الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الأحقاف/(1) من قوله تعالى {حم} الآية 1 إلى قوله تعالى {وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء} الآية 6
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(1) من قوله تعالى {حم} الآية 1 إلى قوله تعالى {وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء} الآية 6

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الأحقاف

الدَّرس: الأوَّل

***     ***     ***

 

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

حم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ [الأحقاف:1-6]

الشيخ : حكيمٌ في كلِّ تدبيرِه وشرعِه ، له الحكمةُ البالغةُ، فلا يخلقُ شيئًا عبثًا، ولا يخلق شيئًا لعبًا، {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا} [ص:27] ثمَّ قالَ تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ} خلقَهما بقدرتِه ومشيئتِه وخلقَهما لحكمةٍ بالغةٍ ومنها الابتلاءُ –ابتلاء الخلقِ-، {مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى} جعلَ لهذه العوالمِ أجلًا، وهو الأجلُ العامُّ وهو يومُ القيامةِ وهو السَّاعةُ.

قالَ اللهُ: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ} الكفَّارُ معرضون عمَّا أنذرَ اللهُ به الكافرين من عذابه في الدُّنيا والآخرة، معرضون غافلون مقبلون على أهوائِهم وشهواتهم.

ثمَّ قال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ} فهذه المعبوداتُ من دونه لا تخلقُ ولا تدبِّرُ ولا ترزقُ، فهذه المخلوقات في الأرض أو في السَّماء اللهُ خالقُها وحدَه، ولم يَشركْه في خلقها شيءٌ، فهذه المعبوداتُ ليس لها خلقٌ {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ} [النحل:17] {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ} هل في الأرضِ شيءٌ خلقتْهُ هذه الآلهةُ الباطلةُ؟ لا، كلا، هل لهم شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ؟ لا، {أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ}

ثمَّ قالَ تعالى: {ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} هاتوا إنْ كان لكم حججٌ على شركِكم فليس لكم حججٌ لا من شرعٍ ولا عقلٍ {ائْتُونِي بِكِتَابٍ} يدلُّ على ما تدعون، يدلُّ على إلهيَّة ما تعبدونه من دون اللهِ، {أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}

ثمَّ بيَّنَ تعالى ما يدلُّ على بطلان هذه الآلهةِ وأنَّها لا تستجيبُ لداعيها ولا عابديها، يدعونها ويدعونها ويدعونها ولا تستجيبُ {وَمَنْ أَضَلُّ} فلا أضلَّ {مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ} مثل هذه المخلوقات العاجزةِ [….] {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ} يومَ القيامةِ {كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} يومَ القيامةِ يتبرَّؤون منهم ويكفرون بعبادتهم لهم، يقولون لهم: {مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ} [يونس:28] يجحدون عبادتَهم لهم {مَا كُنْتُمْ} {وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ}

 

(تفسيرُ الشَّيخِ السَّعديِّ)

القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ –رحمَهُ اللهُ تعالى-:

تفسيرُ سورةِ الأحقافِ وهيَ مكِّيَّةٌ، بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ {حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} الآياتَ.

هذا ثناءٌ منهُ تعالى على كتابِهِ العزيزِ وتعظيمٌ لهُ، وفي ضمنِ ذلكَ إرشادُ العبادِ إلى الاهتداءِ بنورِهِ والإقبالِ على تدبُّرِ آياتِهِ واستخراجِ كنوزِهِ.

الشيخ : يعني ما هذا شأنُهُ أنَّهُ مُنزَلٌ مِن عندِ اللهِ، حقيقٌ بتعظيمه وبالتَّمسُّك به وبأخذِ الهدى منه.

 

القارئ : ولمَّا بيَّنَ إنزالَ كتابِهِ المتضمِّنِ للأمرِ والنَّهي ذكرَ خلقَهُ السَّمواتِ والأرضَ فجمعَ بينَ الخلقِ والأمرِ {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ} [الأعراف:54] كما قالَ تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنزلُ الأمْرُ بَيْنَهُنَّ} [الطلاق:12] وكما قالَ تعالى: {يُنزلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاتَّقُونِ * خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقّ} [النحل:2-3] فاللهُ تعالى هوَ الَّذي خلقَ المكلَّفينَ وخلقَ مساكنَهم

الشيخ : "مساكنَهم" يعني: الأرضَ، "خلقَ مساكنَهم" الأرض وما عليها ممَّا لهم فيه فعلٌ كالبيوتِ وما أشبهَها، أو ما ليسَ له فعلٌ كالأكنَّةِ في الجبال والمغارات {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا} [النحل:81].

