الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الحديد/(3) من قوله تعالى {وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله} الآية 10 إلى قوله تعالى {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا} الآية 11
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(3) من قوله تعالى {وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله} الآية 10 إلى قوله تعالى {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا} الآية 11

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة  الحديد

الدَّرس: الثَّالث

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ

وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ [الحديد:10-11]

الشيخ : إلى هنا.

أمرَ سبحانَهُ وتعالى بالإيمانِ والإنفاقِ {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ} [الحديد:7]، ثمَّ بيَّنَ أنَّه لا عذرَ لهم في التَّخلُّفِ عن ذلكَ {وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ} [الحديد:8]، ثمَّ قالَ: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} أيُّ شيءٍ يمنعُكم من الإنفاقِ في سبيلِ اللهِ وأنتم تاركون لما بأيديكم ومخلِّفوه وراءَ ظهورِكم فإنَّ اللهَ وارثُ السَّمواتِ والأرض {وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} هذا فيه التَّنبيهُ على أنَّ العبادَ مفارقون وتاركون لدنياهم، واللهُ تعالى هو الَّذي يرثُ الأرضَ ومَن عليها {وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}.

ثمَّ قالَ: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} والمرادُ بالفتحِ هنا هو صلحُ الحديبيةِ، سمَّاه اللهُ فتحًا، كما قالَ تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح:1]، {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ} فالَّذين آمنُوا وأنفقُوا وقاتلُوا في سبيلِ اللهِ قبلَ صلحِ الحديبيةِ هؤلاء أعلى وأفضلُ وأعلى درجةً من الَّذين أنفقُوا من بعد وقاتلُوا {أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} الكلُّ موعودٌ بالخيرِ والأجرِ والجنَّة والثَّواب العظيمِ، ولكن المؤمنون درجات، ولهذا من اعتقادِ أهلِ السُّنَّةِ محبَّةُ الصَّحابةِ ومعرفةُ فضلِهم وأقدارِهم وإنزالُ كلٍّ منزلته، ومن ذلك تفضيلُ الَّذين أنفقُوا وقاتلُوا قبلَ الفتحِ قبلَ صلحِ الحديبيةِ {أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}.

ثمَّ قالَ تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ} هذه دعوةٌ، دعوةٌ للإنفاقِ في سبيلِ اللهِ وأنَّ ما ينفقُه العبادُ ما هو إلَّا كالقرض، اللهُ يردُّ أضعافَه يضاعفُ {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ} النَّاسُ يقرضُ بعضُهم بعضًا، وغايةُ الأمرِ أنْ يردُّوا مثلَ الَّذي أخذُوا، وأمَّا اللهُ تعالى فهو يجزي الحسنةَ بعشرِ أمثالها إلى سبعمائةِ ضعفٍ إلى أضعافٍ كثيرةٍ، {فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ} وهوَ الثَّوابُ في الجنَّةِ، هذا هو الأجرُ العظيمُ والأجرُ الكريمُ، وفي هذا أبلغُ ترغيبٍ، فاللهُ تعالى يدعو عبادَه المؤمنين إلى البذلِ والإحسانِ في سبيلِ اللهِ مؤمنين بوعدِه راجين لفضلِه سبحانَه وتعالى.

 

(تفسيرُ الشَّيخِ السَّعديِّ)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ اللهُ تعالى: {وَمَا لَكُمْ أَلا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ}

