الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الحديد/(4) من قوله تعالى {يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم} الآية 12 إلى قوله تعالى {فاليوم لا يؤخذ منكم فدية} الآية 15
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(4) من قوله تعالى {يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم} الآية 12 إلى قوله تعالى {فاليوم لا يؤخذ منكم فدية} الآية 15

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة  الحديد

الدَّرس: الرَّابع

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ من الشَّيطانِ الرجيمِ

يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آَمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13) يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14) فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [الحديد:12-15]

– الشيخ : إلى هنا.

الحمد لله، يقول -تعالى-: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ} يعني: اذكُرْ أو اذكُرُوا {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} لا بدَّ أنَّهم في مسيرٍ يحتاجون فيه إلى النُّور، ويسير المنافقون -أيضًا- ويُعطَونَ نورًا لكن سَرعان ما ينطفئُ، وحينئذٍ يقولون للمؤمنين: {انْظُرُونَا} يعني: انتظرونا {نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} يعني: إذًا المسارُ واحد، وهذا مِن مَكْرِ اللهِ بالمنافقين كما مكروا وخادَعوا في الدنيا فاللهُ يمكرُ بهم، يكونون مع المؤمنين ويسيرون معهم ويُعطَون نورًا ولكنَّهم ينتهون إلى الخيبةِ والخُسرانِ ويصيرون إلى الدَّرْكِ الأسفلِ مِن النار.

فالمؤمنون لهم البُشرى، {بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} وفي ذلك اليوم يقولُ الله عن المنافقين: {يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آَمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ} ضُرِبَ بين المؤمنين والمنافقين بسورٍ سورٌ يحجبُ بعضَهم عن بعض {لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ} وهو ما يَـلِيَ المؤمنين {وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} وهو ما يلي المنافقين {وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ}

{يُنَادُونَهُمْ} المنافقون ينادون المؤمنين ويُلِحُّونَ في الطَّلب {أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ} ما كُنَّا معكم في الدنيا؟ {أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى} كنتُم معَنا {وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ} اتَّبَعْتُم أهواءَكم وخادعْتُم {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ} [البقرة:9]، {وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ} عن الحقِّ واتَّبَعْتُم أهواءَكم وزعماءَكم المضلِّين لكم، شياطينُهم، {وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ} تَرَبَّصْتُمْ يعني: انتظرتم الأيام التي تظنون أنَّكم تنالُون فيها خيرًا أو تنتصرون على المؤمنين، {وَارْتَبْتُمْ} مِن الشَّكِّ مِن الرِّيْبِ الذي هو الشَّكّ، {إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} [التوبة:45]، {وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ} كانوا يَتَمَنَّونَ أمانيَّ باطلة فغرَّهَم ذلك، وغرَّهم أيضًا الشَّيطان الغَرور، {وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ}

فاليوم لا نجاةَ، لا نجاة لكم، ولا يُؤخَذ منكم فِدية تَفدونَ بها أنفسَكُم مِن العذاب ذهبَ ما هنالك، ولا كذلك تُؤخَذ الفِدْية مِن الكفار، لا مِن الكفار ولا مِن المنافقين، {فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ} هذا هو الـمُنتهى والمصير {هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} إي والله بِئْسَ المصير، أسوأُ مصيرٍ: النارُ.

 

(تفسيرُ السَّعديِّ)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ -تعالى-:

{يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} الآيات:

