الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الحجرات/(2) من قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا} الآية 6 إلى قوله تعالى {فضلا من الله} الآية 8

(2) من قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا} الآية 6 إلى قوله تعالى {فضلا من الله} الآية 8

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الحجرات

الدَّرس: الثَّاني

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6) وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [الحجرات:6-8]

– الشيخ : إلى هنا.

هذا هو التَّوجيهُ الثَّالثُ الَّذي يوجِّهُ اللهُ به عبادَه المؤمنين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ}، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} [الحجرات:2]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} يأمرُ اللهُ عبادَهُ المؤمنينَ إذا أخبرَهم فاسقٌ بخبرٍ أو شَهِدَ شهادةً أن يتبَّينوا، أنْ يتثبَّتوا كما في قراءة: "فَتَثَبَّتُوا"، قالَ العلماءُ: هذا يدلُّ على أنَّ شهادةَ الفاسقِ لا تُرَدُّ من أوَّلِ وهلةٍ بل يُنظَرُ فيها ويُتثبَّتُ فإنَّه قد يصدقُ، قد يصدقُ الكذوبُ، الكذوبُ قد يصدقُ، والفاسقُ: هو المظهِرُ للمعاصي.

{فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ} أي: لئلَّا تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ بسبِ خبرِ هذا الفاسقِ، {أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} إذا انخدعَ المسلمُ، أو انخدعَ المسلمونَ بخبرٍ لا أصلَ لهُ ثمَّ ترتَّبَ على ذلك بعضُ الأمورِ وبعضُ التَّصرُّفات ندمَ مَن قبلَ هذا الخبرَ وعملَ بموجبِه {أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}.

قالَ اللهُ: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ} رسولُ اللهِ بينَكم فلا بدَّ من الرُّجوع إليه والاعتمادِ على قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء:59]

{لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} أي: لأصابَتْكم مشقَّةٌ لكنَّ الرَّسولَ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- بهداية الله له لا يقبلُ كلَّ ما يُشيرُ به النَّاسُ ويطلبونه منه، فإنَّهم يطلبون أمورًا لا مصلحةَ فيها أو يطلبون أمورًا تعودُ عليهم بالضَّررِ، فالرَّسولُ يجب على المؤمنين أن يتَّبعوا ما قالَه الرَّسولُ -عليه الصَّلاة والسَّلام- {لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ}.

{وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} إنَّ هذا لفضلُ اللهِ العظيمُ! هذا فضلٌ عظيمٌ أنْ يحبِّبَ الإيمانَ لقلبِ المؤمِنِ بحيثُ يُسَرُّ به ويُعجَبُ به وينشرحُ صدرُه له، فذلك نعمةٌ عظيمةٌ! {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} فمن أعظمِ النِّعمِ: محبَّةُ الإيمانِ والعملِ الصَّالحِ، وبغضُ الكفرِ والمعاصي، هذه نعمةٌ عظيمةٌ!

{وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} هذا هو الرُّشدُ، {فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} اللهُ عليمٌ يُؤتي فضلَهُ من يشاءُ ويمنعُه ممَّن يشاءُ وله الحكمةُ البالغةُ في ذلك، اللهُ أعلمُ حيثُ يجعلُ فضلَه سبحانَه وتعالى. نعم يا محمَّد، اقرأْ سورةَ الحجراتِ

القارئ : أتركُ ما تبقَّى من..؟

الشيخ : إي.

 

(تفسيرُ الشَّيخِ السَّعديِّ)

– القارئ : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ –رحمَهُ اللهُ تعالى-: تفسيرُ سورةِ الحجراتِ، وهيَ مدنيَّةٌ، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ…} الآياتَ:

هذا متضمِّنٌ للأدبِ معَ اللهِ تعالى، ومعَ رسولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والتَّعظيمِ لهُ واحترامِهِ، وإكرامِهِ، فأمرَ اللهُ عبادَهُ المؤمنينَ بما يقتضيهِ الإيمانُ باللهِ ورسولِهِ، مِن امتثالِ أوامرِ اللهِ واجتنابِ نواهيهِ، وأنْ يكونُوا ماشينَ خلفَ أوامرِ اللهِ، متَّبعينَ لسنَّةِ رسولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في جميعِ أمورِهم، وألَّا يتقدَّمُوا بينَ يدي اللهِ ورسولِهِ، فلا يقولوا حتَّى يقولَ، ولا يأمروا حتَّى يأمرَ، فإنَّ هذا حقيقةُ الأدبِ الواجبِ معَ اللهِ ورسولِهِ، وهوَ عنوانُ سعادةِ العبدِ وفلاحِهِ، وبفواتِهِ تفوتُهُ السَّعادةُ الأبديَّةُ، والنَّعيمُ السَّرمديُّ، وفي هذا النَّهيِ الشَّديدِ عن تقديمِ قولِ غيرِ الرَّسولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على قولِهِ، فإنَّهُ متى استبانَتْ سنَّةُ رسولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجبَ اتِّباعُها وتقديمُها على غيرِها كائنًا ما كانَ.

