الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة القلم/(2) من قوله تعالى {إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة} الآية 17 إلى قوله تعالى {كذلك العذاب} الآية 33
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(2) من قوله تعالى {إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة} الآية 17 إلى قوله تعالى {كذلك العذاب} الآية 33

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة القلم

الدَّرس: الثَّاني

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلَا يَسْتَثْنُونَ * فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ * فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ * أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ * فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ * أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ * وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ * فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ * قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ * قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ * قَالُوا يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ * عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ * كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [القلم:17-33]

– الشيخ : إلى هنا، أستغفر الله، أستغفر الله.

يُخبر تعالى أنه بَلَى هؤلاءِ المشكين، بلاهُم يعني: ابتلاهُم واختَبَرَهم ببعضِ ما آتاهُم مِن حظوظِ الدنيا مِن مالٍ وأهلٍ وولدٍ ورزقٍ، يقول: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ} البُستان {إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ} هؤلاءِ جماعةٌ لهم بُستانٌ، وهو مُثمِرٌ، وهو على وَشَكِ الجَذَاذِ، الصَّرمِ، فتمالؤُوا على أنَّهم يَصرمونَ نخلَهم أو شجرَهم وقتَ الصباحِ قبلَ أن ينبسطَ الناسُ وينتشر الناس ويأتي المساكين، وهذا تعبيرٌ عن بُخلِهم وشُحِّهمِ والعياذ بالله، تمالؤُوا على أنهم يبادرونَ بِصَرْمِ بستانِهم، ففي تلك الليلة طافَ على بستانهم طائفٌ مِن عذاب الله فأحرقَها وأتلفَها {فَأَصْبَحَتْ} يعني صارت {أَصْبَحَتْ} يعني: صارت مثل الصَّرِيمِ يعني كأنها قد صُرِمَتْ وجُزَّتْ ليسَ عليها ثمرٌ {فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ}.

{فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ} عندَ الصباح تَنَادَوْا يُنادي بعضهم بعضًا، {فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ * أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ} امشَوا امشَوا إلى الحرث، والغُدُو: هو الذهابُ في الصباحِ، وقت الصباحِ. {اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ * فَانْطَلَقُوا}عزمَوا ومشَوا {وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ} يتكلَّم بعضُهم بعضًا مُخافتةً دونَ أن يرفعوا أصواتَهم، ويتواصَون {أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ} كلُّ الخوفِ أن يأتيهِم مساكينُ يطلبونَ منهم شيئًا مِن ثمرِ النَّخل، وهؤلاءِ لئامٌ، لئامٌ بخلاءُ، يُدّبرون تدبيراتٍ كلّها مِن أجل حِرمان المساكين، وأن لا يُنقصوا مِن ثمرِ بستانِهم شيئًا {فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ * أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ * وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ} غَدَوْا عَلَى حَنَقٍ، يعني: عندهم حَنَقٌ وحِرصٌ على صَرْمِ نخلِهم وحِرمان المساكين.

فلمَّا وصلوا ورأوها شكُّوا قالوا: {قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ} يمكن ما هي هذه بستانَهم، يعني وجدوا بستانًا لا ثمرَ فيهِ، لأنَّه أصبح كالصَّريم، {فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ} ثم استدركُوا وقالوا: {بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ}يعني هذه مصيبةٌ، حرمانٌ حُرمنا ثمرَ بستانِنا، فقالَ أعقلُهم وأوسطُهم كما قال الله: {قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ} فكأنَّه قد وعظَهم قبلَ ذلك، فرجعوا {قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} فاعترفُوا بِغَلَطِهِم وخطئِهم وظُلمِهم {قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ}.

{فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ} كلٌّ يلوم الثاني: "أنت سويت [فعلت]، أنتَ ما قلتَ، ليش ما.." كعادةِ الناسِ المصابين الذين تَسبَّبوا في مصيبتِهم يَلومُوا بعضهم..، كلٌّ يُلقي بالتَّبِعَة على الآخرِ: "أنتَ السبب، لا أنتَ السبب"

 ثم {قَالُوا يَا وَيْلَنَا} تخوُّفٌ مِن عقابٍ يُصيبُهم أشدُّ وأنكى {قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ} فهذا كلُّه اعترافٌ، يعني فظهرَ مِن الآياتِ أنَّهم أدركوا غلطَهُم وتراجعُوا عمَّا كانوا عليه ونَدِمُوا {يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ * عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ} وهذا يدلُّ على حُسْنِ توجُّهِهِم؛ لأنَّهم توجَّهوا إلى الله بالرغبة {عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ}.

قالَ الله: {كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ} مِن العذابِ: العقوباتُ التي تنزلُ على الناسِ فَتُتْلِفُهُم أو تُتْلِفُ أموالَهم {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ} [البقرة:155] فمِن العقوباتِ: الآفاتُ التي تُصيبُ الثمار، فَتَتْلَفُ على أهلِها بعد التعبِ بالسَّقي والإصلاحِ والغرسِ والزرعِ تأتي الآفة آفةٌ مِن بَرَدٍ أو رياحٍ محرقةٍ فَتُتْلِفَ هذه الأشجار والثمار، وهذا كثيرٌ {كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} وفي هذا تهديدٌ للمشركين وأنَّ عذابَ الآخرةِ أكبرُ مما يُصيبُهم مِن عذابِ الدُّنيا فَلْيَحْذَرُوا وَلْيَتُوبُوا إلى الله.

 

(تفسير السَّعدي)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالـمينَ، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ. قالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ السَّعديّ رحمَه اللهُ تعالى:

ثم توعَّدَ تعالى مَنْ جَرى منْه ما وصفَ اللهُ، بأنَّ اللهَ سَيَسِمُهُ على الخرطومِ في العذابِ، وليعذبُهُ عذابًا ظاهرًا، يكونُ عليهِ سِمَةً وعلامةً، في أشقِّ الأشياءِ عليهِ، وهو وجهُهُ.

قالَ اللهُ تعالى: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ} الآيات.

يَقُولُ تَعَالَى: إِنَّا بَلَوْنَا هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ بِالْخَيْرِ

– الشيخ : كأنَّه "بالخبر"

– طالب: لعل الخير تعود على {بَلَوْنَاهُمْ}، بَلَوْنَاهُمْ بِالْخَيْرِ

– الشيخ : الـمُكذِّبين بالخيرِ، كأنَّ المناسِبَ المكذِّبينَ بالخبر

– القارئ : يَقُولُ تَعَالَى: إِنَّا بَلَوْنَا هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ بِالْخَبرِ وَأَهْمَلْنَاهُمْ، وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِمَا شِئْنَا مِنْ مَالٍ وَوَلَدٍ، وَطُولِ عُمْرٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ

– طالب: "وَأَمْهَلْنَاهُمْ" ليس: "أَهْمَلْنَاهُمْ"

– القارئ : وَأَمْهَلْنَاهُمْ ، نعم

وَأَمْهَلْنَاهُمْ، وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِمَا شِئْنَا مِنْ مَالٍ وَوَلَدٍ، وَطُولِ عُمْرٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، مِمَّا يُوَافِقُ أَهْوَاءَهُمْ، لَا لِكَرَامَتِهِمْ عَلَيْنَا، بَلْ رُبَّمَا يَكُونُ اسْتِدْرَاجًا لَهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ يعلمون

– الشيخ : قالَ الله: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ} [المؤمنون:56،55] وهذا يقعُ فيهِ كثيرٌ مِن الناسِ الجَهَلَةِ والضُلَّالِ مِن الكفارِ بالدرجة الأولى ومِن المنتسبين للإسلام يظنُّون أنَّ ما يحصلُ لهم مِن هذه النِّعَم إنَّ هذا يدلُّ على رضا اللهِ عنهم وأنَّهم أهلٌ لهذه الخيرات وهذه النعم وأنَّ الله يُكرمُهم بذلكَ كما قال تعالى: {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ} [الفجر:15] فيظنُّ هذه كرامةً وهي ابتلاءٌ، محضُ الابتلاءِ.

