بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك
سورة " البلد "
*** *** ***
– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2) وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ (4) أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (5) يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا (6) أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7) أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10) فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (18) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (19) عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ [البلد:1-20]
– الشيخ : أعوذ بالله من النار.
هذه سورةُ البلد، وهي مكيَّة، افتُتحتْ بالقَسَم: {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} والبلدُ: هو البلدُ الحرامِ مكةُ، {لَا أُقْسِمُ} أي: أُقسمُ بهذا البلد، تقدَّم أن "لا" هذه قيل: إنَّها زائدة للتأكيد، وقيل: إنها "لا" ردٌّ لما يقولُ المفترون والكاذبون، {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ}.
{وَأَنْتَ حِلٌّ} أيُّها الرسول {وَأَنْتَ حِلٌّ} أي: حلالٌ، غيرَ مُحرمِ في هذا البلد، وبعضُهم يقول {حِلٌّ} يعني: أنتَ في هذا البلد مُستحَلٌّ، يعني: مُستحلةً حُرمتُكَ عند أولئك الكفار؛ لأنَّهم يُؤذونَه ويُهددونَه ويُكذبونَه، -سبحان الله وبحمده- {وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ}.
{وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ} أيضًا قسَمٌ بالوالد والولد، وهذا يشملُ آدمُ وذريته، ويشملُ كلَّ والدٍ وكل مولود، والله يقسمُ بما شاء مِن خلقه، ويقسم أقسامًا عامة، مثل: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ} [الحاقة:39،38] وهنا يقول: {وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ} فهذا قَسَمٌ بكلِّ والدٍ وبكلِّ ولدٍ.
وجوابُ القسم: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} الإنسانُ مخلوقٌ في كَبَدٍ، في مُكابدةٍ ومَشَاقٍّ مِن نشأتِه الأولى في بطن أمه وهو يترقَّى بالأطوار مِن حالٍ إلى حالٍ، وتعرضُ له مشاقّ وبعد ولادتِه كذلك كما هو مشاهد {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ}.
{أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ} هذا الإنسانُ -وهو الكافرُ- يظنُّ أن {لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ} بسبب طغيانِه وبسبب غرورِه بما أُوتي يظنُّ {أنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ} ، ويفتخرُ بماله {يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا} أهلكتُ أموالًا كثيرةً، {أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ} بلِ اللهُ يراه، ولا تخفى عليه تصرفاتُهُ، فلا تغترَّ أيُّها الإنسان لا تحسبنَّ أنه مغفولٌ عنك فالله يراكَ ويسمعكَ فلا تغترَّ بإمهالِهِ -سبحانه- لا تغترَّ بالإمهال {أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ}.
ثم ذكَّرَ الإنسان بما أنعم عليه مِن النِّعَم في خلقِهِ {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ} فبالعينينِ يُبصرُ ويرى ما حولَهُ وما هنا وهناك، وباللِّسانِ والشَّفتينِ يتكلَّمُ، فالله جعل الإنسان سميعًا بصيرًا ويتكلَّمُ، جعل له لسانًا يُعبِّرُ به وشفتين.
ثم قال تعالى: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} قيل: {هَدَيْنَاهُ} يعني: دَلَلْنَاهُ على الطريقين: طريقُ الخيرِ وطريقُ الشَّرِّ، كما قال تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [الإنسان:3]
{فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} ومع ذلك لم يقتحمْ العقبةَ: التكليف الذي كُلِّفَ به، ثمَّ فسَّرَ العقبةَ {فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا} فهذه فرائضُ شاقَّةٌ على أكثرِ النفوس قَلَّ مَنْ يقتحمُها ويقومُ بها {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ}، {فَكُّ رَقَبَةٍ} يعني: عِتقُ، تحريرُ المملوك، فتحريرُ رقبة {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} في يوم مجاعةٍ وشِدَّةٍ، ففي أيامِ الجوع والشدَّة يبخلُ أكثرُ الناس؛ لأنهم يخافون مِن الفقرِ ويخافون أن يصيبَهم ما أصابَ الناسَ فلا يطعمون يتيمًا ولا مسكينًا، {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} قال الله في وصفِ المؤمنين: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ} [الإنسان:8]
{يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ} يتيمًا ذا قرابةٍ، وهذا أحقُّ بالصدقة، (والصدقةُ على القريبِ صدقةٌ وصلةٌ وعلى البعيدِ صدقةٌ)، {يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ} يتيما ذا قرابةٍ، فاجتمع فيه اليُتْمِ والقَرابة، فهذا حقيقٌ بالإطعامِ حقيقٌ بالإحسانِ، {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} مسكينٌ مُعْدِمٌ، فكأنه قد لَصقَ بالتراب مِن الحاجةِ والشِّدَّة.
{ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا} يعني: هذا الذي اقتحمَ العقبةَ إذا {كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} الصبر والمرحمة، الصبرُ على المصائبِ، والصبرُ على التكاليفِ، والصبرُ عن المعاصي، والصبرُ على الطاعات، والمرحمةُ: الرحمةُ بالناس، مِن الناس مَن يكون عنده صبرٌ وليس عنده رحمة، ومنهم مَن يكون عنده رحمة ولا صبرَ له، ومنهم مَن يجمعُ الله له بين الصفتين فيكون صبورًا ورحيمًا، صبورٌ على ما يصيبُهُ ورحيمٌ بالعباد، وأشقى الناس من سُلِبَ هذا وهذا فلم يكن صابرًا ولا رحيمًا، {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ}.
{أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} هؤلاء أصحابُ اليمين، هؤلاء مؤمنون مهتدون مُثابُون مَآلُهم إلى الجنة، {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ} يعني: أصحابُ الشِّمال، ومصيرُهُم إلى النَّار {عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ} مُطْبَقةٌ لا مَخرج لهم فيها ولا مَفَرَّ منها، نعوذُ بالله من النار.
(تفسيرُ السَّعديِّ)
– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالَمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى-:
تفسيرُ سورةِ {لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ}، وهِيَ مكيةٌ،
– الشيخ : ما هو بمكتوب عليها "سورة البلد"؟
– القارئ : عند الشيخ هنا كاتب: تفسيرُ سورةِ {لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ}
– الشيخ : إي، ما سمّـَاها؟
– القارئ : إي، لكن في المصحف: "البلد".
قال الله تعالى: {لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} الآيات:
يُقْسِمُ تَعَالَى بِهَذَا {الْبَلَدِ الْأَمِينِ}، الَّذِي وَهُوَ مَكَّةُ الْمُكَرَّمَةُ، أَفْضَلُ الْبُلْدَانِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، خُصُوصًا وَقْتَ حُلُولِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا،
– الشيخ : يعني خصوصًا في وقتِ وجودِ الرسولِ فيها؛ فإنَّها يجتمعُ لها شرفُ البُقعة وشرفُ السَّاكنِ صلى الله عليه وسلم.
– القارئ : {وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ} أَيْ: آدَمُ وَذُرِّيَّتُهُ.
وَالْمَقْسَمُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ مَا يُكَابِدُهُ وَيُقَاسِيهِ مِنَ الشَّدَائِدِ فِي الدُّنْيَا، وَفِي الْبَرْزَخِ، وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ، وَأَنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْعَى فِي عَمَلٍ يُرِيحُهُ مِنْ هَذِهِ الشَّدَائِدِ، وَيُوجِبُ لَهُ الْفَرَحَ وَالسُّرُورَ الدَّائِمَ.
وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، فَإِنَّهُ لَا يَزَالُ يُكَابِدُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ أَبَدَ الْآبَادِ.
– الشيخ : أعوذ بالله
– القارئ : وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَعْنَى: {لَقَدْ خَلَقَنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين:4] وَأَقْوَمِ خِلْقَةٍ، يَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ وَالْأَعْمَالِ الشَّدِيدَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَشْكُرِ اللَّهَ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ الْعَظِيمَةِ
– الشيخ : المعنى الأول هو المعروفُ والمشهورُ، يعني في مَشَاقّ ومعاناةٌ ومُقاساةٌ للمشاقِّ والشدائد.
