الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير جزء عم/سورة الفجر (1) من قوله تعالى {والفجر} الآية 1 إلى قوله تعالى {إن ربك لبالمرصاد} الآية 14
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

سورة الفجر (1) من قوله تعالى {والفجر} الآية 1 إلى قوله تعالى {إن ربك لبالمرصاد} الآية 14

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الفجر

الدرس: الأوَّل

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [الفجر:1-14]

– الشيخ : إلى هنا، لا إله إلا الله، سبحان الله العظيم.

هذه سورة الفجرِ، وهي مكيَّة، وافتُتحتْ بأقسامٍ جمعُ قَسَمٍ، فأقسمَ اللهُ بأشياءَ منها الفجر، قيل: الفجر مطلقًا أيُّ فجرٍ، كما أقسم بالصبح، {وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ} [التكوير:18]، وقيل المرادُ به فجرُ يوم النحر؛ لأنَّ يوم النحر هو أفضلُ الأيامِ هو يوم الحجِّ الأكبر.

{وَلَيَالٍ عَشْرٍ} عشرُ ذِي الحجة، {وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} الشُّفْعُ خلافُ الوَتْر، والوَتْر هو الواحد الفرد، وهو يعمُّ كلَّ شفعٍ وكل وَتر، والله يُقسِمُ بما شاء من خلقه، وللمُفسِّرين كلامٌ كثيرٌ في تحديدِ وتعيينِ الشفع والوتر {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} قسمٌ بالليل، كما أقسمَ بالليل في مواضع كما تقدم وكما سيأتي، {وَاللَّيْلِ} [الليل:1]، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} حين يمضي مِن أوله إلى وسطِه، تقول: سَرَى الليل، إذا مضى، والذهابُ في الليلِ يُسمَّى "سُرى"، {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء:1] {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ}.

قال الله: {هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ}؟ نعم {لِذِي حِجْرٍ} أي: لِذِي عقل، والعقلُ يُقالُ له: حِجْرٌ وحِجَا؛ لأنه يمنعُ صاحبَه مِن الوقوع فيما لا يليقُ ولا يحلُّ ولا يصلحُ، فالعقلُ يُسمَّى الحِجا ويُسمَّى الحِجْر، {قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ} أي: لصاحب حِجْر.

ثم ذكَّرَ -سبحانه وتعالى- بما جرى على الأممِ المكذِّبة العاصية لرسلِ اللهِ: عادٌ وثمودٌ وقوم فرعون {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ} ماذا فعلَ بهم؟ أرسلَ عليهم ريحًا عاتيةً، {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا} [الحاقة:7]

{إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} إِرَمَ اسمٌ لعَاد {ذَاتِ الْعِمَادِ} كأنَّهم أصحابُ عمودٍ ويسكنونَ بالخِيَامِ {الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ} أمةٌ قويةٌ شديدةٌ ولهذا تعاظمُوا، {وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ} [فصلت:15] {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ}.

ثم قال تعالى: {وَثَمُودَ} وثمودُ قوم صالح، قبيلةٌ عظيمةٌ كذلك أخذتْ مأخذَ مَنْ قبلَها في تكذيب رسل الله، {كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء:141] {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} [هود:61] {وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ} {جَابُوا الصَّخْرَ} يعني: قَطَعُوا الصخورَ مِن الجبالِ ونحتُوا فيها البيوت، {جَابُوا الصَّخْرَ} جابُوها يعني: قَطَعُوها، {يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ } [الحجر:82] يَنقبونَ الجبلَ ويَنقبونه حتى يتخذونَ في الجبل بيوتًا آمنةً، {جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ} بواديهِم، والله قد ذكرَ قصةَ ثمود وسمَّاهم أصحابَ الحِجْر، {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (80) وَآَتَيْنَاهُمْ آَيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (81) وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آَمِنِينَ (82) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (83) فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الحجر:80-84]

والأمةُ الثالثةُ: فرعونُ وقومُهُ، {وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ}، {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ} [القصص:4] وفي الآية الأخرى: {إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [القصص:4] وكانَ مِنَ الْمُسْرِفِينَ، وهل بعد قولِهِ إنه ربُّكم الأعلى، وأنه لا يعلمُ إلهًا غيره، هل بعدَ هذا فسادٌ وطغيانٌ؟! ولهذا يصفُه الله بالطغيان كثيرًا، {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} وهنا قال: {وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ} أرسلَ عليهم أنواعًا مِن العذابِ: الطوفانُ والجرادُ والقُمَّلُ والضفادعُ والدمُ، ثم في النهايةِ أغرقهم الله في البحر. {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} الله -تعالى- بالمرصاد للمُكذّبين والعَاتِين والطَّاغين، فكلُّ مَن سارَ على هذا الطريق فالله له بالمرصاد يأخذُهُ كما يشاء أخذَ عزيزٍ مقتدرٍ.

