بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الطُّور
الدَّرس: الرَّابع
*** *** ***
– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ
فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ (29) أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (31) أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (32) أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ (33) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (34) أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ (36) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (37) أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38) أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (39) أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (40) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (41) أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ (42) أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ [الطور:29-43]
– الشيخ : إلى هنا، لا إلهَ إلَّا الله، لا إلهَ إلَّا الله.
الحمدُ للهِ، يأمرُ اللهُ تعالى نبيَّه في هذه الآياتِ بالتَّذكيرِ، بتذكيرِ النَّاس، بتعريفِهم باللهِ، بتذكيرِهم بما يجبُ عليهم من حقِّه سبحانه وتعالى وهو عبادتُه وحدَه لا شريكَ له، ويسلِّيه بتكذيبِ المشركينَ فيما زعمُوا {فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ} المشركون اضطربَتْ أقوالُهم في الرَّسولِ كما قالَ تعالى: {إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ} [الذاريات:8]، فمنهم من يقولُ: هو كاهنٌ، وآخرُ يقولُ: هو مجنونٌ، وآخرُ يقولُ: هو شاعرٌ، وآخرُ يقولُ: هو ساحرٌ، فاللهُ ينزِّهُ نبيَّه عن هذه الأقوالِ الأثيمةِ الباطلةِ المناقضةِ للعقلِ والشَّرعِ {فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ} مَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ من العلمِ والنُّبوَّةِ الَّتي أكرمَكَ اللهُ بها، ما أنتَ بمجنونٍ ولا كاهنٍ.
{أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ} اللهُ تعالى يعدِّدُ أقوالَهم ويكذِّبُ ظنونَهم ويوبِّخُهم على كفرِهم وعنادِهم {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ} يعني: يقولون: هو شاعرٌ ننتظرُ به الموتَ كما ماتَ الشُّعراءُ قبلَه، {نَتَرَبَّصُ} يعني: ننتظرُ، التَّربُّصُ معناه: الانتظارُ، {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ} كما ينتظرُ الكفَّارُ ما يريدونَه بالمؤمنين فكذلكَ المؤمنون ينتظرونَ بأسَ اللهِ الَّذي ينزلُهُ بالمعاندين، هم ينتظرون، فالكفَّارُ ينتظرون الشَّرَّ وينتظرون ما لا مستندَ لهم بهِ، وأمَّا المؤمنون فهم ينتظرون ما توعَّدَ اللهُ به الكافرين من العذابِ الأليمِ والبأسِ الشَّديدِ {قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ}.
{أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا} هذا توبيخٌ لهم، يعني: أقوالُكم هذه تأمرُكم بها عقولُكم؟ بل هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ {أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} يعني: بل هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ، فأقوالُهم تلكَ لا تهدي إليها عقولٌ ولا تقتضيها فِطرٌ بل هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ، الطُّغيانُ هو الَّذي حملَهم، الطُّغيانُ والتَّكبُّرُ والتَّمادي في الشَّرِّ هو الَّذي حملَهم على أنْ يقولوا هذه الأقوالَ المناقضةَ للعقلِ والشَّرعِ والفِطرةِ، {أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ}.
{أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ} هذهِ من جملةِ أقوالِهم أنَّهم يقولون: إنَّ الرَّسولَ تقوَّلَ هذا القرآنَ يعني: افتراهُ، فهذا واحدٌ من أقوالِهم الفاجرةِ، {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ}.
ثمَّ قالَ تعالى: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ} وهذا مِن قَبيلِ التَّحدِّي، هذا الَّذي تزعمون أنَّه مفترىً وأنَّ الرَّسولَ تقوَّلَه هاتُوا مثلَه، هاتوا مثلَه، كما قالَ في مواضعَ أخرى وتحدَّاهم: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ.. إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:23]، {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ}.
ثمَّ قالَ تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ} وهذا استفهامُ إنكارٍ ومعناه: هل خُلِقُوا من غيرِ شيءٍ؟ {أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} لأنفسِهم، وكلٌّ من الأمرَينِ باطلٌ، فلا هم الخالقون لأنفسِهم ولا خُلِقُوا من غيرِ شيءٍ بل لهم خالقٌ خلقَهم، {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ (36) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ} كلُّ هذه الاستفهاماتِ فيها توبيخٌ لهم وتقريعٌ وتكذيبٌ، تكذيبٌ لأولئك المشركينَ، فلم يخلقوا أنفسَهم، ولا خُلِقُوا من غيرِ شيءٍ، ولا خلقُوا السَّمواتِ والأرضَ، بل اللهُ خالقُهم وخالقُ السَّمواتِ والأرضَ وخالقُ كلِّ شيءٍ، سبحانه وتعالى، وهل يملكونَ شيئًا من خزائنِ العطاءِ وخزائنِ الخيرِ وخزائنِ النِّعمِ، بل ذلك كلُّه إلى اللهِ وبيدِ اللهِ، بيدِهِ الخيرُ، وعندَه خَزَائِنُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عندَهُ تعالى.
