بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة المجادلة
الدَّرس: الأوَّل
*** *** ***
– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1) الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4) إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ [المجادلة:1-5]
– الشيخ : إلى هنا. لا إله إلَّا الله.
هذه سورةُ المجادِلةِ، مكتوبٌ في المصحفِ "مجادَلة" ولَّا [أم] "مجادِلة"؟
– طالب: مجادَلة، بفتح اللَّام مجادَلة
– القارئ : عندي "مجادِلة"، مكسورة
– الشيخ : المصاحفُ عندكم بفتح اللَّام ولَّا..؟
– القارئ : بفتح اللَّام
– الشيخ : مجادَلة، وهي سورةٌ مدنيَّةٌ، نزلَتْ في شأنِ المجادِلةِ المرأة المجادِلة الَّتي ظاهرَ منها زوجُها فجاءَتْ تشتكي إلى الرَّسولِ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ-؛ لأنَّ الظِّهارَ كانَ في الجاهليَّة طلاقًا، فإذا ظاهرَ الرَّجلُ من امرأتِه انفصلَتْ منه وفارقَها، فلمَّا ظاهرَ أوسُ بنُ الصَّامتِ من امرأتِه جاءتْ تشكو حالَها وأنَّه رجلٌ كبيرٌ وأنَّه ذو عيالٍ وأنَّها تقولُ في أولادها: "إنْ ضممْتُهم إليهِ ضاعُوا، وإن ضممْتُهم إليَّ جاعُوا" فكانَتْ تشتكي للرَّسول، فأنزلَ اللهُ هذه الآياتِ في حكمِ الظِّهار، وفي حكمِ هذه المرأةِ.
{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ} فاللهُ تعالى سميعٌ لجميعِ الأصواتِ يسمعُ أصواتَ العبادِ خيرَها وشرَّها {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} [آل عمران:181]، {تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا} تقولُ عائشةُ -رضيَ اللهُ عنها- بهذه المناسبةِ: "سبحانَ مَن وسعَ سمعُهُ الأصواتَ، لقد كانُوا في جانبِ الحجرةِ وإنَّهُ ليخفى عليَّ بعضُ كلامِها"، واللهُ تعالى يقولُ: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} فاللهُ سميعٌ وهو يسمعُ الأصواتَ، لا إله إلَّا الله.
{الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} الظِّهارُ: هو أنْ يقولَ الرَّجلُ لامرأتِهِ: أنتِ عليَّ كظهرِ أمِّي" يحرِّمُها، يقولُ: أنتِ حرامٌ عليَّ كظهرِ أمِّي، كما أنَّ أمِّي حرامٌ فأنتِ عليَّ حرامٌ، فإذا شبَّهَ الرَّجلُ امرأتَه بمن تحرمُ عليه كأمِّه وأختِه وخالتِه فهذا هو الظِّهارُ، وهو حرامٌ، {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} الظِّهارُ حرامٌ، وهوَ جهلٌ، {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} كيفَ تكونُ الزَّوجةُ الَّتي يطؤُها زوجُها يشبِّهُها بأمِّه الَّتي هي من أحرمِ المحرَّماتِ {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ} الأمُّ أمُّ الإنسانِ هي الَّتي ولدَتْه لا غيرها، {إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ}.
ثمَّ يقولُ تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} إذا ظاهرَ الرَّجلُ امرأتَه ثمَّ رجعَ إلى زوجتِه ورجعَ عن الظِّهارِ وأرادَ أنْ ترجعَ إليه زوجتُه وأنْ يستمتعَ بها فلا يحلُّ له ذلك إلَّا أنْ يكفِّرَ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} والكفَّارةُ أحد ثلاثةِ أمورٍ على التَّرتيبِ: إمَّا عتقُ رقبةٍ وذلكَ قبلَ أنْ يمسَّها، {قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا}، فمَن لم يجدْ رقبةً فعليهِ صيامُ شهرَينِ متتابعَينِ، فمَن لم يستطعْ فعليهِ إطعامُ ستِّينَ مسكينًا، هذه هي الكفَّارةُ، وتُسمَّى الكفَّارةُ المغلَّظةُ، هذه الكفَّارةُ المغلَّظةُ كفَّارةُ الظِّهارِ.
