بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة القمر
الدَّرس: الأوَّل
*** *** ***
– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4) حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ (5) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6) خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ [القمر:1-8]
– الشيخ : إلى هنا.
الحمدُ للهِ، هذهِ سورةُ القمرِ، مكِّيَّةٌ، وقد افتُتِحَتْ بالخبرِ عن السَّاعةِ الَّتي هي القيامةُ، من أسمائِها السَّاعةُ، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ} [النازعات:42]، {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} [الأحزاب:63]، {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} يخبرُ تعالى عن قربِها، {اقْتَرَبَتِ} ومن دلائلِ قربِها ظهورُ بعضِ أشراطِها كما قالَ تعالى: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [محمد:18]، أي: علاماتُها، جاءَتْ علاماتُها، وأوَّلُ أشراطِ السَّاعة: بعثةُ خاتمِ النَّبيِّين -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يقولُ: (بُعِثْتُ أنا والسَّاعةُ كهاتينِ) يعني: قيامُ القيامةِ قريبٌ من مبعثِه عليه الصَّلاة والسَّلام، وهذا القربُ ليس هو بحسبِ ما يُقدِّرُه النَّاسُ أو يتخيَّلُه النَّاسُ، موعدُ السَّاعةِ لها أجلٌ معلومٌ عندَ اللهِ، مُسمَّىً، ولكنَّه لا يعلمُ ذلك أحدٌ من الخلقِ لا ملَكٌ مُقرَّبٌ ولا نبيٌّ مُرسَلٌ، كما في حديثِ جبريل قالَ له: أخبرْني عن السَّاعةِ؟ قالَ: (ما المسؤولُ عنها بأعلمَ مِن السَّائلِ)، يعني: أنا وأنتَ في العلمِ بها سواءٌ، سبحانَ الله العظيم، ولكن لها علاماتٌ تدلُّ على قربها، منها ما ذُكِرَ في القرآنِ ومنها ما جاءَ في السُّنَّةِ، فلها أشراطٌ كثيرةٌ صغارٌ وكبارٌ.
قالَ تعالى: {وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} انشقَّ وصارَ فِلقَتَينِ، قطعتَينِ يشاهدُه النَّاسُ، وهذا في حياةِ النَّبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، جعلَه اللهُ آيةً على صدقِ النَّبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فشهدَه الكفَّارُ، شهدُوا أنَّ القمرَ صارَ فِلقتَينِ {وَانْشَقَّ الْقَمَرُ}.
قالَ اللهُ: {وَكَذَّبُوا} أي: الكفَّارُ المشركون {وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ} لقد جاءَهم من الأخبارِ ما فيهِ الكفايةُ في الزَّجر عن الكفرِ باللهِ وعن معاصي الله، {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ} ومِن ذلكَ ما سيذكرُهُ في هذه السُّورةِ، ومن ذلكَ ما سيذكرُه في هذهِ السُّورةِ.
{وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4) حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ}، {حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ} يعني: حكمةُ اللهِ تعالى في خلقِه، {فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ} لا تُغْنِ النُّذُرُ عن أولئكَ المكذِّبين، كما قالَ تعالى: {وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} [يونس:101]، لا تغني عنهم شيئًا ولا ينتفعونَ بها، نسألُ اللهَ العافيةَ، لا ينتفعون بها ولا تُغني عنهم شيئًا، {وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ}، {حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ}
قالَ اللهُ: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} فأعرضْ عنهم، وقد أصرُّوا على الكفرِ والعنادِ، أعرضْ عنهم واتركْهم، كما قالَ تعالى: {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى} [النجم:29]، {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [النجم:29]، {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ} يَدْعُ الدَّاعِي، الدَّاعي إلى القيامِ من القبورِ، والدَّاعي إلى المحشرِ إلى الحشرِ والحسابِ.
{وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (41) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ} [ق:41-42] {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر:68]، {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} [النازعات:13-14]، {إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} [يس:53]، وهنا يقولُ: {يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ} إلى شيءٍ عظيمٍ.
{يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ} [المعارج:43]، {يَوْمَ يَخْرُجُونَ} هوَ ذلك اليوم، هو ذلكَ اليوم، يومَ يخرجُ النَّاسُ {مِنَ الْأَجْدَاثِ} من القبورِ يخرجونَ {سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} [المعارج:43]، {يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ} [ق:44]، يخرجون خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ، {خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ} كالجرادِ المنتشِرِ في كثرتِه وتفرُّقِه هنا وهناك، وفي الآيةِ الأخرى: {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} [القارعة:4-5]، {كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ}.
{مُهْطِعِينَ} إي: مُسرِعينَ {مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ} لأنَّهم يُدعَونَ، إذا خرجُوا من القبورِ يُدعَون إلى الحضورِ في المحشرِ للحشرِ والحسابِ {مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} نعم هو عَسِرٌ، عَسِرٌ على مَن؟ على الكفَّارِ {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8) فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} [المدثر:8-10]، أمَّا على المؤمنين فليسَ بعسيرٍ، بل اللهُ يُيسِّرُه ويهوِّنُ شدائدَه، {يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ}، {مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} هذه مقدِّمةُ السُّورة، وثمَّ تأتي القصصُ: قصَّةُ قومِ نوح، وعاد، وثمود، إلى آخرِ السُّورةِ.
(تفسيرُ السَّعديِّ)
– القارئ : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالَمين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى-: تفسيرُ سورةِ {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ}، وهيَ مكِّيَّةٌ.
قالَ اللهُ تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} الآياتِ:
يخبرُ تعالى أنَّ السَّاعةَ وهيَ القيامةُ اقتربَتْ وآنَ أوانُها، وحانَ وقتُ مجيئِها، ومعَ هذا فهؤلاءِ المكذِّبونَ لم يزالُوا مكذِّبينَ بها، غيرَ مستعدِّينَ لنزولِها، ويريهم اللهُ مِن الآياتِ العظيمةِ الدَّالَّةِ على وقوعِها ما يؤمنُ على مثلِهِ البشرُ، فمِن أعظمِ الآياتِ الدَّالَّةِ على صحَّةِ ما جاءَ بهِ محمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أنَّهُ لمَّا طلبَ منهُ المكذِّبونَ أنْ يريَهم مِن خوارقِ العاداتِ ما يدلُّ على صحَّةِ ما جاءَ بهِ وصِدْقِهِ أشارَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى القمرِ فانشقَّ بإذنِ اللهِ تعالى فِلْقَتَيْنِ فِلقةً على جبلِ أبي قبيسٍ، وفِلقةً على جبلِ قَيْقعانَ
– الشيخ : هذا شمالًا، وهذا جنوبًا
– القارئ : والمشركونَ وغيرُهم يشاهدونَ هذهِ الآيةَ الكبرى الكائنةَ في العالمِ العلويِّ، الَّتي لا يقدرُ الخلقُ على التَّمويهِ بها والتَّخييلِ.
فشاهدُوا أمرًا ما رأَوا مثلَهُ، بل ولم يسمعُوا أنَّهُ جرى لأحدٍ مِن المُرسَلينَ قبلَهُ نظيرُهُ، فانبهرَوا لذلكَ، ولم يدخلِ الإيمانُ في قلوبِهم، ولم يردِ اللهُ بهم خيرًا، ففزعُوا إلى بهتِهم وطغيانِهم، وقالُوا: سحَرَنا محمَّدٌ، ولكنْ علامةُ ذلكَ أنَّكم تسألونَ مَن وردَ عليكم مِن السَّفرِ، فإنَّهُ وإنْ قدِرَ على سحرِكم، لا يقدرُ أنْ يسحرَ مَن ليس مشاهدًا مثلَكم، فسألُوا كلَّ مَن قدمَ، فأخبرَهم بوقوعِ ذلكَ، فقالُوا: {سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} سحرَنا محمَّدٌ وسحرَ غيرَنا، وهذا مِن البهتِ، الَّذي لا يروجُ إلَّا على أسفهِ الخلقِ وأضلِّهم عن الهدى والعقلِ، وهذا ليسَ إنكارًا منهم لهذهِ الآيةِ وحدَها، بل كلُّ آيةٍ تأتيهم فإنَّهم