الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة المرسلات/(1) من قوله تعالى {والمرسلات عرفا} الآية 1 إلى قوله تعالى {ويل يومئذ للمكذبين} الآية 19
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(1) من قوله تعالى {والمرسلات عرفا} الآية 1 إلى قوله تعالى {ويل يومئذ للمكذبين} الآية 19

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة المرسلات

الدَّرس: الأوَّل

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (1) فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا (2) وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا (3) فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا (4) فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا (5) عُذْرًا أَوْ نُذْرًا (6) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ (7) فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8) وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ (9) وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ (10) وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (11) لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (12) لِيَوْمِ الْفَصْلِ (13) وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ (14) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (15) أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (16) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآَخِرِينَ (17) كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (18) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ [المرسلات:1-19]

– الشيخ : إلى هنا.

الحمد لله، هذه سورة الـمُرسلَات، كان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يقرأ بها في المغربِ كثيرًا، وهي مكيَّةٌ، وقد افتُتحتْ بأقسامٍ جمعُ قَسَم، يعني: يمين، حَلِفٌ من الله، كما في أمثالِها من السور {وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ} [الطور:2،1]، {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (1) فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا} [الذاريات:2،1]، وهنا يُقسِمُ تعالى بالرياح، {وَالْمُرْسَلَاتِ} والرياح، أخبرَ اللهُ بأنَّها مُرسلَات، {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ} [الأعراف:57] {وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ} [الفرقان:48]، {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} [الحجر:22] فالرياحُ مُرسلَات، تُرسَلُ بالخير، وتُرسَلُ بالشر، تُؤمَرُ وتُنهَى، تُرسَلُ بالرحمةِ وتُرسَلُ بالعذابِ.

{وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (1) فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا (2) وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا (3) فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا (4) فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا} هؤلاءِ الملائكة التي تأتي بالوحِي مِن اللهِ إلى الرسل، {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [النحل:2]، {فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا (5) عُذْرًا أَوْ نُذْرًا} والـمُقسَم به والـمُقسَم عليه: {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ} ما تُوعدون مِن البعثِ والجزاءِ واقعٌ لا محالة.

فالله يُقسِم بما شاءَ مِن خلقِه، وقد أقسم في هذه الآية بعددٍ مِن الأقسام {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (1) فَالْعَاصِفَاتِ.. وَالنَّاشِرَاتِ.. فَالْفَارِقَاتِ.. فَالْمُلْقِيَات} أقسمَ بأنواعٍ من الرياح، وأقسمَ أيضًا بطائفةٍ من الملائكة، وهي الملائكةُ التي تأتي بالوحي، على أنَّ البعثَ حقٌّ {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ}.

ثم ذكرَ وأشارَ إلى الأحداثِ التي تكون يوم القيامة وما يحدثُ لهذا العالم مِن التغيُّرِ: النجوم، والجبال، والسماء، والأرض {فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ} طُمِسَ ضوؤُها وذهبَ ضوؤُها ونورُها، وفي الآيات الأخرى يقول انْتَثَرَتْ، وتكدَّرَتْ، {وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ} [التكوير:2]، {وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ} [الانفطار:2] فلها أحوالٌ، وهذا كلُّهُ مِن الأهوالِ التي تكونُ في ذلك اليوم، لا إله إلا الله.

{فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8) وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ (9) وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ} السماءُ أخبرَ اللهُ أنَّها تَنْشَقُّ وتَنفطِرُ وتُطوى وتُكْشَط، {كُشِطَتْ} [التكوير:11]، وهنا قال: {فُرِجَتْ} صار لها مداخلُ وأبوابٌ بعد أنْ لم يكن فيها فروجٌ {وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} [ق:6] وفي هذا اليوم يكون لها فروجٌ {وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ}.

{وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ} بعد أن كانَتْ قائمةً صُلبةً تُنسَفُ حتى تكونَ كثيبًا مهيلًا، وتكون كالعِهْنِ المنفوشِ، وتكون كالسرابِ {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا} [طه:105-107] تستوي معَ الأرض، {وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ}.

{وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ… لِيَوْمِ الْفَصْلِ}، ويومُ الفصلِ هو يومُ القيامةِ، وله أسماء: يومُ الحسابِ، ويومُ الدِّينِ، ويومُ الجزاءِ، ويومُ القيامةِ، ويومُ الفصلِ الذي يَفْصِلُ اللهُ فيه بينَ المختلِفِينَ ويُحِقُّ الحقَّ ويُبطلُ الباطلَ، لا إله إلا الله.

ثم ذكَّرَ تعالى بما مضى مِن الأمورِ وإهلاكِ المكذِّبين {أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (16) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآَخِرِينَ (17) كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (18) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} وقد وردَتْ هذه الآيةُ في هذهِ السورة عشرَ مراتٍ تهديدٌ للمكذبين {وَيْلٌ.. لِلْمُكَذِّبِينَ}، {وَيْلٌ.. لِلْمُكَذِّبِينَ}، {وَيْلٌ.. لِلْمُكَذِّبِينَ}، وعيدٌ بعدَ وعيدٍ.

{كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ} والمجرمون هم الكفارُ والمشركون الـمُفترون المكذِّبون للرسلِ المكذِّبون بيومِ المعاد، هؤلاء همُ المجرمون حقًّا.

 

(تفسيرُ السَّعديِّ)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى-:

تَفْسِيرُ سُورَةِ الْمُرْسَلَاتِ، وَهِيَ مَكِّيَّةٌ، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا} الآيات:

أَقْسَمَ تَعَالَى عَلَى الْبَعْثِ

– الشيخ : على البعثِ، هو المقسَم عليه {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ}.

– القارئ : وَالْجَزَاءِ بِالْأَعْمَالِ، بِالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا، وَهِيَ الْمَلَائِكَةُ الَّتِي يُرْسِلُهَا اللَّهُ تَعَالَى بِشُئُونِهِ الْقَدَرِيَّةِ وَتَدْبِيرِ الْعَالَمِ، وَبِشُئُونِهِ الشَّرْعِيَّةِ وَوَحْيِهِ إِلَى رُسُلِهِ.

وَ {عُرْفًا} حَالٌ مِنَ الْمُرْسَلَاتِ أَيْ: أُرْسِلَتْ بِالْعُرْفِ وَالْحِكْمَةِ وَالْمَصْلَحَةِ، لَا بِالنُّكْرِ وَالْعَبَثِ.

{فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا} وَهِيَ أَيْضًا الْمَلَائِكَةُ الَّتِي يُرْسِلُهَا اللَّهُ تَعَالَى وَصَفَهَا بِالْمُبَادَرَةِ

– الشيخ : يعني هذه فيها خلافٌ وكأنَّ الشيخ يُرجِّحُ أنَّ كلَّ هذه الأقسامِ كلُّها بالملائكة، يعني هذا رأيٌ يختارُه الشيخ

– القارئ : الَّتِي يُرْسِلُهَا اللَّهُ تَعَالَى وَصَفَهَا بِالْمُبَادَرَةِ وَصَفَهَا بِالْمُبَادَرَةِ لِأَمْرِهِ، وَسُرْعَةِ تَنْفِيذِ أَوَامِرِهِ، كَالرِّيحِ الْعَاصِفِ، أَوْ: أَنَّ الْعَاصِفَاتِ الرِّيَاحَ الشَّدِيدَةَ، الَّتِي يَسْرُعُ هُبُوبُهَا.

{وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا} يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْمَلَائِكَةُ، تَنْشُرُ مَا دُبِّرَتْ عَلَى نَشْرِهِ، أَوْ أَنَّهَا السَّحَابُ الَّتِي يَنْشُرُ بِهَا اللَّهُ الْأَرْضَ، فَيُحْيِيهَا بَعْدَ مَوْتِهَا.

