الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الرحمن/(4) من قوله تعالى {ولمن خاف مقام ربه جنتان} الآية 46 إلى قوله تعالى {فبأي آلاء ربكما تكذبان} الآية 61

(4) من قوله تعالى {ولمن خاف مقام ربه جنتان} الآية 46 إلى قوله تعالى {فبأي آلاء ربكما تكذبان} الآية 61

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة  الرَّحمن

الدَّرس: الرَّابع

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ

وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (47) ذَوَاتَا أَفْنَانٍ (48) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (49) فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ (50) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (51) فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ (52) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (53) مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (55) فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (56) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (57) كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ (58) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (59) هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:46-61]

الشيخ : إلى هنا، لا إله إلَّا الله.

الحمدُ للهِ، لما ذكرَ تعالى مصيرَ المجرمين المكذِّبين أتبعَ ذلك بذكرِ مصيرِ المؤمنين المتَّقين الخائفين من ربِّهم {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} فاللهُ قائمٌ على كلِّ نَفْسٍ بما كسبَتْ، رقيبٌ مطَّلعٌ على أحوالِ العبادِ، ما يسِرُّون وما يُعلِنون، والعلمُ بذلك والإيمانُ به يوجبُ الخوفَ، {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} وقيلَ: مقامُه يومَ القيامةِ بينَ يديهِ كما جاءَ في الحديثِ: (ما منكم مِن أحدٍ إلَّا سيكلِّمُهُ ربُّهُ وليسَ بينَهُ وبينَهُ ترجمانٌ)

يقول: {جَنَّتَانِ} بستانانِ، الجنَّةُ البستانُ، له بستانانِ فيهما أنواعُ الخيراتِ، {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} أصناف، أفنانٌ يعني: أصنافٌ من الثِّمارِ والمطاعمِ والمشاربِ والمساكنِ، فيها أفنانٌ {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ (48) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} كلَّما ذكرَ اللهُ معنىً من هذه المعاني وذكرَ بهِ عبادَه يُذكِّرُهم بنعمِه، ذكرُ الوعدِ والوعيدِ، ذكرُ اللهِ لنا الوعدَ والوعيدَ هو نعمةٌ منه تعالى علينا، فذكرُ الوعيدِ يزجرُ عن ارتكابِ السَّيِّئاتِ، وذكرُ الوعدِ يبعثُ على فعلِ الخيراتِ والحسناتِ {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}

{فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ} في الجنَّتَينِ عينانِ، وهيَ العيونُ الَّتي تجري منها الأنهارُ، عيونٌ جاريةٌ وأنهارٌ جاريةٌ، تجري من تحتها الأنهارُ {فِيهِمَا} كلُّه الضَّميرُ للجنَّتين {فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ} فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ، صنفانِ من الفاكهةِ، صنفانِ من العنب، صنفانِ من الرُّمَّانِ، صنفانِ من كذا، صنفانِ {مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ} هذهِ المشاربُ والمطاعمُ.

ثمَّ يذكرُ حالَ المجالسِ {مُتَّكِئِينَ} يقولُ تعالى: {مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} البطائنُ، المعروفُ أنَّ البطائنَ تكونُ أدنى من الظَّواهر فإذا كانَ بطائنُها من إستبرقٍ فكيفَ بظواهرِها؟! {عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ}، {وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ} الثِّمارُ الَّتي تُجنَى دانيةٌ قريبةٌ قريبةُ التَّناولِ كما قالَ تعالى: {قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} [الحاقة:23]، قطوفُها قريبةٌ منهم لا يتكلَّفون في جنيها وأخذِها بل تدنو منهم {وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ}.

{فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ}، {فِيهِنَّ} الضَّميرُ يعودُ إلى هذه الفرشِ، هذه الفرشُ فيها نساءٌ زوجاتٌ هي الحورُ العِينُ، هي الحورُ العِينُ {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ}، {قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} قالَ المفسِّرون: قَاصِرَاتُ طَّرْفِهنَّ على أزواجِهنَّ لحسنِهم ومحبتِهنَّ لهم، وقالَ بعضُ المفسِّرين: {قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} يعني: قاصراتٌ طرفَ أزواجِهنَّ عليهنَّ بحيثُ لا يطمحُ بصرُهم وطرفُهم لغيرِهنَّ، قَاصِرَاتُ طَّرْفِهنَّ عليهم أو قَاصِرَاتُ طَّرْفِهم عليهنَّ، {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ} هنَّ أبكارٌ لم ينكحْهنَّ ولا يطَأْهنَّ جنٌّ ولا إنسٌ، {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ} ثمَّ يذكرُ من جمالهنَّ {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ نوعانِ من اللآلئِ والحُليِّ {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ}.

