الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الفتح/(3) تتمة قوله تعالى {سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا} الآية 11 إلى قوله تعالى {ولله ملك السماوات والأرض} الآية 14

(3) تتمة قوله تعالى {سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا} الآية 11 إلى قوله تعالى {ولله ملك السماوات والأرض} الآية 14

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الفتح

الدَّرس: الثَّالث

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ

سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (11) بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا (12) وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا (13) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الفتح:11-14]

– الشيخ : إلى هنا.

الحمدُ للهِ، يُخبِرُ -تعالى- نبيَّه أنَّ الَّذينَ تخلَّفُوا عن الخروجِ معَهُ إلى مكَّةَ حينَ خرجَ معتمِرًا -صلَّى الله عليه وسلَّمَ- من السَّنةِ السَّادسة من الهجرة، فقد ذكرَ أهلُ السِّيرة أنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- عندَما أرادَ أن يخرجَ إلى مكَّةَ استنفرَ القبائلَ -قبائلَ الأعرابِ- الَّذين حولَ المدينةِ؛ ليخرجوا معَه ولكنَّهم تخلَّفوا، فهؤلاء هم الَّذين أخبرَ اللهُ نبيَّه بأنَّهم سيعتذرون، يعتذرون بأنَّهم شغلَتْهم أموالُهم وأهلوهم، {شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} لم يكنْ صادقين في هذا الاعتذارِ، ولم يكنْ قاصدين للخروج بل تخلَّفُوا جبنًا وخوفًا من قتال أهلِ مكَّةَ؛ لأنَّهم ظنُّوا أنَّه سيكون قتال، وأنَّ قريشًا سيحاربون النَّبي ويصدُّونه، فاعتذروا بقولهم: {شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} وفي هذا تهديدٌ لهم على تخلُّفهم وكذبِهم.

{بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا * بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ} كانَ مِن ظنِّهم أنَّ الرَّسولَ -صلَّى الله عليه وسلَّم- وأصحابَه أنَّهم لَنْ يَرجعوا؛ لأنَّهم قد ذهبُوا إلى مكَّةَ وفيها العدوُّ وأنَّهم سيقاتلونهم وينتصرون عليهم {أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا} وأُعجِبُوا بذلك واستقرَّ في نفوسِهم ولهذا قالَ تعالى: {وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ} وهذا ظنُّ سَوْءٍ بالله، فإنَّ اللهَ تعالى حكيمٌ عليمٌ لا يُديرُ الباطلَ على الحقِّ ولا يخذلُ نبيَّه وأولياءَه {وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا} هَلْكَى، {وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا}.

{وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا} مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فهو كافرٌ وقد أعدَّ اللهُ له عذابًا عظيمًا {فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا}.

{وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} فالـمُلْكُ كلُّه للهِ، هو خالقُ السَّمواتِ والأرضِ ومن فيهنَّ وله الملكُ كلُّه، فله ما في السَّموات والأرض، وهو -تعالى- يتصرَّفُ كما يشاءُ فـ {يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}.

 

 (تفسيرُ الشَّيخِ السَّعديِّ)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ –رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى:

{سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ} الآياتَ:

يذمُّ تعالى المتخلِّفِينَ عن رسولِ اللهِ، في الجهادِ في سبيلِهِ، مِن الأعرابِ الَّذين ضعفَ إيمانُهم، وكانَ في قلوبِهم مرضٌ، وسوءُ ظنٍّ باللهِ تعالى، وأنَّهم سيعتذرونَ بأنَّ أموالَهم وأهليهم شغلَتْهم عن الخروجِ في سبيلِهِ، وأنَّهم طلبُوا مِن رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- أنْ يستغفرَ لهم، قالَ اللهُ تعالى

– الشيخ : كلُّ هذا خبرٌ من الله لنبيِّه قبلَ أن يكونَ {سَيَقُولُ} السِّين: تدلُّ على المستقبل، اللهُ يخبرُ أنَّ المتخلِّفين عنه من هذه القبائل الَّذين جبنوا وضعفوا لضعفِ إيمانِهم ومرضِ قلوبهم أنَّهم سيعتذرون، وهذا إخبارٌ من الله، وهذا من الإخبار بالغيبِ؛ لأنَّه لم يكنْ، إخبارٌ عن المستقبل، وفعلًا لما رجعَ النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- إلى المدينة اعتذروا بهذا الاعتذارِ، وطلبُوا من الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّمَ- أن يستغفرَ لهم ولم يكونوا كذلك جادِّين في هذا الطَّلبِ، لقولِهِ تعالى: {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ}.

 

– القارئ : قالَ اللهُ تعالى: {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} فإنَّ طلبَهم الاستغفارَ مِن رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- يدلُّ على ندمِهم وإقرارِهم على أنفسِهم بالذَّنبِ، وأنَّهم تخلَّفُوا تخلُّفًا يحتاجُ إلى توبةٍ واستغفارٍ، فلولا هذا الَّذي في قلوبِهم لكانَ استغفارُ الرَّسولِ نافعًا لهم؛ لأنَّهم قد تابُوا وأنابُوا، ولكنَّ الَّذي في قلوبِهم، أنَّهم إنَّما تخلَّفُوا؛ لأنَّهم ظنُّوا باللهِ ظنَّ السَّوْءِ. فظنُّوا {أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا} أي: إنَّهم سيُقتَلون ويُستأصَلونَ، ولم يزلْ هذا الظَّنُّ يُزيَّنُ في قلوبِهم، ويطمئنُّونَ إليهِ حتَّى استحكمَ، وسببُ ذلكَ أمرانِ:

أحدُهما: أنَّهم كانُوا {قَوْمًا بُورًا} أي: هَلْكَى، لا خيرَ فيهم، فلو كانَ فيهم خيرٌ لم يكنْ هذا في قلوبِهم.

الثَّاني: ضَعْفُ إيمانِهم ويقينِهم بوعدِ اللهِ ونصرِ دينِهِ وإعلاءِ كلمتِه، ولهذا قالَ: {وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} أي: فإنَّهُ كافرٌ مُستحِقٌّ للعقابِ، {فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا}.

قالَ اللهُ تعالى: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} الآيةَ.

أي: هوَ تعالى المُنفرِدُ بملكِ السَّماواتِ والأرضِ، يتصرَّفُ فيهما بما يشاءُ مِن الأحكامِ القدريَّةِ، والأحكامِ الشَّرعيَّةِ، والأحكامِ الجزائيَّةِ، ولهذا ذكرَ حكمَ الجزاءِ المرتِّبِ على الأحكامِ الشَّرعيَّةِ، فقالَ: {يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ} وهوَ مَن قامَ بما أمرَهُ اللهُ بهِ {وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} مـِمَّن تهاونَ بأمرِ اللهِ، {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} أي: وصفُهُ اللَّازمُ الَّذي لا ينفكُّ عنهُ: المغفرةُ والرَّحمةُ، فلا يزالُ في جميعِ الأوقاتِ يغفرُ للمذنبينَ، ويتجاوزُ عن الخاطئينِ، ويتقبَّلُ توبةَ التَّائبينَ، ويُنزِلُ خيرَهَ المدرارَ، آناءَ اللَّيلِ والنَّهارِ.

قالَ اللهُ تعالى: {سَيَقُولُ}

– الشيخ : إلى هنا.