(تفسيرُ السَّعديِّ)
– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالَمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى:
{فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ} الآياتِ:
يأمرُ اللهُ تعالى رسولَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنْ يذكِّرَ النَّاسَ -مسلمَهم وكافرَهم- لتقومَ حجَّةُ اللهِ على الظَّالمينَ، ويهتدي بتذكيرِهِ المُوفَّقونَ، وألَّا يبالي بقولِ المشركينَ المكذِّبينَ وأذيَّتِهم وأقوالِهم [الَّتي يصدُّونَ بها النَّاسَ عن اتِّباعِهِ، معَ علمِهم أنَّه أبعدُ النَّاسِ عنها، ولهذا نفى عنهُ كلَّ نقصٍ رمَوهُ بهِ فقالَ:] {فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ} أي: مَنَّهُ ولطفَهُ، {بِكَاهِنٍ} أي: لهُ رَأْيٌ
– الشيخ : رَئِيٌّ
– القارئ : رَئِيٌّ مِن الجنِّ يأتيهِ بأخبارِ بعضِ الغيوبِ، الَّتي يَضُمُّ إليها مائةَ كذبةٍ
– الشيخ : نعم كما جاءَ في الحديثِ، يأتيهِ الجنيُّ بما يسترقُ من السَّمعِ فيضيفُ إليها مائةَ كذبةٍ، فيقولُ النَّاسُ.. يصدِّقونه، يقولون: أليسَ قد قالَ لنا يومَ كذا كذا وكذا، فيصدِّقونه بأكاذيبَ من أجلِ كلمةٍ واحدةٍ.
– القارئ : {وَلا مَجْنُونٍ} فاقدٍ للعقلِ، بل أنتَ أكملُ النَّاسِ عقلًا وأبعدُهم عن الشَّياطينِ، وأعظمُهم صدقًا، وأجلُّهم وأكملُهم
– الشيخ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
– القارئ : وتارةً {يَقُولُونَ} فيهِ: إنَّهُ {شَاعِرٌ} يقولُ الشِّعرَ، والَّذي جاءَ بهِ شعرٌ. واللهُ يقولُ: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس:69]
{نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ} أي: ننتظرُ بهِ الموتَ فيبطلَ أمرُهُ ونستريحَ منهُ.
{قُلْ} لهم جوابًا لهذا الكلامِ السَّخيفِ: {تَرَبَّصُوا} أي: انتظروا بي الموتَ، {فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ} {نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا} [التوبة:52]
{أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} أي: أهذا التَّكذيبُ لكَ، والأقوالُ الَّتي قالُوها؟ هل صدرَتْ عن عقولِهم وأحلامِهم؟ فبئسَ العقولُ والأحلامُ، الَّتي أثرَتْ ما أثرَتْ، وصدرَ منها ما صدرَ، فإنَّ عقولًا جعلَتْ أكملَ الخلقِ عقلًا مجنونًا، وجعلَتْ أصدقَ الصِّدقِ وأحقَّ الحقِّ كذبًا وباطلًا لَهِــيَ العقولُ الَّتي يُنزَّهُ المجانينُ عنها، أم الَّذي حملَهم على ذلكَ ظلمُهم وطغيانُهم؟ وهوَ الواقعُ، فالطُّغيانُ ليسَ لهُ حدٌّ يقفُ عليهِ، فلا يُستغرَبُ مِن الطَّاغي المتجاوزِ الحدَّ كلَّ قولٍ وفعلٍ صدرَ منهُ.
{أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ} أي: تقوَّلَ محمَّدٌ القرآنَ، وقالَهُ مِن تلقاءِ نفسِهِ؟ {بَلْ لا يُؤْمِنُونَ} فلو آمنُوا، لم يقولوا ما قالُوا.
{فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} أنَّهُ تقوَّلَهُ، [فإنَّكم العربُ الفصحاءُ، والفحولُ البلغاءُ، وقد تحدَّاكم أنْ تأتُوا بمثلِهِ، فتصدقُ معارضتُكم أو تقرُّوا بصدقِهِ، وأنَّكم لو اجتمعْتُم، أنتم والإنسُ والجنُّ، لم تقدرُوا على] معارضتِهِ والإتيانِ بمثلِهِ، فحينئذٍ أنتم بينَ أمرَينِ: إمَّا مؤمنونَ بهِ مقتدونَ بهديِهِ، وإمَّا معاندونَ متَّبعونَ لما علمْتُم مِن الباطلِ.
