الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة المجادلة/(6) من قوله تعالى {إن الذين يحادون الله ورسوله} الآية 20 إلى قوله تعالى {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الاخر يوادون من حاد الله} الآية 22
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(6) من قوله تعالى {إن الذين يحادون الله ورسوله} الآية 20 إلى قوله تعالى {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الاخر يوادون من حاد الله} الآية 22

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة  المجادلة

الدَّرس: السَّادس

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ

إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (20) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21) لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [المجادلة:20-22]

انتهَتِ السُّورةُ.

– الشيخ : لا إله إلَّا الله، اقرأْ {لَا تَجِدُ..}

– القارئ : {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}

– الشيخ : صحّ، أنتَ وقفْتَ في الأوَّلِ على الآخرِ، قرأْتَها صح، لا إله إلَّا الله.

يخبرُ تعالى عن حكمِه على أعدائِه الَّذين يُحَادُّونَه ويُحَادُّونَ رسلَه، والمحادَّةُ والمشاقَّةُ تتضمَّنُ المعاداةَ والمباعدةَ، {يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} قالَ اللهُ: {أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ} حكمٌ عليهم بالذِّلَّةِ بل هم الأذلُّون أذلُّ النَّاسِ، الَّذين يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ويظنُّون أنَّ لهم العزَّةَ، هم الأذلَّاءُ، وهذا يشملُ الكفَّارُ والمنافقين؛ لأنَّ الآياتِ في شأنهم، في شأنِ الكفَّارِ والمنافقين. {أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ}.

{كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} اللهُ كتبَ أنْ تكونَ الغلبةُ له ولرسلِهِ {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات:171-173]، {إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}.

ثمَّ قالَ تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ…} لا تجدُ أحدًا يؤمنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ويوادُّون أعداءَ اللهِ.

{يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} كلُّ من كانَ يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فإنَّه لا يوادُّ ولا يوالي ولا يحبُّ أعداءَ اللهِ المحادِّين له ولرسلِه، {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ} ولو كانَ الَّذين يوادُّونهم من أعداءِ اللهِ {آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} بل يجبُ على المؤمن أن يعاديَ أعداءَ اللهِ، ويبغضُ أعداءَ اللهِ ولو كانوا أقربَ قريبٍ ولو كانُوا أقربَ قريبٍ كأبٍ وابنٍ وأخٍ أو أحدٍ من [….] {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ} إلى قولِهِ: {أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} [التوبة:24]

ثمَّ قالَ: {أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ} هؤلاءِ المؤمنون باللهِ واليومِ الآخرِ الَّذين يعادونَ أعداءَ اللهِ ولا يوادُّون أعداءَ اللهِ، هؤلاءِ كتبَ اللهُ الإيمانَ في قلوبهم، صارَ الإيمانُ ثابتًا في قلوبهم كالشَّيءِ المكتوبِ، {كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ بالعلمِ والإيمانِ، واللهُ سمَّى وحيَهُ روحًا {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} [الشورى:52]، {أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ}.

{وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} هذه عاقبتُهم في الآخرةِ أنْ يدخلَهم {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} ويرضى عنهم {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} وهؤلاءِ هم حزبُهُ في مقابلِ حزبِ الشَّيطانِ كما تقدَّمَ، فالرُّسلُ وأتباعُهم هم حزبُ اللهِ وأولياؤُه، المؤمنون المتَّقون، والكفَّارُ والمنافقون هم حزبُ الشَّيطانِ وهم أعداءُ اللهِ وأعداءُ أوليائِه. {أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} وهذا في مقابلِ حزب الشَّيطانِ: {أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المجادلة:19]، فحزبُ الشَّيطانِ خاسرون، وحزبُ اللهِ مفلحونَ فائزون بكلِّ خيرٍ وبكلِّ نعيمٍ.

– طالب: الموادَّةُ هنا مجرَّدُ المحبَّةِ فقط؟

– الشيخ : محبَّة ويتبعُ المحبَّة ما يتبعُها من المعاملةِ والتَّكريم والإعظام

– طالب: … الكفرُ باللهِ عزَّ وجلَّ، والخروج من الملَّة؟

– الشيخ : على درجاتٍ تختلفُ.