وفي هذا تحذيرٌ لقريش وغيرِهم مِن المشركينَ الذين كذَّبوا محمدًا صلى الله عليه وسلم، تحذيرٌ لهم أن يأخذَهم الله كما أخذَ مَنْ قبلهم، كما قال تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا} [المزمل:16،15] يعني: فاحذرُوا أن تعصُوا نبيَّكم فيأخذكم الله كما أخذَ مَنْ قبلَكم، وهذا المعنى يأتي في القرآن كثيرًا.

 

(تفسيرُ السَّعديِّ)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالَمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى-:

تَفْسِيرُ سُورَةِ الْفَجْرِ، وَهِيَ مَكِّيَّةٌ، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {وَالْفَجْرِ}

– الشيخ : هذا مصطلحٌ عند أهل العلم، السورة المكية هي… الصحيحُ في تمييزِ المكي مِن المدني أنَّ ما نزلَ قبلَ الهجرة مكيٌّ يُنسَب إلى مكة، وما نزلَ بعدَ الهجرة إلى المدينة، هذا أحسنُ ما قيلَ في المكّي والمدني.

– القارئ : الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُقْسَمَ بِهِ، هُوَ الْمُقْسَمُ بِهِ، وَذَلِكَ جَائِزٌ مُسْتَعْمَلٌ، إِذَا كَانَ أَمْرًا ظَاهِرًا مُهِمًّا، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.

فَأَقْسَمَ تَعَالَى بِالْفَجْرِ، الَّذِي هُوَ آخِرُ اللَّيْلِ وَمُقَدِّمَةُ النَّهَارِ، لِمَا فِي إِدْبَارِ اللَّيْلِ وَإِقْبَالِ النَّهَارِ، مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى كَمَالِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى،

– الشيخ : لا إله إلا الله، {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ} [القصص:71] لو دامَ هذا الليلُ واستمرَّ لم يستطعْ أحدٌ على أن يأتي لهم بصبحٍ ينتشرونَ فيه ويُسفرونَ ويَرون ما حولَهم، فبينما هذه الدنيا في ظلامٍ دامسٍ يأتيهِم الفجرُ فيُصبِحُون وينتشرونَ، ولهذا -والعياذُ بالله- أكثر ما ينزلُ العذاب على المكذِّبين في الصباح، في الوقتِ الذي يتطلعونَ فيه إلى التمتُّعِ بالحياة والانتشارِ في الأرض، فيُصبِّحُهم العذابُ.

 

– القارئ : وَأَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُدَبِّرُ لِجَمِيعِ الْأُمُورِ، الَّذِي لَا تَنْبَغِي الْعِبَادَةُ إِلَّا لَهُ، وَيَقَعُ فِي الْفَجْرِ صَلَاةٌ فَاضِلَةٌ مُعَظَّمَةٌ، يَحَسُنُ أَنْ يُقْسِمَ اللَّهُ بِهَا، وَلِهَذَا أَقْسَمَ بَعْدَهُ بِاللَّيَالِي الْعَشْرِ، وَهِيَ عَلَى الصَّحِيحِ: لَيَالِي عَشْرِ رَمَضَانَ، أَوْ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، فَإِنَّهَا لَيَالٍ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى أَيَّامٍ فَاضِلَةٍ، وَيَقَعُ فِيهَا مِنَ الْعِبَادَاتِ وَالْقُرُبَاتِ مَا لَا يَقَعُ بِغَيْرِهَا.

وَفِي لَيَالِي عَشْرِ رَمَضَانَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ، الَّتِي هِيَ خَيْرٌ مِنَ أَلْفِ شَهْرٍ، وَفِي نَهَارِهَا، صِيَامُ آخِرِ رَمَضَانَ الَّذِي هُوَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ العِظامِ.

