الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الأحقاف/(3) من قوله تعالى {قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به} الآية 10 إلى قوله تعالى {أولئك أصحاب الجنة} الآية 14
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(3) من قوله تعالى {قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به} الآية 10 إلى قوله تعالى {أولئك أصحاب الجنة} الآية 14

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الأحقاف

الدَّرس: الثَّالث

***     ***     ***

 

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ (11) وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ (12) إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (13) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأحقاف:10-14]

الشيخ : كذلك يأمرُ اللهُ نبيَّه بمحاجَّةِ الكفَّارِ المكذِّبينَ بآياتِ اللهِ، بهذا القرآنِ العظيمِ، {قُلْ أَرَأَيْتُمْ} يعني: على سبيل الفرض افرضوا {أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}، {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ}، {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ} وهم الَّذين آمنوا من أهل الكتاب، وكثيرٌ من المفسِّرين يعيِّنُ عبدَ اللهِ بنَ سلَامٍ، {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ} على مثل القرآنِ وهو التَّوراةُ.

{فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ} فماذا تكون حالُكم؟ وهذا الموقفُ من الظُّلم التَّكذيب بآيات اللهِ، إذا كان هذا القرآنُ من عند الله وآمنَ به من آمنَ من أهل الكتابِ {فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ} يعني: فأنتم ظالمون {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}

{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا} يعني: قالوا في حقِّ المؤمنين، يقولون عن المؤمنين {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا} لو كانَ هذا القرآنُ خيرًا {مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ}، {لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} وهذا من الكذبِ والغرورِ والكبرِ فهم يقولون: "نحن أبصرُ وأعلمُ بالخير والشَّرِّ، فلو كانَ خيرًا ما سبقَنا إليكَ أولئك، وهذا من جنسِ قولِ أعداءِ الرُّسل في القديم والحديث {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ} [هود:27] النَّاسُ الي [الذين] ما عندَهم رأيٌ ولا فطنةٌ، فهؤلاء يقولون: {لَوْ كَانَ خَيْرًا} القرآنُ وما جاءَ به الرَّسول {مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ}

ثمَّ يقول تعالى: {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} فهؤلاء الكفَّارُ حين لم يهتدوا بالقرآن ولم ينتفعوا به يقولون عنه: إنَّ هذا إفكٌ، أي: كذبٌ، إفكٌ قديمٌ {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ}

قالَ اللهُ: {وَمِنْ قَبْلِهِ} من قبل هذ القرآنِ {كِتَابُ مُوسَى} وهوَ التَّوراةُ، كثيرًا ما يذكر اللهُ التَّوراةَ معَ القرآنِ في مواضعَ كثيرةٍ {ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (154) وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأنعام:154-155] إلى آياتٍ كثيرةٍ.

{وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ} هذا القرآنُ كتابٌ مُصدِّقٌ، مصدِّقٌ للتَّوراة ولغيرها من كتب الله، فالرُّسلُ الماضون بشَّروا بمحمَّدٍ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، بشَّروا به كموسى وعيسى بشَّروا بنبيِّنا محمَّدٍ –عليه الصَّلاة والسَّلام-، وقد أخذَ اللهُ عليهم الميثاقَ لئِن بُعِثَ محمَّدٌ وهم أحياءُ ليؤمنَنَّ به ولينصرَنَّه، والرَّسولُ مصدِّقٌ لما معَه، وهذا شأنُ الرُّسلِ اللَّاحقُ يصدِّقُ السَّابقَ، والسَّابقُ يبشِّرُ باللَّاحقِ.

{لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا} ينذرُ الكفَّارَ والمشركين فهم الظَّالمون {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة:254] {لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ} فالقرآنُ يبشِّرُ وينذرُ، والرَّسولُ يبشِّر وينذرُ {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1) قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2) مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا} [الكهف:1-3] {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [الإسراء:9-10]

{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} الَّذين آمنوا بالله ورسله واستقاموا على ذلك وثبتُوا وفعلُوا المأموراتِ وتركُوا المنهيَّاتِ، فالاستقامةُ تقومُ بذلك، تكونُ بفعل المأموراتِ وتركِ المنهيَّاتِ معَ الثَّباتِ والدَّوام على ذلك {ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} لهم الأمنُ والسُّرورُ.

{فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (13) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا} هذا منتهاهم وهذه دارُ القرارِ الَّتي وعدَهم اللهُ، واللهُ تعالى لا يخلفُ الميعادَ.

 

(تفسيرُ الشَّيخِ السَّعديِّ)

القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ –رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى:

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} الآياتَ.

أي: أخبرُوني لو كانَ هذا القرآنُ مِن عندِ اللهِ وشهدَ على صحَّتِهِ الموفَّقونَ مِن أهلِ الكتابِ الَّذين عندَهم مِن الحقِّ ما يعرفونَ أنَّهُ الحقُّ فآمنُوا بهِ واهتدَوا فتطابقَتْ أنباءُ الأنبياءِ وأتباعِهم النُّبلاءِ واستكبرْتُم أيُّها الجهلاءُ الأغبياءُ، فهل هذا إلَّا أعظمُ الظُّلمِ وأشدُّ الكفرِ؟ {إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} ومِن الظلمِ الاستكبارُ عن الحقِّ بعدَ التَّمكُّنِ منهُ.

قالَ اللهُ: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا} الآياتَ.

أي: قالَ الكفَّارُ بالحقِّ معاندينَ لهُ ورادِّينَ لدعوتِهِ: {لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} أي: ما سبقَنا إليهِ المؤمنونَ أي: لكنَّا أوَّلَ مبادرٍ بهِ وسابقٍ إليهِ وهذا مِن البهرجةِ في مكانٍ، فأيُّ دليلٍ يدلُّ على أنَّ علامةَ الحقِّ سبقُ المكذِّبينَ بهِ للمؤمنينَ؟ هل هم أزكى نفوسًا؟ أم أكملُ عقولًا؟ أم الهدى بأيديهم؟ ولكنَّ هذا الكلامَ الَّذي صدرَ منهم يُعَزُّونَ بهِ أنفسَهم بمنزلةِ مَن لم يقدرْ على الشَّيءِ ثمَّ طفقَ يذمُّهُ، ولهذا قالَ: {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} أي: هذا السَّببُ الَّذي دعاهم إليهِ أنَّهم لمَّا لم يهتدوا بهذا القرآنِ وفاتَهم أعظمُ المواهبِ وأجلُّ الرَّغائبِ قدحُوا فيهِ بأنَّهُ كذبٌ وهوَ الحقُّ الَّذي لا شكَّ فيهِ ولا امتراءَ

الشيخ : اللهُ أكبرُ، الحمدُ لله على نعمة الإسلامِ، اللهُ أكبر، اللهُ أكبر، هكذا شأنُ الأممِ مع رسولها، إذا جاءَ الرَّسولُ صاروا فريقين: مؤمنٌ وكافرٌ، وصاروا يختصمون ويختلفون، فهكذا من أُرسِلَ إليهم محمَّدٌ -عليه الصَّلاة والسَّلامُ- آمنَ به من آمنَ من مشركي العربِ، ومن أهلِ الكتاب، وكفرَ الكثيرون، وصاروا يختصمون، وهؤلاء المجرمين يسخرون من المؤمنين، ويفخرون عليهم، يفخرون، يفخرون عليهم يقولون: نحن أولى… {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ} [المطففين:29-32] هذا معنى: {لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} يعني: فهم باتِّباعهم، يعني يزعمون أنَّهم باتِّباع الرَّسول ضالُّون، لو كانَ عندَهم، لو كانوا مثلَنا ما اتبعوه، {لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} فنحن أعرفُ بالحقِّ، وأعرفُ بالخير فلو كانَ خيرًا لكنَّا أولى به، هكذا يدَّعون، دعوةٌ عريضةٌ فاجرةٌ.

 

القارئ : وهوَ الحقُّ الَّذي لا شكَّ فيهِ ولا امتراءَ يعتريهِ.

