سورة الأعلى

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك

سورة "الأعلى"

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى (5) سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (7) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى (8) فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (10) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (11) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (12) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (13) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17) إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى [الأعلى1-19]

– الشيخ : الحمدُ للهِ، هذه سورةُ الأعلى وهيَ مكِّيَّةٌ، افتُتِحَتْ بالأمرِ بالتَّسبيحِ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} والتَّسبيحُ: التَّنزيهُ، فيجبُ تنزيهُ اللهِ عن كلِّ نقصٍ وعيبٍ، وتنزيهُ أسمائِهِ؛ لأنَّها جميعُها أسماءٌ حسنى، وذلكَ بتجنيبِها أنواعَ الإلحادِ من التَّحريفِ أو التَّعطيلِ أو الابتداعِ فيها بتسميتِه تعالى بما لم يسمِّ به نفسَه {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} يقولُ بعضُ المحقِّقين: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} يعني: سبِّحْ ربَّكَ بذكرِ اسمِه، فإذا قلْتُ: "سبحانَ الله" فهذا من تسبيحِه تعالى باسمِه، سبحانَ اللهِ وبحمدِه، سبحانَ اللهِ العظيمِ، {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} الأعلى: صيغةُ تفضيلٍ من العلوِّ، فاللهُ هو الأعلى سبحانَه، الأعلى على كلِّ شيءٍ والأعلى من كلِّ شيءٍ، فهو العليُّ وهو الأعلى، وهو العليُّ العظيمُ، وهو الأعلى سبحانَه وتعالى، أعلى من كلِّ شيءٍ، ولهذا كانَ من أسمائِه الظَّاهر فسَّرَهُ النَّبيُّ بقولِه: (وأنتَ الظَّاهرُ فليسَ فوقَكَ شيءٌ).

{الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى} خلقَ كلَّ شيءٍ، فما من مخلوقٍ إلَّا واللهُ خالقُه، خلقَ ما شاءَ، {يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص:68]، وسوَّاهُ سبحانَه وتعالى سوَّى ما خلقَ، جعلَه مستويًا، كما قالَ تعالى: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ} [الانفطار:6-7]، {خَلَقَ فَسَوَّى}.

{وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} قَدَّرَ المقاديرَ و قَدَّرَ الخلقَ كما…، وخلقَ الخلقَ كما قدَّرَه سبحانَه، وهدى ما خلقَ إلى منافعِه كما قالَ تعالى: {أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:50]، والهدايةُ من اللهِ أنواعٌ: هدايةٌ عامَّةٌ للإنسانِ والحيوانِ، وهدايةٌ خاصَّةٌ بالمكلَّفين وهي نوعانِ، وهي الدَّلالةُ والإرشادُ بإرسالِ الرُّسلِ وإنزالِ الكتبِ، والهدايةُ الَّتي هي التَّوفيقُ لقبول الحقِّ واتِّباعِه {وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى}.

{وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى} أخرجَ النَّباتَ الَّتي ترعاهُ الأنعامُ بما ينزلُه على الأرضِ من الماءِ فتصبحُ الأرضُ مخضرَّةً بأنواعِ النَّباتِ الَّتي يأكلُ منها النَّاسُ والأنعامُ، وشواهدُ هذا في القرآنِ كثيرٌ.

ثمَّ جعلَه بعدَ الخضرةِ والنَّضارةِ جعلَه غثاءً، المرعى يصيرُ {غُثَاءً أَحْوَى} أسودَ متغيِّر وذلك حينَ يذبلُ وييبسُ ويصيرُ هشيمًا تذرُوه الرِّياحُ.

{سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى} هذا خطابٌ ووعدٌ من الله لنبيِّه أنَّه سيُقرِئُه القرآنَ فلا ينساهُ {فَلَا تَنْسَى}، {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى} يعلمُ ما يجهرُ به النَّاسُ وما يخفونَ، {يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} [النحل:19]

ثمَّ قالَ تعالى: {وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى} يعني: للطَّريقِ اليسرى الميسَّرة وهي طريقُ الهدى وطريقُ الصَّوابِ وطريقُ الحقِّ، {فَذَكِّرْ} أمرٌ مِن اللهِ لنبيِّه ولأتباعِه بالتَّذكير {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى} والتَّذكرةُ تنفعُ إمَّا بالاستجابة للحقِّ واتِّباعه، أو بمعرفةِ الحقِّ، فالتَّذكيرُ يحصلُ به البيانُ ويحصلُ به استقامةُ الأعمالِ.

