الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة محمد/(2) من قوله تعالى {ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم} الآية 4 إلى قوله تعالى {ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله} الآية 9
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(2) من قوله تعالى {ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم} الآية 4 إلى قوله تعالى {ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله} الآية 9

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة محمَّد

الدَّرس: الثَّاني

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ:

ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ [محمد:4-9]

– الشيخ : إلى هنا بس [يكفي]، سبحانَ الله، يقولُ سبحانَه وتعالى: {لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ} من الكفَّار وأهلكَهم بلا قتالٍ، ولكنْ لله حكمةٌ في عِداءِ الكفَّار للمؤمنين وفيما جرى ويجري من القتال، وفيما شرعَ وأمرَ به من جهادِ يقولُ تعالى: {ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ} هم في قبضة اللهِ، {وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} وحكمةُ الابتلاءِ هذه في كلِّ شيءٍ، الوجودُ كلُّه خلقَه اللهُ ومن حكمتِه الابتلاءُ {خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك:2] {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ} [الكهف:7] {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء:35] {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} [الأنعام:53] ابتليْنا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ، {ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ}.

{وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ} الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ هم الشُّهداءُ فأعمالُهم الصَّالحةُ مدَّخرةٌ لهم وأجورُهم مضاعفةٌ {سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا} سَيَهْدِيهِمْ طريقَ الجنَّةِ {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ} [الحج:24] فالكفَّارُ يُسلَكُ بهم صراطُ الجحيمِ {فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ} [الصافات:23] والمؤمنون يُهدَون إلى صراطِ النَّعيمِ.

{وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ} يقولُ المفسِّرون: {عَرَّفَهَا لَهُمْ} يعني: يدخلونها وهم يعرفونها حتَّى إنَّهم يهتدون إلى منازلهم في الجنَّة، كأنَّهم قد نزلُوها من قبلُ، بعضُهم يقولُ: {عَرَّفَهَا لَهُمْ} يعني: طيَّبها لهم من العرف، عرف: طِيْب.

ثمَّ يقولُ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} بعدَ الأمرِ بالقتال وبيانِ الحكمةِ يتوجَّهُ الخطابُ للمؤمنين ترغيبًا لهم في نصرِ دينِ اللهِ {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ} ونصرُ اللهِ هو نصرُ دينِه {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ} فالجزاءُ من جنس العملِ، {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ}، {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ}، {وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} فيثبِّتُ القلوبَ فتثبتُ الأقدامُ، تثبتُ القلوبُ فتثبتُ الأقدامُ، فثبوتُ الأقدامِ يتضمَّنُ الصُّمودَ للعدوِّ وعدمَ الفرارِ.

وأمَّا الكفَّارُ فاللهُ يخزيهم ويهزمُهم ويبطلُ أعمالَهم فيبوؤُوا بالخسرانِ {وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ من الهدى والبيِّناتِ فأعقبَهم بضلالِ أعمالِهم وحبوطِ أعمالهم، أعمالُهم الَّتي يظنُّونها خيرًا وأعمالُهم الَّتي يكيدون بها الإسلامَ والمسلمين.

 

 (تفسيرُ السَّعديِّ)

القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالَمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى-:

فالحالُ المتقدِّمةُ، إنَّما هيَ إذا كانَ قتالٌ وحربٌ.

فإذا كانَ في بعضِ الأوقاتِ، لا حربَ فيهِ لسببٍ مِن الأسبابِ، فلا قتلَ ولا أسرَ.

{ذَلِكَ} الحكمُ المذكورُ في ابتلاءِ المؤمنينَ بالكافرينَ، ومداولةِ الأيَّامِ بينَهم، وانتصارِ بعضِهم على بعضٍ {وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ} فإنَّهُ تعالى على كلِّ شيءٍ قديرٌ، وقادرٌ على ألَّا ينتصرَ الكفَّارُ في موضعٍ واحدٍ أبدًا، حتَّى يبيدَ المسلمونَ خضراءَهم.

{وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} ليقومَ سوقُ الجهادِ، وتتبيَّنَ بذلكَ أحوالُ العبادِ، الصَّادقُ مِن الكاذبِ، وليؤمنَ مَن آمنَ إيمانًا صحيحًا عن بصيرةٍ، لا إيمانًا مبنيًّا على متابعةِ أهلِ الغَلَبَةِ، فإنَّهُ إيمانٌ ضعيفٌ جدًّا، لا يكادُ يستمرُّ لصاحبِهِ عندَ الـمِحنِ والبلايا.

{وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} لهم ثوابٌ جزيلٌ، وأجرٌ جميلٌ، وهم الَّذينَ قاتلُوا مَن أُمِرُوا بقتالِهم، لتكونَ كلمةُ اللهِ هيَ العُليا.

فهؤلاءِ لن يُضِلَّ اللهُ أعمالَهم، أي: لن يحبطَها ويبطلَها، بل يتقبَّلُها وينمِّيها لهم، ويُظهِرُ مِن أعمالِهم نتائجَها، في الدُّنيا والآخرةِ.

{سَيَهْدِيهِمْ} إلى سلوكِ الطَّريقِ المُوصِلةِ إلى الجنَّةِ، {وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ} أي: حالَهم وأمورَهم

الشيخ : لا إله إلَّا الله، لا إله إلَّا الله، لا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا بالله

القارئ : {وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ} أي: حالَهم وأمورَهم، وثوابَهم يكونُ صالحًا كاملًا لا نكدَ فيهِ، ولا تنغيصَ بوجهٍ مِن الوجوهِ.

{وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ} أي: عرَّفَها أوَّلًا بأنْ شوَّقَهم إليها

الشيخ : يعني الآن وصفُ اللهِ الجنَّةَ فيه تعريفٌ لنا بها، الآن نعرفُ –ولله الحمدُ- الجنَّةُ من شؤونها أمورٌ عظيمةٌ بتعريف اللهِ، اللهُ عرَّفَنا، عرَّفَنا أحوالَ الجنَّةِ ونعيمَ الجنَّةِ، وكذلكَ عرَّفَنا بالنَّار وأحوالها وأهوالها، أعوذُ بالله، ترغيبًا وترهيبًا.

القارئ : ونعتَها لهم، وذكرَ لهم الأعمالَ الموصِلةَ إليها، الَّتي مِن جملتِها القتلُ في سبيلِهِ، ووفَّقَهم للقيامِ بما أمرَهم بهِ ورغَّبَهم فيهِ، ثمَّ إذا دخلُوا الجنَّةَ، عرَّفَهم منازلَهم، وما احتوَتْ عليهِ مِن النَّعيمِ المقيمِ، والعيشِ السَّليمِ.

قالَ اللهُ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ} الآياتَ:

هذا أمرٌ منهُ تعالى للمؤمنينَ، أنْ ينصرُوا اللهَ بالقيامِ بدينِهِ، والدَّعوةِ إليهِ، وجهادِ أعدائِهِ، والقصدِ بذلكَ وجهَ اللهِ، فإنَّهم إذا فعلُوا ذلكَ، نصرَهم وثبَّتَ أقدامَهم، أي: يربطُ على قلوبِهم بالصَّبرِ والطُّمأنينةِ والثَّباتِ، ويُصبِّرَ أجسامَهم على ذلكَ، ويعينَهم على أعدائِهم، فهذا وعدٌ مِن كريمٍ صادقِ الوعدِ، أنَّ الَّذي ينصرُهُ بالأقوالِ والأفعالِ سينصرُهُ مولاهُ، ويُيسِّرُ لهُ أسبابَ النَّصرِ، مِن الثَّباتِ وغيرِهِ.

وأمَّا الَّذين كفرُوا بربِّهم، ونصرُوا الباطلَ، فإنَّهم في تعسٍ، أي: انتكاسٍ مِن أمرِهم وخذلانٍ.

{وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} أي: أبطلَ أعمالَهم الَّتي يكيدونَ بها الحقَّ، فرجعَ كيدُهم في نحورِهم، وبطلَتْ أعمالُهم الَّتي يزعمونَ أنَّهم يريدونَ بها وجهَ اللهِ.

ذلكَ الإضلالُ والتُّعسُ للَّذينَ كفرُوا؛ بسببِ أنَّهم {كَرِهُوا مَا أَنزلَ اللَّهُ} مِن القرآنِ الَّذي أنزلَهُ اللهُ، صلاحًا للعبادِ، وفلاحًا لهم، فلم يقبلُوهُ، بل أبغضُوهُ وكرهُوهُ، {فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ}. قالَ اللهُ تعالى..

الشيخ : إلى هنا