بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة النازعات
الدَّرس: الثَّالث
*** *** ***
– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ
فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى (35) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى (36) فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41) يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (44) إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا (45) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا [النازعات:34-46]
– الشيخ : الحمد لله، خُتِمتِ السورةُ بذِكْرِ أحوالِ وأهوالِ القيامة كما بُدِئَتْ، القيامةُ لها أسماء: الطامَّةُ، والصَّاخة، والحاقة، والواقعة، والقيامة.
{فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ} حضرتِ القيامةُ، {فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى} يتذكر عملَهُ في الدنيا وماذا قدَّمَ لآخرتِهِ، الله أكبر، {يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى} [الفجر:23] يعني: لا يُجدِي تذكرُهُ عليه شيئًا بعد فواتِ الأوانِ -أوانُ العمل وأوانُ الاستعداد- {يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى}.
{وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى} في ذلك اليوم يُؤتَى بجهنَّمَ وتُقرَّبُ تُزْلَفُ تُشَاهَدُ لِمَنْ يراها، كقولِهِ: {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى} [الفجر:23]، {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى} ثم يَذكر تعالى أنَّ الناس فريقان: {مَنْ طَغَى (37) وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} فمأواهُ جهنم {فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى}.
{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} خافَ ربَّهَ ونهى نفسَه الأمَّارةَ بالسوءِ فلم يتبعْ هواهُ بل أطاع ربَّه واستقام {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} إذًا فريقٌ في الجنة وفريقٌ في السعير.
ثم أخبرَ تعالى أنَّ الكفارَ يَسألونَ مُستبعدين عن الساعةِ وهي القيامة متى؟ متى مُرْسَاها؟ متى وقت رُسُوئِها ووقوعها؟ {أَيَّانَ مُرْسَاهَا}؟
قال الله: {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا} يعني: ما عندكَ مِن علمها شيء، فميعادُ الساعةِ لا يعلمُهُ إلا الله، لا يعلمُها مَلَكٌ مُقرَّبٌ ولا نبي مرسل، كما قال النبي لجبريل: (ما المسؤولُ عنها بأعلمَ مِن السائلِ) {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا}.
{إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ} الرسولُ إنما هو نذيرٌ ينذرُ ويحذِّرُ الناسَ أمرَ القيامةِ فيبيِّنُ لهم شأنَها ووجوبَ الاستعدادِ لها بالعملِ الصالح، {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا} ونِذَارةُ الرسول إنما تنفعُ مَنْ يخشى اللهَ، {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ} [يس:11]
يقول سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا (45) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا} يوم يرونَ القيامة {لَمْ يَلْبَثُوا} في الدنيا {إِلَّا عَشِيَّةً} يعني: آخرَ النهار {أَوْ ضُحَاهَا} يعني: كأنَّهم لم يلبثوا في هذه الدنيا سنينَ طويلة، بل يرونها شيئًا قليلًا، بل يرون بعضَهم يقولُ: لبثْنا عشرةَ أيام، وبعضُهم يقول: يومًا، وبعضُهم يقول: ساعةً، {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ} [الروم:55] {وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا (102) يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا (103) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا} [طه:102-104] فهم مُتحيِّرون مُضطربونَ في تقديرِ عمرِهم في الدنيا، وهنا يقول: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا}.
والآياتُ في هذا المعنى كثيرةٌ في القرآن تُصَوِّرُ أحوالَ القيامة وأهوالها وأحوالَ الناس مُؤمنهم وكافرِهم، فالواجبُ على العبدِ أن يستعدَّ لهذا اليومِ بالزادِ {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة:197] يستعد لهذا اليومِ بالعملِ الصالحِ؛ ليكونَ مع الفائزين، وبهذا تنتهي سورةُ النَّازعات، نسألُ الله أنْ ينفعَنا بها وبسائرِ آيِ القرآنِ.
(تفسيرُ السَّعديِّ)
– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ رحمَهُ اللهُ تعالى:
ولهذا ذكرَ بعدَ هذا قيامَ السعةِ ثمَّ الجزاءِ، فقالَ: {فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى} الآيات:
أَيْ: إِذَا جَاءَتِ الْقِيَامَةُ الْكُبْرَى، وَالشِّدَّةُ الْعُظْمَى، الَّتِي يُهُونُ عِنْدَهَا كُلُّ شِدَّةٍ، فَحِينَئِذٍ يَذْهَلُ الْوَالِدُ عَنْ وَلَدِهِ، وَالصَّاحِبُ عَنْ صَاحِبِهِ وَكُلُّ مُحِبٍّ عَنْ حَبِيبِهِ، وَ {يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ مَا سَعَى} فِي الدُّنْيَا، مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، فَيَتَمَنَّى زِيَادَةَ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي حَسَنَاتِهِ، وَيَغُمُّهُ وَيَحْزَنُ لِزِيَادَةِ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي سَيِّئَاتِهِ.
وَيَعْلَمُ إِذْ ذَاكَ أَنَّ مَادَّةَ رِبْحِهِ وَخُسْرَانِهِ مَا سَعَاهُ فِي الدُّنْيَا، وَيَنْقَطِعُ كُلُّ سَبَبٍ وَوَصْلَةٍ كَانَتْ فِي الدُّنْيَا سِوَى الْأَعْمَالِ.
