الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة ق/(1) من قوله تعالى {ق والقران المجيد} الآية 1 إلى قوله تعالى {تبصرة وذكرى لكل عبد منيب} الآية 8
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(1) من قوله تعالى {ق والقران المجيد} الآية 1 إلى قوله تعالى {تبصرة وذكرى لكل عبد منيب} الآية 8

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة  ق

الدَّرس: الأوَّل

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (3) قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ (4) بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (5) أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ [ق:1-8]

– الشيخ : إلى هنا.

الحمدُ لله، هذه سورةُ: "ق"، وهي مكِّيَّةٌ، أي: نزلَتْ قبلَ الهجرةِ كما هو معروفٌ من الاصطلاح في علوم القرآنِ، وكانَ النَّبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأُ بها على المنبر، تقولُ إحدى الصَّحابيَّات أم الحارث بن هشام: "ما حفظْتُ ق إلَّا مِن رسولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كانَ يقرأُها على المنبرِ يومَ الجمعةِ"، لأنَّها…، وكان يقرأُ بها -أيضًا- في الرَّكعة الأولى من صلاة العيدِ، وكلُّها من أوَّل السُّورة إلى آخرها دائرةٌ على أمرِ المعادِ والبعثِ.

وافتُتِحَتْ بهذا القسمِ: {وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} قسمُ من الله بكتابه، كما جاءَ في آياتٍ أخرى: {وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ} [يس:2]، {وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ} [الزخرف:2]، {وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ} [ص:1]، وهنا: {وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ}

{بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ} الكفَّارُ يعجبون أنْ يأتيَهم النَّذيرُ منهم، وهذا هو موجبُ الحكمةِ أنْ يكونَ الرَّسولُ منهم يعرفونه ويستطيعون التَّلقِّيَ عنه، {بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ} تعجَّبوا من أمرَينِ: من إرسال رسولٍ بشرٍ، بشريٍّ منهم، وممَّا أخبرَ به مِن أمرِ البعثِ.

{أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} استبعادٌ للبعثِ، ويُفسِّرُ ذلك قولُهم: {أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ}، {هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ}.

وقد جاءَ ذكرُ تكذيبِ الكفَّارِ بالبعثِ في مواضعَ كثيرةٍ: {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} [الرعد:5] {بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ} [السجدة:10]

ثمَّ يأتي الرَّدُّ عليهم بقولِهِ: {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ} يخبرُ تعالى عن علمِهِ بما تنقصُ الأرضُ من أجسادِ الموتى، فإنَّها تتحلَّلُ وتنقصُ شيئًا فشيئًا واللهُ عالمٌ بذلك، فما يذهبُ في الأرضِ من أجزاءِ الموتى علمُ اللهِ محيطٌ به، فهو قادرٌ على جمعِه وعلى إنشائِهم منه مرَّةً أخرى. {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ}.

{بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ} في أمرٍ مضطربٍ، وفي تناقُضٍ، وفي حيرةٍ.

ثمَّ يذكرُ تعالى بعضَ أدلَّةِ البعثِ، أي: بعضَ الأدلَّةِ على قدرته تعالى على البعثِ، ومن ذلك الاستدلالُ بخلق السَّموات والأرض كما هنا، وكما في آياتٍ أخرى، {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ} [يس:81]، {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} [غافر:57] {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ}

فالَذي خلقَ السَّمواتِ والأرضَ على عظمهما وسعتِهما هو على خلقِ وبعثِ النَّاس بعدَ موتِهم من القبورِ هو على ذلك أقدرُ في معقولِ النَّاس، وإلَّا فاللهُ على كلِّ شيءٍ قديرٌ وليس هو على بعض الأمورِ أقدرُ من بعضٍ، ولكنَّ اللهَ يُخاطِبُ العبادَ بما فُطِرُوا عليه، إنَّ الإعادةَ أهونُ من البدءِ، كما قالَ تعالى: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم:27] فالقادرُ على خلقِ العظيمِ هو على خلقِ الصَّغيرِ أقدرُ، فهذا أحدُ الأدلَّةِ على البعث، وهذا يأتي في القرآن ويُثَنَّى كثيرًا.

 

(تفسيرُ السَّعديِّ)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ –رحمَهُ اللهُ تعالى-: تفسيرُ سورةِ "ق" وهيَ مكِّيَّةٌ.

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} الآياتَ:

يُقسِمُ تعالى بالقرآنِ المجيدِ أي: وسيعُ المعاني عظيمُها، كثيرُ الوجوهِ كثيرُ البركاتِ، جزيلُ الـمَبـرَّاتِ. والمجدُ: سعةُ الأوصافِ وعظمتُها، وأحقُّ كلامٍ يُوصَفُ بذلكَ هذا القرآنُ، الَّذي قد احتوى على علومِ الأوَّلِينَ والآخِرِينَ، الَّذي حوى مِن الفصاحةِ أكملَها، ومِن الألفاظِ أجزلَها، ومِن المعاني أعمَّها وأحسنَها، وهذا موجِبٌ لكمالِ اتِّباعِهِ وسرعةِ الانقيادِ لهُ وشكرِ اللهِ على الـمِنَّةِ بهِ.