 

– القارئ : بَلْ رُبَّمَا يَكُونُ اسْتِدْرَاجًا لَهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعلمونَ، فَاغْتِرَارُهُمْ بِذَلِكَ نَظِيرُ اغْتِرَارِ أَصْحَابِ الْجَنَّةِ الَّذِينَ هُمْ فِيهَا شُرَكَاءُ، حِينَ أَيْنَعَتْ أَشْجَارُهَا، وَزَهَتْ ثِمَارُهَا وَآنَ وَقْتُ صِرَامِهَا، وَجَزَمُوا أَنَّهَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَطَوْعِ أَمْرِهِمْ، وَأَنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ مَانِعٌ يَمْنَعُهُمْ مِنْهَا، وَلِهَذَا أَقْسَمُوا وَحَلَفُوا مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ

– الشيخ : يعني مِن غيرِ أن يَقولوا: إنْ شاءَ الله، {وَلَا يَسْتَثْنُونَ}، فـ{أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلَا يَسْتَثْنُونَ} واللهُ -تعالى- يقولُ مُعلِّمًا لنبيه والمؤمنين {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف:24،23] إذا قلتَ: "سأفعلُ غدًا كذا وكذا، سأسافرُ، سأزورُ فلانًا، سأذهبُ إلى السوق وأشتري كَيت وكيت"، فقل: "إن شاءَ الله"، يعني الأمرَ ليس إليك، فأنتَ لا تدري ما يعرض لك هل تبقى قادرًا على ما تريد أو يعرضُ لكَ شيءٌ مِن أسبابِ العجزِ ومانعٌ من الموانع.

 

– القارئ : وَلِهَذَا أَقْسَمُوا وَحَلَفُوا مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ، أَنَّهُمْ {سَيَصْرِمُونَهَا} أَيْ: يَجُذُّونَهَا مُصْبِحِينَ، وَلَمْ يَدْرُوا أَنَّ اللَّهَ بِالْمِرْصَادِ، وَأَنَّ الْعَذَابَ سَيَخْلُفُهُمْ عَلَيْهَا، وَيُبَادِرُهُمْ إِلَيْهَا.

{فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ} أَيْ: عَذَابٌ نَزَلَ عَلَيْهَا لَيْلًا وَهُمْ نَائِمُونَ فَأَبَادَهَا وَأَتْلَفَهَا فَأَصْبَحَتْ {كَالصَّرِيمِ} أَيْ: كَاللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، وذَهَبَتِ الْأَشْجَارُ وَالثِّمَارُ، هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ بِهَذَا الْوَاقِعِ الْمُلِمِّ، وَلِهَذَا تَنَادَوْا فِيمَا بَيْنَهُمْ، لَمَّا أَصْبَحُوا يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: {أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ} فَانْطَلَقُوا قَاصِدِينَ لَهَا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، بِمَنْعِ حَقِّ اللَّهِ تعالى، وَيَقُولُونَ: {لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ} أَيْ: بَكِّرُوا قَبْلَ انْتِشَارِ النَّاسِ، وَتَوَاصَوْا مَعَ ذَلِكَ بِمَنْعِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، وَمِنْ شِدَّةِ حِرْصِهِمْ وَبُخْلِهِمْ أَنَّهُمْ يَتَخَافَتُونَ بِهَذَا الْكَلَامِ مُخَافَتَةً؛ خَوْفًا أَنْ يَسْمَعَهُمْ أَحَدٌ فَيُخْبِرُ الْفُقَرَاءَ.

{وَغَدَوْا} فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الشَّنِيعَةِ وَالْقَسْوَةِ وَعَدَمِ الرَّحْمَةِ {عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ} أَيْ: عَلَى إِمْسَاكٍ وَمَنْعٍ لِحَقِّ اللَّهِ، جَازِمِينَ بِقُدْرَتِهِمْ عَلَيْهَا.

