الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الممتحنة/(1) من قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء} الآية 1 إلى قوله تعالى {لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة} الآية 3
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(1) من قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء} الآية 1 إلى قوله تعالى {لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة} الآية 3

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة  الممتحنة

الدَّرس: الأوَّل

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ * بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِالله رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1) إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2) لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [الممتحنة:1-3]

– الشيخ : إلى هنا.

لا إله إلا الله، هذه سورة الـمُمْتَحِنَة، وهي مدنية، مِن السور المدنيَّة، النازلةِ بعد الهجرة.

يقول الله مخاطبًا المؤمنين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} يعني: لا توالون الكافرين، الكفار هم أعداء الله، وأعداء المؤمنين، فلا توالوهم بالمحبةِ والنُّصرة، لا تتخذوهم أولياء، {لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} وفي الآية التي بعدها: {تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} يعني: تلقون إليهم المودة سِرًّا، وتُظهرون لهم المودَّة سِرًّا، {تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ} كيف {تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ}؟ وأخرجوكم وأخرجوا الرسول، {يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ}، يعني: أخرَجوا الرسول وأخرجوكم مِن دياركم.

{وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِالله رَبِّكُمْ} يعني: لإيمانِكم، أخرجوكم من ديارِكم لإيمانِكم {يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِالله رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي} وهذه الآيات نزلَتْ في شأنِ أحد الصحابة الذي كاتبَ المشركين يُخبرُهم بمسيرِ النبي -صلى الله عليه وسلم- إليهم وغزوه لهم عامَ الفتح. {إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي} لأنَّه مِن المهاجرين فإذا..، الله تعالى يقول: {إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي} فكيف تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وتوالونهم وقد خرجتم {جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ}؟ {إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ}

والله -تعالى- يقول: { وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ} فإن أسررتم المودةَ إليهم فالله -تعالى- مُطَّلِعٌ على ما تُسِرُّونَ، مُطَّلِعٌ على سِرِّكم وعلانيتكم، يقول تعالى: { وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ} يعني ومَن يفعل الموادَّة وإلقاء المودَّة إليهم، {وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} ضلَّ عن الصراط المستقيم بموالاتِه للكافرين، وموالاة الكفار وإظهار نصرتهم وتأييدهم قالَ الله في آيةٍ أخرى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ الله لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة:51] وهذا عامٌّ في اليهود والنصارى والمشركين {وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ}

{إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً} ثم يذكر -تعالى- شيئًا مِن صور عداوتِهم يقول: {إِنْ يَثْقَفُوكُمْ} أي: يصادفوكم ويجدوكم {يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً} يعني: تظهرُ عداوتهم لكم {يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ} يبسطون أَيْدِيَهُمْ لكم بالقتال وَأَلْسِنَتَهُمْ بالسَّبِّ والطَّعْنِ {وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ} أيضًا يودُّون لو تكفرون وترجعون عَن دينِكم الحقِّ إلى دينِكم الذي كنتم عليه، {وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ}

ثم ذكرَ -تعالى- أن هذه الموادَّة وهذه الموالاة بسببِ القرابة والرَّحِم هذا لا ينفعكم فأرحامُكم لن يُغنوا عنكم مِن الله شيئًا، {لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ} -سبحانه وتعالى- يوم القيامة، {وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} فهذه السورةُ مدارُها على هذا الأصل، على التحذيرِ من موالاة الكافرين، كما سيأتي في آخر السورة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ الله عَلَيْهِمْ} [الممتحنة:13]

 

(تفسيرُ السَّعديِّ)

– القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، قالَ الشيخ عبد الرحمن السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى-: تفسير سورة الممتحَنة وهي مدنية: بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

– الشيخ : عندك الممتحَنة والا الممتحِنة؟ ضبطَها عندك؟

– القارئ : ما، ما هي بمضبوطة عندي

– طالب: ممتحَنة

الشيخ : ممتحَنة، هذا هو كأنه هو المناسِبُ؛ لأنَّ اسمَها مأخوذ مِن قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ} [الممتحنة:10] مثل ما تقدَّم في "المجادِلة"، تصير الممتحَنة، لكن كأنَّ الذي يجري على الألسن كثيرا "الممتحِنة".