وَفِي أَيَّامِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ، الَّذِي يَغْفِرُ اللَّهُ فِيهِ لِعِبَادِهِ مَغْفِرَةً يَحْزَنُ لَهَا الشَّيْطَانُ، فَمَا رُئِيَ الشَّيْطَانُ أَحْقَرَ وَلَا أَدْحَرَ مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ، لِمَا يَرَى مِنْ تَنَزُّلِ الْأَمْلَاكِ وَالرَّحْمَةِ مِنَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَيَقَعُ فِيهَا كَثِيرٌ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَهَذِهِ أَشْيَاءٌ مُعَظَّمَةٌ، مُسْتَحِقَّةٌ أَنْ يُقْسِمُ اللَّهُ بِهَا.

{وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} أَيْ: وَقْتَ سَرَيَانِهِ وَإِرْخَائِهِ ظَلَامِهِ عَلَى الْعِبَادِ، فَيَسْكُنُونَ وَيَسْتَرِيحُونَ وَيُطَمْئِنُّونَ، رَحْمَةً مِنْهُ تَعَالَى وَحِكْمَةً.

{هَلْ فِي ذَلِكَ} الْمَذْكُورِ {قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ} أَيْ: لِذِي عَقْلٍ؟ نَعَمْ، بَعْضُ ذَلِكَ يَكْفِي، لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ.

قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ} الآيات:

يَقُولُ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ} بِقَلْبِكَ وَبَصِيرَتِكَ كَيْفَ فَعَلَ بِهَذِهِ الْأُمَمِ الطَّاغِيَةِ، وَهِيَ إِرَمَ الْقَبِيلَةُ الْمَعْرُوفَةُ فِي الْيَمَنِ ذَاتِ الْعِمَادِ أَيِ: الْقُوَّةِ الشَّدِيدَةِ، وَالْعُتُوِّ وَالتَّجَبُّرِ. {الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ} أَيْ: فِي جَمِيعِ الْبُلْدَانِ فِي الْقُوَّةِ وَالشِّدَّةِ، كَمَا قَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ هُودٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً} [الأعراف:69]

– الشيخ : وعادُ هذا الزمانِ هي الولاياتُ المتحدة، هي عادُ هذا العصر؛ لأنَّها أعتى دولةٍ وأعظمُها طغيانًا وظلمًا وتسلطًا، فنسأل الله أن يرسلَ عليها ريحًا عاتيةً كما أرسلَ على عادٍ وثمودٍ، نسأل الله أن يرسلَ عليها ريحا عاتية وأن يُحِلَّ بهم القوارعُ المتتابعة، اللهم أحلَّ بهم القوارعَ المتتابعة.

 

– القارئ : {فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأعراف:69]

{وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ} أَيْ: وَادِي الْقُرَى، نَحَتُوا بِقُوَّتِهِمِ الصُّخُورَ، فَاتَّخَذُوهَا مَسَاكِنَ، {وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ} أَيْ: ذِي الْجُنُودِ الَّذِينَ ثَبَّتُوا مُلْكَهُ، كَمَا تُثَبَّتُ الْأَوْتَادُ مَا يُرَادُ إِمْسَاكُهُ بِهَا، {الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ} هَذَا الْوَصْفُ عَائِدٌ إِلَى عَادٍ وَثَمُودٍ وَفِرْعَوْنَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ، فَإِنَّهُمْ طَغَوْا فِي بِلَادِ اللَّهِ، وَآذَوْا عِبَادَ اللَّهِ، فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، وَلِهَذَا قَالَ:

{فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ} وَهُوَ الْعَمَلُ بِالْكَفْرِ وَشُعَبِهِ، مِنْ جَمِيعِ أَجْنَاسِ الْمَعَاصِي، وَسَعَوْا فِي مُحَارَبَةِ الرُّسُلِ وَصَدِّ النَّاسِ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، فَلَمَّا بَلَغُوا مِنَ الْعُتُوِّ مَا هُوَ مُوجِبٌ لِهَلَاكِهِمْ، أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ عَذَابِهِ ذَنُوبًا وَسَوْطَ عَذَابٍ، {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} لِمَنْ يَعْصِيهِ يُمْهِلُهُ قَلِيلًا ثُمَّ يَأْخُذُهُ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ.

قال الله تعالى: {فَأَمَّا الإنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ}

– الشيخ : إلى هنا، إلى هنا، سبحان الله العظيم .