وذلكَ لابدَّ أنْ يكونَ قبلَ المسيسِ لا بدَّ أنْ يكفِّرَ قبلَ أنْ يمسَّها، إلَّا الإطعامُ ففيه خلافٌ، بعضُ أهلِ العلمِ يقولُ: إنَّه يجوزُ أن يمسَّها إذا لم يبقَ عليه إلَّا الإطعامُ فإنَّه يجوزُ أنْ يمسَّها ولو لم يطعمْ أمَّا الصِّيامُ والعتقُ فلا يمسَّها إلَّا بعدَ التَّكفيرِ.
{إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} وهذا تهديدٌ للكافرين المعاندين المشاقِّين للهِ ورسولِهِ فهم مكبوتون ذليلون كما قالَ في آخرِ السُّورةِ: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ} [المجادلة:20] إلى آخرِ الآياتِ.
(تفسيرُ السَّعديِّ)
– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ –رحمَهُ اللهُ تعالى-: تفسيرُ سورةِ "قَدْ سَمِعَ اللَّهُ" وهيَ مدنيَّةٌ
– الشيخ : سورة؟
– القارئ : "قد سمعَ اللهُ"
– الشيخ : عجيب! سمَّاها بمطلعِها؟
– القارئ : نعم
وهيَ مدنيَّةٌ، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} الآياتِ:
نزلَتْ هذهِ الآياتُ الكريماتُ في رجلٍ مِن الأنصارِ اشتكَتْهُ زوجتُهُ إلى اللهِ، وجادلَتْهُ إلى رسولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لمَّا حرَّمَها على نفسِهِ بعدَ الصُّحبةِ الطَّويلةِ والأولادِ، وكانَ هوَ رجلًا شيخًا كبيرًا، فشكَتْ حالَها وحالَهُ إلى اللهِ وإلى رسولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكرَّرَتْ ذلكَ، وأبدَتْ فيهِ وأعادَتْ.
فقالَ تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا} أي: تخاطُبَكما فيما بينَكما، {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ} لجميعِ الأصواتِ، في جميعِ الأوقاتِ، على تفنُّنِ الحاجاتِ.
{بَصِيرٌ} يبصرُ دبيبَ النَّملةِ السَّوداءِ، على الصَّخرةِ الصَّمَّاءِ في اللَّيلةِ الظَّلماءِ، وهذا إخبارٌ عن كمالِ سمعِهِ وبصرِهِ، وإحاطتِهما بالأمورِ الدَّقيقةِ والجليلةِ، وفي ضمنِ ذلكَ الإشارةُ بأنَّ اللهَ سيزيلُ شكواها، ويرفعُ بلواها، ولهذا ذكرَ حكمَها، وحكمَ غيرِها على وجهِ العمومِ، فقالَ: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلا اللائِي وَلَدْنَهُمْ}
المظاهَرةُ مِن الزَّوجةِ: أنْ يقولَ الرَّجلُ لزوجتِهِ: "أنتِ عليَّ كظهرِ أمِّي" أو غيرِها مِن محارمِهِ، أو "أنتِ عليَّ حرامٌ" وكانَ المعتادُ عندَهم في هذا لفظُ "الظَّهرِ" ولهذا سمَّاهُ اللهُ "ظِهارًا" فقالَ: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} أي: كيفَ يتكلَّمونَ بهذا الكلامِ الَّذين يعلمونَ أنَّهُ لا حقيقةَ لهُ، فيشبِّهونَ أزواجَهم بأمَّهاتِهم اللَّاتي ولدْنَهم؟ ولهذا عظَّمَ اللهُ أمرَهُ وقبَّحَهُ، فقالَ: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} أي: قولًا شنيعًا، {وَزُورًا} أي: كذبًا.
{وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} عمَّن صدرَ منهُ بعضُ المخالفاتِ، فتداركَها بالتَّوبةِ النَّصوحِ.
{وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} اختلفَ العلماءُ في معنى العودِ، فقيلَ: معناهُ العزمُ على جماعِ مَن ظاهرَ منها، وأنَّهُ بمجرَّدِ عزمِهِ تجبُ عليهِ الكفَّارةُ المذكورةُ، ويدلُّ على هذا، أنَّ اللهَ تعالى ذكرَ في الكفَّارةِ أنَّها تكونُ قبلَ المسيسِ، وذلكَ إنَّما يكونُ بمجرَّدِ العزمِ، وقيلَ: معناهُ حقيقةُ الوطءِ، ويدلُّ على ذلكَ أنَّ اللهَ قالَ: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} والَّذي قالُوا إنَّما هوَ الوطءُ.
