الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الأحقاف/(7) من قوله تعالى {ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه} الآية 26 إلى قوله تعالى {فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة} الآية 28

(7) من قوله تعالى {ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه} الآية 26 إلى قوله تعالى {فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة} الآية 28

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الأحقاف

الدَّرس: السَّابع

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ

وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (26) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (27) فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ [الأحقاف:26-28]

الشيخ : إلى هنا، الحمدُ لله، هذهِ الآياتُ من تمامِ الخبرِ عن عادٍ قوم هودٍ، يقولُ تعالى: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ} أي: عاد، مكَّنَّا عادًا، مكَّنَّاهم في الأرضِ بما أُعطَوا من القُدَرِ والقوَّةِ حتَّى قالوا: {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} [فصلت:15]، {مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ} يعني: فيما لم نمكِّنْ لكم، يعني: مكَّنَّاهم فوقَ ما مكَّنَّاكم، فيما لم نمكِّن لكم تمكينًا مثلَه، {وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ}

{وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً} جعلْنا لهم هذه القِوى المركَّبة في ذواتهم الَّتي يقدرون بها على أمورٍ من شؤونِ الدُّنيا، الآن ما يصلُ إليه النَّاسُ من الإمكانات والتَّصرُّفات إنَّما الوسيلةُ هي ما أُعطَوا من الأسماع والأبصار والعقول {وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً} أَفْئِدَةً، يقولُ اللهُ: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ} [النحل:78] فبهذه القِوى الثَّلاثِ يقدرون على أمورٍ من مطالب الحياةِ، نفس مثلًا هذه الصِّناعات وهذه القُدَر وهذه الحضارات، الوسيلةُ للوصول إلى هذه الأمورِ إنَّما طريقُها السَّمعُ والبصرُ والعقلُ {وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ} ذلك، ما نفعَهم ولا وقاهم ولا منعَهم من عذابِ اللهِ، {فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ} لم تُغنِ عنهم شيئًا ولو قليلًا {فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ} لماذا؟

يقولُ تعالى: {إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ} يعني: لم تُغنِ عنهم هذه القوى وهذه المدارك لم تُغنِ عنهم لأنَّهم {كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ} يكفرون بها ويكذِّبون بآياتِ اللهِ.

{وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} يعني: دمَّرَهم وأهلكَهم العذابُ الَّذي كانوا يستهزئونَ به، كانوا يستهزئون بنبيِّ اللهِ هود إذا توعَّدَهم بالعذاب، فحاقَ بهم ذلك العذابُ الَّذي {كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}، {وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}. ثمَّ قالَ تعالى، وبهذا تنتهي القصَّةُ.

ثمَّ قالَ تعالى: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى} وهذا الخطابُ لكفَّارِ قريشٍ ومن أشبهَهم من كفرة العربِ، {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ} نوَّعْناها {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}

{فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ …} يعني: فهل نصرَهم ما كانوا يعبدون من دونِ الله؟ ما نصرُوهم ولا أغنَوا عنهم شيئًا، {بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ} ذهبوا ذهبوا ولم يُغنوا عنهم شيئًا، ما كانوا يعبدونَ من دون اللهِ {فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} [هود:101] {بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ} هذا المعبوداتُ هي إفكٌ وافتراءٌ {وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ}

 

(تفسيرُ السَّعديِّ)

القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ –رحمَهُ اللهُ تعالى-:

هذا معَ أنَّ اللهَ قد أدَرَّ عليهم النِّعمَ العظيمةَ فلم يشكرُوهُ ولا ذكرُوهُ ولهذا قالَ: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ} أي: مكَّنَّاهم في الأرضِ يتناولونَ طيِّباتِها ويتمتَّعونَ بشهواتِها وعمَّرْناهم عمرًا يتذكَّرُ فيهِ مَن تذكَّرَ، ويتَّعظُ فيهِ المهتدي، أي: ولقد مكَّنَّا عادًا كما مكَّنَّاكم

الشيخ : "كما مكَّنَّاكم"؟!

القارئ : كما مكَّنَّاكم يا هؤلاءِ المُخاطَبونَ

الشيخ : لا، الآية ما هو، المعنى ليسَ مكَّنَّاهم كما مكَّنَّاكم، بل مكَّنَّاهم فيما..، "إنْ" هذه نافيةٌ، في الَّذي ما مكَّنَّاكم فيه، بل مكَّنَّاهم تمكينًا عظيمًا ومعَ ذلك لم يُغنِ عنهم ذلك التَّمكينُ ولم يمنعْهم من عذابِ اللهِ، {وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا} أي: في الَّذي ما {مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ}.

 

القارئ : أي: فلا تحسبُوا أنَّ ما مكَّنَّاكم فيهِ مُختَصٌّ بكم وأنَّهُ سيدفعُ عنكم مِن عذابِ اللهِ شيئًا، بل غيرُكم أعظمُ منكم تمكينًا فلم تُغنِ عنهم أموالُهم ولا أولادُهم ولا جنودُهم مِن اللهِ شيئًا.

{وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً} أي: لا قصورَ في أسماعِهم ولا أبصارِهم ولا أذهانِهم حتَّى يُقالَ: إنَّهم تركُوا الحقَّ جهلًا منهم وعدمَ تمكُّنٍ مِن العلمِ بهِ، ولا خللَ في عقولِهم ولكنَّ التَّوفيقَ بيدِ اللهِ. {فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ} لا قليلَ ولا كثيرَ، وذلكَ {إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ} الدَّالَّةِ على توحيدِهِ وإفرادِهِ بالعبادةِ.

{وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} أي: نزلَ بهم العذابُ الَّذي يُكذِّبونَ بوقوعِهِ ويستهزئونَ بالرُّسلِ الَّذينَ حذَّرُوهم منهُ.

قالَ اللهُ تعالى: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى} الآياتَ:

يُحذِّرُ تعالى مشركي العربِ وغيرِهم بإهلاكِ الأممِ المكذِّبِينَ الَّذينَ هم حولَ ديارِهم، بل كثيرٌ منهم في جزيرةِ العربِ كعادٍ وثمودَ ونحوِهم وأنَّ اللهَ تعالى صَرَفَ لهم الآياتِ

الشيخ : صَرَّفَ

القارئ : وأنَّ اللهَ تعالى صَرَّفَ لهم الآياتِ أي: نَوَّعَها مِن كلِّ وجهٍ، {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} عمَّا هم عليهِ مِن الكفرِ والتَّكذيبِ.

الشيخ : يا الله، نسألُ اللهَ العافيةَ، اللَّهمَّ لك الحمدُ، اللَّهمَّ، قدَّرَ اللهُ وما شاءَ فعلَ، اللَّهمَّ لكَ الحمد.

القارئ : مِن الكفرِ والتَّكذيبِ.

فلمَّا لم يؤمنُوا أخذَهم اللهُ أخذَ عزيزٍ مُقتدِرٍ ولم تنفعْهم آلهتُهم الَّتي يدعونَ مِن دونِ اللهِ مِن شيءٍ ولهذا قالَ هنا: {فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً} أي: يتقرَّبونَ إليهم ويتألَّهونَهم؛ لرجاءِ نفعِهم.

{بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ} فلم يجيبوهم ولا دفعُوا عنهم، {وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} مِن الكذبِ الَّذي يُـمَنُّونَ بهِ أنفسَهم حيثُ يزعمونَ أنَّهم على الحقِّ وأنَّ أعمالَهم ستنفعُهم فضلَّتْ وبطلَتْ.

انتهى.