ومعلومٌ أنَّ المحبَّةَ الطَّبيعيَّةَ لا تدخلُ فيها، لا تدخلُ المحبَّةُ الطَّبيعيَّةُ، اللهُ فسَّرَ ذلك قالَ: {أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} أمَّا المحبَّةُ الطَّبيعيَّةُ فالإنسانُ مجبولٌ على محبَّةِ القريبِ والأبِ والأمِّ والزَّوجِ والزَّوجةِ، المحبَّةُ الطَّبيعيَّةُ لا توجبُ فسادًا في الدِّينِ؛ لأنَّها أمورٌ جِبلِّيَّةٌ.

 

(تفسيرُ السَّعديِّ)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ –رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الآياتِ:

هذا وعدٌ ووعيدٌ، وعيدٌ لِمَن حادَّ اللهَ ورسولَهُ بالكفرِ والمعاصي، أنَّهُ مخذولٌ مذلولٌ، لا عاقبةَ لهُ حميدةٌ، ولا رايةَ لهُ منصورةٌ.

ووعدٌ لِمن آمنَ بهِ، وبرسلِهِ، واتَّبعَ ما جاءَ بهِ المرسلونَ، فصارَ مِن حزبِ اللهِ المفلحينَ، أنَّ لهم الفتحَ والنصرَ والغلبةَ في الدُّنيا والآخرةِ، وهذا وعدٌ لا يُخلَفُ ولا يُغيَّرُ، فإنَّهُ مِن الصَّادقِ القويِّ العزيزِ الَّذي لا يُعجزُهُ شيءٌ يريدُهُ.

قالَ اللهُ تعالى: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} الآياتِ:

يقولُ تعالى: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} أي: لا يجتمعُ هذا وهذا، فلا يكونُ العبدُ مؤمنًا باللهِ واليومِ الآخرِ حقيقةً، إلَّا كانَ عاملًا على مقتضى إيمانِهِ ولوازمِهِ، مِن محبَّةِ مَن قامَ بالإيمانِ وموالاتِهِ، وبغضِ مَن لم يقمْ بهِ ومعاداتِهِ، ولو كانَ أقربَ النَّاسِ إليهِ.

وهذا هوَ الإيمانُ على الحقيقةِ، الَّذي وجدْتَ ثمرتَهُ والمقصودُ منهُ، وأهلُ هذا الوصفِ هم الَّذينَ كتبَ اللهُ في قلوبِهم الإيمانَ أي: رسمَهُ وثبَّتَهُ وغرسَهُ غرسًا لا يتزلزلُ، ولا تؤثِّرُ فيهِ الشُّبهُ والشُّكوكُ.

وهم الَّذينَ قوَّاهم اللهُ بروحٍ منهُ أي: بوحيهِ، ومعونتِهِ، ومددِهِ الإلهيِّ وإحسانِهِ الرَّبَّانيِّ.

وهم الَّذينَ لهم الحياةُ الطَّيِّبةُ في هذهِ الدَّارِ، ولهم جنَّاتُ النَّعيمِ في دارِ القرارِ، الَّتي فيها كلُّ ما تشتهيهِ الأنفسُ، وتلذُّ الأعينُ، وتختارُ، ولهم أكبرُ النَّعيمِ وأفضلُهُ، وهوَ أنَّ اللهَ يحلُ عليهم رضوانَهُ فلا يسخطُ عليهم أبدًا، ويرضونَ عن ربِّهم بما يعطيهم مِن أنواعِ الكراماتِ، ووافرِ الـمثوباتِ، وجزيلِ الهباتِ، ورفيعِ الدَّرجاتِ بحيثُ لا يرونَ فوقَ ما أعطاهم مولاهم غايةً، ولا وراءَهُ نهايةً.

وأمَّا مَن يزعمُ أنَّهُ يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ، وهوَ معَ ذلكَ موادٌّ لأعداءِ اللهِ، محبٌّ لِمَن نبذَ الإيمانَ وراءَ ظهرِهِ، فإنَّ هذا إيمانٌ زَعميٌّ لا حقيقةَ لهُ، فإنَّ كلَّ أمرٍ لا بدَّ لهُ مِن برهانٍ يصدقُهُ، فمجرَّدُ الدَّعوى، لا تفيدُ شيئًا ولا يُصدَّقُ صاحبُها.

تمَّ تفسيرُ المجادلةِ، والحمدُ للهِ

– الشيخ : باركَ اللهُ بكَ.