 

القارئ : قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا} الآيات:

ذَكَرَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ -رَحِمَهُمُ الله- أَنَّ سَبَبَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَاتِ الْكَرِيمَاتِ فِي قِصَّةِ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ، حِينَ غَزَا النَّبِيُّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَزَاةَ الْفَتْحِ، فَكَتَبَ حَاطِبٌ إِلَى الْمُشْرِكِينَ يُخْبِرُهُمْ بِمَسِيرِ رَسُولِ الله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَيْهِمْ، لِيَتَّخِذَ بِذَلِكَ يَدًا عِنْدَهُمْ لَا شَكًّا وَ نِفَاقًا، وَأَرْسَلَهُ مَعَ امْرَأَةٍ، فَأُخْبِرَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَأْنِهِ،

الشيخ : أخبرَه الله يعني، نزلَ إليهِ الوحيُ في شأن هذا الخطاب وهذه الرسالة، وقد بعثَ بالرسالةِ مع امرأةٍ لتبلِّغَها وتوصلها إلى المشركين بمكة.

 

القارئ : فَأَرْسَلَ إِلَى الْمَرْأَةِ قَبْلَ وُصُولِهَا وَأَخَذَ مِنْهَا الْكِتَابَ، وَعَاتَبَ حَاطِبًا، فَاعْتَذَرَ بِعُذْرٍ قَبِلَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَهَذِهِ الْآيَاتُ فِيهَا النَّهْيُ الشَّدِيدُ عَنْ مُوَالَاةِ الْكُفَّارِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَغَيْرِهِمْ، وَإِلْقَاءِ الْمَوَدَّةِ إِلَيْهِمْ، وَأَنَّ ذَلِكَ مُنَافٍ لِلْإِيمَانِ، وَمُخَالِفٌ لِمِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، وَمُنَاقِضٌ لِلْعَقْلِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَذَرَ كُلَّ الْحَذَرِ مِنَ الْعَدُوِّ، الَّذِي لَا يُبْقِي مِنْ مَجْهُودِهِ فِي الْعَدَاوَةِ شَيْئًا، وَيَنْتَهِزُ الْفُرْصَةَ فِي إِيصَالِ الضَّرَرِ إِلَى عَدُوِّهِ، فَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} اعْمَلُوا بِمُقْتَضَى إِيمَانِكُمْ، مِنْ وِلَايَةِ مَنْ قَامَ بِالْإِيمَانِ، وَمُعَادَاةِ مَنْ عَادَاهُ، فَإِنَّهُ عَدُوٌّ لله، وَعَدُوٌّ لِلْمُؤْمِنِينَ.

فَـ {لَا تَتَّخِذُوا عَدُوَّ الله وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} أَيْ: تُسَارِعُونَ فِي مَوَدَّتِهِمْ وَفِي السَّعْيِ بِأَسْبَابِهَا، فَإِنَّ الْمَوَدَّةَ إِذَا حَصَلَتْ، تَبِعَتْهَا النُّصْرَةُ وَالْمُوَالَاةُ، فَخَرَجَ الْعَبْدُ مِنَ الْإِيمَانِ، وَصَارَ مِنْ جُمْلَةِ أَهْلِ الْكُفْرَانِ، وَانْفَصَلَ عَنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ.

وَهَذَا الْمُتَّخِذُ لِلْكَافِرِ وَلِيًّا، عَادِمُ الْمُرُوءَةِ أَيْضًا، فَإِنَّهُ كَيْفَ يُوَالِي أَعْدَى أَعْدَائِهِ الَّذِي لَا يُرِيدُ لَهُ إِلَّا الشَّرَّ، وَيُخَالِفُ رَبَّهُ وَوَلِيَّهُ الَّذِي يُرِيدُ بِهِ الْخَيْرَ، وَيَأْمُرُهُ بِهِ، وَيَحُثُّهُ عَلَيْهِ؟! وَمِمَّا يَدْعُو الْمُؤْمِنَ أَيْضًا إِلَى مُعَادَاةِ الْكَفَّارِ، أَنَّهُمْ قَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْحَقِّ، وَلَا أَعْظَمَ مِنْ هَذِهِ الْمُخَالَفَةِ وَالْمُشَاقَّةِ، فَإِنَّهُمْ قَدْ كَفَرُوا بِأَصْلِ دِينِكُمْ، وَزَعَمُوا أَنَّكُمْ ضُلَّالٌ عَلَى غَيْرِ هُدًى.

وَالْحَالُ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِالْحَقِّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا مِرْيَةَ، وَمَنْ رَدَّ الْحَقَّ فَمُحَالٌ أَنْ يُوجَدَ لَهُ دَلِيلٌ أَوْ حُجَّةٌ تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِ، بَلْ مُجَرَّدُ الْعِلْمِ بِالْحَقِّ يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ مَنْ رَدَّهُ وَفَسَادِهِ.

