الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة محمد/(4) من قوله تعالى {مثل الجنة التي وعد المتقون} الآية 15 إلى قوله تعالى {والذين اهتدوا زادهم هدى} الآية 17
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(4) من قوله تعالى {مثل الجنة التي وعد المتقون} الآية 15 إلى قوله تعالى {والذين اهتدوا زادهم هدى} الآية 17

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة محمَّد

الدَّرس: الرَّابع

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ

مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (16) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ [محمد:15-17]

– الشيخ : إلى هنا، لا حول ولا قوَّة إلَّا بالله، الحمدُ للهِ، يقولُ تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ} يعني: صفةُ الجنَّة، صفةُ الجنَّة الَّتي وعدَها اللهُ المتَّقين، الجنَّةُ أعدَّها اللهُ للمتَّقين ووعدَها المتَّقين، صفتُها جاءَت في آياتٍ كثيرةٍ ومن ذلك ما ذُكِرَ في هذه…، من صفتها أنَّ فيها أنهارًا، أنواعٌ من الشَّراب، أنهارُ شرابٍ أنواعٌ: ماءٌ ولبنٌ وخمرٌ وعسلٌ، هذه بعضُ أنواعِ أشربةِ الجنَّة، هذه بعض أنواعِ أشربةِ الجنَّة، فيها الرَّحيقُ وفيها تسنيمٌ وفيها كافورٌ، وفيها..، {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} يعني: غير متغيِّرٍ مع…، لا يتغيَّرُ معَ طولِ مكثِه، {مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} ولا يتغيَّرُ، ماءُ الدُّنيا يتغيَّرُ، إذا بقيَ في مكانٍ يتغيَّرُ، {وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ} كذلك لم يتغيَّرْ طعمُه، بل هو لبنٌ طبيعيٌّ في غايةٍ من الحسن والطِّيبِ واللَّذةِ.

{وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ} أيضًا -سبحان الله- خمرٌ، هذا الخمرُ خلافُ خمرِ الدُّنيا، خمرُ الدُّنيا له آثارٌ سيِّئةٌ… العقلُ يُصدَعُ، قالَ اللهُ: {لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ} [الواقعة:19] {لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} [الصافات:47] {يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ} [الطور:23] أمَّا خمرُ الدُّنيا إذا شربَها أهلُها ذهبتْ عقولُهم وصارَ أحدُهم يهذي ولا يدري ويتخبَّطُ ويقع في قبائحِ الأقوالِ.. وعَسَلٌ مُصَفًّى نظيفٌ نقيٌّ، هذه أربعةُ أنهارٍ، الأسماءُ موافقةٌ لأسماء الدُّنيا، الدُّنيا فيها ماءٌ ولبنٌ وخمرٌ وعسلٌ، ولكن حقائق ما في الجنَّة ليس مثل حقائق ما في.. يعني فهمنا الآن الماء واللَّبن و… أنَّها أشربةٌ، أنواعٌ من الأشربةِ مختلفةُ الطَّبائعِ، مختلفةُ المنافعِ، لكنَّنا لا نتصوَّرُ كنهَ هذه الأشربةِ الَّتي في الآخرة، إذًا فهي موافقةٌ لأسماء ما في الدُّنيا لفظًا وفي المعنى العامِّ، أمَّا الحقائقُ فليستْ مثلَها، فليسَ ماءُ الجنَّة كماء الدُّنيا، له شأنٌ نحن لا نتصوَّرُه، وكذلك اللَّبنُ لا نتصوَّرُ حقيقتَه، لكنَّه لبنٌ، لكنَّه خمرٌ، لكنَّه عسلٌ، وهكذا.

{وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ ما نعرفُه وما لا نعرفُه، ممَّا سُمِّيَ لنا: العنب كثيرًا، والرُّمان والموز {وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ} [الواقعة:29] هذا سُمِّيَ لنا، لكن هناك أنواعٌ لم تُسَمَّ، واللهُ تعالى إنَّما يذكرُ للعباد ما يعرفون أسماءَه، ذكرَ اللهُ أشهرَ أسماءِ الفواكه وهو العنبُ، {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (31) حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا} [النبأ:31-32] وكذلك الفردوسُ هو البستانُ كثيرُ العنبِ، البستانُ الَّذي هو كثيرُ العنبِ، فالمخاطَبون يعرفون هذا، يعرفون أنَّه نوعٌ من الفاكهة، ما في أحد يقول: "ما هو العنبُ؟"، وإن كانَ أعجميًّا للعنب اسم آخر يُعرَفُ بالاسم الَّذي يعرفه بس، وقد ظهرتْ أنواعٌ من الفواكهِ لا يعرفُها العربُ والصَّحابةُ في وقتهم، ما يعرفونها.

ولهم {مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ} وهذا معنى أنَّهم تُكفَّرُ عنهم السَّيِّئاتُ ويُمتَّعون ويدخلون الجنَّات فنفى عنهم.. أمَّنَهم من أسباب الشَّرِّ وهي الذُّنوبُ قالَ: {وَمَغْفِرَةٌ}، {وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ}

ثمَّ يقول: {كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ} هذا في معنى الموازنة هل يستوي من هذه حالُه مُمتَّعٌ بأنواع النَّعيم، ومن هو في النَّار يُسقَى من الحميم الشَّديد -أعوذ بالله- أهذا كهذا {كَمَنْ هُوَ} يعني: المتَّقون المنعَّمون في تلك الجنَّات {كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ}؟ مثل قوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} [الحشر:20] سبحانَ الله!

{كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} ماءُ الحميمِ، آن، آن، مثلما قالَ تعالى: {يَطُوفُونَ بَيْنَهَا} [الرحمن:44] المجرمون {يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آَنٍ} [الرحمن:44] والآن: هو شديدُ الحرارةِ، يا الله، نسألُه أن يقيَنا وإيَّاكم عذابَ النَّار، اللَّهم قِنا عذابَ النَّار، {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201]، {رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الفرقان:65] إلى هنا.

 

(تفسيرُ الشَّيخِ السَّعديِّ)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ –رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِهِ تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} الآياتَ:

{مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} أي: الَّتي أعدَّها اللهُ لعبادِهِ، الَّذينَ اتَّقَوا سخطَهُ، واتَّبعُوا رضوانَهُ، أنَّها نعتُها وصفتُها الجميلةُ.

– طالب: أي: نعتُها وصفتها الجميلة.

– الشيخ : أي: نعتُها، بالضَّم، يعني {مَثَلُ الْجَنَّةِ} أي: نعتُ الجنَّة وصفتُها، تفسيرٌ لــ {مَثَلُ}

– القارئ : {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} أي: غيرِ متغيِّرٍ، لا بوخمٍ ولا بريحٍ منتنةٍ، ولا بمرارةٍ، ولا بكدورةٍ

– الشيخ : يعني: من ناحية اللَّون ما فيه.. صفاء، ماءٌ صافٍ نقيٌّ

– القارئ : بل هوَ أعذبُ المياهِ وأصفاها، وأطيبُها ريحًا، وألذُّها شربًا.

– الشيخ : لا إله إلَّا الله، لا إله إلَّا الله، لا حول ولا قوَّة إلَّا بالله، سبحان الله، سبحان الله! عجبًا لمن يؤمنُ بهذا ولا يقومُ بما ينبغي من طلبِه والأخذِ بأسبابه.

– القارئ : {وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ} بحموضةٍ ولا غيرِها، {وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ} أي: يلتذُّ بهِ شاربُهُ لذَّةً عظيمةً، لا كخمرِ الدُّنيا الَّذي تُكرَهُ مذاقُها وتُصدِعُ الرَّأسَ، وتغولُ العقلَ.

{وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى} مِن شمعِهِ، وسائرِ أوساخِهِ.

– الشيخ : يعني لا يعني هذا، لا يعني هذا أنَّ ذلك العسلَ كان في شمعٍ وكان في ما كان وإنَّه صُفِّيَ، لا أصل، هو في خلقته صافٍ، مُصفًّى في أصل خلقِه، في أصل خلقتِه، ووُصِفَ بأنَّه مصفًّى؛ مراعاةً للمخاطَبين الَّذين يعرفون أنَّ العسلَ المصفَّى هو أفضلُ العسلِ، أن يكونَ صافيًا ليس فيه خلطٌ، ليس فيه ما يخالطُه بل هو شرابٌ صافٍ.

– القارئ : {وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} مِن نخيلٍ، وعنبٍ، وتفاحٍ، ورمانٍ، وأُتْرُجٍّ، وتينٍ، وغيرِ ذلكَ

– الشيخ : بس [لكن] الشَّيخ عبَّرَ بهذا وإلَّا ما.. "تفاح"، يظهرُ لي أنَّ العربَ ما هم بيذكرون ما في، ما يعرفون التُّفاحَ، يعني ما أذكرُ أنا أنَّهم، ولا ذُكِرَ في القرآن التُّفاح، لكن الشَّيخ يريد يُطبِّق {مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} يعني: كلُّ الثَّمرات ما علمنا وعرفنا منها وما لا نعرفُ، ولكن المُسمَّى لنا في القرآن: العنب والرُّمان والموز بذكر الشَّجر اسم الشجر الطلح، فُسِّرَ الطَّلْحُ بالموز، وفي كذلك النَّبِق، ثمر السِّدر، {سِدْرٍ مَخْضُودٍ} [الواقعة:28] مخضودٍ من الشَّوك، سدر لا شرك فيه، فيه ثمرٌ لذيذٌ وليس هو كَنَبِق الدُّنيا وهذه، ليس هو من أجلِّ، ليس هو من الفواكه والثِّمار المختارةِ.

– القارئ : وغيرِ ذلكَ ممَّا لا نظيرَ لهُ في الدُّنيا، فهذا المحبوبُ المطلوبُ قد حصلَ لهم.

ثمَّ قالَ: {وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ} يزولُ بها عنهم المرهوبَ

– الشيخ : العذابُ والشَّقاءُ يزول بالمغفرة، فجمعَ لهم بينَ الثَّوابِ والأمنِ من العذاب.

– القارئ : فأيُّ هؤلاءِ خيرٌ أم مَن هوَ خالدٌ في النَّارِ الَّتي اشتدَّ حرُّها، وتضاعفَ عذابُها، {وَسُقُوا} فيها {مَاءً حَمِيمًا} أي: حارًّا جِدًّا، {فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ}

فسبحانَ مَن فاوتَ بينَ الدَّارين والجزاءَينِ، والعاملَينِ والعملَينِ!

– الشيخ : الجنَّة والنَّار، هما الدَّارين، فاوَتَ بينهما، فهما متباينتان بينهما تباينٌ أعظمُ تباين.

– القارئ : والجزاءَينِ، والعاملَينِ والعمَلَيْنِ

الشيخ : تفاوتٌ بين العاملَين: المتَّقين والفجَّار

القارئ : قالَ اللهُ تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ}

الشيخ : إلى هنا بس [يكفي] .