بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الفجر
الدرس: الثَّاني
*** *** ***
– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ
فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20) كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26) يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي [الفجر:15-30]
– الشيخ : لا إله إلَّا الله.
الحمدُ لله، يذكرُ تعالى حالَ الإنسانِ الجاهلِ الَّذي لا يعرفُ حكمةَ اللهِ في تدبيره، يقولُ تعالى: {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ} يعني: إِذَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ بالنِّعمةِ {فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ} بأنواعِ النِّعمِ وأنواعِ الكرامةِ {فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ} يريدُ الإكرامَ الخاصَّ، يعني: اللهُ أكرمَني من بينِ النَّاسِ، فيدَّعي لنفسِه أنَّه كريمٌ على اللهِ، فالإكرامُ الأوَّلُ هو من نوعِ الإكرامِ العامِّ الَّذي يكونُ ابتلاءً، والثَّاني الَّذي يدَّعيهِ الإنسانُ هو الإكرامُ الخاصُّ، ولا يلزمُ من الإكرامِ العامِّ الإكرامُ الخاصُّ.
{وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ} ابتلاهُ بضدِّ الأوَّلِ {فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ} ضيَّقَ عليه في الرِّزق {فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} فيزعمُ أنَّ ذلك إهانةٌ من اللهِ له، قالَ اللهُ: {كَلَّا} أي: ليسَ الأمرُ كما يظنُّ هذا الإنسانُ، فليسَ إنعامُ اللهِ على العبد كرامةً له ولكرمِه على اللهِ، وليسَ التَّضييقُ عليه بالرِّزق لهوانِه على اللهِ، بل ذلك كلُّه ابتلاءٌ {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ}.
{كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} فهذه حالُ الإنسانِ الجاهلِ الَّذي فقد الرَّحمةَ والعطفَ والإحسانَ فلا يرحمُ يتيمًا ولا يطعمُ مسكينًا {كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ} أي: يحضُّ بعضُكم بعضًا {عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ}.
{وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا} تأكلونَ الأموالَ الَّتي ترثونها عن غيرِكم، تأكلونَها {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} كثيرًا، وهذا ما طُبِعَ عليه الإنسانُ يحبُّ المالَ كما قالَ تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات:6-8]، والخيرُ في الآيةِ المالُ، فالإنسانُ يحبُّ المالَ حبًّا شديدًا وحبًّا كبيرًا.
ثمَّ ذكَّرَ سبحانَه وتعالى باليومِ العظيمِ الَّذي تكونُ فيه أحداثٌ عظيمةٌ، فالأرضُ تُدَكُّ والجبالُ {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ} يجيءُ سبحانه وتعالى للفصلِ بينَ عبادِه، يجيءُ هو نفسُه حقيقةً، لا كما يقولُ المعطِّلةُ: يجيءُ أمرُه، أو تجيءُ الملائكةُ، لا، بل يجيءُ الرَّبُّ تعالى، وهو فعَّالٌ لما يريدُ، ينزلُ إلى السَّماءِ الدُّنيا إذا شاءَ، ويجيءُ للفصلِ بينَ عبادِه إذا شاءَ، فهو فعَّالٌ لما يريدُ {وَالْمَلَكُ} أيضًا تجيءُ الملائكةُ صفوفًا {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} كما قالَ تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} [البقرة:210]
ثمَّ في ذلك اليومِ العظيمِ في الموقفِ في موقفِ الحشرِ وفي موقفِ القيامةِ يُجاءُ بجهنَّمَ وتُبرَزُ للرَّائينَ {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى} [النازعات:36]، كما تقدَّمَ في سورةِ النَّازعات، {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ} جاءَ في الحديثِ الصَّحيحِ أنَّه يُجاءُ بها يجرُّها سبعونَ ألفَ ملكٍ [في الحديثِ عندَ مسلمٍ مرفوعًا: (يُؤتَى بجهنَّم يومئذٍ لها سبعونَ ألفَ زمامٍ، معَ كلِّ زمامٍ سبعونَ ألفَ ملكٍ يجرُّونها)] واللهُ أعلمُ بكيفيَّةِ هذهِ الأحوالِ من أحوالِ القيامةِ فهي أحوالٌ وأهوالٌ، وعندَ ذلكَ يتذكَّرُ الإنسانُ المفرِّطُ في جنبِ اللهِ، الكافرُ بآياتِ اللهِ، يتذكَّرُ ويقولُ: {يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي}، {يَتَذَكَّرُ … وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى} يعني: هيهاتَ أنْ تنفعَه الذِّكرى، {يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} يعني: قدَّمْتُ في حياتي الدُّنيا لحياتي في الآخرةِ، يعني: لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي عملًا صالحًا ينفعُني، ولكن فاتَ أوانُ التَّذكُّرِ، التَّذكُّرُ إنَّما ينفعُ في الدُّنيا، أمَّا التَّذكُّرُ في الآخرةِ فلا ينفعُ صاحبَه، لأنَّه انتهى وقتُ الابتلاءِ ووقتُ الجزاءِ ووقتُ العملِ، وإنَّما الوقتُ وقتُ جزاءٍ.
{فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ} لا يُعذَّبُ أحدٌ كعذابِ اللهِ، وَلَا يُوثِقُ كوثاقِه سبحانَه وتعالى {وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ} فعذابُ اللهِ شديدٌ {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ} فالضَّميرُ يعودُ إلى اللهِ فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عذابَ اللهِ أحدٌ، وقيلَ المعنى أو في قراءةٍ: {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذَّبُ عَذَابُهُ أَحَدٌ} لَا يُعَذَّبُ هذا الإنسانُ الكافرُ لَا يُعَذَّبُ مثلَ عذابِه أحدٌ فعذابُه شديدٌ، {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ} فهذا وصفٌ لحالِ الكافرِ الشَّقيِّ.
ثمَّ ذكرَ السِّياق إلى ذكرِ الفريقِ الثَّاني وهي النُّفوسُ المطمئنَّةُ، أهلُ النُّفوسِ المطمئنَّةِ يُقالُ: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي} فالنُّفوسُ الْمُطْمَئِنَّةُ نفوسُ المؤمنين المتَّقين تصيرُ إلى جنةِ اللهِ، إلى الجنَّةِ الَّتي أعدَّها اللهُ للمتَّقين، فتصيرُ معَ أمثالِها في الجنَّةِ، {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي} تصيرُ إلى ما أُعِدَّ لها من النَّعيمِ وتصيرُ إلى أمثالِها مِن المؤمنين والمتَّقين، نسألُ اللهَ من فضلِه العظيمِ، نسألُ اللهَ من فضلِه.
(تفسيرُ السَّعديِّ)
– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى: {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ} الآياتِ:
يخبرُ تعالى عن طبيعةِ الإنسانِ مِن حيثُ هوَ، وأنَّهُ جاهلٌ ظالمٌ، لا علمَ لهُ بالعواقبِ، يظنُّ الحالةَ الَّتي تقعُ فيهِ تستمرُّ ولا تزولُ، ويظنُّ أنَّ إكرامَ اللهِ في الدُّنيا وإنعامَهُ عليهِ يدلُّ على كرامتِهِ عندَهُ وقربَهُ منهُ، وأنَّهُ إذا {قَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} أي: ضيَّقَهُ، فصارَ يقدرُ قوتَهُ لا يفضلُ منهُ، أنَّ هذا إهانةٌ مَن اللهِ لهُ، فردَّ اللهُ عليهِ هذا الحسبانَ: بقولِهِ {كَلا} أي: ليسَ كلُّ مَنْ نعَّمْتُهُ في الدُّنيا فهوَ كريمٌ عليَّ، ولا كلُّ مَن قَدَرْتُ عليهِ رزقَهُ فهوَ مُهانٌ لديَّ، وإنَّما الغنى والفقرُ، والسَّعةُ والضِّيقُ، ابتلاءٌ مِن اللهِ، وامتحانٌ يمتحنُ بهِ العبادَ، ليرى مَن يقومَ لهُ بالشُّكرِ والصَّبرِ، فيثيبُهُ على ذلكَ الثَّوابَ الجزيلَ، ممَّن ليسَ كذلكَ فينقلُهُ إلى العذابِ الوبيلِ.
وأيضًا، فإنَّ وقوفَ همَّةِ العبدِ عندَ مرادِ نفسِهِ فقط، مِن ضعفِ الهمَّةِ، ولهذا لامَهم اللهُ على عدمِ اهتمامِهم بأحوالِ الخلقِ المحتاجِينَ، فقالَ: {كَلا بَل لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ} الَّذي فقد أباهُ وكاسبَهُ، واحتاجَ إلى جبرِ خاطرِهِ والإحسانِ إليهِ.
