سورة الزلزلة وسورة العاديات وسورة القارعة

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك

سور " الزَّلزلة – العاديات – القارعة "

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة:1-8]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1) فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (5) إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8) أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ [العاديات:1-11]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5) فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ [القارعة:1-11]

– الشيخ : إلى هنا. الحمد لله، هذه السُّور الثلاثُ كلُّها مكيَّة.

السورةُ الأولى الزلزلة، والزلزلةُ: الحركةُ العنيفةُ الشديدةُ الـمُزعجةُ، وقد أخبرَ اللهُ في هذه السورةِ أنَّ الأرضَ يجري لها هذه الزلزلة {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} ونظيرُ هذا قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج:1] وقد عُبِّرَ عن هذه الزلزلةِ بالرَّجفةِ {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3) إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا} [الواقعة:1-5]

{إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا} تُخْرجُ ما في بطنِها مِن الأموات، {تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا} [ق:44] فيَخرجون، وقيل: إنَّ المرادَ أنها تُخرج ما في بطنِها مِن الكنوزِ، تقذفُ به ويشاهدُهُ الناس، تلكَ الكنوز التي كانوا يَقتتلونَ عليها فيَرونَها في ذلك اليومِ ولا يَعبؤونَ بها؛ لأنَّهم مَذهولونَ ومَشغولون عنها، {وَأَخْرَجَتِ..} كما قال تعالى: {وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3) وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ} [الانشقاق:4،3] تتخلَّى مما في بطنِها {وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ}، {وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا}.

{وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا} أي: ماذا حدثَ للأرض؟ ماذا حدثَ للأرض حتَّى صارت تضطربُ بعد أن كانتْ راسيةً ثابتةً مستقرةً؟ {وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا}.

{يَوْمَئِذٍ} أي: في ذلك اليوم {تُحَدِّثُ} الأرضُ {أَخْبَارَهَا} وتشهدُ بما عُمِلَ على ظهرِها، وذلك أنَّ الله أوحى لها بذلكَ، أوحى إلى الأرض بأن تحدثُ أخبارها {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا}.

{بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} وفي ذلكَ اليوم يصدرُ الناس مِن الموقف، يصدرونَ شتى بعد أن جمعَهم الله في موقف الحسابِ والحشرِ، يصدونَ عن ذلك الموقفِ شتَّى متفرقين كلٌ له طريق وكلٌّ ينتهي إلى مصيره، ويُفسِّرُ هذا قوله: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14) فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ} إلى آخر الآيات [الروم:15،14] يصدرونَ أشتاتًا ليُروا، يَصدرون أشتاتًا ليُرَوا أعمالَهم، أي: ليُريَهم الله أعمالَهم يعني: جزاءَ أعمالهم.

{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} سيجد كلُّ عاملٍ يجد جزاءَ عمله وإن كان يسيرًا وحقيرًا، كما قال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:47] يرونَ أعمالَهم في صحفِ أعمالِهم، ويرونَ أعمالَهم في جزاءِ أعمالِهم.

وبعدها سورة العادياتُ:

وقد افتُتحتْ بقسمٍ من الله {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا} قسمٌ مثل {وَالشَّمْسِ} [الشمس:1] {وَالسَّمَاءُ} [الطارق:1] {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} [التين:1] هذه أقسام يحلفُ الله بالعاديات وهي الخيلُ؛ لأنها مِن شأنِها العدو السريعُ تعدو بقوةٍ وبسرعة، {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا} فعندَ العدو يكونُ لها صوتٌ في حلوقِها تضبحُ ضبحًا، {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا}.

{فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا} مُوريات التي إذا عَدَتْ تضربُ بالحجارةِ بـسَنَابِكِهَا فتقدحُ النار مِن الحجارة، تُري النار، يعني: في الليلِ يَرى الناظرُ إليها وهِيَ تضربُ الحجارةَ بـسَنَابِكِهَا فيرى النارَ تشعُ مِن الحجارة {فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا} تقدحُ النارَ مِن الحجارة.

{فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا} أيضًا مِن شأنِ القتالِ في الحربِ أنَّ المحاربين يُغيرون في الصباح، فأُسندَتِ الإغارةُ إلى الخيلِ تُغير؛ لأنَّ أهلَها هكذا يغيرون عليها صباحًا، يغيرون على عدوّهم صباحًا، وكان الرسول –صلى الله عليه وسلم- يفعلُ ذلك إذا غزا أهلَ بلدةٍ انتظرَ فإنِ سمع أذانًا علمَ أنهم مسلمونَ وإلا أغارَ {فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا}.

{فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا} يُثِرْنَ، الخيل إذا جرت على الأرض الدَّمِثَة الطينيَّة، تُثير النَّقْعَ أي: تثيرُ الغبارَ، تُثير العجاجَ، يصير الغبار فوق رؤوس الناس مِن شدة تحريكِ الخيل للترابِ والنَّقْعِ، فالمثيراتُ تثيرُ النقع، {فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا}.

{فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا} يتوسطنَ براكبِها في جمعِ الناسِ إذا أغارَ الفارسُ، إذا أغار الفارسُ على فرسِه إذا أغار تتوسطُ به في جمعِ عدوِّه وتُدْخِلُهُ فيهم، {فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا}.

ثم قال تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} وهذا جوابُ القسمِ، هذا هو الـمُقْسَمُ عليه، أقسمَ اللهُ بالخيل بهذه الصفاتِ {والعاديات.. فالموريات… فالمغيرات} أقسمَ بها على {إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} كفورٌ بربِّه جاحدٌ لنعمِه، {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} يحبُّ المال، حبُّه للمالِ شديدٌ، {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ}.

ثم قالَ تعالى: {أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ} يعني: وأُخرِجَ ما فيها مِن الأموات، {وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ} [الانفطار:4] {أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ}.

{وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ} استُخرجَ ما في الصدورِ مِن الأفكارِ والعقائدِ والأعمالِ، تُكْشَفُ يوم القيامة، وتخر تكون الأسرار علانية {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (9) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ} [الطارق:9،8]

{أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ} فالله -تعالى- خبيرٌ في كلِّ وقتٍ بعباده، لكنَّهُ خصَّ ذلك بيومِ القيامةِ؛ لتنبيهِ العبادِ وتحذيرِهِم مِن أمرِ ذلك اليومِ العظيم، فاللهُ يَبْعثهم مِن القبورِ ويُخرجُهم وهو عليمٌ وخبيرٌ بما في صدورِهم، {إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ}.

 

(تفسيرُ السَّعديِّ)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالَمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى-:

تفسيرُ سورةِ الزلزلةِ، وهِيَ مدنيَّةٌ

– الشيخ : وهي مدنية؟

– القارئ : نعم

– الشيخ : سبحان الله! شوف يا أبو أيوب [انظر] تفسير، أبو أيوب؟ شفها [ابحث عنها] يا عثمان

– القارئ : موجود هنا، هنا أحد الإخوان يشوفه

– الشيخ : نعم، هي مِن نوع السور المكيَّة

– القارئ : يُخْبِرُ تَعَالَى عَمَّا يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَنَّ الْأَرْضَ تَتَزَلْزَلُ وَتَرْجُفُ وَتَرْتَجُّ، حَتَّى يَسْقُطَ مَا عَلَيْهَا مِنْ بِنَاءٍ وَمَعْلَمٍ، فَتَنْدَكُّ جِبَالُهَا، وَتُسَوَّى تِلَالُهَا، وَتَكُونُ قَاعًا صَفْصَفًا لَا عِوَجَ فِيهِ وَلَا أَمَتَ.

{وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا} أَيْ: مَا فِي بَطْنِهَا، مِنَ الْأَمْوَاتِ وَالْكُنُوزِ.

{وَقَالَ الإِنْسَانُ} إِذَا رَأَى مَا عَرَاهَا مِنَ الْأَمْرِ الْعَظِيمِ مُسْتَعْظِمًا لِذَلِكَ: {مَا لَهَا؟} أَيْ: أَيُّ شَيْءٍ عَرَضَ لَهَا؟

{يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ الْأَرْضُ أَخْبَارَهَا} أَيْ: تَشْهَدُ عَلَى الْعَامِلِينَ بِمَا عَمِلُوا عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، فَإِنَّ الْأَرْضَ مِنْ جُمْلَةِ الشُّهُودِ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ عَلَى الْعِبَادِ بِأَعْمَالِهِمْ، ذَلِكَ {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} أَيْ: أَمَرَهَا أَنْ تُخْبِرَ بِمَا عُمِلَ عَلَيْهَا، فَلَا تَعْصِي لِأَمْرِهِ.

{يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ} مِنْ مَوْقِفِ الْقِيَامَةِ، حِينَ يَقْضِي اللَّهُ بَيْنَهُمْ {أَشْتَاتًا} أَيْ: فِرَقًا مُتَفَاوِتِينَ. {لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ} أَيْ: لِيُرِيَهُمُ اللَّهُ مَا عَمِلُوا مِنَ السَّيِّئَاتِ وَالْحَسَنَاتِ، وَيُرِيَهُمْ جَزَاءَهُ مُوَفَّرًا.

{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} وَهَذَا شَامِلٌ عَامٌّ لِلْخَيْرِ وَالشَّرِّ كُلِّهِ، لِأَنَّهُ إِذَا رَأَى مِثْقَالَ الذَّرَّةِ، الَّتِي هِيَ أَحْقَرُ الْأَشْيَاءِ، وَجُوزِيَ عَلَيْهَا فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ أَوْلَى وَأَحْرَى، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا} [آل عمران:30] {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا} [الكهف:49] وَهَذَا فِيهِ التَّرْغِيبِ فِي فِعْلِ الْخَيْرِ وَلَوْ قَلِيلًا وَالتَّرْهِيبِ مِنْ فِعْلِ الشَّرِّ وَلَوْ حَقِيرًا.

تفسيرُ سورةِ العادياتِ وهِيَ مكيَّة، قالَ اللهُ تعالى: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا…} الآيات:

أَقْسَمَ تَعَالَى بِالْخَيْلِ، لِمَا فِيهَا مِنْ آيَاتِهِ الْبَاهِرَةِ، وَنِعَمِهِ الظَّاهِرَةِ، مَا هُوَ مَعْلُومٌ لِلْخَلْقِ.

وَأَقْسَمَ تَعَالَى بِهَا فِي الْحَالِ الَّتِي لَا يُشَارِكُهَا فِيهِ غَيْرُهَا مِنْ أَنْوَاعِ الْحَيَوَانَاتِ، فَقَالَ: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا} أَيِ: الْعَادِيَاتُ عَدْوًا بَلِيغًا قَوِيًّا، يَصْدُرُ عَنْهُ الضَّبْحُ، وَهُوَ صَوْتُ نَفْسِهَا فِي صَدْرِهَا، عِنْدَ اشْتِدَادِ عَدْوِهَا.

{فَالْمُورِيَاتِ} بِحَوَافِرِهِنَّ مَا يَطَأْنَ عَلَيْهِ مِنَ الْأَحْجَارِ {قَدْحًا} أَيْ: تَنْقَدِحُ النَّارُ مِنْ صَلَابَةِ حَوَافِرِهِنَّ وَقُوَّتِهِنَّ إِذَا عَدَوْنَ، {فَالْمُغِيرَاتِ} عَلَى الْأَعْدَاءِ {صُبْحًا} وَهَذَا أَمْرٌ أَغْلَبِيٌّ، أَنَّ الْغَارَةَ تَكُونُ صَبَاحًا، {فَأَثَرْنَ بِهِ} أَيْ: بِعَدْوِهِنَّ وَغَارَتِهِنَّ {نَقْعًا} أَيْ: غُبَارًا، {فَوَسَطْنَ بِهِ} أَيْ: بِرَاكِبِهِنَّ {جَمْعًا} أَيْ: تَوَسَّطْنَ بِهِ جُمُوعَ الْأَعْدَاءِ، الَّذِينَ أَغَارَ عَلَيْهِمْ.

وَالْمَقْسَمُ عَلَيْهِ، قَوْلُهُ: {إِنَّ الإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} أَيْ: مَنُوعٌ لِلْخَيْرِ الَّذِي لِلَّهِ عَلَيْهِ، فَطَبِيعَةُ الْإِنْسَانِ وَجِبِلَّتُهُ أَنَّ نَفْسَهُ لَا تَسْمَحُ بِمَا عَلَيْهِ مِنَ الْحُقُوقِ، فَتُؤَدِّيهَا كَامِلَةً مُوَفَّرَةً، بَلْ طَبِيعَتُهَا الْكَسَلُ وَالْمَنْعُ لِمَا عَلَيْهَا مِنَ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ وَالْبَدَنِيَّةِ، إِلَّا مَنْ هَدَاهُ اللَّهُ وَخَرَجَ عَنْ هَذَا الْوَصْفِ إِلَى وَصْفِ السَّمَاحِ بِأَدَاءِ الْحُقُوقِ، {وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ} أَيْ: إِنَّ الْإِنْسَانَ عَلَى مَا يَعْرِفُ مِنْ نَفْسِهِ مِنَ الْمَنْعِ وَالْكَنَدِ لَشَاهِدٌ بِذَلِكَ، لَا يَجْحَدُهُ وَلَا يُنْكِرُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ بَيِّنٌ وَاضِحٌ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ إِلَى اللَّهِ أَيْ: إِنَّ الْعَبْدَ لِرَبِّهِ لِكَنُودٌ، وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى ذَلِكَ، فَفِيهِ الْوَعِيدُ، وَالتَّهْدِيدُ الشَّدِيدُ، لِمَنْ هُوَ لِرَبِّهِ كَنُودٌ، بِأَنَّ اللَّهَ عَلَيْهِ شَهِيدٌ.

