الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة المنافقون/(1) من قوله تعالى {إذا جاءك المنافقون} الآية 1 إلى قوله تعالى {وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم} الآية 4
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(1) من قوله تعالى {إذا جاءك المنافقون} الآية 1 إلى قوله تعالى {وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم} الآية 4

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة "المنافقون"

الدَّرس: الأوَّل

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ، بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (3) وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [المنافقون:1-4]

– الشيخ : إلى هنا.

هذه سورةُ المنافقون، مدنيَّةٌ، يخبرُ اللهُ فيها عن المنافقينَ الَّذين يُظهِرونَ الإسلامَ والإيمانَ ويُبطِنونَ الكفرَ، وهم كفَّارٌ، أكفرُ من اليهودِ والنَّصارى، أكفرُ من المشركين المعلنينَ للكفرِ، كانوا إذا جاؤُوا للنَّبيِّ يقولون: نشهدُ إنَّك رسولُ اللهِ، {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا} [البقرة:14]، فيظهرون للرَّسولِ وللمؤمنين أنَّهم مؤمنون ومصدِّقون بالرَّسولِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-.

قالَ اللهُ: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} المنافقون كاذبونَ في قولهم: "نشهدُ"، قولُهم: "نشهدُ" هذا كذبٌ، أمَّا أنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ فهذا حقٌّ، اللهُ شهدَ به، ولهذا قالَ تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} أي: في قولهم: "نشهدُ".

{اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} إذا كانَ منهم بعض…، أو ظهرَ منهم بعضُ المخالفاتِ الَّتي تدلُّ على نفاقِهم جاؤُوا يعتذرون إلى الرَّسولِ ويحلفونَ، يحلفونَ باللهِ أنَّهم ما قالُوا كذا وما فعلُوا كذا {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ} فهم يتَّخذون {أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} يعني: وقايةً يتَّقون بها، يتَّقون بها سلطةَ المسلمين وما قد يُعاقَبون به على بعضِ أقوالِهم وأفعالِهم، فدأبُهم الكذبُ والحلفُ الفاجرةُ، والحلفُ الفاجرةُ، {فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} صدُّوا بأنفسِهم وأعرضُوا، أعرضُوا عن سبيلِ اللهِ، عن طريقِ الحقِّ، عن الإيمانِ بالله، عن الصِّراط المستقيمِ، {فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} وهم معَ ذلك أيضًا يصدُّون الآخرين، يصدُّون النَّاسَ ويثبِّطونهم عن الدُّخول في الإسلامِ وينفِّرونهم {فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}

{إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} هذا أسلوبُ ذمٍّ، أسلوبُ ذمٍّ {سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} فعملُهم هذا من أسوأِ الأعمالِ، {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}

{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا} مِن المنافقين مَن آمنَ إيمانًا صحيحًا ثمَّ ارتدَّ عن الإسلامِ وصارَ منافقًا، {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ}.

قالَ اللهُ: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} فمظاهرُهم وصورُهم حسنةٌ تعجبُ الرَّائي، تعجبُ الرَّائي لهم، وهم أصحابُ كلامٍ وفصاحةٍ وتعبيرٍ، {وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} قالَ اللهُ: {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} شبَّهَهم اللهُ بالخشبِ المسنَّدِ على الجدارِ، لا خيرَ فيها، لا هي تحملُ شيئًا، وشرُّها متوقَّعٌ، فالخشبُ الـمُسنَّدُ لا نفعَ فيه، ليسَ كالسَّقفِ الموضوعِ الَّذي يقومُ عليه البناءُ، وهي خطرٌ على من يقتربُ منها، مثَّلَ اللهُ المنافقين بذلك؛ لقلَّةِ خيرِهم، فلا خيرَ فيهم، بل الشَّرُّ منهم حاصلٌ، قالَ اللهُ: {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ} هذا فيه ذمٌّ ودعاءٌ عليهم، ذمٌّ لهم ودعاءٌ عليهم {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} كيفَ يُصرَفون عن الحقِّ، {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}.

 

(تفسيرُ السَّعديِّ)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالَمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ رحمَهُ اللهُ تعالى: تفسيرُ سورةِ "المنافقونَ" وهيَ مدنيَّةٌ:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} الآياتِ:

لَمَّا قَدِمَ النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- المدينةَ، وكثرَ المسلمونَ فيها وعزَّ، صارَ أناسٌ مِن أهلِها مِن الأوسِ والخزرجِ، يظهرونَ الإيمانَ ويبطنونَ الكفرَ، ليبقى جاهُهم، وتُحقَنَ دماؤُهم، وتسلمَ أموالُهم، فذكرَ اللهُ مِن أوصافِهم ما بهِ يُعرفونَ، لكي يحذرَ العبادُ منهم، ويكونُوا منهم على بصيرةٍ، فقالَ: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا} على وجهِ الكذبِ: {نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} وهذهِ الشَّهادةُ مِن المنافقينَ على وجهِ الكذبِ والنِّفاقِ، معَ أنَّهُ لا حاجةَ لشهادتِهم في تأييدِ رسولِهِ، فإنَّ {اللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} في قولِهم ودعواهم، وأنَّ ذلكَ ليسَ بحقيقةٍ منهم.

{اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} أي: تِرسًا يتترَّسونَ بها مِن نسبتِهم إلى النِّفاقِ.

{فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} بأنفسِهم، وصدُّوا غيرَهم ممَّن يخفى عليهِ حالُهم، {إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} حيثُ أظهرُوا الإيمانَ وأبطنُوا الكفرَ، وأقسمُوا على ذلكَ وأوهمُوا صدقَهم.

{ذَلِكَ} الَّذي زيَّنَ لهم النِّفاقَ {بِـ} سببِ أنَّهم لا يثبتونَ على الإيمانِ.

بل {آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} بحيثُ لا يدخلُها الخيرُ أبدًا، {فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ} ما ينفعُهم، ولا يعونُ ما يعودُ بمصالحِهم.

{وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ} مِن روائِها ونضارتِها، {وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} أي: مِن حسنِ منطقِهم تستلذُّ لاستماعِهِ، فأجسامُهم وأقوالُهم معجِبةٌ، ولكنْ ليسَ وراءَ ذلكَ مِن الأخلاقِ الفاضلةِ والهدى الصَّالحِ شيءٌ، ولهذا قالَ: {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} لا منفعةَ فيها، ولا يُنالُ منها إلَّا الضَّررُ المحضُ، {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ} وذلكَ لجبنِهم وفزعِهم وضعفِ قلوبِهم، وريبِها يخافونَ أنْ يطَّلعَ عليهم.

فهؤلاءِ {هُمُ الْعَدُوُّ} على الحقيقةِ، لأنَّ العدوَّ البارزَ المتميِّزَ، أهونُ مِن العدوِّ الَّذي لا يشعرُ بهِ، وهوَ مخادعٌ ماكرٌ، يزعمُ أنَّهُ وليٌّ، وهوَ العدوُّ المبينُ، {فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} أي: كيفَ يُصرَفونَ عن الدِّينِ الإسلاميِّ بعدَ ما تبيَّنَتْ أدلَّتُهُ، واتَّضحَتْ معالمُهُ، إلى الكفرِ الَّذي لا يفيدُهم إلَّا الخسارَ والشَّقاءَ.

انتهى.

– الشيخ : أحسنْتَ.