الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة التغابن/(2) من قوله تعالى {ألم يأتكم نبأ الذين كفروا من قبل فذاقوا وبال أمرهم} الآية 5 إلى قوله تعالى {فآمنوا بالله} الآية 8
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(2) من قوله تعالى {ألم يأتكم نبأ الذين كفروا من قبل فذاقوا وبال أمرهم} الآية 5 إلى قوله تعالى {فآمنوا بالله} الآية 8

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة التَّغابن

الدَّرس: الثَّاني

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ

أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوا وَّاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ * زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [التغابن:5-8]

– الشيخ : إلى هنا.

يقول تعالى مُوبّخًا للمشركين {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ} يعني: قد جاءَكم نبأُ الذين مِن قبلكم، وهذا فيه إشارة إلى ما سبقَ في السور المكية كسورة الأعراف وسورة الشعراء وسورة هود، فيها تفصيلُ أخبارِ الأمم الكافرة التي جاءَها الرسل فكذَّبوهم وعصَوا واحتجُّوا عليهم بهذه الشُّبهة: {أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا} وكذبوا وتولَّوا عن طاعة الله وطاعة رسلِه. وقد ذاقُوا عاقبةَ كفرِهم وتكذيبِهم {فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} فعاقبَهم الله بأنواعِ العقوباتِ {فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا} [العنكبوت:40]

{ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوا وَّاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ}

ثم قال تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا} زعمَ الكفار مِن المشركين ومَن قبلهم مِن الأمم الكافرة زعموا {أَن لَّن يُبْعَثُوا} زعموا أن الله لا يبعثُهم بعد موتِهم، لا يبعثهم مِن قبورهم ويعيدهم أحياءً ويُنَبِّئُهُم بما عملوا {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} أمرَ اللهُ نبيَّه أن يردَّ عليهم مُقسمًا بربه {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ} تُخبَرون بأعمالكم وتُحاسَبون عليها وتُجزَون بها {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} سهلٌ هيِّن لأنه -تعالى- على كلِّ شيءٍ قدير، فلا يُعجزُه -سبحانه وتعالى- أن يَبعثَ الموتى مِن قبورهم ويُحييهم ويجمعُهم ويحاسبُهم، كلُّ ذلك يفعلُه تعالى دون أن يَلْحَقَهُ عَجزٌ أو لُغُوبٌ {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا} [فاطر:44] {وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}.

ثم قال تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} أمرٌ مِن الله للعباد المؤمنين والكفارَ {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} آمِنُوا بِاللَّهِ ربًّا وإلهًا معبودًا لا شريك له، وآمنوا برسولِه بأنه جاءَ بالحق مِن عند الله، وأن ما جاء به هو الحقُّ والدِّين الحق {وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا} هو القرآن والسُّنة {وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} فهذا هو سبيلُ النجاةِ والسعادةِ والفوزِ: الإيمان بالله ورسوله وكتابِه، وما جاء به رسولُه مِن الهدى ودين الحق.

{وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} في هذا وعدٌ ووعيدٌ، خبيرٌ بأعمال العباد خيرِها وشرِّها ظاهرِها وخفيِّها، خبيرٌ بأعمالِ العبادِ فسيُنبئهم بها ويجزيهم بها.

 

(تفسيرُ السعدي)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالَمين، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين. قالَ الشيخُ عبدُ الرحمن السعدي -رحمَه الله تعالى- في تفسيرِ قولِ الله تعالى: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ} الآيات:

لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى مِنْ أَوْصَافِهِ الْكَامِلَةِ الْعَظِيمَةِ مَا بِهِ يُعْرَفُ وَيُعْبَدُ وَيُبْذَلُ الْجُهْدُ فِي مَرْضَاتِهِ، وَتُجْتَنَبُ مَسَاخِطُهُ، أَخْبَرَ بِمَا فَعَلَ بِالْأُمَمِ السَّابِقِينِ وَالْقُرُونِ الْمَاضِينَ الَّذِينَ لَمْ تَزَلْ أَنْبَاؤُهُمْ يَتَحَدَّثُ بِهَا الْمُتَأَخِّرُونَ وَيُخْبِرُ بِهَا الصَّادِقُونَ، وَأَنَّهُمْ حِينَ جَاءَتْهُمُ رُسُلُهُمْ بِالْحَقِّ كَذَّبُوهُمْ وَعَانَدُوهُمْ فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ وَبَالَ أَمْرِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَأَخْزَاهُمْ الله فِيهَا، {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، وَلِهَذَا ذَكَرَ السَّبَبَ فِي هَذِهِ الْعُقُوبَةِ فَقَالَ: {ذَلِكَ} النَّكَالُ وَالْوَبَالُ الَّذِي أَحْلَلْنَاهُ بِهِمْ {بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} أَيْ: بِالْآيَاتِ الْوَاضِحَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، فَاشْمَأَزُّوا وَاسْتَكْبَرُوا عَلَى رُسُلِهِمْ، {فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا} أَيْ: فَلَيْسَ لَهُمْ فَضْلٌ عَلَيْنَا، وَلِأَيِّ شَيْءٍ خَصَّهُمُ اللَّهُ دُونَنَا؟ كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [إبراهيم:11] فَهُمْ حَجَرُوا فَضْلَ اللَّهِ وَمِنَّتَهُ عَلَى أَنْبِيَائِهِ أَنْ يَكُونُوا رُسُلًا لِلْخَلْقِ، وَاسْتَكْبَرُوا عَنِ الِانْقِيَادِ لَهُمْ، فَابْتُلُوا بِعِبَادَةِ الْأَشْجَارِ وَالْأَحْجَارِ وَنَحْوِهَا {فَكَفَرُوا} بِاللَّهِ {وَتَوَلَّوْا} عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ، {وَاسْتَغْنَى اللَّهُ} عَنْهُمْ، فَلَا يُبَالِي بِهِمْ، وَلَا يَضُرُّهُ ضَلَالُهُمْ شَيْئًا، {وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} أَيْ: هُوَ الْغَنِيُّ، الَّذِي لَهُ الْغِنَى التَّامُّ الْمُطْلَقُ، مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ، الْحَمِيدُ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَوْصَافِهِ.

قال الله تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا} الآية:

يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ عِنَادِ الْكَافِرِينَ، وَزَعْمِهِمُ الْبَاطِلِ، وَتَكْذِيبِهِمْ بِالْبَعْثِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ، فَأَمَرَ أَشْرَفَ خَلْقِهِ أَنْ يُقْسِمَ بِرَبِّهِ عَلَى بَعْثِهِمْ، وَجَزَائِهِمْ بِأَعْمَالِهِمُ الْخَبِيثَةِ، وَتَكْذِيبِهِمْ بِالْحَقِّ، {وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ عَسِيرًا بَلْ مُتَعَذِّرًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْخَلْقِ، فَإِنَّ قُوَاهُمْ كُلَّهُمْ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى إِحْيَاءِ مَيْتٍ وَاحِدٍ، مَا قَدَرُوا عَلَى ذَلِكَ.

وَأَمَّا اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ، قال تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر:68]

قال الله تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} الآية:

لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى إِنْكَارَ مَنْ أَنْكَرَ الْبَعْثَ، وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْهُمْ مُوجَبُ كُفْرِهِمْ بِاللَّهِ وَآيَاتِهِ، أَمَرَ بِمَا يَعْصِمُ مِنَ الْهَلَكَةِ وَالشَّقَاءِ، وَهُوَ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَبِكِتَابِهِ وَسَمَّاهُ اللَّهُ نُورًا؛ فَإِنَّ النُّورَ ضِدَّ الظُّلْمَةِ، فَمَا فِي الْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ مِنَ الْأَحْكَامِ وَالشَّرَائِعِ وَالْأَخْبَارِ، أَنْوَارٌ يُهْتَدَى بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْجَهْلِ الْمُدْلَهِمَّةِ، وَيُمْشَى بِهَا فِي حِنْدِسِ اللَّيْلِ الْبَهِيمِ، وَمَا سِوَى الِاهْتِدَاءِ بِكِتَابِ اللَّهِ فَهِيَ عُلُومٌ ضَرَرُهَا أَكْثَرُ مَنْ نَفْعِهَا، وَشَرُّهًا أَكْثَرُ مِنْ خَيْرِهَا، بَلْ لَا خَيْرَ فِيهَا وَلَا نَفْعَ، إِلَّا مَا وَافَقَ مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ، وَالْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَكِتَابِهِ يَقْتَضِي الْجَزْمَ التَّامَّ وَالْيَقِينَ الصَّادِقَ بِهَا وَالْعَمَلَ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ التَّصْدِيقِ، مِنِ امْتِثَالِ الْأَوَامِرِ، وَاجْتِنَابِ النَّوَاهِي {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} فَيُجَازِيكُمْ بِأَعْمَالِكُمُ الصَّالِحَةِ وَالسَّيِّئَةِ. انتهى.