– الشيخ : الأقربُ أنَّها الرياح؛ لأنَّ الله قال: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا} [الأعراف:57] وقُرِئ "نُشُرًا"، "نُشُرًا"

– القارئ : {فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا} هِيَ الْمَلَائِكَةُ تُلْقِي أَشْرَفَ الْأَوَامِرِ

– الشيخ : يعني بعضُ هذه الأقسامِ يعني همُ الملائكة، المقسَمُ به همُ الملائكة، الملائكة قولًا واحدًا، ومنها ما المراد به الرياح قولًا واحدًا، ومنها ما فيهِ اختلاف.

– القارئ : وَهُوَ الذِّكْرُ الَّذِي يَرْحَمُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ، وَيُذَكِّرُهُمْ فِيهِ مَنَافِعَهُمْ وَمَصَالِحَهُمْ، تُلْقِيهِ إِلَى الرُّسُلِ.

{عُذْرًا أَوْ نُذْرًا} أَيْ: إِعْذَارًا وَإِنْذَارًا لِلنَّاسِ، تُنْذِرُ النَّاسَ مَا أَمَامَهُمْ مِنَ الْمَخَاوِفِ وَتَقْطَعُ أَعْذَارَهُمْ، فَلَا يَكُونُ لَهُمْ حُجَّةٌ عَلَى اللَّهِ.

{إِنَّمَا تُوعَدُونَ} مِنَ الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ عَلَى الْأَعْمَالِ {لَوَاقِعٌ} أَيْ: مُتَحَتِّمُ وُقُوعِهِ، مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَلَا ارْتِيَابٍ.

فَإِذَا وَقَعَ حَصَلَ مِنَ التَّغَيُّرِ لِلْعَالَمِ وَالْأَهْوَالِ الشَّدِيدَةِ مَا يُزْعِجُ الْقُلُوبَ، وَتَشْتَدُّ لَهُ الْكُرُوبُ، فَتَنْطَمِسُ النُّجُومُ أَيْ: تَتَنَاثَرُ وَتَزُولُ عَنْ أَمَاكِنِهَا وَتُنْسَفُ الْجِبَالُ، فَتَكُونُ كَالْهَبَاءِ الْمَنْثُورِ، وَتَكُونُ هِيَ وَالْأَرْضِ {قَاعًا صَفْصَفًا لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمَتًا} [طه:107،106]، وَذَلِكَ الْيَوْمُ هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي أُقِّتَتْ فِيهِ الرُّسُلُ، وَأُجِّلَتْ لِلْحُكْمِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أُمَمِهَا، وَلِهَذَا قَالَ:

{لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ} اسْتِفْهَامٌ لِلتَّعْظِيمِ وَالتَّفْخِيمِ وَالتَّهْوِيلِ.

ثُمَّ أَجَابَ بِقَوْلِهِ: {لِيَوْمِ الْفَصْلِ} أَيْ: بَيْنَ الْخَلَائِقِ، بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، وَحِسَابُ كُلٍّ مِنْهُمْ مُنْفَرِدًا، ثُمَّ تَوَعَّدَ الْمُكَذِّبَ بِهَذَا الْيَوْمِ فَقَالَ: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} أَيْ: يَا حَسْرَتَهُمْ، وَشِدَّةَ عَذَابِهِمْ، وَسُوءَ مُنْقَلَبِهِمْ! أَخْبَرَهُمُ اللَّهُ وَأَقْسَمَ لَهُمْ فَلَمْ يُصَدِّقُوهُ، فَلِذَلِكَ اسْتَحَقُّوا الْعُقُوبَةَ الْبَلِيغَةَ.