يَقُولُ تَعَالَى -مُبَيِّنًا لِفَضْلِ الْإِيمَانِ وَاغْتِبَاطِ أَهْلِهِ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ-: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} أَيْ: إِذَا كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَكُوِّرَتُ الشَّمْسُ، وَخَسَفَ الْقَمَرُ، وَصَارَ النَّاسُ فِي الظُّلْمَةِ، وَنُصِبَ الصِّرَاطُ عَلَى مَتْنِ جَهَنَّمَ، فَحِينَئِذٍ {تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ}، فَيَمْشُونَ بِنُورِهِمْ وَأَيْمَانِهِمْ فِي ذَلِكَ الْمَوْقِفِ الْهَائِلِ الصَّعْبِ، كُلٌّ عَلَى قَدْرِ إِيمَانِهِ، وَيُبَشِّرُونَ عِنْدَ ذَلِكَ بِأَعْظَمِ بِشَارَةٍ، فَيُقَالُ: {بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} فَلِلَّهِ مَا أَحْلَى هَذِهِ الْبِشَارَةَ بِقُلُوبِهِمْ، وَأَلَذَّهَا لِنُفُوسِهِمْ، حَيْثُ حَصَلَ لَهُمْ كُلُّ مَطْلُوبٍ مَحْبُوبٍ، وَنَجَوْا مِنْ كُلِّ شَرٍّ وَمَرْهُوبٍ، فَإِذَا رَأَى الْمُنَافِقُونَ الْمُؤْمِنِينَ يَمْشُونَ بِنُورِهِمْ وَهُمْ قَدْ طُفِئَ نُورُهُمْ وَبَقَوْا فِي الظُّلُمَاتِ حَائِرِينَ، قَالُوا لِلْمُؤْمِنِينَ: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} أَيْ: أَمْهِلُونَا لِنَنَالَ مِنْ نُورِكُمْ مَا نَمْشِي بِهِ، لِنَنْجُوَ مِنَ الْعَذَابِ، {قِيلَ} لَهُمْ: {ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا} أَيْ: إِنْ كَانَ ذَلِكَ مُمْكِنًا -وَالْحَالُ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ- بَلْ هُوَ مِنَ الْمُحَالَاتِ، {فَضُرِبَ} بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ {بِسُورٍ} أَيْ: حَائِطٌ مَنِيعٌ، وَحِصْنٌ حَصِينٌ، {لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ} وَهُوَ الَّذِي يَلِيَ الْمُؤْمِنِينَ {وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} وَهُوَ الَّذِي يَلِي الْمُنَافِقِينَ، فَيُنَادِي الْمُنَافِقُونَ الْمُؤْمِنِينَ، فَيَقُولُونَ تَضَرُّعًا وَتَرَحُّمًا: {أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ} فِي الدُّنْيَا نَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ وَنُصْلِي وَنَصُومُ وَنُجَاهِدُ، وَنَعْمَلُ مِثْلَ عَمَلِكُمْ؟ {قَالُوا بَلَى} كُنْتُمْ مَعَنَا فِي الدُّنْيَا، وَعَمِلْتُمْ فِي الظَّاهِرِ مِثْلَ عَمَلِنَا، وَلَكِنَّ أَعْمَالَكُمْ أَعْمَالُ الْمُنَافِقِينَ، مِنْ غَيْرِ إِيمَانٍ وَلَا نِيَّةٍ صَادِقَةٍ صَالِحَةٍ، بَلْ {فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ} أَيْ: شَكَكْتُمْ فِي خَبَرِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَقْبَلُ شَكًّا، {وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ} الْبَاطِلَةُ، حَيْثُ تَـمَنَّيْتُمْ أَنْ تَنَالُوا مَنَالَ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنْتُمْ غَيْرُ مُوقِنِينَ، {حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ} أَيْ: حَتَّى جَاءَكُمُ الْمَوْتُ وَأَنْتُمْ بِتِلْكَ الْحَالِ الذَّمِيمَةِ.

{وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} وَهُوَ الشَّيْطَانُ، الَّذِي زَيَّنَ لَكُمُ الْكُفْرَ وَالرَّيْبَ، فَاطْمَأْنَنْتُمْ بِهِ، وَوَثِقْتُمْ بِوَعْدِهِ، وَصَدَّقْتُمْ خَبَرَهُ.

{فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} وَلَوِ افْتَدَيْتُمْ بِمِثْلِ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَمِثْلِهِ مَعَهُ، لَمَا تَقَبَّلَ مِنْكُمْ، {مَأْوَاكُمُ النَّارُ} أَيْ: مُسْتَقَرُّكُمْ، {هِيَ مَوْلاكُمْ} الَّتِي تَتَوَلَّاكُمْ وَتَضُمُّكُمْ إِلَيْهَا، {وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} النَّارُ. قال -تعالى-: {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ}.

– الشيخ : أعوذ بالله

– القارئ : {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ..}

– الشيخ : حسبُك.