{وَإِنَّهُ} أَيِ: الْإِنْسَانُ {لِحُبِّ الْخَيْرِ} أَيِ: الْمَالِ {لَشَدِيدٌ} أَيْ: كَثِيرُ الْحُبِّ لِلْمَالِ. وَحُبُّهُ لِذَلِكَ، هُوَ الَّذِي أَوْجَبَ لَهُ تَرْكَ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ، قَدَّمَ شَهْوَةَ نَفْسِهِ عَلَى رِضَا رَبِّهِ، وَكُلُّ هَذَا لِأَنَّهُ قَصَرَ نَظَرَهُ عَلَى هَذِهِ الدَّارِ، وَغَفَلَ عَنِ الْآخِرَةِ، وَلِهَذَا قَالَ حَاثًّا لَهُ عَلَى خَوْفِ يَوْمِ الْوَعِيدِ:

{أَفَلا يَعْلَمُ} أَيْ: هَلَّا يَعْلَمُ هَذَا الْمُغْتَرُّ {إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ} أَيْ: أَخْرَجَ اللَّهُ الْأَمْوَاتَ مِنْ قُبُورِهِمْ، لِحَشْرِهِمْ وَنَشُورِهِمْ.

{وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ} أَيْ: ظَهَرَ وَبَانَ مَا فِيهَا وَمَا اسْتَتَرَ فِي الصُّدُورِ مِنْ كَمَائِنِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، فَصَارَ السِّرُّ عَلَانِيَةً، وَالْبَاطِنُ ظَاهِرًا، وَبَانَ عَلَى وُجُوهِ الْخَلْقِ نَتِيجَةُ أَعْمَالِهِمْ.

{إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ} أَيْ مُطَّلِعٌ عَلَى أَعْمَالِهِمِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ، الْخَفِيَّةِ وَالْجَلِيَّةِ، وَمُجَازِيهِمْ عَلَيْهَا. وَخَصَّ خَبَرَهُمْ بِذَلِكَ الْيَوْمِ مَعَ أَنَّهُ خَبِيرٌ بِهِمْ فِي كُلِّ وَقْتٍ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الْجَزَاءُ عَلَى الْأَعْمَالِ النَّاشِئِ عَنْ عِلْمِ اللَّهِ وَاطِّلَاعِهِ.

تفسير سورة القارعة.

– الشيخ : إلى هنا

– طالب: أحسن الله إليك يا شيخ، ابن كثير يقول: أنها مكية

– الشيخ : من يقول؟

– طالب: ابن كثير

– الشيخ : يعني سورة أيش؟

– طالب: الزلزلة

– الشيخ : يقول: مكية؟

– طالب: نعم

– الشيخ : هو المناسب

– القارئ : الشيخ ابن سعدي ذهبَ على أنها مدنيَّة

– الشيخ : سمعناه

– طالب: وابن كثير ذهب على أنها مكية

– الشيخ : لا، هو الأظهر أنها مكية

– طالب:

– الشيخ : لا، بس، هل الإنسان يحبُّ الخير؟

– طالب: في قوله: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} 

– الشيخ : لا، هل يحبُّ كلُّ خير؟

– طالب: 

– الشيخ : لا، هو كثيرًا ما يُطلَقُ الخيرُ في القرآن على المال، {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ} كثير يُطلَقُ الخير على المال، {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ} هو يأتي هذا وهذا، يأتي مرادًا بِه كلَّ نافعٍ وكلَّ مفيدٍ ويأتي مرادًا به المالُ والسياقُ هو الذي

– طالب: يعني المراد به في الآية هو المال؟

– الشيخ : هو الظاهر والله أعلم، والشيخ ابن سعدي مع أنه ما هو … يعني ينظرُ إلى عمومِ الألفاظ يعني لم يُعرِّجْ على غيرِ ما قالَه المفسرون: إن المراد به المال، كقوله: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} [الفجر:20]، {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا}، {إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ}.