– الشيخ : لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، سبحان الله العظيم! ليسَ العجبُ مِن الكافرِ الذي لا يؤمنُ بهذا اليوم، ليس العجبُ منه بتركه العمل، لكن العجبُ ممن يؤمن بهذا اليومِ ومع ذلك لا يقومُ بما يليقُ به ولا يستعدُّ له! سبحان الله العظيم! إنَّ أمرَ الإنسانِ لعجيب! يا سلام
– القارئ : {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى} أَيْ: جُعِلَتْ فِي الْبِرَازِ، ظَاهِرَةً لِكُلِّ أَحَدٍ، قَدْ بَرَزَتْ لِأَهْلِهَا، وَاسْتَعَدَّتْ لِأَخْذِهِمْ، مُنْتَظِرَةً لِأَمْرِ رَبِّهَا.
{فَأَمَّا مَنْ طَغَى} أَيْ: جَاوَزَ الْحَدَّ، بِأَنْ تَجَرَّأَ عَلَى الْمَعَاصِي الْكِبَارِ، وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى مَا حَدَّهُ اللَّهُ.
{وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} عَلَى الْآخِرَةِ فَصَارَ سَعْيُهُ لَهَا، وَوَقْتُهُ مُسْتَغْرِقًا فِي حُظُوظِهَا وَشَهَوَاتِهَا، وَنَسِيَ الْآخِرَةَ وَالْعَمَلَ لَهَا. {فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى} لَهُ أَيِ: الْمَقَرُّ وَالْمَسْكَنُ لِمَنْ هَذِهِ حَالُهُ، {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ} أَيْ: خَافَ الْقِيَامَ عَلَيْهِ وَمَجَازَاتَهُ بِالْعَدْلِ، فَأَثَرَ هَذَا الْخَوْفَ فِي قَلْبِهِ فَنَهَى نَفْسَهُ عَنْ هَوَاهَا الَّذِي يُقَيِّدُهَا عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ، وَصَارَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، وَجَاهَدَ الْهَوَى وَالشَّهْوَةَ الصَّادَّيْنِ عَنِ الْخَيْرِ، {فَإِنَّ الْجَنَّةَ} الْمُشْتَمِلَةَ عَلَى كُلِّ خَيْرٍ وَسُرُورٍ وَنَعِيمٍ {هِيَ الْمَأْوَى} لِمَنْ هَذَا وَصْفُهُ.
قال الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ…} الآيات:
أَيْ: يَسْأَلُكَ الْمُتَعَنِّتُونَ الْمُكَذِّبُونَ بِالْبَعْثِ عَنِ السَّاعَةِ مَتَى وُقُوعُهَا وَأَيَّانَ مُرْسَاهَا فَأَجَابَهُمُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ: {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا} أَيْ: مَا الْفَائِدَةُ لَكَ وَلَهُمْ فِي ذِكْرِهَا وَمَعْرِفَةِ وَقْتِ مَجِيئِهَا؟
– الشيخ : شف [انظر] تفسير ابن كثير، {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا}.. اختم السورة اختم
– القارئ : {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا} أَيْ: مَا الْفَائِدَةُ لَكَ وَلَهُمْ فِي ذِكْرِهَا وَمَعْرِفَةِ وَقْتِ مَجِيئِهَا؟ فَلَيْسَ تَحْتَ ذَلِكَ نَتِيجَةٌ، وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ عِلْمُ الْعِبَادِ لِلسَّاعَةِ لَيْسَ لَهُمْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ دِينِيَّةٌ وَلَا دُنْيَوِيَّةٌ، بَلِ الْمَصْلَحَةُ فِي إِخْفَائِهِ عَلَيْهِمْ، طَوَى عِلْمَ ذَلِكَ عَنْ جَمِيعِ الْخَلْقِ، وَاسْتَأْثَرَ بِعِلْمِهِ فَقَالَ: {إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا} أَيْ: إِلَيْهِ يَنْتَهِي عِلْمُهَا، كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ} [الأعراف:187]
{إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا} أَيْ: إِنَّمَا نِذَارَتُكَ نَفْعُهَا لِمَنْ يَخْشَى مَجِيءَ السَّاعَةِ، وَيَخَافُ الْوُقُوفَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ، فَهُمُ الَّذِينَ لَا يُهِمُّهُمْ إِلَّا الِاسْتِعْدَادِ لَهَا وَالْعَمَلِ لِأَجْلِهَا. وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِهَا، فَلَا يُبَالَى بِهِ وَلَا بِتَعَنُّتِهِ، لِأَنَّهُ تَعَنُّتٌ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّكْذِيبِ وَالْعِنَادِ، وَإِذَا وَصَلَ إِلَى هَذِهِ الْحَالِ، كَانَ الْإِجَابَةُ عَنْهُ عَبَثًا، يُنَزَّهُ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ عَنْهُ.
تَمَّ تفسيرُ سورةِ النازعاتِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
انتهى .
– الشيخ : نعم ابن كثير
– القارئ : نعم أحسن الله إليك، يقول رحمه الله:
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا} أَيْ: لَيْسَ عِلْمُهَا إِلَيْكَ وَلَا إِلَى أَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ، بَلْ مَردُّها ومَرجعُها إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَهُوَ الَّذِي يَعْلَمُ وَقْتَهَا عَلَى التَّعْيِينِ، {ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ}، وَقَالَ هَاهُنَا: {إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا} وَلِهَذَا لَمَّا سَأَلَ جبريلُ رسولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ وَقْتِ السَّاعَةِ قَالَ: (مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ)
وَقَوْلُهُ {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا}
– الشيخ : إلى هنا
– القارئ : فقط، هذا كلامه
– الشيخ : المهم أن قوله: {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا} أي: لستَ مِن علمِها في شيءٍ.