ولكنَّ أكثرَ النَّاسِ لا يقدِّرُ نعمَ اللهِ قدرَها، ولهذا قالَ تعالى: {بَلْ عَجِبُوا} أي: الـمُكذِّبونَ للرَّسولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- {أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُم} أي: يُنذرُهم ما يَضرُّهم، ويأمرُهم بما ينفعُهم، وهوَ مِن جنسِهم يمكنُهم التَّلقِّي عنهُ ومعرفةُ أحوالِهِ وصدقِهِ.

فتعجَّبُوا مِن أمرٍ لا ينبغي لهم التَّعجُّبُ منهُ، بل يُتعجَّبُ مِن عقلِ مَن تعجَّبَ منهُ.

{فَقَالَ الْكَافِرُونَ} الَّذين حملَهم كفرُهم وتكذيبُهم، لا نقصٌ بذكائِهم وآرائِهم.

{هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ} أي: مُستغرَبٌ، وهم في هذا الاستغرابِ بينَ أمرَينِ:

إمَّا صادقونَ في استغرابِهم وتعجُّبِهم، فهذا يدلُّ على غايةِ جهلِهم وضعفِ عقولِهم، بمنزلةِ المجنونِ الَّذي يَستغربُ كلامَ العاقلِ، وبمنزلةِ الجبانِ الَّذي يَتعجَّبُ مِن لقاءِ الفارسِ للفرسانِ، وبمنزلةِ البخيلِ الَّذي يَستغربُ سخاءَ أهلِ السَّخاءِ، فأيُّ ضررٍ يلحقُ مِن تعجُّبِ مَن هذهِ حالُهُ؟ وهل تعجُّبُهُ إلَّا دليلٌ على زيادةِ جهلِهِ وظلمِهِ؟ وإمَّا أنْ يكونوا متعجِّبينَ على وجهٍ يعلمونَ خطأَهم فيهِ، فهذا مِن أعظمِ الظُّلمِ وأشنعِهِ.

ثمَّ ذكرَ وجهَ تعجُّبِهم فقالَ: {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} فقاسُوا قدرةَ مَن هوَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ، الكاملُ مِن كلِّ وجهٍ، بقدرةِ العبدِ الفقيرِ العاجزِ مِن جميعِ الوجوهِ، وقاسُوا الجاهلَ الَّذي لا عِلمَ لهُ، بمَن هوَ بكلِّ شيءٍ عليمٌ، الَّذي يعلمُ ما تنقصُ الأرضُ مِن أجسادِهم مدَّةَ مقامِهم في البرزخِ، وقد أحصى في كتابِهِ الَّذي هوَ عندَهُ محفوظٌ عن التَّغييرِ والتَّبديلِ كلَّ ما يجري عليهم في حياتِهم، ومماتِهم، وهذا استدلالٌ بكمالِ سعةِ علمِهِ الَّتي لا يحيطُ بها إلَّا هوَ على قدرتِهِ على إحياءِ الموتى.

{بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ}

أي: {بَلْ} كلامُهم الَّذي صدرَ منهم، إنَّما هوَ عنادٌ وتكذيبٌ للحقِّ الَّذي هوَ أعلى أنواعِ الصِّدقِ {لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ} أي: مختلِطٍ مشتبِهٍ لا يثبتونَ على شيءٍ، ولا يستقرُّ لهم قرارٌ، فتارةً يقولونَ عنكَ: إنَّكَ ساحرٌ، وتارةً مجنونٌ، وتارةً شاعرٌ، وكذلكَ جعلُوا القرآنَ عِضِيْنَ، كلٌّ قالَ فيهِ ما اقتضاهُ رأيُهُ الفاسدُ، وهكذا كلُّ مَن كذَّبَ بالحقِّ فإنَّهُ في أمرٍ مختلِطٍ، لا يُدرَى لهُ وجهةٌ ولا قرارٌ، فتارةً أمورُهُ متناقضةٌ مؤتفكةٌ كما أنَّ مَن اتَّبعَ الحقَّ وصدَّقَ بهِ قد استقامَ أمرُهُ واعتدلَ سبيلُهُ وصدقَ فعلُهُ قيلَهُ.

{أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} الآياتَ.

لمَّا ذكرَ تعالى حالةَ المكذِّبِينَ، وما ذمَّهم بهِ، دعاهم إلى النَّظرِ في آياتِهِ الأفقيَّةِ كي يعتبرُوا ويستدلُّوا بها، على ما جُعِلَتْ أدلَّةً عليهِ فقالَ: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ} أي: لا يحتاجُ ذلكَ النَّظرُ إلى كلفةٍ وشدِّ رحلٍ، بل هوَ في غايةِ السُّهولةِ، فينظرونَ {كَيْفَ بَنَيْنَاهَا} قُـبَّةً مستويةَ الأرجاءِ، ثابتةَ البناءِ، مزيَّنةً بالنُّجومِ الخُنَّسِ، والجوارِ الكُنَّسِ، ضَربَتْ مِن الأفقِ إلى الأفقِ في غايةِ الحُسنِ والـملاحةِ، لا ترى فيها عيبًا ولا فروجًا ولا خلالًا ولا إخلالًا.

