الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة ق/(3) من قوله تعالى {ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه} الآية 16 إلى قوله تعالى {ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد} الآية 20
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(3) من قوله تعالى {ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه} الآية 16 إلى قوله تعالى {ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد} الآية 20

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة  ق

الدَّرس: الثَّالث

***     ***     ***

 

– القارئ :

وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ [ق:16-20]

– الشيخ : {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} إذا جاءَ الموتُ ظهرَ للإنسان ما كانَ خفيًّا عليه أو ما كانَ منكَرًا له، فيظهرُ للإنسان عندَ الموتِ الأمورُ الغائبةُ الَّتي كانَ يجحدُها الكافرُ وينكرُها، ويؤمنُ بها المؤمنُ {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} يعني: تفرُّ وتزيغُ، فالإنسانُ مجبولٌ على الفرارِ من الموتِ والحذرِ من الموتِ، لكنَّه آتٍ لا محالةَ، {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ}.

قالَ اللهُ: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} قالَ المفسِّرونَ: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} يعني: ويُنفَخُ في الصُّور، فهو من التَّعبير بالماضي عن المستقبلِ لتحقُّقِ وقوعِهِ، فالنَّفخُ في الصُّورِ واقعٌ لا محالةَ وآتٍ لا محالةَ، يوم القيامة {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} [النحل:1] أتى يعني كأنَّه مستقبلٌ لكن مِن تحقُّقِه قد مضى {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ} يومُ القيامةِ هو يَوْمُ الْوَعِيدِ الَّذي يظهرُ فيه وعيدُ اللهِ للكافرين والعاصين، هو اليومُ الَّذي يتحقَّقُ الوعيدُ الَّذي وعدَ اللهُ به، ولهذا يقولُ تعالى: {لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ} [ق:28] ويومُ القيامةِ من أسمائِه: يومُ الوعيدِ، يومُ البعثِ، ويومُ النُّشورِ، ويومُ القيامةِ، ويومُ الوعيدِ.

{ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ} يعني: هذا يَوْمُ الْوَعِيدِ، يُقالُ للكفَّار: {ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ} هذا اليومُ الَّذي تُوعَدون به، وفي ذلك اليوم بعدَ النَّفخِ في الصُّور النَّفخة الثَّانية يُبعَثُ النَّاسُ من القبورِ ويُساقون إلى المحشرِ، {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} [ق:21] إنَّه لهولٌ عظيمٌ ويومٌ عصيبٌ! {عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} [المدثر:10]، {يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} [المدثر:9-10] نسألُ اللهَ أنْ يؤمِّنَنا وإيَّاكم يومَ الفزعِ الأكبرِ.

 

 (تفسيرُ السَّعديِّ)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} الآياتَ:

يُخبِرُ تعالى، أنَّهُ المُتفرِّدُ بخلقِ جنسِ الإنسانِ، ذكورِهم وإناثِهم، وأنَّهُ يعلمُ أحوالَهُ وما يَسَّرَهُ وتوسوسُ بهِ نفسُهُ

– طالب: "وما يُسِرُّه"

الشيخ : "وما يُسِرُّه" نعم، أحوالَهُ وما يُسِرُّه

القارئ : عندي مشدَّد السِّين

الشيخ : لا، لا، بس [يكفي]، "وما يُسِرُّه"، اقرأْ

القارئ : حاط الشَّدَّة عندي على السِّين

الشيخ : طيب

القارئ : وأنَّهُ يعلمُ أحوالَهُ وما يَسَّرَهُ وتوسوسُ بهِ نفسُهُ

الشيخ : وما يُسِرُّه

القارئ : وما يُسِرُّه وتوسوسُ به نفسُه

– طالب: ويوسوسُ في صدرِه

الشيخ : قريب

القارئ : وأنَّهُ أقربُ إليهِ مِن حبلِ الوريدِ الَّذي هوَ أقربُ شيءٍ إلى الإنسانِ، وهوَ العظمُ المكتنِفُ لثغرةِ النَّحرِ

الشيخ : الوريدُ عِرقٌ، والعظمُ التِّرقوة

– طالب: هو العِرقُ

الشيخ : عندك؟

– طالب: العِرقُ نعم

الشيخ : إي ما هو بالعظم

القارئ : الي [الذي] عندي العظم مكتوب

الشيخ : لا، لا، العظمُ التِّرقوة، العظمُ المنحني هذا في جانبي العنقِ، نعم العِرق

القارئ : وهوَ العِرقُ المكتنِفُ لثغرةِ النَّحرِ، وهذا ممَّا يدعو الإنسانَ إلى مراقبةِ خالقِهِ، المُطَّلِعُ على ضميرِهِ وباطنِهِ، القريبُ إليهِ في جميعِ أحوالِهِ

الشيخ : اللهُ أكبرُ، يذكرُ اللهُ علمَه بحالِ العبادِ وحالِ الإنسانِ وظاهرِ أمرِه وخفيِّ عملِه، كلُّ ذلكَ من أجل أن يراقبَ ربَّه ويخافَ ربَّه ويحاسبَ نفسَه ويحترزَ من كلِّ ما يكرهُه اللهُ منه، لو كان الإنسانُ عندَ عظيمٍ يخشى من بطشه فإنَّه يحرصُ أشدَّ الحرصِ على ألَّا يطَّلعَ منه على ما يكرهُ، فكيفَ بالعظيم الشَّديدِ العقابِ؟! نسـألُ اللهَ العفوَ والمغفرةَ، نسـألُ اللهَ العفوَ والمغفرةَ، اللَّهمَّ عافيتك.

 

القارئ : فيستحي منهُ أنْ يراهُ حيثُ نهاهُ، أو يفقدُهُ حيثُ أمرَهُ

الشيخ : اللهُ أكبرُ

القارئ : وكذلكَ ينبغي لهُ أنْ يجعلَ الملائكةَ الكرامَ الكاتبينَ منهُ على بالٍ، فيُجِلُّهم ويوقِّرُهم، ويحذرُ أنْ يفعلَ أو يقولَ ما يُكتَبَ عنهُ ممَّا لا يُرضِي ربَّ العالمِينَ، ولهذا قالَ: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ} أي: يتلقَّيانِ عن العبدِ أعمالَهُ كلَّها، واحدٌ {عَنِ الْيَمِينِ} يكتبُ الحسناتِ {وَ} الآخرُ {عَنِ الشِّمَالِ} يكتبُ السَّيِّئاتِ، وكلٌّ منهما {قَعِيدٌ} مُقيَّدٌ بذلكَ مُتهيِّئٌ لعملِهِ الَّذي أُعِدَّ لهُ، ملازمٌ لذلكَ.

{مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ} خيرٍ أو شرٍّ {إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} أي: مراقِبٌ لهُ، حاضرٌ لحالِهِ، كما قالَ تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار:10-12]

{وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ}

الشيخ : لا إله إلَّا الله، لا إله إلَّا الله، نعم اقرأْ على {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ}

القارئ : قالَ اللهُ تعالى: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} الآياتَ.

أي: {وَجَاءَتْ} هذا الغافلَ المكذِّبَ بآياتِ اللهِ {سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} الَّذي لا مردَّ لهُ ولا مناصَ، {ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} أي: تتأخَّرَ وتنكصَ عنهُ.

{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ}

الشيخ : اللهُ أكبرُ، قفْ عليه بس [يكفي]