الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة التحريم/(1) من قوله تعالى {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك} الآية 1 إلى قوله تعالى {عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن} الآية 5

(1) من قوله تعالى {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك} الآية 1 إلى قوله تعالى {عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن} الآية 5

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة التَّحريم

الدَّرس: الأوَّل

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ، بسم الله الرحمن الرحيم

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ * إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ * عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا [التحريم:1-5]

– الشيخ : إلى هنا، لا إله إلا الله.

الحمد لله، هذه سورةُ التَّحريم وهِيَ مكيَّة، افتُتِحَتْ بخطابِ النبي -صلى الله عليه وسلَّم-: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ}، وسببُها ظاهر، سببُ هذه الآيات ظاهرٌ مِن لفظِها وهو أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلَّم- حرَّمَ على نفسِه شيئًا، قيل: هو العسلُ، وقيل: جاريته، فنهاهُ اللهُ عن ذلكَ {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} فحرَّمَ العسلَ إرضاءً لبعض أزواجِه الَّلاتِي ساءَهُنَّ ذلك، ساءَهُنَّ أنْ يأكلَ عسلًا عند بعضِ أزواجِه الأُخْرَيَات فَحَرَّمَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلَّم- على نفسِه ذلك فعاتبَه الله على..، {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.

{قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} يعني: شرعَ اللهُ للنبيِّ وللمؤمنينَ تَحِلَّةُ أيمانِهِم بالكفارةِ {وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ} [المائدة:89] فَعُلِمَ بذلك أنَّ التحريمَ -تحريمَ الحلالِ- يعني تحريم الإنسانِ على نفسِه بعضَ الأمورِ المباحة كأنْ يُحرِّمُ على نفسِه أن يأكلَ مِن هذا الطعامِ أو أن يدخلَ ذلك المكان وهو مُباحٌ فإنَّ هذا مِن نوعِ اليمين التي تَحُلُّها الكفارةُ تحلها الكفارة {إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ.. أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة:89]

فإذا قالَ شخصٌ: "حرامٌ عليَّ أن آكلَ هذا الطعامَ" فإنَّه لا يحرمُ عليه؛ لأنَّه..، ولا يريد بذلك أنَّ اللهَ حرَّمَهُ عليه، فهو حلالٌ، لكن يريد منعَ نفسِه فقط، كما لو قالَ: "والله لا آكلُه" فَتَحُلُّهَا الكفارة {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}.

{وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ} يعني: أظهرتْ سرَّه وأفشتْهُ إلى بعض أزواجه الأخرى {وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ} {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ} يعني: أطلعَهُ على أنَّها قد أفشَتْ هذا السِّر {وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ}، {فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ..}.

{وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا} يعني: مَنْ أخبرَكَ بهذا السِّرِّ أو أفشيتُ هذا السِّرّ {قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ}.

ثم توجَّهَ الخطابُ إلى المرأتَيْنِ اللَّتَيْنِ تظاهرَتَا وتعاوَنَتَا على هذا الأمر حتى قال الله: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} فحصلَ مِن بعضِ أزواجه تعاونًا على إفشاءِ سرِّ النبي -صلى الله عليه وسلَّم- فأنكرَ الله عليهما ذلك، وبيَّنَ أنهما قد حصلَتْ منهما المعصيةُ وأنَّ عليهما التوبة {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ}.

ثم قال تعالى: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ} أي: النبيُّ، إِنْ طَلَّقَكُنَّ النبيُّ -صلى الله عليه وسلَّم- {إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا} فالله -تعالى- لن يُضيِّعَ نبيَّهُ، بل لو طلَّقَ نساءَهُ لسببٍ مِن الأسبابِ فاللهُ سيُعوضُهُ خيرًا مِنْهُنَّ، وذكرَ الصفات الجميلة الإيمانية {مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ…عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ} فُسِّرتِ السِّياحةُ بالصيامِ، {ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا} فالرسولُ -عليه الصلاة والسلام- كلُّ زوجاتِه تزوَّجهُنَّ ثَيِّبَاتٍ إلا عائشةَ فهي التي تزوَّجها بِكْرًا لم يتزوج مِن النساء بِكْرًا إلا عائشة، رضي الله عنهنَّ وأرضاهنَّ، أمهاتُ المؤمنين، وأهلُ السُّنةِ والجماعةِ يقولونَ: إنَّ أمهاتَ المؤمنين هُنَّ زوجاته في الدنيا وهنَّ زوجاته في الآخرة.

 

 (تفسيرُ السعدي)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالَمين، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين. قالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ السَّعديّ -رحمَه الله تعالى-: تفسير سورة التحريك وهي مدنية:

بسم الله الرحمن الرحيم، {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} الآيات.

