الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة المجادلة/(2) من قوله تعالى {يوم يبعثهم الله جميعا} الآية 6 إلى قوله تعالى {ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى} الآية 8

(2) من قوله تعالى {يوم يبعثهم الله جميعا} الآية 6 إلى قوله تعالى {ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى} الآية 8

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة  المجادلة

الدَّرس: الثَّاني

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ

يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (6) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ [المجادلة:6-8]

– الشيخ : إلى هنا.

يخبرُ تعالى عمَّا يكونُ يومَ القيامةِ من البعثِ والحسابِ، {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا} يبعثُ الأوَّلينَ والآخرينَ من المؤمنينَ والكافرينَ، {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا} يُنبِّئُ كلَّ أحدٍ بما عملَ {أَحْصَاهُ اللَّهُ} أعمالُ العبادِ محصاةٌ عليهم قد وُكِّلَ بهم كرامًا كاتبين يعلمونَ ما يفعلونَ {أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} حاضرٌ مطَّلِعٌ سبحانَه وتعالى على أحوالِ العبادِ وأعمالِهم، الظَّواهر منهم والبواطن، مطَّلِعٌ على ما يسرُّونَ وما يعلنونَ. {وَنَسُوهُ} الكفَّارُ والفجَّارُ والعصاةُ أعمالُهم محصاةٌ عليهم وهم قد نسوها وغفلُوا عنها ولم يفكِّروا في سوءِ عاقبتِهم {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}.

ثمَّ قالَ تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} يعني: ألم تعلمْ أيُّها العبدُ أو أيُّها النَّبيُّ أَلَمْ تعلمْ {أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}؟ علمُ اللهِ محيطٌ بكلِّ شيءٍ بما كانَ وما يكونُ، ومحيطٌ بهذا الوجودِ علويِّيه وسفليِّه {يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}

{مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى} يعني: ما يكونُ من جماعةٍ يتناجون ويتسارُّون فيما بينَهم ويخفونَ أعمالَهم وأقوالَهم،

{مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} إلَّا الله معَهم هو رابعُهم، هم ثلاثةٌ لكنَّ اللهَ معَهم، {وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ} إنْ كانُوا اثنين فاللهُ معَهم ثالثُهم، وإنْ كانوا ثمانيةً فاللهُ معَهم كذلك يكونون تسعةً، {وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} بأيِّ مكانٍ كانوا، وفي هذا إثباتُ معيَّةِ اللهِ للعبادِ هوَ معَهم بعلمِه وسمعِه وبصرِه، فعلمُه محيطٌ بسرِّهم وعلانيتِهم، وسمعُه واسعٌ لأصواتهم، ونظرُه نافذٌ لهم، فهو معَهم، وهو فوقَ السَّمواتِ، وهو فوقَ العرشِ، هو معَ عبادِهِ، يعلمُ ما هم عاملون، واللهُ فوقَ العرشِ ويعلمُ ما تعملونَ، فلا منافاةَ بينَ المعيَّةِ والعلوِّ، لا منافاةَ بينَهما فهوَ عالٍ معَ دنوِّهِ، وهو قريبٌ معَ علوِّه، فيجبُ الإيمانُ بهذا كلِّه، وأهلُ السُّنَّةِ والجماعةِ يثبتونَ له العلوَّ والاستواءَ على العرشِ، ويثبتونَ له مع ذلكَ المعيَّةَ للعبادِ، والمعيَّةُ نوعانِ: معيَّةٌ عامَّةٌ مثلُ هذه الآيةِ وآيةِ الحديدِ، ومعيَّةٌ خاصَّةٌ وهي معيَّتُه لأوليائِه والصَّالحين من عبادِهِ {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل:128]، {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:46]

ثمَّ يخبرُ تعالى عن الَّذين يتناجونَ بالإثمِ والعدوانِ من الكفَّار والمنافقين {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى} يعني: نُهُوا عَنِ النَّجْوَى بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ} وإذا جاؤُوا إلى الرَّسولِ فإنَّهم يحيُّونَهُ بما لا يحيِّهِ اللهُ به كقولِ اليهودِ: "السَّامُ عليكم" يعنونَ الموتَ، فيحيُّونه بما لا يحيِّهِ اللهُ {وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ}.