– القارئ : بَلْ بَطَرَ بِالْعَافِيَةِ وَتَجَبَّرَ عَلَى خَالِقِهِ، فَحَسِبَ بِجَهْلِهِ وَظُلْمِهِ أَنَّ هَذِهِ الْحَالَ سَتَدُومُ لَهُ، وَأَنَّ سُلْطَانَ تَصَرُّفِهِ لَا يَنْعَزِلُ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ} وَيَطْغَى وَيَفْتَخِرَ بِمَا أَنْفَقَ مِنَ الْأَمْوَالِ عَلَى شَهَوَاتِ نَفْسِهِ. حيثُ {يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالا لُبَدًا} أَيْ: كَثِيرًا، بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ.
وَسَمَّى اللَّهَ -تَعَالَى- الْإِنْفَاقَ فِي الشَّهَوَاتِ وَالْمَعَاصِي إِهْلَاكًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ الْمُنْفِقُ بِمَا أَنْفَقَ، وَلَا يَعُودُ إِلَيْهِ مِنْ إِنْفَاقِهِ إِلَّا النَّدَمُ وَالْخَسَارُ وَالتَّعَبُ وَالْقِلَّةُ، لَا كَمَنْ أَنْفَقَ فِي مَرْضَاةِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ الْخَيْرِ، فَإِنَّ هَذَا قَدْ تَاجَرَ مَعَ اللَّهِ، وَرَبِحَ أَضْعَافَ أَضْعَافَ مَا أَنْفَقَ.
قَالَ اللَّهُ مُتَوَعِّدًا هَذَا الَّذِي يَفْتَخِرُ بِمَا أَنْفَقَ فِي الشَّهَوَاتِ: {أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ} أَيْ: أَيَظُنُّ فِي فِعْلِهِ هَذَا، أَنَّ اللَّهَ لَا يَرَاهُ وَيُحَاسِبُهُ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ؟ بَلْ قَدْ رَآهُ اللَّهُ، وَحَفِظَ عَلَيْهِ أَعْمَالَهُ، وَوَكَّلَ بِهِ الْكِرَامَ الْكَاتِبِينَ، لِكُلِّ مَا عَمِلَهُ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ.
ثُمَّ قَرَّرَهُ بِنِعَمِهِ، فَقَالَ: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ} لِلْجَمَالِ وَالْبَصَرِ وَالنُّطْقِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَنَافِعِ الضَّرُورِيَّةِ فِيهَا، فَهَذِهِ نِعَمُ الدُّنْيَا، ثُمَّ قَالَ فِي نِعَمِ الدِّينِ: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} أَيْ: طَرِيقَيِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، بَيَّنَّا لَهُ الْهُدَى مِنَ الضَّلَالِ، وَالرُّشْدَ مِنَ الْغَيِّ. فَهَذِهِ الْمِنَنُ الْجَزِيلَةُ، تَقْتَضِي مِنَ الْعَبْدِ أَنْ يَقُومَ بِحُقُوقِ اللَّهِ، وَيَشْكُرَهُ عَلَى نِعَمِهِ، وَأَنْ لَا يَسْتَعِينَ بِهَا عَلَى مَعَاصِي اللَّهِ، وَلَكِنَّ هَذَا الْإِنْسَانَ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ.
{فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} أَيْ: لَمْ يَقْتَحِمْهَا وَيَعْبُرْ عَلَيْهَا، لِأَنَّهُ مُتَّبِعٌ لِهَوَهُ. وَهَذِهِ الْعَقَبَةُ شَدِيدَةٌ عَلَيْهِ، ثُمَّ فَسَّرَ هَذِهِ الْعَقَبَةَ بِقَوْلِهِ: {فَكُّ رَقَبَةٍ} أَيْ: فَكُّهَا مِنَ الرِّقِّ، بِعِتْقِهَا أَوْ مُسَاعَدَتُهَا عَلَى أَدَاءِ كِتَابَتِهَا، وَمِنْ بَابِ أَوْلَى فِكَاكُ الْأَسِيرِ الْمُسْلِمِ عِنْدَ الْكُفَّارِ.
{أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} أَيْ: مَجَاعَةٌ شَدِيدَةٌ، بِأَنْ يُطْعِمَ وَقْتَ الْحَاجَةِ أَشَدَّ النَّاسِ حَاجَةً.
{يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ} أَيْ: جَامِعًا بَيْنَ كَوْنِهِ يَتِيمًا، فَقِيرًا ذَا قَرَابَةٍ.
{أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} أَيْ: قَدْ لَزِقَ بِالتُّرَابِ مِنَ الْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ.
{ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أَيْ: آمَنُوا بِقُلُوبِهِمْ بِمَا يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ، وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِجَوَارِحِهِمْ. فَدَخَلَ فِي هَذَا كُلُّ قَوْلٍ وَفِعْلٍ وَاجِبٍ أَوْ مُسْتَحَبٍّ. {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَعَنْ مَعْصِيَتِهِ، وَعَلَى أَقْدَارِهِ الْمُؤْلِمَةِ بِأَنْ يَحُثَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَى الِانْقِيَادِ لِذَلِكَ، وَالْإِتْيَانِ بِهِ كَامِلًا مُنْشَرَحًا بِهِ الصَّدْرُ، مُطَمْئِنَّةٌ بِهِ النَّفْسُ.
{وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} لِلْخَلْقِ، مِنْ إِعْطَاءِ مُحْتَاجِهِمْ، وَتَعْلِيمِ جَاهِلِهِمْ، وَالْقِيَامِ بِمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ، وَمُسَاعَدَتِهِمْ عَلَى الْمَصَالِحِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ، وَأَنْ يُحِبَّ لَهُمْ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، وَيَكْرَهُ لَهُمْ مَا يَكْرَهُ لِنَفْسِهِ، أُولَئِكَ الَّذِينَ قَامُوا بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ، الَّذِينَ وَفَّقَهُمُ اللَّهُ لِاقْتِحَامِ هَذِهِ الْعَقَبَةِ {أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} لِأَنَّهُمْ أَدَّوْا مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ حُقُوقِهِ وَحُقُوقِ عِبَادِهِ، وَتَرَكُوا مَا نَهَوْا عَنْهُ، وَهَذَا عُنْوَانُ السَّعَادَةِ وَعَلَامَتُهَا.
{وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا} بِأَنْ نَبَذُوا هَذِهِ الْأُمُورَ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ، فَلَمْ يُصَدِّقُوا بِاللَّهِ، وَلَا آمَنُوا بِهِ، وَلَا عَمِلُوا صَالِحًا، وَلَا رَحِمُوا عِبَادَ اللَّهِ، {هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ} أَيْ: مُغْلَقَةٌ، فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ، قَدْ مُدَّتْ مِنْ وَرَائِهَا، لِئَلَّا تَنْفَتِحُ أَبْوَابُهَا، حَتَّى يَكُونُوا فِي ضِيقٍ وَهَمٍّ وَشِدَّةٍ.
تمَّ تفسيرُ سورةِ البلدِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
انتهى
– الشيخ : أحسنت
– طالب: هل يُفهمُ من هذا أن لها مُسمَّى آخر سور البلد؟
– الشيخ : لا، ما لها اسم، بس [لكن] الشيخ عبَّر عنها بافتتاحيتِها، والآن تسمعُ أيش قال يقول: "تمَّ تفسيرُ سورةِ البلدِ"
– طالب: قال في تفسير: {أَهْلَكْتُ مَالا لُبَدًا} قال: "لأنَّه أنفق على شهواته وملذته"، وجاء النص الآخر: (ورجلٌ آتاهُ اللهُ مالًا فسلَّطَهُ على هلكتِهِ بالحقِّ)
– الشيخ : إي عبارة الشيخ أنه عبَّر عنه بالإهلاكِ ما هو بيعني
– طالب: سم
– الشيخ : أقولُ: أنتَ تلاحظ على كلمةِ الشيخ أنه هو قال عبَّر عنه بالإهلاك، لا، هو الإهلاكُ، الإتلافُ إذهابُ المال، فمَنْ أتلفَهُ بخيرٍ يعني مَنْ أنفقَهُ بخيرٍ أو شَرٍّ فقد أتلفه على نفسه، لكن مَن أهلكَهُ بالحقِّ فقد وجد عاقبتَه ووجد… أخلفَ الله عليه وأثابَه، ومَنْ أهلكَهُ في الباطلِ لم يعدْ عليه بخيرٍ.