ثمَّ أمرَ اللهُ بتقواهُ عمومًا، وهيَ كما قالَ طَلْقُ بنُ حبيبٍ: أنْ تعملَ بطاعةِ اللهِ، على نورٍ مِن اللهِ، ترجو ثوابَ اللهِ، وأنْ تتركَ معصيةَ اللهِ، على نورٍ مِن اللهِ، تخشى عقابَ اللهِ.

وقولُهُ: {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ} أي: لجميعِ الأصواتِ في جميعِ الأوقاتِ، في خفيِّ المواضعِ والجهاتِ، {عَلِيمٌ} بالظَّواهرِ والبواطنِ، والسَّوابقِ واللَّواحقِ، والواجباتِ والمستحيلاتِ والجائزاتِ.

وفي ذكرِ الاسمَينِ الكريمَينِ -بعدَ النَّهي عن التَّقدُّمِ بينَ يدي اللهِ ورسولِهِ والأمرِ بتقواهُ- حثٌّ على امتثالِ تلكَ الأوامرِ الحسنةِ، والآدابِ المستحسَنةِ، وترهيبٌ عن عدمِ الامتثالِ.

ثمَّ قالَ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ} وهذا أدبٌ معَ الرَّسولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في خطابِهِ، أي: لا يرفعُ المخاطِبُ لهُ صوتَهُ معَهُ فوقَ صوتِهِ، ولا يجهرُ لهُ بالقولِ بل يغضُّ الصَّوتَ ويخاطبُهُ بأدبٍ ولينٍ وتعظيمٍ وتكريمٍ وإجلالٍ وإعظامٍ، ولا يكونُ الرَّسولُ كأحدِهم بل يميِّزُوهُ في خطابِهم كما تميَّزَ عن غيرِهِ في وجوبِ حقِّهِ على الأمَّةِ ووجوبِ الإيمانِ بهِ والحبِّ الَّذي لا يتمُّ الإيمانُ إلَّا بهِ

الشيخ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اللَّهمَّ صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ، اللَّهمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِكَ

القارئ : فإنَّ في عدمِ القيامِ بذلكَ محذورًا وخشيةً أنْ يحبطَ عملُ العبدِ وهوَ لا يشعرُ، كما أنَّ الأدبَ معَهُ مِن أسبابِ حصولِ الثَّوابِ وقبولِ الأعمالِ.

ثمَّ مدحَ مَن غضَّ صوتَهُ عندَ رسولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأنَّ اللهَ امتحنَ قلوبَهم للتَّقوى، أي: ابتلاها واختبرَها، فظهرَتْ نتيجةُ ذلكَ، بأنْ صلحَتْ قلوبُهم للتَّقوى، ثمَّ وعدَهم المغفرةَ لذنوبِهم المتضمِّنةَ لزوالِ الشَّرِّ والمكروهِ، وحصولَ الأجرِ العظيمِ الَّذي لا يعلمُ وصفَهُ إلَّا اللهُ تعالى، وفيهِ حصولُ كلِّ محبوبٍ، وفي هذا دليلٌ على أنَّ اللهَ يمتحنُ القلوبَ بالأمرِ والنَّهي والمِحنِ، فمَن لازمَ أمرَ اللهِ واتَّبعَ رضاهُ وسارعَ إلى ذلكَ وقدَّمَهُ على هواهُ، تمحَّضَ وتمحَّصَ للتَّقوى وصارَ قلبُهُ صالحًا لها ومَن لم يكنْ كذلكَ عُلِمَ أنَّهُ لا يصلحُ للتَّقوى.

قالَ اللهُ تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ} الآياتَ.

نزلَتْ هذهِ الآياتُ الكريمةُ في أناسٍ مِن الأعرابِ، الَّذين وصفَهم اللهُ بالجفاءِ وأنَّهم أجدرُ ألَّا يعلمُوا حدودَ ما أنزلَ اللهُ على رسولِهِ، قدمُوا وافدينَ على رسولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فوجدُوهُ في بيتِهِ وحجراتِ نسائِهِ، فلم يصبرُوا ويتأدَّبُوا حتَّى يخرجَ، بل نادَوهُ: "يا محمَّدُ، يا محمَّدُ" أي: اخرجْ إلينا، فذمَّهم اللهُ بعدمِ العقلِ حيثُ لم يعقلُوا عن اللهِ الأدبَ معَ رسولِهِ واحترامِهِ، كما أنَّ مِن العقلِ استعمالَ الأدبِ، فأدبُ العملِ عنوانُ عقلِهِ، وأنَّ اللهَ مريدٌ بهِ الخيرَ، ولهذا قالَ: {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} أي: غفورٌ عمَّا صدرَ عن عبادِهِ مِن الذُّنوبِ والإخلالِ بالآدابِ رحيمٌ بهم حيثُ لم يعاجلْهم بذنوبِهم بالعقوباتِ والمثلاتِ.

قالَ اللهُ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}

الشيخ : إلى هنا.