الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الجن/(1) من قوله تعالى {قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن} الآية 1 إلى قوله تعالى {وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا} الآية 7
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(1) من قوله تعالى {قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن} الآية 1 إلى قوله تعالى {وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا} الآية 7

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الجن

الدَّرس: الأوَّل

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ * بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2) وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3) وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (4) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (5) وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6) وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا [الجن:1-7]

– الشيخ : إلى هنا.

الحمد لله، هذه سورةُ الجِنّ؛ لأنَّ الله ذكرَ فيها وأشارَ فيها إلى قصةِ الجِنّ واستماعِهم للقرآن.

{قُلْ أُوحِيَ} {قُلْ} أيُّها النبي أنَّه {أُوحِيَ إِلَيَّ} أنَّه {اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} يعني: أخبرَهُ الله بأنه استمعَ إلى القرآنِ والرسولُ يتلوهُ جماعةٌ مِن الجن، {نَفَرٌ} يعني: جماعة، خلافُ ما يجري على ألسنةِ العامَّة يُسمُّون الواحدَ "نفر"، لا، النفر الجماعة، {نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} وفي هذا إشارة إلى ما جاء في سورة الأحقاف {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا} [الأحقاف:29] فقوله تعالى: {أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ} فيه الإشارةُ إلى ما جاء في سورة الأحقافِ إنَّ الله أخبرَ نبيَّه بذلك {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ} إلى آخرِ الآيات [الأحقاف:29]

وقال هنا: {فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} وهؤلاء النَّفَرُ كانوا مِن عُقلاء الجِنّ ومُوَفَّقِيهِم فقد أدركوا فضلَ القرآن وقالوا: {سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} وقالوا كلامًا كثيرًا ذكرَه اللهُ في هذه السورة.

{وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا} فنزَّهوا اللهَ وقالوا: {تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا} جلَّتْ عظمتُهُ وكبرياؤُهُ عن أن يكونَ له صاحبةٌ أو ولدٌ {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا}.

وقالوا أيضا: {وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا} وفي هذا إنكارٌ لِمَا كان مِن بعضِهم مِن سفهائِهم مِن الشِّرك بالله.

قالوا: {وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (5) وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} جاء في التفسيرِ أنَّه كان مِن عادةِ أهلِ الجاهليةِ أنهم إذا نزلُوا بوادٍ قالوا: "نعوذُ بسيِّدِ هذا الوادي مِن سُفَهاءِ قومِهِ" يستعيذونَ بالجِنِّ مِن بعضِهم، {فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} قيلَ في التَّفسيرِ: زادَ الجِنُّ الإنسَ رهقًا أي خوفًا وذعرًا، أو زادَ الإنسُ الجنَّ كِبْرًا وتسلُّطًا، {فَزَادُوهُمْ رَهَقًا}.

{وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا} فهذا كلُّهُ يخبرُ اللهُ به مِن كلامِ الجِنِّ، كلُّ هذا مما قالَهُ الجِنُّ، والله أخبرَ نبيَّهُ بِه، وسيأتي جُمَلٌ كذلك كثيرةٌ مما قالَهُ الجِنُّ، إلى قوله: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا}.

 

(تفسيرُ السَّعديِّ)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ رحمَهُ اللهُ تعالى:

تَفْسِيرُ سُورَةِ {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ}

– الشيخ : عجيب! ما سمَّاها بسورة الجِنّ؟

– القارئ : لا

– الشيخ : ما هي مكتوبة في المصاحفِ "الجِنّ"؟

– القارئ : إلا [نعم]

– الشيخ : سمَّاها بمطلعِها

– القارئ : وَهِيَ مَكِّيَّةٌ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

{قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ} الآيات:

أَيْ: {قُلْ} يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لِلنَّاسِ {أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} صَرَفَهُمُ اللَّهُ إِلَى رَسُولِهِ لِسَمَاعِ آيَاتِهِ لِتَقُومَ عَلَيْهِمِ الْحُجَّةُ وَتَتِمَّ عَلَيْهِمِ النِّعْمَةُ وَيَكُونُوا مُنْذِرِينَ لِقَوْمِهِمْ.

وَأَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ أَنْ يَقُصَّ نَبَأَهُمْ عَلَى النَّاسِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ {لَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا}، فَلَمَّا أَنْصَتُوا فَهِمُوا مَعَانِيَهُ، وَوَصَلَتْ حَقَائِقُهُ إِلَى قُلُوبِهِمْ، {فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا} أَيْ: مِنَ الْعَجَائِبِ الْغَالِيَةِ، وَالْمَطَالِبِ الْعَالِيَةِ. {يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ} وَالرُّشْدُ: اسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ مَا يُرْشِدُ النَّاسَ إِلَى مَصَالِحِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، {فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} فَجَمَعُوا بَيْنَ الْإِيمَانِ الَّذِي يَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ أَعْمَالِ الْخَيْرِ، وَبَيْنَ التَّقْوَى الْمُتَضَمِّنَةِ لِتَرْكِ الشَّرِّ، وَجَعَلُوا السَّبَبَ الدَّاعِيَ لَهُمْ إِلَى الْإِيمَانِ وَتَوَابِعِهِ مَا عَلِمُوهُ مِنْ إِرْشَادَاتِ الْقُرْآنِ، وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ الْمَصَالِحِ وَالْفَوَائِدِ وَاجْتِنَابِ الْمَضَارِّ، فَإِنَّ ذَلِكَ آيَةٌ عَظِيمَةٌ، وَحُجَّةٌ قَاطِعَةٌ لِمَنِ اسْتَنَارَ بِهِ وَاهْتَدَى بِهَدْيِهِ، وَهَذَا الْإِيمَانُ النَّافِعُ الْمُثْمِرُ لِكُلِّ خَيْرٍ، الْمَبْنِيُّ عَلَى هِدَايَةِ الْقُرْآنِ بِخِلَافِ إِيمَانِ الْعَوَائِدِ وَالْمُرَبى وَالْإِلْفِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ إِيمَانُ تَقْلِيدٍ تَحْتَ خَطَرِ الشُّبَهَاتِ وَالْعَوَارِضِ الْكَثِيرَةِ.

{وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا} أَيْ: تَعَالَتْ عَظَمَتُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ، {مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا}.

فَعَلِمُوا مِنْ جَدِّ اللَّهِ وَعَظَمَتِهِ مَا دَلَّهُمْ عَلَى بُطْلَانِ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ لَهُ صَاحِبَةً أَوْ وَلَدًا؛ لِأَنَّ لَهُ الْعَظَمَةَ وَالْجَلَالَ فِي كُلِّ صِفَةِ كَمَالٍ، وَاتِّخَاذِ الصَّاحِبَةِ وَالْوَلَدِ يُنَافِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُضَادُّ كَمَالَ الْغِنَى.

{وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا} أَيْ: قَوْلًا جَائِرًا عَنِ الصَّوَابِ، مُتَعَدِّيًا لِلْحَدِّ، وَمَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا سَفَهُهُ وَضَعْفُ عَقْلِهِ، وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ رَزِينًا مُطْمَئِنًّا لِعَرَفَ كَيْفَ يَقُولُ.

{وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الإنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} أَيْ: كُنَّا مُغْتَرِّينَ قَبْلَ ذَلِكَ، غَرَّتْنَا السَّادَةُ وَالرُّؤَسَاءُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، فَأَحْسَنَّا بِهِمُ الظَّنَّ، وَحَسَبْنَاهُمْ لَا يَتَجَرَّؤونَ عَلَى الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ، فَلِذَلِكَ كُنَّا قَبْلَ هَذَا عَلَى طَرِيقِهِمْ، فَالْيَوْمَ إِذْ بَانَ لَنَا الْحَقُّ سَلَكْنَا طَرِيقَهُ وَانْقَدْنَا لَهُ، وَلَمْ نُبَالِ بِقَوْلِ أَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ يُعَارِضُ الْهُدَى.

قالَ اللهُ تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإنْسِ} الآية:

أَيْ: كَانَ الْإِنْسُ يَعُوذُونَ بِالْجِنِّ عِنْدَ الْمَخَاوِفِ وَالْأَفْزَاعِ وَيَعْبُدُونَهُمْ، فَزَادَ الْإِنْسُ الْجِنَّ رَهَقًا أَيْ: طُغْيَانًا وَتَكَبُّرًا لَمَّا رَأَوُا الْإِنْسَ يَعْبُدُونَهُمْ، وَيَسْتَعِيذُونَ بِهِمْ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الضَّمِيرَ وَهِيَ الْوَاوُ تَرْجِعُ إِلَى الْجِنِّ أَيْ: زَادَ الْجِنُّ الْإِنْسَ ذُعْرًا وَتَخْوِيفًا لَمَّا رَأَوْهُمْ يَسْتَعِيذُونَ بِهِمْ لِيُلْجِئُوهُمْ إِلَى الِاسْتِعَاذَةِ بِهِمْ والتمسكِ بما هم عليهِ، فَكَانَ الْإِنْسِيُّ إِذَا نَزَلَ بِوَادٍ مُخَوِّفٍ، قَالَ: "أَعُوذُ بِسَيِّدِ هَذَا الْوَادِي مِنْ سُفَهَاءِ قَوْمِهِ".

قال الله تعالى: {وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا…} الآية. أَيْ: فَلَمَّا أَنْكَرُوا الْبَعْثَ أَقْدَمُوا عَلَى الشِّرْكِ وَالطُّغْيَانِ. انتهى.

{وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ}

– الشيخ : الله المستعان، الله المستعان