أي: وما الَّذي يمنعُكم مِن النَّفقةِ في سبيلِ اللهِ، وهيَ طرقُ الخيرِ كلُّها، ويوجبُ لكم أنْ تبخلُوا، {و} الحالُ أنَّهُ ليسَ لكم شيءٌ، بل {للهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} فجميعُ الأموالِ ستنتقلُ مِن أيديكم أو تُنقَلونَ عنها، ثمَّ يعودُ الملكُ إلى مالكِهِ تباركَ وتعالى، فاغتنمُوا الإنفاقَ ما دامَتِ الأموالُ في أيديكم، وانتهزوا الفرصةَ، ثمَّ ذكرَ تعالى تفاضُلَ الأعمالِ بحسبِ الأحوالِ والحكمةِ الإلهيَّةِ، فقالَ: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا} المُرادُ بالفتحِ هنا هوَ فتحُ الحديبيةِ، حينَ جرى مِن الصُّلحِ بينَ الرَّسولِ وبينَ قريشٍ ممَّا هوَ أعظمُ الفتوحاتِ الَّتي حصلَ فيها نشرُ الإسلامِ، واختلاطُ المسلمينَ بالكافرينَ، والدَّعوةُ إلى الدِّينِ مِن غيرِ معارضٍ، فدخلَ النَّاسُ مِن ذلكَ الوقتِ في دينِ اللهِ أفواجًا، واعتزَّ الإسلامُ عزًّا عظيمًا، وكانَ المسلمونَ قبلَ هذا الفتحِ لا يقدرونَ على الدَّعوةِ إلى الدِّينِ في غيرِ البقعةِ الَّتي أسلمَ أهلُها، كالمدينةِ وتوابعِها، وكانَ مَن أسلمَ مِن أهلِ مكَّةَ وغيرِها مِن ديارِ المشركينَ يُؤذَى ويُخافُ، فلذلكَ كانَ مَن أسلمَ قبلَ الفتحِ وأنفقَ وقاتلَ، أعظمُ درجةً وأجرًا وثوابًا ممَّن لم يسلمْ ويقاتلْ وينفقْ إلَّا بعدَ ذلكَ، كما هوَ مقتضى الحكمةِ، ولذلكَ كانَ السَّابقونَ وفضلاءُ الصَّحابةِ، غالبُهم أسلمَ قبلَ الفتحِ

الشيخ : وهم السَّابقون الَّذين أسلمُوا وأنفقُوا وقاتلُوا قبلَ الفتحِ هم السَّابقون الأوَّلون الَّذين خصَّهم اللهُ بالذِّكرِ {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التوبة:100]، هذا أصحُّ ما قيلَ في المرادِ بالسَّابقين الأوَّلين، هم الَّذين أنفقُوا وقاتلُوا قبلَ الفتحِ أي: قبلَ صلحِ الحديبيةِ.

 

القارئ : ولمَّا كانَ التَّفضيلُ بينَ الأمورِ قد يُتوهَّمُ منهُ نقصٌ وقدحٌ في المفضولِ، احترزَ تعالى مِن هذا بقولِهِ: {وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} أي: الَّذين أسلمُوا وقاتلُوا وأنفقُوا مِن قبلِ الفتحِ وبعدَهُ، كلُّهم وعدَهُ اللهُ الجنَّةَ، وهذا يدلُّ على فضلِ الصَّحابةِ كلِّهم -رضيَ اللهُ عنهم- حيثُ شهدَ اللهُ لهم بالإيمانِ، ووعدَهم الجنَّةَ، {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} فيُجازي كلًّا منكم على ما يعلمُهُ مِن عملِهِ، ثمَّ حثَّ على النَّفقةِ في سبيلِهِ، لأنَّ الجهادَ متوقِّفٌ على النَّفقةِ فيهِ، وبذلِ الأموالِ في التَّجهُّزِ لهُ، فقالَ: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} وهيَ النَّفقةُ الطَّيِّبةُ الَّتي تكونُ خالصةً لوجهِ اللهِ، موافقةً لمرضاةِ اللهِ، مِن مالٍ حلالٍ طيِّبٍ

الشيخ : هذه مقوِّماتُ القرضِ الحسنِ أنْ يكونَ خالصًا لوجه اللهِ، طيِّبة به النَّفس من كسبٍ طيِّبٍ، فإذا اجتمعَتْ هذه الأمورُ كانَ القرضُ الحسنُ وكانَتِ النَّفقةُ نفقةً نافعةً مضاعفةً.

 

القارئ : مِن مالٍ حلالٍ طيِّبٍ، طيِّبةً بهِ نفسُهُ، وهذا مِن كرمِ اللهِ تعالى حيثُ سمَّاهُ قرضًا، والمالُ مالُهُ، والعبدُ عبدُهُ، ووعدَ بالمضاعفةِ عليهِ أضعافًا كثيرةً، وهوَ الكريمُ الوهَّابُ، وتلكَ المضاعفةُ محلُّها وموضعُها يومَ القيامةِ، يومَ كلٌّ يتبيَّنُ فقرَهُ، ويحتاجُ إلى أقلِّ شيءٍ مِن الجزاءِ الحسنِ، ولهذا قالَ: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [الحديد:12]

الشيخ : أحسنْتَ.