بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة القمر
الدَّرس: الرَّابع
*** *** ***
– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ
كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (33) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ (34) نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (35) وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ (36) وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (37) وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ (38) فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (39) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر:33-40]
– الشيخ : إلى هنا.
الحمدُ للهِ، هذه هي القصَّةُ الرَّابعةُ في هذه السُّورةِ، قصَّةُ قومِ لوطٍ وتكذيبهم لنبيِّهم وإهلاكهم وعقوبتهم الشَّنيعة على جريمتِهم الشَّنيعةِ.
{كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ} كذَّبُوا نُذرَ اللهِ، كذَّبُوا نبيَّهم لوطًا -عليه السَّلامُ-، ومن كذَّبَ رسولًا كانَ مكذِّبًا لجميعِ الرُّسلِ، كما قالَ تعالى في مواضعَ: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء:105]، {وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ} [الفرقان:37]، فهم لم يأتِهم إلَّا رسولٌ واحدٌ، لكن من كذَّبَ رسولًا من رسلِ اللهِ فهو مكذِّبٌ لجميعِهم؛ لأنَّ دعوتَهم واحدةٌ وعقيدتَهم واحدةٌ، كلُّهم جاؤُوا يدعون إلى توحيدِ اللهِ وعبادته وحدَه لا شريكَ له.
{إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا} أرسلَ عليهم حجارةً من سجيلٍ، {مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ} [الذاريات:34] كما في آياتٍ كثيرةٍ، فأمطرْنا عليهم مطرَ السَّوءِ {فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ} [الأعراف:84]، وقوله: {فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ} [النمل:58]، مطرٌ أيُّ مطرٍ؟! مطرُ العذابِ.
{إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} إِلَّا آلَ لُوطٍ، لوطٌ وأهلُه نجَّاهم اللهُ في وقتِ السَّحرِ، كما قالَ تعالى: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ} [الحجر:65]، {إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} ويخرجُ عن آلِ لوطٍ امرأتُهُ فإنَّها لحقَتْ بقومِها فأهلكَها اللهُ معَ الهالكينَ {إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ (57) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ} [النمل:57-58]
{إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ (34) نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ} هذه سنَّةُ اللهِ أنْ ينجِّيَ الشَّاكرين المؤمنين المتَّبعين لرسلِ اللهِ الشَّاكرين لنعمِ اللهِ، {نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ}
ثمَّ قالَ تعالى: {وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا} لوطٌ -عليه السَّلامُ- أنذرَ قومَه عذابَ اللهِ وبطشتَه وأَخْذَتَهُ الشَّديدةَ، {وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ} يعني: شكُّوا، شكُّوا بما أخبرَهم به نبيُّهم ولم يخافوا من عذابِ اللهِ، بل استمرُّوا على جهلِهم وضلالِهم وفعلِهم الفاحشة، {فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ}
{وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ} رَاوَدُوهُ، لما جاءَهُ الأضيافُ الملائكةُ ظنُّوهم رجالًا وعلى طريقتِهم الملعونةِ، جاؤُوا يُراوِدونَ لوطًا على أضيافِه، {وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ} جاءَ عندَ المفسِّرين أنَّهم لما جاؤوا واقتحمُوا بيتَ لوطٍ ضربَهم جبريلُ بجناحِه فأعماهم، فأعمى أبصارَهم، ذكرُوا هذا، واللهُ أعلمُ، المهمُّ أنَّ اللهَ طمسَ أبصارَهم، لما جاؤُوا يُراوِدون لوطًا -عليه السَّلامُ- عن أضيافِه طمسَ اللهُ أبصارَهم، {وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ} هذا أوَّلُ العذابِ أنْ طمسَ اللهُ أعينَهم.
ثمَّ قالَ تعالى: {وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ} هذه سنَّةُ اللهِ في الأممِ المكذِّبةِ أن يأتيَهم العذابُ في وقتِ تطلُّعِهم للانتشار، والتَّمتُّع بهذه الدُّنيا، يصبِّحُهم عذابُ اللهِ، يصبِّحُهم عذابُ اللهِ، {وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ} قالَ اللهُ: {فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ} عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ لا يتحوَّلُ ولا يزولُ بل هو دائمٌ عليهم، {فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ}
ثمَّ ختمَ اللهُ السُّورةَ [لعلَّ قصدَ – الشيخ : ختمَ اللهُ القصَّةَ] بهذا الامتنانِ الَّذي جاءَ بعدَ كلِّ قصَّةٍ {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} فهذا كتابُ اللهِ أنزلَه اللهُ ويسَّرَه لطالبي الحقِّ، يسَّرَهُ لطالبي الحقِّ، فمَن طلبَ الهدى بصدقٍ هُدِيَ إليه، {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} هذه دعوةٌ، هذا القرآنُ ميسَّرٌ فهل من مدَّكرٍ، من يريدُ التَّذكُّرَ فهذا هو الطَّريقُ، هذا هو الطَّريقُ واضحٌ ميسَّرٌ.
(تفسيرُ السَّعديِّ)
– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ بنُ ناصرٍ السَّعديُّ –رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ} الآياتِ:
أي: {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ} لوطًا -عليهِ السَّلامُ-، حينَ دعاهم إلى عبادةِ اللهِ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، ونهاهم عن الشِّركِ والفاحشةِ الَّتي ما سبقَهم بها أحدٌ مِن العالمينَ، فكذَّبُوهُ واستمرُّوا على شركِهم وقبائحِهم، حتَّى إنَّ الملائكةَ الَّذينَ جاؤُوهُ بصورةِ أضيافٍ حينَ سمعَ بهم قومُهُ جاؤُوهم مسرعينَ، يريدونَ إيقاعَ الفاحشةِ فيهم -لعنَهم اللهُ وقبَّحَهم- وراودُوهُ عنهم، فأمرَ اللهُ جبريلَ -عليهِ السَّلامُ-، فطمسَ أعينَهم بجناحِهِ، وأنذرَهم نبيُّهم بطشةَ اللهِ وعقوبتَهُ {فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ}.
{وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ} قلبَ اللهُ عليهم ديارَهم، وجعلَ أسفلَها أعلاها، وتتبَّعَهم بحجارةٍ مِن سجيلٍ منضودٍ، {مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ} [الذاريات:34]، ونجَّى اللهُ لوطًا وأهلَهُ مِن الكربِ العظيمِ، جزاءً لهم على شكرِهم لربِّهم، وعبادتِهِ وحدَهُ لا شريكَ لهُ.
{وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ} [القمر:41]
– الشيخ : المعروفُ أنَّ لوطًا -عليهِ السَّلامُ- ليسَ معَه من أهلِه إلَّا بنات، بناته وزوجته، وزوجته قد استُثنِيَتْ من النَّجاة، {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ * فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ…} [هود:81-82]، إذًا الَّذي نجيَ هو لوطٌ وبناتُه {إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ}
انتهت الآيات؟
– القارئ : نعم، {وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ} [القمر:41]، أكمِّلها ولَّا [نعم] خلاص؟
– الشيخ : أيش؟
– القارئ : الآيات أكمِّلها وإلَّا هنا نقفُ؟
– الشيخ : أقول: انتهت الآيات.