هَذَا عِتَابٌ مِنَ اللَّهِ لِنَبِيَّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

– الشيخ : عِتاب، {لـِمَ} هذا استفهامٌ إنكاريٌّ، وهو على وجهِ العتاب للنبيِّ -صلى الله عليه وسلَّم- على تحريمِه الحلالَ

– القارئ : حِينَ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ سُرِيَّتَهُ "مَارِيَةَ" أَوْ شُرْبَ الْعَسَلِ

– الشيخ : يعني مُختَلَفٌ في سببِ النزولِ، قيل: تحريمُ العسلِ، وقيل: تحريمُ الجاريةِ.

– القارئ : مُرَاعَاةً لِخَاطِرِ بَعْضِ زَوْجَاتِهِ فِي قِصَّةٍ مَعْرُوفَةٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَاتِ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} أَيْ: يَا أَيُّهَا الَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالنُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ وَالْوَحْيِ {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} مِنَ الطَّيِّبَاتِ، الَّتِي أَنْعَمَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَّتِكَ.

{تَبْتَغِي} بِذَلِكَ التَّحْرِيمِ {مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} هَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لِرَسُولِهِ، وَرَفَعَ عَنْهُ اللَّوْمَ وَرَحِمَهُ، وَصَارَ ذَلِكَ التَّحْرِيمُ الصَّادِرُ مِنْهُ سَبَبًا لِشَرْعِ حُكْمٍ عَامٍّ لِجَمِيعِ الْأُمَّةِ، فَقَالَ تَعَالَى:

{قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} وَهَذَا عَامٌّ فِي جَمِيعِ أَيْمَانِ الْمُؤْمِنِينَ أَيْ: قَدْ شَرَعَ لَكُمْ، وَقَدَّرَ مَا بِهِ تَنْحَلُّ أَيْمَانُكُمْ قَبْلَ الْحِنْثِ، وَمَا بِهِ تَتَكَفَّرُ بَعْدَ الْحِنْثِ، وَذَلِكَ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا} [المائدة:88] إِلَى أَنْ قَالَ: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة:89]

فَكُلُّ مَنْ حَرَّمَ حَلَالًا عَلَيْهِ، مِنْ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ أَوْ سَرِيَّةٍ، أَوْ حَلَفَ يَمِينًا بِاللَّهِ، عَلَى فِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ، ثُمَّ حَنَثَ أَوْ أَرَادَ الْحِنْثَ، فَعَلَيْهِ هَذِهِ الْكَفَّارَةُ الْمَذْكُورَةُ، وَقَوْلُهُ: {وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ} أَيْ: مُتَوَلِّي أُمُورَكُمْ، وَمُرَبِّيكُمْ أَحْسَنَ تَرْبِيَةٍ فِي أمرِ دِينِكُمْ وَدُنْيَاكُمْ، وَمَا بِهِ يَنْدَفِعُ عَنْكُمُ الشَّرُّ، فَلِذَلِكَ فَرَضَ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ؛ لِتَبْرَأَ ذِمَمُكُمْ، {وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} الَّذِي أَحَاطَ عِلْمُهُ بِظَوَاهِرِكُمُ وَبَوَاطِنِكُمْ، وَهُوَ الْحَكِيمُ فِي جَمِيعِ مَا خَلَقَهُ وَحَكَمَ بِهِ، فَلِذَلِكَ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الْأَحْكَامِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِمَصَالِحِكُمْ، وَمُنَاسِبٌ لِأَحْوَالِكُمْ.

وَقَوْلُهُ: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا} قَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: هِيَ حَفْصَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- أَسَرَّ لَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدِيثًا، وَأَمَرَ أَنْ لَا تُخْبِرَ بِهِ أَحَدًا، فَحَدَّثَتْ بِهِ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- وَأَخْبَرَهُ اللَّهُ بِذَلِكَ الْخَبَرِ الَّذِي أَذَاعَتْهُ، فَعَرَّفَهَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِبَعْضِ مَا قَالَتْ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضِهِ، كَرَمًا مِنْهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَحِلْمًا،{قَالَتْ} لَهُ: {مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا} الْخَبَرَ الَّذِي لَمْ يَخْرُجْ مِنَّا؟ {قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ} الَّذِي لَا تُخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ، يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى.