 

القارئ : وسخَّرَ لهم ما في السَّمواتِ وما في الأرضِ ثمَّ أرسلَ إليهم رسلَهُ وأنزلَ عليهم كتبَهُ وأمرَهم ونهاهم وأخبرَهم أنَّ هذهِ الدَّارَ دارُ أعمالٍ وممرٌّ للعمَّالِ

الشيخ : ممرٌّ، ليسَ فيها إقامةٌ، هذه الدَّارُ ممرٌّ، يقضي فيها الإنسانُ ما قُدِّرَ له من مولدِه إلى موتِهِ، فليسَتْ دارُ إقامةٍ، بل هي دارُ الابتلاءِ، مُختبَرٌ، دارُ الاختبارِ.

 

القارئ : لا دارَ إقامةٍ لا يرحلُ عنها أهلُها، وأنَّهم سينتقلونَ منها إلى دارِ الإقامةِ والقرارِ وموطنِ الخلودِ والدَّوامِ

الشيخ : لا إله إلَّا الله، لا إله إلَّا الله، تفكَّرْ {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ * فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} [البقرة:219-220] ينبغي التَّفكُّرُ في الدُّنيا والآخرة، فهذه دارُ ابتلاءٍ ودارُ رحيلٍ ليس فيها مقامٌ، والدَّارُ الآخرةُ هي دارُ الإقامةِ والقرارِ، دارُ القرارِ {وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى:17].

 

القارئ : وإنَّما أعمالُهم الَّتي عملُوها في هذهِ الدَّارِ سيجدونَ ثوابَها في تلكَ الدَّار كاملًا موفرًا.

وأقامَ تعالى الأدلَّةَ على تلكَ الدَّارِ وأذاقَ العبادَ نموذجًا مِن الثَّوابِ والعقابِ العاجلِ؛ ليكونَ أدعى لهم إلى طلبِ المحبوبِ والهربِ مِن المرهوبِ، ولهذا قالَ هنا: {مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحَقّ} أي: لا عبثًا ولا سدىً بل ليعرفَ العبادُ عظمةَ خالقِهما ويستدلُّوا على كمالِهِ ويعلمُوا أنَّ الَّذي خلقَهما على عظمِهما قادرٌ على أنْ يعيدَ العبادَ بعدَ موتِهم للجزاءِ وأنَّ خلقَهما وبقاءَهما مقدَّرٌ إلى ساعةٍ معيَّنةٍ {أَجَلٍ مُسَمًّى}

فلمَّا أخبرَ بذلكَ -وهوَ أصدقُ القائلينَ وأقامَ الدَّليلَ وأنارَ السَّبيلَ أخبرَ -معَ ذلكَ- أنَّ طائفةً مِن الخلقِ قد أبَوا إلَّا إعراضًا عن الحقِّ، وصدوفًا عن دعوةِ الرُّسلِ فقالَ: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ} وأمَّا الَّذينَ آمنُوا فلمَّا علمُوا حقيقةَ الحالِ قبلُوا وصايا ربِّهم، وتلقَّوها بالقبولِ والتَّسليمِ وقابلُوها بالانقيادِ والتَّعظيمِ ففازُوا

الشيخ : إنَّها لنعمةٌ عظيمةٌ! التوفيقُ لقبولِ الحقِّ واتِّباعِه {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} [الجمعة:4] فينبغي للمسلمِ أنْ يتفكَّر في هذه النِّعمةِ ويسأل ربَّه المزيدَ من فضله ويسأله الثباتَ {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} [الجمعة:4]

فالكفَّارُ معرضون عن ربِّهم وعن هداه، والموفَّقون مقبلون على هدى اللهِ مهتدون بهداه، مستعدُّون للقائه سبحانه وتعالى بالأعمال الصَّالحة، الله أكبر، شتَّانَ بينَ الفريقين، شتَّانَ بينَ الفريقين في أعمالهم وأحوالهم ثمَّ يومَ القيامة شتَّان بين الفريقين في مصيرهم ومآلهم، لا إله إلَّا الله، في الدُّنيا {فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ} [الأعراف:30] وفي يومِ القيامةِ {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى:7].

 

القارئ : ففازُوا بكلِّ خيرٍ، واندفعَ عنهم كلُّ شرٍّ.