قد جعلَها اللهُ سقفًا لأهلِ الأرضِ، وأودعَ فيها مِن مصالحِهم الضَّروريَّةِ ما أودعَ.

{وَ} إلى {الْأَرْضَ} كيفَ {مَدَدْنَاهَا} ووسَّعْناها حتَّى أمكنَ كلُّ حيوانٍ السُّكونَ فيها والاستقرارَ والاستعدادَ لجميعِ مصالحِهِ، وأرساها بالجبالِ؛ لتستقرَّ مِن التَّزلزُلِ والتَّموُّجِ.

{وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} أي: مِن كلِّ صنفٍ مِن أصنافِ النَّباتِ الَّتي تسرُّ ناظرَها وتعجبُ مبصريها، وتقرُّ عينَ رامقيها لأكلِ بني آدمَ وأكلِ بهائمِهم ومنافعِهم، وخصَّ مِن تلكَ المنافعِ الجنَّاتِ المشتمِلةِ على الفواكهِ اللَّذيذةِ مِن العنبِ والرُّمانِ والأُترجِّ والتُّفاحِ وغيرِ ذلكَ، مِن أصنافِ الفواكهِ ومِن النَّخيلِ الباسقاتِ، أي: الطِّوالِ، الَّتي يطولُ نفعُها وترتفعُ إلى السَّماءِ، حتَّى تبلغَ مبلغًا لا يبلغُهُ كثيرٌ مِن الأشجارِ، فتُخرجُ مِن الطَّلْعِ النَّضيدِ في قِنوانِها ما هوَ رزقٌ للعبادِ، قُوتًا وأُدمًا وفاكهةً يأكلونَ منهُ ويدَّخرونَ هم ومواشيهم وكذلكَ ما يُخرجُ اللهُ بالمطرِ وما هوَ أثرُهُ مِن الأنهارِ الَّتي على وجهِ الأرضِ وتحتِها مِن حَبِّ الحصيدِ، أي: مِن الزَّرعِ المحصودِ، مِن بُرٍّ وشعيرٍ، وذرةٍ، وأرزٍ، ودُخنٍ وغيرِهِ.

فإنَّ في النَّظرِ في هذهِ الأشياءِ {تَبْصِرَةً} يتبصَّرُ بها، مَن عمى الجهلُ، {وَذِكْرَى} يتذكَّرُ بها ما ينفعُ في الدِّينِ والدُّنيا، ويتذكَّرُ بها ما أخبرَ اللهُ بهِ وأخبرَتْ بهِ رسلُهُ، وليسَ ذلكَ لكلِّ أحدٍ، بل {لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} إلى اللهِ، أي: مقبِلٍ عليهِ بالحُبِّ والخوفِ والرَّجاءِ وإجابةِ داعيهِ، وأمَّا المُكذِّبُ أو المعرِضُ فما تُغني الآياتُ والنُّذرُ عن قومٍ لا يؤمنونَ.

وحاصلُ هذا، أنَّ ما فيها مِن الخلقِ الباهرِ والشِّدَّةِ والقوَّةِ، دليلٌ على كمالِ قدرةِ اللهِ تعالى، وما فيها مِن الحسنِ والإتقانِ وبديعِ الصَّنعةِ وبديعِ الخلقةِ دليلٌ على أنَّ اللهَ أحكمُ الحاكمينَ وأنَّهُ بكلِّ شيءٍ عليمٌ، وما فيها مِن المنافعِ والمصالحِ للعبادِ دليلٌ على رحمةِ اللهِ الَّتي وسعَتْ كلَّ شيءٍ، وجودِهِ الَّذي عمَّ كلَّ حيٍّ، وما فيها من عظمةِ الخلقةِ وبديعِ النِّظامِ دليلٌ على أنَّ اللهَ تعالى، هوَ الواحدُ الأحدُ الفردُ الصَّمدُ الَّذي لم يتَّخذْ صاحبةً ولا ولدًا، ولم يكنْ لهُ كفوًا أحدٌ، وأنَّهُ الَّذي لا تنبغي العبادةُ والذُّلُّ والحبُّ إلَّا لهُ.

وما فيها مِن إحياءِ الأرضِ بعدَ موتِها، دليلٌ على إحياءِ اللهِ الموتى، ليجازيَهم بأعمالِهم، ولهذا قالَ: {وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} ولمَّا ذكرَهم

– الشيخ : إلى هنا، دخلَ في الآيات

– القارئ : نعم انتهى

– الشيخ : انتهى.