{فَلَمَّا رَأَوْهَا} عَلَى الْوَصْفِ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ كَالصَّرِيمِ {قَالُوا} مِنَ الْحِيرَةِ وَالِانْزِعَاجِ {إِنَّا لَضَالُّونَ} أَيْ: تَائِهُونَ عَنْهَا، لَعَلَّهَا غَيْرُهَا، فَلَمَّا تَحَقَّقُوهَا وَرَجَعَتْ إِلَيْهِمْ عُقُولُهُمْ قَالُوا: {بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} مِنْهَا، فَعَرَفُوا حِينَئِذٍ أَنَّهُ عُقُوبَةٌ، {قَالَ أَوْسَطُهُمْ} أَيْ: أَعْدَلُهُمْ، وَأَحْسَنُهُمْ طَرِيقَةً {أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ} أَيْ: تُنَزِّهُونَ اللَّهَ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ ظَنُّكُمْ أَنَّ قُدْرَتَكُمْ مُسْتَقِلَّةٌ، فَلَوْلَا اسْتَثْنَيْتُمْ وَقُلْتُمْ: إن} شَاءَ اللَّهُ وَجَعَلْتُمْ مَشِيئَتَكُمْ تَابِعَةً لِمَشِيئَتِهِ، لَمَا جَرَى عَلَيْكُمْ مَا جَرَى، {قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} أَيِ: اسْتَدْرَكُوا بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَكِنْ بَعْدَ مَا وَقَعَ الْعَذَابُ عَلَى جَنَّتِهِمُ الَّذِي لَا يُرْفَعُ، وَلَكِنْ لَعَلَّ تَسْبِيحَهُمْ هَذَا وَإِقْرَارَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالظُّلْمِ، يَنْفَعُهُمْ فِي تَخْفِيفِ الْإِثْمِ وَيَكُونُ تَوْبَةً، وَلِهَذَا نَدِمُوا نَدَامَةً عَظِيمَةً.

{فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ} فِيمَا أَجْرَمُوْهُ وَفَعَلُوهُ، {قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ} أَيْ: مُتَجَاوِزِينَ لِلْحَدِّ فِي حَقِّ اللَّهِ، وَحَقِّ عِبَادِهِ، {عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ} فَهُمْ رَجَوُا اللَّهَ أَنْ يُبْدِلَهُمْ خَيْرًا مِنْهَا، وَوَعَدُوا أَنْ سَيَرْغَبُونَ إِلَى اللَّهِ، وَيُلِحُّونَ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا، فَإِنْ كَانُوا كَمَا قَالُوا، فَالظَّاهِرُ أَنَّ اللَّهَ أَبْدَلَهُمْ فِي الدُّنْيَا خَيْرًا مِنْهَا؛ لِأَنَّ مَنْ دَعَا اللَّهَ صَادِقًا، وَرَغِبَ إِلَيْهِ وَرَجَاهُ، أَعْطَاهُ سُؤالَهُ.

قَالَ تَعَالَى مُعَظِّمًا مَا وَقَعَ: {كَذَلِكَ الْعَذَابُ} أَيِ: الدُّنْيَوِيُّ لِمَنْ أَتَى بِأَسْبَابِ الْعَذَابِ أَنْ يَسْلُبَهُ اللَّهُ الْعَبْدَ الشَّيْءَ الَّذِي طَغَى بِهِ وَبَغَى، وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، وَأَنْ يُزِيلَهُ عَنْهُ أَحْوَجَ مَا يَكُونُ إِلَيْهِ.

{وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ} مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} فَإِنَّ مَنْ عَلِمَ ذَلِكَ، أَوْجَبَ لَهُ الِانْزِجَارَ عَنْ كُلِّ سَبَبٍ يُوجِبُ الْعِقَابَ وَيَحْرِمُ الثَّوَابَ.

 انتهى

– الشيخ : أحسنت

– القارئ : أحسنَ الله إليك