وعلى كلٍّ مِن القولَينِ {فَـ} إذا وُجِدَ العودُ، صارَ كفارةُ هذا التَّحريمِ {تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} مُؤْمِنَةٍ كما قيَّدَتْ في آيةِ القتلِ ذكرٍ أو أنثى، بشرطِ أنْ تكونَ سالمةً مِن العيوبِ الضَّارَّةِ بالعملِ.
{مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} أي: يلزمُ الزَّوجُ أنْ يتركَ وطءَ زوجتِهِ الَّتي ظاهرَ منها حتَّى يكفِّرَ برقبةٍ.
{ذَلِكُمْ} الحكمُ الَّذي ذكرْناهُ لكم، {تُوعَظُونَ بِهِ} أي: يبيِّنُ لكم حكمَهُ معَ التَّرهيبِ المقرونِ بهِ، لأنَّ معنى الوعظِ ذكرُ الحكمِ معَ التَّرغيبِ والتَّرهيبِ، فالَّذي يريدُ أنْ يظاهرَ، إذا ذكرَ أنَّهُ يجبُ عليهِ عتقُ رقبةٍ كفَّ نفسَهُ عنهُ، {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} فيجازي كلَّ عاملٍ بعملِهِ.
{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ} رقبةً يعتقُها، بأنْ لم يجدْها أو لم يجدْ ثمنَها {فَـ} عليهِ {صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ} الصِّيامَ {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} إمَّا بأنْ يطعمَهم مِن قوتِ بلدِهِ ما يكفيهم، كما هوَ قولُ كثيرٍ مِن المفسِّرينَ، وإمَّا بأنْ يطعمَ كلَّ مسكينٍ مُدَّ بُرٍّ أو نصفَ صاعٍ مِن غيرِهِ ممَّا يجزي في الفِطرةِ، كما هوَ قولُ طائفةٍ أخرى.
ذلكَ الحكمُ الَّذي بيَّنَاهُ لكم، ووضَّحْناهُ لكم {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} وذلكَ بالتزامِ هذا الحكمِ وغيرِهِ مِن الأحكامِ، والعملِ بهِ، فإنَّ التزامَ أحكامِ اللهِ، والعملِ بها مِن الإيمانِ، بل هيَ المقصودةُ وممَّا يزيدُ بهِ الإيمانُ ويكملُ وينمو.
{وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} الَّتي تمنعُ مِن الوقوعِ فيها، فيجبُ ألَّا تُتعدَّى ولا يُقصَّرَ عنها.
{وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وفي هذهِ الآياتِ، عدَّةُ أحكامٍ:
منها: لطفُ اللهِ بعبادِهِ واعتناؤُهُ بهم، حيثُ ذكرَ شكوى هذهِ المرأةِ المصابةِ، وأزالَها ورفعَ عنها البلوى، بل رفعَ البلوى بحكمِهِ العامِّ لكلِّ مَن ابتُلِيَ بمثلِ هذهِ القضيَّةِ.
ومنها: أنَّ الظِّهارَ مُختَصٌّ بتحريمِ الزَّوجةِ، لأنَّ اللهَ قالَ: {مِنْ نِسَائِهِمْ} فلو حرَّمَ أمتَهُ، لم يكنْ ذلكَ ظهارًا، بل هوَ مِن جنسِ تحريمِ الطَّعامِ والشَّرابِ، تجبُ فيهِ كفَّارةُ اليمينِ فقط.
ومنها: أنَّهُ لا يصحُّ الظِّهارُ مِن امرأةٍ قبلَ أنْ يتزوَّجَها، لأنَّها لا تدخلُ في نسائِهِ وقتَ الظِّهارِ، كما لا يصحُّ طلاقُها، سواءً نجَّزَ ذلكَ أو علَّقَهُ.
ومنها: أنَّ الظِّهارَ محرَّمٌ، لأنَّ اللهَ سمَّاهُ منكَرًا مِن القولِ وزورًا.
ومنها: تنبيهُ اللهِ على وجهِ الحكمِ وحكمتِهِ، لأنَّ اللهَ تعالى قالَ: {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ}
ومنها: أنَّهُ يُكرَهُ للرَّجلِ أنْ يناديَ زوجتَهُ ويدعوَها باسمِ محارمِهِ، كقولِهِ: "يا أمي"، "يا أختي" ونحوِهِ، لأنَّ ذلكَ يشبهُ المحرَّمَ.
ومنها: أنَّ الكفَّارةَ إنَّما تجبُ بالعودِ لما قالَ المظاهِرُ، على اختلافِ القولَينِ السَّابقَينِ، لا بمجرَّدِ الظِّهارِ.