الَّذي قد وافقَ الكتبَ السَّماويَّةَ خصوصًا أكملَها وأفضلَها بعدَ القرآنِ وهيَ التَّوراةُ {كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً} أي: يقتدي بها بنو إسرائيلَ ويهتدونَ بها ويحصلُ لهم خيرُ الدُّنيا والآخرةِ. {وَهَذَا} القرآنُ {كِتَابٌ مُصَدِّقٌ} للكتبِ السَّابقةِ شهدَ بصدقِها وصدَّقَها بموافقتِهِ لها، وجعلَهُ اللهُ {لِسَانًا عَرَبِيًّا}؛ ليسهلَ تناولُهُ ويتيسَّرُ تذكُّرُهُ، {لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا} أنفسَهم بالكفرِ والفسوقِ والعصيانِ إنْ استمرُّوا على ظلمِهم بالعذابِ الوبيلِ {وَبُشْرَى الْمُحْسِنِيْنَ} في عبادةِ الخالقِ وفي نفعِ المخلوقينَ بالثَّوابِ الجزيلِ في الدُّنيا والآخرةِ ويذكرُ الأعمالَ الَّتي ينذرُ عنها والأعمالَ الَّتي يبشِّرُ بها.

{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ}

الشيخ : اللهُ أكبر، جعلَ اللهُ القرآنَ لسانًا عربيًّا، أي: بلغةٍ عربيَّةٍ، {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ} [الشعراء: 192-195] كثيرًا ما يذكرُ اللهُ هذ الوصفَ للقرآن، {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف:2] {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الزخرف:3]

وإن كانَتْ رسالةُ محمَّدٍ -صلَّى الله عليه وسلَّم- عامَّةً، لكن أرسلَه بلسان قومه فهم المدعوُّون والمنذرون أوَّلًا، فهو -صلَّى الله عليه وسلَّم- مرسَلٌ إلى الأميِّين أوَّلًا، ثمَّ إلى غيرهم، فالعربيُّ يعرفُه بلسانه {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التوبة:6] وغيرُ العربيِّ يعرفُه بالتَّعليم بالتَّعريف والتَّفهيم والتَّرجمة، وهي طريقٌ، التَّرجمة طريقٌ من طرق إيصالِ العلومِ، كثيرٌ من العلوم إنَّما تصلُ إلى النَّاس بطريقِ التَّرجمة، العلوم الماديَّة والعقليَّة كلُّها، فالتَّرجمة هي الوسيلةُ لنقل العلوم إلى الألسنِ الأخرى، إلى الألسن الأخرى، فمن بلغَه هذا القرآنَ من أهل اللِّسان العربيِّ أو بلغَه هذا القرآنَ بطريق التَّرجمة والتَّعريف والتَّفسير فقامَتْ عليه به الحجَّةُ، فلا ريبَ أنَّ الحجَّةَ على أهل اللِّسان أعظمُ، الحجَّةُ على العرب أعظمُ من… وأبلغ من حجَّة اللهِ على غيرهم، لكنَّ حجَّةَ اللهِ قائمةٌ على الجميع، ولهذا أقولُ: إنَّ كفَّارَ العربِ أعظمُ كفرًا من غيرهم، أعظمُ كفرًا من غيرهم؛ لأنَّ حجَّةَ اللهِ عليهم أعظمُ، أقولُ: هذا في مثل نصارى العرب الآن هم أكفرُ من نصارى العجم من الأوربيِّين وغيرِهم.

 

القارئ : قالَ اللهُ: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} الآياتَ.

أي: إنَّ الَّذينَ أقرُّوا بربِّهم وشهدُوا لهُ بالوحدانيَّةِ والتزمُوا طاعتَهُ

ودامُوا على ذلكَ، ثمَّ {اسْتَقَامُوا} مدَّةَ حياتِهم {فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} مِن كلِّ شرٍّ أمامَهم، {وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} على ما خلَّفُوا وراءَهم.

{أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ} أي: أهلُها الملازمونَ لها الَّذين لا يبغونَ عنها حِوَلًا ولا يريدونَ بها بدلًا.

الشيخ : [حولا] أي: تحوُّلًا

القارئ : لا يبغونَ عنها حِوَلًا ولا يريدونَ بها بدلًا.

{خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} مِن الإيمانِ باللهِ المقتضي للأعمالِ الصَّالحةِ الَّتي استقامُوا عليها. انتهى.