مستعدُّونَ لمقابلتِها بالتَّكذيبِ والرَّدِّ لها، ولهذا قالَ: {وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا} ولم يعدِ الضَّميرُ على انشقاقِ القمرِ بل قالَ: {وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا} وليسَ قصدُهم اتِّباعَ الحقِّ والهدى، وإنَّما مقصودُهم اتِّباعُ الهوى، ولهذا قالَ: {وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} كقولِهِ تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ} [القصص:50]، فإنَّهُ لو كانَ قصدُهم اتِّباعَ الهدى لآمنُوا قطعًا واتَّبعُوا محمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لأنَّهُ أراهم اللهُ على يديهِ مِن البيِّناتِ والبراهينِ والحججِ القواطعِ، ما دلَّ على جميعِ المطالبِ الإلهيَّةِ، والمقاصدِ الشَّرعيَّةِ، {وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ} أي: إلى الآنَ، لم يبلغِ الأمرُ غايتَهُ ومنتهاهُ، وسيصيرُ الأمرُ إلى آخرِهِ، فالمصدِّقُ يتقلَّبُ في جنَّاتِ النَّعيمِ، ومغفرةِ اللهِ ورضوانِهِ، والمكذِّبُ يتقلَّبُ في سخطِ اللهِ وعذابِهِ، خالدًا مخلَّدًا أبدًا.
وقالَ تعالى -مبيِّنًا أنَّهم ليسَ لهم قصدٌ صحيحٌ، واتِّباعٌ للهدى-: {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الأنْبَاءِ} أي: الأخبارِ السَّابقةِ واللَّاحقةِ والمعجزاتِ الظَّاهرةِ {مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ} أي: زاجرٌ يزجرُهم عن غَيِّهم وضلالِهم، وذلكَ {حِكْمَةٌ} منهُ تعالى {بَالِغَةٌ} أي: لتقومَ حجَّتُهُ على العالمينَ ولا يبقى لأحدٍ على اللهِ حجَّةٌ بعدَ الرُّسلِ، {فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ} كقولِهِ تعالى: {وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ} [يونس:97]، لا يؤمنوا {حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ} [يونس:97]
قالَ اللهُ تعالى: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُو الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ} الآياتِ:
يقولُ تعالى لرسولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قد بانَ أنَّ المكذِّبِينَ لا حيلةَ في هداهم، فلم يبقَ إلَّا الإعراضُ عنهم والتَّولِّي عنهم، فقالَ: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} وانتظرْ بهم يومًا عظيمًا وهولًا جسيمًا، وذلكَ حينَ {يَدْعُو الدَّاعِ} وهوَ إسرافيلُ -عليهِ السَّلامُ- {إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ} أي: إلى أمرٍ فظيعٍ تنكرُهُ الخليقةُ، فلم ترَ منظرًا أفظعَ ولا أوجعَ منهُ، فينفخُ إسرافيلُ نفخةً يخرجُ بها الأمواتُ مِن قبورِهم لموقفِ القيامةِ.
{خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ} أي: مِن الهولِ والفزعِ الَّذي وصلَ إلى قلوبِهم، فخضعَتْ وذلَّتْ، وخشعَتْ لذلكَ أبصارُهم.
{يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْدَاثِ} وهيَ القبورُ، {كَأَنَّهُمْ} مِن كثرتِهم، وروجانِ بعضِهم ببعضٍ {جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ} أي: مبثوثٌ في الأرضِ، متكاثِرٌ جدًّا.
{مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ} أي: مسرعِينَ لإجابةِ نداءِ الدَّاعي وهذا يدلُّ على أنَّ الدَّاعيَ يدعوهم ويأمرُهم بالحضورِ لموقفِ القيامةِ، فيلبُّونَ دعوتَهُ، ويسرعونَ إلى إجابتِهِ، {يَقُولُ الْكَافِرُونَ} الَّذينَ قد حضرَ عذابُهم: {هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} كما قالَ تعالى: {عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} [المدثر:10] مفهومُ ذلكَ أنَّهُ يسيرٌ سهلٌ على المؤمنينَ.
انتهى.
– الشيخ : أحسنْتَ.