 

(تفسيرُ السَّعديِّ)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا} الآياتِ:

يقولُ اللهُ تعالى: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ} أي: يومَ يبعثُ اللهُ الخلقَ جميعًا فيقومونَ مِن أجداثِهم سريعًا {فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا} مِن خيرٍ وشرٍّ، لأنَّهُ علمَ ذلكَ، {أَحْصَاهُ اللَّهُ} أي: كتبَهُ في اللَّوحِ المحفوظِ، وأمرَ الملائكةَ الكرامَ الحفظةَ بكتابتِهِ، هذا {وَ} العاملونَ قد {نَسُوهُ} أي: نسَوا ما عملُوهُ، واللهُ أحصى ذلكَ.

{وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} على الظَّواهرِ والسَّرائرِ، والخبايا والخفايا.

ولهذا أخبرَ عن سعةِ علمِهِ وإحاطتِهِ بما في السَّمواتِ والأرضِ مِن دقيقٍ وجليلٍ.

وأنَّهُ {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَمَا كَانُوا} والمُرادُ بهذهِ المعيَّةِ معيَّةُ العلمِ والإحاطةِ بما تناجَوا بهِ وأسرُّوهُ فيما بينَهم، ولهذا قالَ: {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}

ثمَّ قالَ تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى} الآياتِ:

النَّجوى هيَ: التَّناجي بينَ اثنينِ فأكثرَ، وقد تكونُ في الخيرِ، وتكونُ في الشَّرِّ.

فأمرَ اللهُ تعالى المؤمنينَ أنْ يتناجَوا بالبرِّ، وهوَ اسمٌ جامعٌ لكلِّ خيرٍ وطاعةٍ، وقيامٍ بحقٍّ للهِ وحقِّ عبادِهِ والتَّقوى، وهيَ هنا: اسمٌ جامعٌ لتركِ جميعِ المحارمِ والمآثمِ، فالمؤمنُ يمتثلُ هذا الأمرَ الإلهيَّ، فلا تجدُهُ مناجيًا يتهاونُ بأمرِ اللهِ، ويناجي بالإثمِ والعدوانِ ومعصيةِ الرَّسولِ، كالمنافقينَ الَّذينَ هذا دأبُهم وحالُهم معَ الرَّسولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قالَ تعالى: {وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ} أي: يسيئونَ الأدبَ معَكَ في تحيَّتِهم لكَ، {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ} أي: يسرُّونَ فيها ما ذكرَهُ عالمُ الغيبِ والشَّهادةِ عنهم، وهوَ قولُهم: {لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ} ومعنى ذلكَ أنَّهم يتهاونونَ بذلكَ، ويستدلُّونَ بعدمِ تعجيلِ العقوبةِ عليهم، أنَّ ما يقولونَ غيرُ محذورٍ، قالَ -تعالى- في بيانِ أنَّهُ يُمهِلُ ولا يُهمِلُ: {حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ} أي: تكفيهم جهنَّمُ الَّتي جمعَتْ كلَّ عذابٍ وشقاءٍ عليهم، تحيطُ بهم، ويُعذَّبونَ بها

– الشيخ : أعوذُ باللهِ، أعوذُ باللهِ، {يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} [العنكبوت:55]، {أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} [الكهف:29]، الآياتُ في هذا الَّتي فيها هذا التَّفصيلُ، الآياتُ كثيرةٌ، {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} [الأعراف:41].

 

– القارئ : تحيطُ بهم، ويُعذَّبونَ بها {فَبِئْسَ الْمَصِيرُ} وهؤلاءِ المذكورونَ إمَّا أناسٌ مِن المنافقينَ يظهرونَ الإيمانَ، ويخاطبونَ الرَّسولَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بهذا الخطابِ الَّذي يوهمونَ أنَّهم أرادُوا بهِ خيرًا وهم كذبةٌ في ذلكَ، وإمَّا أناسٌ مِن أهلِ الكتابِ، الَّذينَ إذا سلَّمُوا على النَّبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالُوا: "السَّامُ عليكَ يا محمَّدُ" يعنونَ بذلكَ الموتَ.