ثمَّ أخبرَ تعالى أنَّ النَّاسَ في التَّذكرةِ صنفانِ، منهم من يتذكَّرُ ويستجيبُ وينتفعُ {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} ينتفعُ بها المؤمنونَ الخاشعونَ {سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (10) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى} الشَّقيُّ المحرومُ -والعياذُ باللهِ- يُعرِضُ عن التَّذكرةِ {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ} [المدثر:49-51]، {وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (11) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى} هذه دارُه ومآلُه، {يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى} وهي نارُ القيامةِ النَّارُ الَّتي أعدَّها اللهُ للكافرين {ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى} نسألُ اللهَ العافيةَ، أعوذُ باللهِ، هذه غايةُ الشَّقاءِ أن يكونَ في النَّار خالدًا لا يموتُ فيستريحُ ولا يحيا حياةً ينعمُ بها!

ثمَّ قالَ تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} تزكَّى بزكاةِ نفسِه بالإيمانِ والعملِ الصَّالحِ وتزكَّى بإخراجِ ما شرعَ اللهُ له من الصَّدقة من الزَّكاة وغيرِها، {وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ} [فاطر:18]، {قَدْ أَفْلَحَ} والفلاحُ: هو الفوزُ والظَّفرُ بالمطلوبِ، {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ} [المؤمنون:1-4]، فهذه تفسِّرُ تلك، {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} وذكرُ اللهِ والصَّلاةُ من أعظمِ ما يزكِّي النُّفوسَ وينقِّيها ويطهِّرُها،

ثمَّ قالَ تعالى: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} هذا خطابٌ للكفَّار المعرضين يذمُّهم تعالى بإيثارِ الدُّنيا على الآخرةِ، فلا يؤمنونَ ولا يصلُّون ولا يسجدونَ ولا يذكرونَ اللهَ ولا يتذكَّرونَ بل هم عن الآخرةِ غافلونَ وعن آياتِ اللهِ معرضونَ {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} هذه الدُّنيا فانيةٌ ذاهبةٌ بمن فيها ومَن فيها، والآخرةُ هي الدَّارُ الباقيةُ {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى}.

ثمَّ قالَ تعالى: {إِنَّ هَذَا} يعني: ما ذكرَ اللهُ من الوعدِ والوعيدِ مذكورٌ في {الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} عليهما السَّلامُ.

 

(تفسيرُ السَّعديِّ)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى-:

تفسيرُ سورةِ الأعلى، وهيَ مكِّيَّةٌ، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى} الآياتِ:

يأمرُ تعالى بتسبيحِهِ المتضمِّنِ لذكرِهِ وعبادتِهِ، والخضوعِ لجلالِهِ، والاستكانةِ لعظمتِهِ، وأنْ يكونَ تسبيحًا يليقُ بعظمةِ اللهِ تعالى، بأنْ تُذكَرَ أسماؤُهُ الحسنى العاليةُ على كلِّ اسمٍ بمعناها الحسنِ العظيمِ الجليلِ، وتُذكَرُ أفعالُهُ الَّتي منها أنَّهُ خلقَ المخلوقاتِ فسوَّاها، أي: أتقنَها وأحسنَ خلقَها، {وَالَّذِي قَدَّرَ} تقديرًا تتبعُهُ جميعُ المقدَّراتِ {فَهَدَى} إلى ذلكَ جميعِ المخلوقاتِ.

وهذهِ الهدايةُ العامَّةُ الَّتي مضمونُها أنَّهُ هدى كلَّ مخلوقٍ لمصلحتِهِ، وتُذكَرُ فيها نعمُهُ الدُّنيويَّةُ، ولهذا قالَ فيها: {وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى} أي: أنزلَ مِن السَّماءِ ماءً فأنبتَ بهِ أصنافَ النَّباتِ والعشبِ الكثيرِ، فرتعَ فيها النَّاسُ والبهائمُ وجميعُ الحيواناتِ، ثمَّ بعدَ أنْ استكملَ ما قدَّرَ لهُ مِن الشَّبابِ، ألوى نباتَهُ، وصوَّحَ عشبَهُ، {فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى} أي: أسودَ أي: جعلَهُ هشيمًا رميمًا، ويذكرُ فيها نعمَهُ الدِّينيَّةَ، ولهذا امتنَّ اللهُ بأصلِها ومادَّتِها، وهوَ القرآنُ، فقالَ: {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى} أي: سنحفظُ ما أوحيْنا إليكَ مِن الكتابِ، ونوعيهِ قلبَكَ، فلا تنسى منهُ شيئًا، وهذهِ بشارةٌ مِن اللهِ كبيرةٌ لعبدِهِ ورسولِهِ محمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أنَّ اللهَ سيعلِّمُهُ علمًا لا ينساهُ.

{إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ} ممَّا اقتضَتْ حكمتُهُ أنْ ينسيكَهُ لمصلحةٍ بالغةٍ، {إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى} ومِن ذلكَ أنَّهُ يعلمُ ما يصلحُ عبادَهُ أي: فلذلكَ يُشرِّعُ ما أرادَ، ويحكمُ بما يريدُ، {وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى} وهذهِ أيضًا بشارةٌ أخرى أنَّ اللهَ ييسِّرُ رسولَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لليسرى في جميعِ أمورِهِ، ويجعلُ شرعَهُ ودينَهُ يسرًا.