قال الله تعالى: {أَلَمْ نُهْلِكِ الأوَّلِينَ} الآيات:

أَيْ: أَمَا أَهْلَكْنَا الْمُكَذِّبِينَ السَّابِقَيْنِ، ثُمَّ نُتْبِعُهُمْ بِإِهْلَاكٍ مَنْ كَذَّبَ مِنَ الْآخَرِينَ، وَهَذِهِ سَنَّتُهُ السَّابِقَةُ وَاللَّاحِقَةُ فِي كُلِّ مُجْرِمٍ لَا بُدَّ مِنْ عِقَابِهِ، فَلِمَ لَا تَعْتَبِرُونَ بِمَا تَرَوْنَ وَتَسْمَعُونَ؟

{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} بَعْدَمَا شَاهَدُوا مِنَ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ، وَالْعُقُوبَاتِ وَالْمَثُلَاتِ.

انتهى. {ألم نخلقكم..}

– الشيخ : شوف [انظر] ابن كثير على الآيات

– القارئ : يقولُ أحسن الله إليك، مِن بداية السورة؟

الشيخ : إي

القارئ : قالَ الإمامُ ابنُ كثيرٍ رحمه اللهُ تعالى: تَفْسِيرُ سُورَةِ الْمُرْسَلَاتِ، وَهِيَ مَكِّيَّةٌ.

قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، قال: حَدَّثَنَا أَبِي، قال: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، قال: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ- قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فِي غَارٍ بِمِنًى، إِذْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ: {وَالْمُرْسَلاتِ} فَإِنَّهُ لَيَتْلُوهَا وَإِنِّي لِأَتَلَقَّاهَا مِنْ فِيهِ، وَإِنَّ فَاهُ لَرَطْبٌ بِهَا، إِذْ وَثَبت عَلَيْنَا حَيَّةٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اقْتُلُوهَا). فَابْتَدَرْنَاهَا فَذَهَبَتْ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (وُقِيَتْ شَرَّكُمْ كَمَا وُقِيتُم شرّهَا).

وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَة، عَنِ الزّهْري، عَنْ عُبَيد اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُمِّهِ: أَنَّهَا سَمعَت النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالْمُرْسَلَاتِ عُرفًا.

وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيد اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ سَمِعَتْهُ يَقْرَأُ: {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا}، فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ، ذكَّرتني بِقِرَاءَتِكَ هَذِهِ السُّورَةَ، أَنَّهَا لَآخِرُ مَا سمعتُ مِنْ رسولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ بِهَا فِي الْمَغْرِبِ. أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، بِهِ.

قال الله تعالى: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا..} الآيات:

قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، قال: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ سَهْلٍ الْمَرْوَزِيُّ، قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقَدٍ، قال: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرة: {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا} قالَ: الملائكةُ.

قَالَ: ورُويَ عَنْ مَسْرُوقٍ، وَأَبِي الضُّحَى، وَمُجَاهِدٍ -فِي إِحْدَى الرِّوَايَاتِ- وَالسُّدِّيُّ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، مثلُ ذَلِكَ.

ورُويَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ أَنَّهُ قَالَ: هِيَ الرُّسُلُ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: أَنَّهَا الْمَلَائِكَةُ. وَهَكَذَا قَالَ أَبُو صَالِحٍ فِي "الْعَاصِفَاتِ" وَ "النَّاشِرَات" وَ "الْفَارِقَاتِ" وَ "الْمُلْقِيَاتِ": أَنَّهَا الْمَلَائِكَةُ.

وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيل، عَنْ مُسلمٍ البَطين، عَنْ أَبِي العُبَيدَينَ قَالَ: سَأَلْتُ ابنَ مَسْعُودٍ عَنْ {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا} قَالَ: الرِّيحُ. وَكَذَا قَالَ فِي: {فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا * وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا} إِنَّهَا الرِّيحُ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ، وَأَبُو صَالِحٍ -فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ- وَتَوَقَّفَ ابْنُ جَرِيرٍ فِي {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا} هَلْ هِيَ الْمَلَائِكَةُ إِذَا أُرْسِلَتْ بالعُرْفِ، أَوْ كعُرْفِ الفَرَس يَتْبَعُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا؟ أَوْ: هِيَ الرِّيحُ إِذَا هَبَّت شَيْئًا فَشَيْئًا؟ وَقَطَعَ بِأَنَّ الْعَاصِفَاتِ عَصْفًا هِيَ الرِّيَاحُ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَمَنْ تَابَعَهُ. وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ فِي الْعَاصِفَاتِ أَيْضًا: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَالسُّدِّيُّ، وَتَوَقَّفَ فِي {وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا} هَلْ هِيَ الْمَلَائِكَةُ أَوِ الرِّيحُ؟ كَمَا تَقَدَّمَ. وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ: أَنَّ {النَّاشِرَاتِ نَشْرًا}: الْمَطَرُ.