ثمَّ يقولُ تعالى ختامًا لهذا الوعدِ الكريمِ وهذا الفضلِ العظيمِ: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} يعني: هذا الخيرُ العظيمُ نالُوه بتوفيقِ اللهِ ثمَّ بإحسانِهم العملَ، أحسنُوا فأحسنَ اللهُ إليهم، وهذه حكمةُ اللهِ: الجزاءُ من جنسِ العملِ {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} هذا حكمٌ شرعيٌّ وكونيٌّ وجزائيٌّ، هذا كلُّه جارٍ فيهِ، فالشَّرعُ يقتضي ذلك، يقتضي مقابلةَ الإحسانِ بالإحسانِ شرعًا، وهكذا في حكمِ اللهِ الكونيِّ أنَّه يجزي عن الإحسانِ إحسانًا.

 

 (تفسيرُ السَّعديِّ)

القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى-: ولمَّا ذكرَ ما يُفعَلُ بالمجرمِينَ

الشيخ : أعوذُ بالله

القارئ : ذكرَ جزاءَ المتَّقينَ الخائفينَ فقالَ: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ…} الآياتِ:

أي: وللَّذي خافَ ربَّهُ وقيامَهُ عليهِ، فتركَ ما نهى عنهُ، وفعلَ ما أمرَهُ بهِ، لهُ جنَّتانِ مِن

الشيخ : هذه ثمرةُ الخوفِ مِن اللهِ، ثمرتُها فعلُ المأموراتِ وتركُ المنهيَّاتِ هذه الثَّمرة

القارئ : لهُ جنَّتانِ مِن ذهبٍ آنيتُهما وحليَّتُهما وبنيهما

الشيخ : أيش؟

– طالب: وبنيانُهما

الشيخ : وبنيانُهما

القارئ : عندي: "وبنيهما" كذا بدونِ نونٍ ثانيةٍ

الشيخ : لا، وبناؤُهما

القارئ : وبنيانُهما

الشيخ : نعم

القارئ : وما فيهما، إحدى الجنَّتَينِ جزاءٌ على تركِ المنهيَّاتِ، والأخرى على فعلِ الطَّاعاتِ.

ومِن أوصافِ تلكَ الجنَّتَينِ أنَّهما {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} أي: فيهما مِن ألوانِ النَّعيمِ المتنوِّعةِ نعيمُ الظَّاهرِ والباطنِ ما لا عينٌ رأَتْ ولا أذنٌ سمعَتْ، ولا خطرَ على قلبِ بشرٍ، أي: فيهما الأشجارُ الكثيرةُ الزَّاهرةُ ذواتُ الغصونِ النَّاعمةِ، الَّتي فيها الثِّمارُ اليانعةُ الكثيرةُ اللَّذيذةُ.

وفي تلكَ الجنَّتَينِ {عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ} يفجِّرونَها على ما يريدونَ ويشتهونَ.

{فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ} مِن جميعِ أصنافِ الفواكهِ {زَوْجَانِ} أي: صنفانِ، كلُّ صنفٍ لهُ لذَّةٌ ولونٌ، ليسَ للنَّوعِ الآخرِ.

{مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} هذهِ صفةُ فرشِ أهلِ الجنَّةِ وجلوسِهم عليها، وأنَّهم متَّكئونَ عليها، أي: جلوسُ تمكُّنٍ واستقرارٍ وراحةٍ، كجلوسٍ مِن الملوكِ على الأسرَّةِ، وتلكَ الفُرشُ لا يعلمُ وصفَها وحسنَها إلَّا اللهُ عزَّ وجلَّ، حتَّى إنَّ بطائنَها الَّتي تلي الأرضَ منها مِن إستبرقَ وهوَ أحسنُ الحريرِ وأفخرُهُ، فكيفَ بظواهرِها الَّتي يباشرونَ {وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ} الجنى هوَ الثَّمرُ المستوي أي: وثمرُ هاتينِ الجنَّتَينِ قريبُ التَّناولِ، ينالُهُ القائمُ والقاعدُ والمضطجعُ.

{فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} أي: قد قصرْنَ طرفَهنَّ على أزواجِهنَّ، مِن حسنِهم وجمالِهم، وكمالِ محبَّتِهنَّ لهم، وقصرْنَ أيضًا طرفَ أزواجِهنَ عليهنَّ، مِن حسنِهنَّ وجمالِهنَّ ولذَّةِ وصالِهنَّ وشدَّةِ محبَّتِهنَّ، {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} أي: لم ينلْهنَّ قبلَهم أحدٌ مِن الإنسِ والجنِّ، بل هنَّ أبكارٌ عُرُبٌ، متحبِّباتٌ إلى أزواجِهنَّ، بحسنِ التَّبعُّلِ والتَّغنُّجِ والملاحةِ والدَّلالِ، ولهذا قالَ:

{كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} وذلكَ لصفائِهنَّ وجمالِ منظرِهنَّ وبهائِهنَّ.

{هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ} أي: هل جزاءُ مَن أحسنَ في عبادةِ الخالقِ ونفعِ عبيدِهِ، إلَّا أنْ يُحسِنَ إليهِ بالثَّوابِ الجزيلِ، والفوزِ الكبيرِ، والنَّعيمِ المقيمِ، والعيشِ السَّليمِ، فهاتانِ الجنَّتانِ العاليتانِ للمقرَّبِينَ.

{وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ}

الشيخ : {وَمِنْ دُونِهِمَا} هذا بدايةُ موضوعٍ، إلى هنا.