فأنتم لا تكرمونَهُ بل تهينونَهُ، وهذا يدلُّ على عدمِ الرَّحمةِ في قلوبِكم، وعدمِ الرَّغبةِ في الخيرِ.
{وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِين} أي: لا يحضُّ بعضُكم بعضًا على إطعامِ المحاويجِ مِن المساكينِ والفقراءِ، وذلكَ لأجلِ الشُّحِّ على الدُّنيا ومحبَّتِها الشَّديدةِ المتمكِّنةِ مِن القلوبِ، ولهذا قالَ: {وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ} أي: المالَ الـمُخلَّفَ {أَكْلا لَمًّا} أي: ذريعًا، لا تبقونَ على شيءٍ منهُ.
{وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} أي: كثيرًا شديدًا، وهذا كقولِهِ تعالى: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى:16-17]، {كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20) وَتَذَرُونَ الْآَخِرَةَ} [القيامة:20-21]
قالَ اللهُ تعالى: {كَلا إِذَا دُكَّتِ الأرْضُ دَكًّا دَكًّا} إلى آخرِها.
{كَلا} أي: ليسَ كلُّ ما أحببْتُم مِن الأموالِ، وتنافسْتُم فيهِ مِن اللَّذَّاتِ، بباقٍ لكم، بل أمامَكم يومٌ عظيمٌ، وهولٌ جسيمٌ، تُدَكُّ فيهِ الأرضُ والجبالُ وما عليها حتَّى تُجعَلَ قاعًا صفصفًا لا عوجَ فيهِ ولا أمتَ.
ويجيءُ اللهُ تعالى لفصلِ القضاءِ بينَ عبادِهِ في ظللٍ مِن الغمامِ، وتجيءُ الملائكةُ الكرامُ، أهلُ السَّمواتِ كلُّهم، {صفًّا صفًّا} أي: صفًّا بعدَ صفٍّ، كلُّ سماءٍ يجيءُ ملائكتُها صفًّا، يحيطونَ بمَن دونَهم مِن الخلقِ، وهذهِ الصُّفوفُ صفوفُ خضوعٍ وذلٍّ للملكِ الجبَّارِ.
{وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ} تقودُها الملائكةُ بالسَّلاسلِ.
فإذا وقعَتْ هذهِ الأمورُ فـ {يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإنْسَانُ} ما قدَّمَهُ مِن خيرٍ وشرٍّ.
{وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى} فقد فاتَ أوانُها، وذهبَ زمانُها، يقولُ متحسِّرًا على ما فَرَّطَ في جنبِ اللهِ: {يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} الدَّائمةِ الباقيةِ، عملًا صالحًا، كما قالَ تعالى: {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا} [الفرقان:27-28]
وفي هذا دليلٌ على أنَّ الحياةَ الَّتي ينبغي السَّعي لها وتحصيلُها وكمالُها، وفي تتميمِ لذَّاتِها، هيَ الحياةُ في دارِ القرارِ، فإنَّها دارُ الخلدِ والبقاءِ.
{فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ} لمَن أهملَ ذلكَ اليومَ ونسيَ العملَ لهُ.
{وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ} فإنَّهم يُقرنَونَ بسلاسلَ مِن نارٍ، ويُسحَبونَ على وجوهِهم في الحميمِ، ثمَّ في النَّارِ يُسجَرونَ، فهذا جزاءُ المجرمينَ، وأمَّا مَن آمنَ باللهِ واطمأنَّ بهِ وصدَّقَ رسلَهُ، فيُقالُ لهُ: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} إلى ذكرِ اللهِ، السَّاكنةُ إلى حبِّهِ، الَّتي قرَّتْ عينُها باللهِ.
{ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ} الَّذي ربَّاكِ بنعمتِهِ، وأسدى عليكِ مِن إحسانِهِ ما صرْتِ بهِ مِن أوليائِهِ وأحبابِهِ {رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} أي: راضيةً عن اللهِ، وعن ما أكرمَها بهِ مِن الثَّوابِ، واللهُ قد رضيَ عنها.
{فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي} وهذا تُخاطَبُ بهِ الرُّوحُ يومَ القيامةِ، وتُخاطَبُ بهِ وقتَ السِّياقِ والموتِ، والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.
– الشيخ : نسألُ اللهَ من فضلِه، {رَاضِيَةً} عن اللهِ و {مَرْضِيَّةً} مِن اللهِ، يفسِّرُها قولُه تعالى: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}، {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}.