وَالْأَظْهَرُ أَنَّ: "الْمُرْسَلات" هِيَ الرِّيَاحُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} [الْحِجْرِ:22]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} [الْأَعْرَافِ:57]

وَهَكَذَا {الْعَاصِفَاتُ} هِيَ: الرِّيَاحُ، يُقَالُ: عَصَفَتِ الرِّيحُ إِذَا هَبَّت بِتَصْوِيتٍ، وَكَذَا {النَّاشِرَاتُ} هِيَ: الرِّيَاحُ الَّتِي تَنْشُرُ السَّحَابَ فِي آفَاقِ السَّمَاءِ، كَمَا يَشَاءُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ.

وَقَوْلُهُ: {فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا * فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا عُذْرًا أَوْ نُذْرًا} يَعْنِي: الْمَلَائِكَةَ قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَمَسْرُوقٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، وَالسُّدِّيُّ، وَالثَّوْرِيُّ. وَلَا خِلَافَ هَاهُنَا؛ فَإِنَّهَا تَنْزِل بِأَمْرِ اللَّهِ عَلَى الرُّسُلِ، تُفَرِّقُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَالْهُدَى وَالْغَيِّ، وَالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَتُلْقِي إِلَى الرُّسُلِ وَحْيًا فِيهِ إِعْذَارٌ إِلَى الْخَلْقِ، وإنذارٌ لَهُمْ عقابَ اللَّهِ إِنْ خَالَفُوا أَمْرَهُ.

وَقَوْلُهُ: {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ} هَذَا هُوَ الْمُقْسَمُ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْأَقْسَامِ، أَيْ: مَا وُعِدْتُمْ بِهِ مِنْ قِيَامِ السَّاعَةِ، وَالنَّفْخِ فِي الصُّوَرِ، وَبَعْثِ الْأَجْسَادِ وَجَمْعِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَمُجَازَاةِ كُلَّ عَامِلٍ بِعَمَلِهِ، إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ، إِنَّ هَذَا كُلَّهُ {لَوَاقِع} أَيْ: لَكَائِنٌ لَا مَحَالَةَ.

ثُمَّ قَالَ: {فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ} أَيْ: ذَهَبَ ضَوْؤهَا، كَقَوْلِهِ: {وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ} [التَّكْوِيرِ:2] وَكَقَوْلِهِ: {وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ} [الِانْفِطَارِ:2]

{وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ} أَيِ: انْفَطَرَتْ وَانْشَقَّتْ، وَتَدَلَّتْ أَرْجَاؤُهَا، وَوَهَت أَطْرَافُهَا.

{وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ} أَيْ: ذُهِب بِهَا، فَلَا يَبْقَى لَهَا عَيْنٌ وَلَا أَثَرٌ، كَقَوْلِهِ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا} [طه:105-107]

وَقَالَ تَعَالَى: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا} [الْكَهْفِ:47]

وَقَوْلُهُ: {وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ} قَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: جُمِعَتْ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: وَهَذِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ} [الْمَائِدَةِ:109] وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {أُقِّتَتْ} أُجِّلَتْ.

وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: {أُقِّتَت} أَوْعِدَتْ. وَكَأَنَّهُ يَجْعَلُهَا كَقَوْلِهِ: {وَأَشْرَقَتِ الأرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [الزُّمَرِ:69]

ثُمَّ قَالَ: {لأيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ لِيَوْمِ الْفَصْلِ..}

– الشيخ : إلى آخره .