وَمِنْ عَدَاوَتِهِمُ الْبَلِيغَةِ أَنَّهُمْ {يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ} أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ دِيَارِكُمْ، وَيُشَرِّدُونَكُمْ مِنْ أَوْطَانِكُمْ، وَلَا ذَنَبَ لَكُمْ فِي ذَلِكَ عِنْدَهُمْ، إِلَّا أَنَّكُمْ تُؤْمِنُونَ بِالله رَبِّكُمُ الَّذِي يَتَعَيَّنُ عَلَى الْخَلْقِ كُلِّهِمُ الْقِيَامُ بِعُبُودِيَّتِهِ، لِأَنَّهُ رَبَّاهُمْ، وَأَنْعَمَ عَلَيْهِمْ، بِالنِّعَمِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ.

فَلَمَّا أَعْرَضُوا عَنْ هَذَا الْأَمْرِ، الَّذِي هُوَ أَوْجَبُ الْوَاجِبَاتِ، وَقُمْتُمْ بِهِ، عادَوكم، وَأَخْرَجُوكُمْ -مِنْ أَجْلِهِ- مِنْ دِيَارِكُمْ، فَأَيُّ دِينٍ، وَأَيُّ مُرُوءَةٍ وَعَقْلٍ، يَبْقَى مَعَ الْعَبْدِ إِذَا وَالَى الْكُفَّارَ الَّذِينَ هَذَا وَصْفُهُمْ فِي كُلِّ زَمَانٍ أَوْ مَكَانٍ؟!! وَلَا يَمْنَعُهُمْ مِنْهُ إِلَّا خَوْفٌ، أَوْ مَانِعٌ قَوِيٌّ.

{إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي} أَيْ: إِنْ كَانَ خُرُوجُكُمْ مَقْصُودُكُمْ بِهِ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ الله، لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ الله، وَابْتِغَاءِ رِضَاهُ فَاعْمَلُوا بِمُقْتَضَى هَذَا، مِنْ مُوَالَاةِ أَوْلِيَاءِ الله وَمُعَادَاةِ أَعْدَائِهِ، فَإِنَّ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ وَمِنْ أَعْظَمِ مَا يَتَقَرَّبُ بِهِ الْمُتَقَرِّبُونَ إِلَى رَبِّهِمْ وَيَبْتَغُونَ بِهِ رِضَاهُ.

{تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ} أَيْ: كَيْفَ تُسِرُّونَ الْمَوَدَّةَ لِلْكَافِرِينَ وَتُخْفُونَهَا، مَعَ عِلْمِكُمْ أَنَّ الله عَالِمٌ بِمَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ؟!، فَهُوَ وَإِنْ خُفِيَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، فَلَا يَخْفَى عَلَى الله تَعَالَى، وَسَيُجَازِي الْعِبَادَ بِمَا يَعْلَمُهُ مِنْهُمْ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، {وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ} أَيْ: مُوَالَاةُ الْكَافِرِينَ بَعْدَ مَا حَذَّرَكُمُ الله مِنْهَا فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ؛ لِأَنَّهُ سَلَكَ مَسْلَكًا مُخَالِفًا لِلشَّرْعِ وَلِلْعَقْلِ وَالْمُرُوءَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ.

ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى شِدَّةَ عَدَاوَتِهِمْ، تَهْيِيجًا لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى عَدَاوَتِهِمْ، {إِنْ يَثْقَفُوكُمْ} أَيْ: يَجِدُوكُمْ، وَتَسْنَحَ لَهُمُ الْفُرْصَةُ فِي أَذَاكُمْ، {يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً} ظَاهِرِينَ وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ بِالْقَتْلِ وَالضَّرْبِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ.

{وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ} أَيْ: بِالْقَوْلِ الَّذِي يَسُوءُ، مِنْ شَتْمٍ وَغَيْرِهِ، وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ فَإِنَّ هَذَا غَايَةُ مَا يُرِيدُونَ مِنْكُمْ.

فَإِنِ احْتَجَجْتُمْ وَقُلْتُمْ: نُوَالِي الْكُفَّارَ لِأَجْلِ الْقَرَابَةِ وَالْأَمْوَالِ، {لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} فَلِذَلِكَ حَذَّرَكُمْ مِنْ مُوَالَاةِ الْكَافِرِينَ الَّذِينَ تَضُرُّكُمْ مُوَالَاتُهُمْ

الشيخ : أحسنت، بارك الله بك