{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} وهذا استدلالٌ عليهم، بأمرٍ لا يمكنُهم فيهِ إلَّا التَّسليمَ للحقِّ، أو الخروجَ عن موجبِ العقلِ والدِّينِ، وبيانُ ذلكَ: أنَّهم منكِرونَ لتوحيدِ اللهِ، مكذِّبونَ لرسولِهِ، وذلكَ مُستلزِمٌ لإنكارِ أنَّ اللهَ خلقَهم.
وقد تقرَّرَ في العقلِ معَ الشَّرعِ، أنَّ ذلكَ لا يخلو مِن أحدِ ثلاثةِ أمورٍ:
إمَّا أنَّهم خُلِقُوا مِن غيرِ شيءٍ أي: لا خالقَ خلقَهم، بل وُجِدُوا مِن غيرِ إيجادٍ ولا موجِدٍ، وهذا عينُ المحالِ.
أم هم الخالقونَ لأنفسِهم، وهذا أيضًا محالٌ، فإنَّهُ لا يُتصوَّرُ أنْ يُوجِدَ أحدٌ أنفسَهم.
فإذا بطلَ هذانِ الأمرانِ وبانَ استحالتَهما، تعيَّنَ القسمُ الثَّالثُ أنَّ اللهَ الَّذي خلقَهم، وإذا تعيَّنَ ذلكَ عُلِمَ أنَّ اللهَ تعالى هوَ المعبودُ وحدَهُ، الَّذي لا تنبغي العبادةُ ولا تصلحُ إلَّا لَهُ تعالى.
وقولُهُ: {أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ} وهذا استفهامٌ يدلُّ على تقريرِ النَّفي أي: ما خَلقُوا السَّمواتِ والأرضَ، فيكونُوا شركاءَ للهِ، وهذا أمرٌ واضحٌ جدًّا. {بَلْ} المكذِّبينَ {لَا يُوقِنُونَ} أي: ليسَ عندَهم علمٌ تامٌّ، ويقينٌ يوجبُ لهم الانتفاعَ بالأدلَّةِ الشَّرعيَّةِ والعقليَّةِ.
{أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ} أي: أعندَ هؤلاءِ المكذِّبينَ خزائنُ رحمةِ ربِّكَ، فيُعطونَ مَن يشاؤُونَ ويمنعونَ مَن يريدوَنَ؟ أي: فلذلكَ حجَّرُوا على اللهِ أنْ يعطيَ النُّبوَّةَ عبدَهُ ورسولَهُ محمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكأنَّهم الوكلاءُ المفوَّضونَ على خزائنِ رحمةِ اللهِ، وهم أحقرُ وأذلُّ مِن ذلكَ
– الشيخ : فاللهُ تعالى يقولُ، لما قالوا في سورةِ الزُّخرف: {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف:31] قال الله: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الزخرف:32] فالعطاءُ والمنعُ لله وحدَه، هو الَّذي عنده خزائنُ الرَّحمةِ وخزائنُ الخيرِ وهو الَّذي يعطي ويمنعُ، فلا أحدٌ يملكُ أن يحجرَ فضلَ اللهِ على أحدٍ، {وَإِنْ يَمْسَسْكَ} [الأنعام:17]، {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر:2]، فالعطاءُ والمنعُ للهِ وحدَه، لا مانعَ لما أعطى ولا معطيَ لما منعَ. قفْ على هذا متَّصل الكلام، أقولُ متواصل الآيات.
– القارئ : أكملُ سطرين وأقفُ على {أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ}
– الشيخ : تمام
– القارئ : فليسَ في أيديهم لأنفسِهم نفعٌ ولا ضرٌّ، ولا موتٌ ولا حياةٌ ولا نشورٌ. {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}
{أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ} أي: المتسلِّطونَ على خلقِ اللهِ وملكِهِ، بالقهرِ والغلبةِ؟ ليسَ الأمرُ كذلكَ، بل هم العاجزونَ الفقراءُ. انتهى.
– الشيخ : اللهُ المستعانُ، الله المستعان، نسألُ اللهَ العافيةَ.
– طالب: بالنِّسبة للشِّعر في القرآنِ والسُّنَّةِ يُمدَحُ وإلَّا يُذَمُّ؟ {وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس:69]، ممدوحٌ، يعني نقول: الأصلُ في الشِّعرِ الذَّمُ إلَّا ما
– الشيخ : لا، الشِّعرُ يقالُ: كلامٌ حسنُه حسنٌ وقبيحُه قبيحٌ، مثل الكلام، الكلامُ فيه حقٌّ وباطلٌ، وحسنٌ وقبيحٌ، وممدوحٌ ومذمومٌ، فالشِّعرُ كذلك.