قالَ اللهُ تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} الآياتَ:

أي: {قُلْ} لهؤلاءِ الَّذينَ أشركُوا باللهِ أوثانًا وأندادًا لا تملكُ نفعًا ولا ضرًّا ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا، قلْ لهم -مبيِّنًا عجزَ أوثانِهم وأنَّها لا تستحقُّ شيئًا مِن العبادةِ-: {أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ} هل خَلقُوا مِن أجرامِ السَّمواتِ والأرضِ شيئًا؟ هل خَلقُوا جبالًا؟ هل أجرَوا أنهارًا؟ هل نشرُوا حيوانًا؟ هل أنبتُوا أشجارًا؟ هل كانَ منهم معاونةٌ على خلقِ شيءٍ مِن ذلكَ؟

لا شيءَ مِن ذلكَ بإقرارِهم على أنفسِهم فضلًا عن غيرِهم

الشيخ : {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان:25]

القارئ : فهذا دليلٌ عقليٌّ قاطعٌ على أنَّ كلَّ شيءٍ مَن سوى اللهِ فعبادتُهُ باطلةٌ.

ثمَّ ذكرَ انتفاءَ الدَّليلِ النَّقليِّ فقالَ: {ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا} الكتابُ يدعو إلى الشِّركِ {أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ} موروثٍ عن الرُّسلِ يأمرُ بذلكَ. مِن المعلومِ أنَّهم عاجزونَ أنْ يأتوا عن أحدٍ مِن الرُّسلِ بدليلٍ يدلُّ على ذلكَ، بل نجزمُ ونتيقَّنُ أنَّ جميعَ الرُّسلِ دعوا إلى توحيدِ ربِّهم ونهَوا عن الشِّركِ بهِ، وهيَ أعظمُ ما يؤثرُ عنهم مِن العلمِ قالَ تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:36]

وكلُّ رسولٍ قالَ لقومِهِ: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [المؤمنون:23] فعُلِمَ أنَّ جدالَ المشركينَ في شركِهم غيرَ مستندينَ فيهِ على برهانٍ ولا دليلٍ وإنَّما اعتمدُوا على ظنونٍ كاذبةٍ

الشيخ : لا برهانَ ولا دليلَ، لا من عقلٍ ولا شرعٍ، ما هو إلَّا الظُّنون، {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ} [النجم:23] واتِّباع الآباءِ {إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف:23] هذه الشُّبهُ الشَّيطانيَّةُ الَّتي يتوارثُها الكفرةُ.

 

القارئ : وإنَّما اعتمدُوا على ظنونٍ كاذبةٍ وآراءٍ كاسدةٍ وعقولٍ فاسدةٍ. يدلُّكَ على فسادِها استقراءُ أحوالِهم وتتبُّعُ علومِهم وأعمالِهم والنَّظرُ في حالِ مَن أفنَوا أعمارَهم بعبادتِهِ هل أفادَهم شيئًا في الدُّنيا أو في الآخرةِ؟

الشيخ : نسألُ اللهَ العافيةَ، الحمدُ للهِ، الحمدُ للهِ، الحمدُ لله، ينبغي للمسلم أن يتفكَّرَ في نعمة الله عليه، الحمدُ لله، أهلُ الجنَّةِ يومَ القيامة يقولون: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف:43] اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ.

المشركون الكفرةُ الَّذين أخبرَ اللهُ عنهم هم خيرٌ من الكفرة والمشركين في هذه الأعصار، فالمشركون أعظمُ شركًا وأغلظُ شركًا من الأوَّلين، وكذلك الكفَّارُ أغلظُ كفرًا، فأكثرُ الكفرةِ الآن إمَّا أنَّهم جاحدون معاندون مستكبرون، أو طَغامٌ لا يعقلون، بل هم كالأنعام، هذه حالُهم بينَ طواغيت، أهلُ ظلمٍ وجبروتٍ وطغيانٍ واستكبارٍ، أو عامَّةٌ هائمةٌ لا تدري من أين جاءَت ولا إلى أين تذهبُ {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} [الفرقان:44].

 

القارئ : ولهذا قالَ تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} أي: مدَّةَ مقامِهِ في الدُّنيا لا ينتفعُ بهِ بمثقالِ ذرَّةٍ {وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} لا يسمعونَ منهم دعاءً ولا يجيبونَ لهم نداءً هذا حالُهم في الدُّنيا، {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} [فاطر:14]

{وَإِذَا حُشرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً} يلعنُ بعضُهم بعضًا ويتبرَّأُ بعضُهم مِن بعضٍ {وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ}.

الشيخ : إلى هنا.