّه في السَّموات والأرض {فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (36) وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} فأثنى على نفسِه سبحانه وتعالى بما هو أهلُه من ربوبيَّتِه العامَّة ومن كماله واستحقاقِه للحمد كلِّه وأنَّه الكبيرُ العظيمُ الَّذي لا أعظم منه، وهو العظيمُ الـمُعظَّمُ في السَّموات وفي الأرض {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} هذان الاسمانِ الشَّريفانِ خُتِمَت بهما السُّورة كما بُدِئَتْ، بُدِئَت السُّورة بهذين الاسمينِ {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [الجاثية:2] وفي آخرها: {وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.

 

(تفسيرُ السَّعديِّ)

القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى-

الشيخ : رحمه اللهُ، رحمنا الله وإيَّاه، رحمه اللهُ.

القارئ : ولهذا فصَّلَ ما يفعلُ اللهُ بالفريقينِ فقالَ: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} إيمانًا صحيحًا وصدَّقُوا إيمانَهم بالأعمالِ الصَّالحةِ مِن واجباتٍ ومُستحبَّاتٍ {فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ} الَّتي محلُّها الجنَّةُ وما فيها مِن النَّعيمِ المقيمِ والعيشِ السَّليمِ، {ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ} أي: المفازُ والنَّجاةُ والرِّبحُ والفلاحُ الواضحُ البيِّنُ الَّذي إذا حصلَ للعبدِ حصلَ لهُ كلُّ خيرٍ واندفعَ عنهُ كلُّ شرٍّ.

{وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا} باللهِ فيُقالُ لهم توبيخًا وتقريعًا: {أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ} وقد دلَّتْكم على ما فيهِ صلاحُكم ونهَتْكم عمَّا فيهِ ضررُكم وهيَ أكبرُ نعمةٍ وصلَتْ إليكم لو وُفِّقْتُم لها

الشيخ : نسأل اللهَ العافيةَ، نعوذ بالله، آمنتُ بالله ورسله، آمنتُ بالله ورسلهِ.

القارئ : ولكن استكبرْتُم عنها وأعرضْتُم وكفرْتُم بها فجنيْتُم أكبرَ جنايةٍ وأجرمْتُم أشدَّ الجرمِ فاليومَ تُجزَونَ ما كنْتُم تعملونَ.

ويوبَّخونَ أيضًا بقولِهِ: {وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ} منكِرينَ لذلكَ: {مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} فهذهِ حالُهم في الدُّنيا، وحالَ البعثِ الإنكارُ لهُ وردُّ قولِ مَن جاءَ بهِ.

قالَ تعالى: {وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا} أي: وظهرَ لهم يومَ القيامةِ عقوباتُ أعمالِهم، {وَحَاقَ بِهِمْ} أي: نزلَ {مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} أي: نزلَ بهم العذابُ الَّذي كانُوا في الدُّنيا يستهزئونَ بهِ وبوقوعِهِ وبمَن جاءَ بهِ.

{وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ} أي: نتركُكم في العذابِ {كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} فإنَّ الجزاءَ مِن جنسِ العملِ.

الشيخ : والنسيانُ مِن اللهِ والتركُ {وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ} يعني: نتركُكم، وإلَّا فاللهُ تعالى لا يضلُّ ولا ينسى.

القارئ : {وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ} أي: هيَ مقرُّكم ومصيرُكم، {وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} ينصرونَكم مِن عذابِ اللهِ ويدفعونَ عنكم عقابَهُ.

{ذَلِكُمْ} الَّذي حصلَ لكم مِن العذابِ {بِـ} سببِ {أنَّكُم اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا} معَ أنَّها موجبةٌ للجدِّ والاجتهادِ وتلقِّيها بالسُّرورِ والاستبشارِ والفرحِ.

الشيخ : اللهُ أكبرُ

القارئ : {وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} بزخارفِها ولذَّاتِها وشهواتِها فاطمأننْتُم إليها، وعملْتُم لها وتركْتُم العملَ للدَّارِ الباقيةِ.

{فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} أي: ولا يُمهَلونَ ولا يُرَدُّونَ إلى الدُّنيا؛ ليعملُوا صالحًا.

{فَلِلَّهِ الْحَمْدُ} كما ينبغي لجلالِ وجهِهِ وعظيمِ سلطانِهِ {رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الأرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أي: لهُ الحمدُ على ربوبيَّتِهِ لسائرِ الخلائقِ حيثُ خلقَهم وربَّاهم وأنعمَ عليهم بالنِّعمِ الظَّاهرةِ والباطنةِ.

{وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} أي: لهُ الجلالُ والعظمةُ والمجدُ.

فالحمدُ فيهِ الثَّناءُ على اللهِ بصفاتِ الكمالِ ومحبَّتِهِ تعالى وإكرامِهِ، والكبرياءُ فيها عظمتُهُ وجلالُهُ والعبادةُ مبنيَّةٌ على ركنينِ، محبَّةُ اللهِ والذلُّ لهُ، وهما ناشئانِ عن العلمِ بمحامدِ اللهِ وجلالِهِ وكبريائِهِ.

{وَهُوَ الْعَزِيزُ} القاهرُ لكلِّ شيءٍ، {الْحَكِيمُ} الَّذي يضعُ الأشياءَ مواضعَها، فلا يشرعُ ما يشرعُهُ إلَّا لحكمةٍ ومصلحةٍ ولا يخلقُ ما يخلقُهُ إلَّا لفائدةٍ ومنفعةٍ.

تمَّ تفسيرُ سورةِ الجاثيةِ، وللهِ الحمدُ والنِّعمةُ والفضلُ.

انتهى

الشيخ : رحمَهُ اللهُ، بارك اللهُ فيك.