ومنها: أنَّهُ يجزئُ في كفَّارةِ الرَّقبةِ، الصَّغيرُ والكبيرُ، والذَّكرُ والأنثى، لإطلاقِ الآيةِ في ذلكَ.
ومنها: أنَّهُ يجبُ إخراجُها إذا كانَتْ عتقًا أو صيامًا قبلَ المسيسِ، كما قيَّدَهُ اللهُ. بخلافِ كفَّارةِ الإطعامِ، فإنَّهُ يجوزُ المسيسُ والوطْءُ في أثنائِها.
ومنها: أنَّهُ لعلَّ الحكمةَ في وجوبِ الكفَّارةِ قبلَ المسيسِ، أنَّ ذلكَ أدعى لإخراجِها، فإنَّهُ إذا اشتاقَ إلى الجِماعِ، وعلمَ أنَّهُ لا يُمكَّنُ مِن ذلكَ إلَّا بعدَ الكفَّارةِ، بادرَ لإخراجِها.
ومنها: أنَّهُ لا بدَّ مِن إطعامِ ستِّينَ مسكينًا، فلو جمعَ طعامَ ستِّينَ مسكينًا، ودفعَهُ لواحدٍ أو أكثرَ مِن ذلكَ، دونَ السِّتِّينَ لم يجزْ ذلكَ، لأنَّ اللهَ قالَ: {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا}.
قالَ اللهُ تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الآيات:
محادَّةُ اللهِ ورسولِهِ: مخالفتُهما ومعصيتُهما خصوصًا في الأمورِ الفظيعةِ، كمحادَّةِ اللهِ ورسولِهِ بالكفرِ، ومعاداةِ أولياءِ اللهِ.
وقولُهُ
– الشيخ : يقولُ: كمحادَّة اللهِ ورسولِه، أيش؟
– القارئ : كمحادَّةِ اللهِ ورسولِهِ ومعاداةِ أولياءِ اللهِ.
– الشيخ : بالكفرِ يقولُ؟
– القارئ : إي
– الشيخ : نعم هذا أشدُّ أنواعِ المحادَّة
– القارئ : وقولُهُ: {كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} أي: أُذِلُّوا وأُهينُوا كما فُعِلَ بمَن قبلَهم، جزاءً وفاقًا.
وليسَ لهم حجَّةٌ على اللهِ، فإنَّ اللهَ قد قامَتْ حجَّتُهُ البالغةُ على الخلقِ، وقد أنزلَ مِن الآياتِ البيِّناتِ والبراهينِ ما يبيِّنُ الحقائقَ ويوضِّحُ المقاصدَ، فمَن اتَّبعَها وعملَ عليها، فهوَ مِن المهتدينَ الفائزينَ، {وَلِلْكَافِرِينَ} بها {عَذَابٌ مُهِينٌ} أي: يهينُهم ويذلُّهم، فما تكبَّرُوا عن آياتِ اللهِ، أهانَهم وأذلَّهم.
– الشيخ : أحسنْتَ
– القارئ : أحسنَ اللهُ إليكَ، بالنِّسبةِ في تعليق سابق على ضبط المجادَلة على اسمِ السُّورة، قلْتُم سابقًا: وقد اختلفَتِ المصاحفُ في ضبطِ الدَّال
– الشيخ : مَن يقولُ؟
– القارئ : كلامٌ سابقٌ لكم في التَّفسير
– الشيخ : طيِّب
– القارئ : وقد اختلفَتِ المصاحفُ في ضبطِ الدَّالِ، ففي بعضِها كُسِرَتِ الدَّالُ وفي بعضِها فُتِحَتْ، وفي مصاحفَ أخرى تُرِكَتِ الدَّالُ دونَ ضبطٍ، والَّذي يظهرُ رجحانه هو كسرُ الدَّالِ، لأنَّ المجادَلة المصدر ذُكِرَ فعلُهُ في سورٍ أخرى
– الشيخ : تمام صحيح
– القارئ : فلا وجهَ حينئذٍ لتخصيصِ هذه السُّورة بأنْ تُسمَّى بالمصدر
– الشيخ : هذا هو الظَّاهرُ عندي، صحيحٌ، وإنْ كنْتُ نسيْتُ هذا التَّعليقَ، لكن هذا هو المناسبُ.
– طالب: يعني المجادِلة يا شيخ؟
– الشيخ : كذا لعلَّه الأظهرُ.