{فَذَكِّرْ} بشرعِ اللهِ وآياتِهِ {إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} أي: ما دامَتِ الذِّكرى مقبولةً، والموعظةُ مسموعةً، سواءً حصلَ مِن الذِّكرى جميعُ المقصودِ أو بعضُهُ.

ومفهومُ الآيةِ أنَّهُ إنْ لم تنفعِ الذِّكرى، بأنْ كانَ التَّذكيرُ يزيدُ في الشَّرِّ، أو ينقصُ مِن الخيرِ، لم تكنْ الذِّكرى مأمورًا بها، بل هيَ منهيٌّ عنها، فالذِّكرى ينقسمُ النَّاسُ فيها قسمَينِ: منتفعونَ وغيرُ منتفعينَ.

فأمَّا المنتفعونَ، فقد ذكرَهم بقولِهِ: {سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى} اللهَ تعالى، فإنَّ خشيةَ اللهِ تعالى، والعلمَ بمجازاتِهِ على الأعمالِ توجبُ للعبدِ الانكفافَ عمَّا يكرهُهُ والسَّعيَ في الخيراتِ.

وأمَّا غيرُ المنتفعينَ، فذكرَهُم بقولِهِ: {وَيَتَجَنَّبُهَا الأشْقَى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى} وهيَ النَّارُ الموقدةُ، الَّتي تطَّلعُ على الأفئدةِ.

{ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا} أي: يُعذَّبُ عذابًا أليمًا، مِن غيرِ راحةٍ ولا استراحةٍ، حتَّى إنَّهم يتمنَّونَ الموتَ فلا يحصلُ لهم، كما قالَ تعالى: {لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا} [فاطر:36]

{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} أي: قد فازَ وربحَ مَن طهَّرَ نفسَهُ ونقَّاها مِن الشِّركِ والظُّلمِ ومساوئِ الأخلاقِ، {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} أي: اتَّصفَ بذكرِ اللهِ، وانصبغَ بهِ قلبُهُ، فأوجبَ لهُ ذلكَ العملَ بما يرضي اللهَ، خصوصًا الصَّلاةَ، الَّتي هيَ ميزانُ الإيمانِ، فهذا معنى الآيةِ الكريمةِ، وأمَّا مَنْ فسَّرَ قولَهُ {تَزَكَّى} بمعنى: أخرجَ زكاةَ الفطرِ، وذكرَ اسمَ ربِّهِ فصلَّى، أنَّهُ صلاةُ العيدِ، فإنَّهُ وإنْ كانَ داخلًا في اللَّفظِ وبعضِ جزئيَّاتِهِ، فليسَ هوَ المعنى وحدَهُ.

{بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} أي: تقدِّمونَها على الآخرةِ، وتختارونَ

– الشيخ : ولا سيما أنَّ السَّورةَ مكِّيَّةٌ، وزكاةُ الفطرِ لم تُشرَعْ إلَّا في المدينةِ، لكن من قالَ ذلك من المفسِّرين يقولُ: إنَّ صلاةَ العيدِ وزكاةَ الفطرِ تدخلُ في عمومِ الآيةِ، فصلاةُ العيدِ من الصَّلاةِ الَّتي يحبُّها اللهُ وأمرَ بها، وزكاةُ الفطرِ كذلكَ.

 

– القارئ : وتختارونَ نعيمَها المنغَّصَ المكدَّرَ الزَّائلَ على الآخرةِ.

{وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} وللآخرةُ خيرٌ مِن الدُّنيا في كلِّ وصفٍ مطلوبٍ، وأبقى لكونِها دارَ خلدٍ وبقاءٍ وصفاءٍ، والدُّنيا دارُ فناءٍ، فالمؤمنُ العاقلُ لا يختارُ الأردأَ على الأجودِ، ولا يبيعُ لذَّةَ ساعةٍ، بِتَرْحَةِ الأبدِ، فحبُّ الدُّنيا وإيثارُها على الآخرةِ رأسُ كلِّ خطيئةٍ.

{إِنَّ هَذَا} المذكورَ لكم في هذهِ السُّورةِ المباركةِ، مِن الأوامرِ الحسنةِ، والأخبارِ المستحسنةِ {لَفِي الصُّحُفِ الأولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} اللَّذَينَ هما أشرفُ المرسَلينَ، بعدَ النَّبيِّ محمَّدٍ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-.

فهذهِ أوامرُ في كلِّ شريعةٍ، لكونِها عائدةٌ إلى مصالحِ الدَّارَيْنِ، وهيَ مصالحُ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ.

تمَّتْ، وللهِ الحمدُ.