وَقَوْلُهُ: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} الْخِطَابُ لِلزَّوْجَتَيْنِ الْكَرِيمَتَيْنِ مِنْ أَزْوَاجِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَفْصَةَ وَعَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، كَانَتَا سَبَبًا لِتَحْرِيمِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى نَفْسِهِ مَا يُحِبُّهُ، فَعَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا التَّوْبَةَ، وَعَاتَبَهُمَا عَلَى ذَلِكَ، وَأَخْبَرَهُمَا أَنَّ قُلُوبَهُمَا قَدْ صَغَتْ أَيْ: مَالَتْ وَانْحَرَفَتْ عَمَّا يَنْبَغِي لَهُنَّ، مِنَ الْوَرَعِ وَالْأَدَبِ مَعَ الرَّسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاحْتِرَامِهِ، وَأَنْ لَا يَشْقُقْنَ عَلَيْهِ، {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ} أَيْ: تَعَاوَنَا عَلَى مَا يَشُقُّ عَلَيْهِ، وَيَسْتَمِرُّ هَذَا الْأَمْرُ مِنْكُنَّ، {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} أَيِ: الْجَمِيعُ أَعْوَانٌ لِلرَّسُولِ، مُظَاهِرُونَ، وَمَنْ كَانَ هَؤُلَاءِ أَنْصَارُهُ فَهُوَ الْمَنْصُورُ، وَغَيْرُهُ إِنْ يُنَاوِئُهُ فَهُوَ مَخْذُولٌ، وَفِي هَذَا أَكْبَرُ فَضِيلَةٍ وَشَرَفٍ لِسَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ حَيْثُ جَعَلَ الْبَارِي نَفْسَهُ الْكَرِيمَةَ وَخَوَاصَّ خَلْقِهِ أَعْوَانًا لِهَذَا الرَّسُولِ الْكَرِيمِ. وَفِيهِ مِنَ التَّحْذِيرِ لِلزَّوْجَتَيْنِ الْكَرِيمَتَيْنِ مَا لَا يَخْفَى، ثُمَّ خَوَّفَهُمَا -أَيْضًا- بِحَالَةٍ تَشُقُّ عَلَى النِّسَاءِ غَايَةَ الْمَشَقَّةِ وَهُوَ الطَّلَاقُ، الَّذِي هُوَ أَكْبَرُ شَيْءٍ عَلَيْهِنَّ، فَقَالَ: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} أَيْ: فَلَا تَتَرْفَعْنَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَوْ طَلَّقَكُنَّ، لَمْ يَضِقْ عَلَيْهِ الْأَمْرُ، وَلَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا إِلَيْكُنَّ، فَإِنَّهُ سَيَجِدُ وَ{يُبَدِّلُهُ اللَّهُ أَزْوَاجًا خَيِّرًا مِنْكُنَّ} دِينًا وَجِمَالًا، وَهَذَا مِنْ بَابِ التَّعْلِيقِ الَّذِي لَمْ يُوجَدْ، وَلَا يَلْزَمُ وُجُودُهُ، فَإِنَّهُ مَا طَلَّقَهُنَّ وَلَوْ طَلَّقَهُنَّ لَكَانَ مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ مِنْ هَذِهِ الْأَزْوَاجِ الْفَاضِلَاتِ، {مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ} جَامِعَاتِ بَيْنَ الْإِسْلَامِ -وَهُوَ الْقِيَامُ بِالشَّرَائِعِ الظَّاهِرَةِ- وَالْإِيمَانُ، -وَهُوَ: الْقِيَامُ بِالشَّرَائِعِ الْبَاطِنَةِ- مِنَ الْعَقَائِدِ وَأَعْمَالِ الْقُلُوبِ.

{قَانِتَاتٍ} الْقُنُوتُ: هُوَ دَوَامُ الطَّاعَةِ وَاسْتِمْرَارُهَا {تَائِبَاتٍ} عَمَّا يَكْرَهُهُ اللَّهُ، فَوَصَفَهُنَّ بِالْقِيَامِ بِمَا يُحِبُّهُ اللَّهُ، وَالتَّوْبَةِ عَمَّا يَكْرَهُهُ اللَّهُ، {ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا} أَيْ: بَعْضُهُنَّ ثَيِّبٌ، وَبَعْضُهُنَّ أَبْكَارٌ، لِيَتَنَوَّعَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فِيمَا يُحِبُّ، فَلَمَّا سَمِعْنَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ- هَذَا التَّخْوِيفَ وَالتَّأْدِيبَ، بَادَرْنَ إِلَى رِضَا رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَكَانَ هَذَا الْوَصْفُ مُنْطَبِقًا عَلَيْهِنَّ، فَصِرْنَ أَفْضَلَ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ، انتهى

– طالب: أحسنَ الله إليك يا شيخ هذه القصةُ لم تمرَّ على الرافضة إلا دسُّوا السمَّ فيها، ففسَّروا قوله تعالى: {صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} أي: كفرَتْ

– الشيخ : إي ما هو غريب.. أقول: الرافضة عداؤهم للصحابةِ ولأمهاتِ المؤمنينَ معروفٌ، لعائشةَ خاصةً.