سورة الهمزة وسورة الفيل وسورة قريش وسورة الماعون

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك

سور " الهمزة – الفيل – قريش – الماعون "

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ، بسم الله الرحمن الرحيم

وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ [الهمزة:1-5]

بسم الله الرحمن الرحيم

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ [الفيل:1-5]

بسم الله الرحمن الرحيم

لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ [قريش:1-4]

بسم الله الرحمن الرحيم

أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ[الماعون:1-7]

– الشيخ : هذه السور كلُّها مكية، السورة الأولى: سورةُ الهُمزة، تضمَّنت تهديد ووعيد هذا الصِّنف من الناس، وهو الهمَّاز اللَّمَّاز، فالهُمزة: كثير الهَمْز، واللُّمزة: كثير اللَّمز، وهو الذي يُكثرُ من الطَّعن في الناس والعيب لهم والغَمز لهم بقولِه أو بفعلِه، بلسانِه أو بإشاراتِه وتصرفاتِه، {وَيْلٌ} وعيدٌ لهذا الصنفِ الخبيثِ السَّيء، نعوذ بالله من هذا الخلق الرَّديء.

{وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ} أيضًا مع الطَّعْن والغَمز بالناس همُّه الدنيا وهمُّه جمعُ المال وتَعدادُ المال، فجمعَ بين الظلم والشُّح والبُخل والحِرص.

{يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ}؟ أَيَظُنُّ هذا الجاهل أن مالَه يُخلِّده ويُبقيه في الدنيا؟ لا، بل هو زائلٌ ذاهبٌ، أو هو راحلٌ عنه.

ثم قال تعالى: {كَلَّا} كلمةُ زجرٍ ورَدْعٍ، وفي هذا زجرٌ لهذا الصِّنف وهذا الإنسان السَّيء، {كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ} هذا متضمِّنٌ لقسمٍ، كأن المعنى: واللهِ {لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ}، يُنْبَذَ: يُطرَح، يُلقَى في جهنم طرحًا، {لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ} والحُطمة: فسَّرها بالقول: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ} أسلوبُ تهويلٍ فهي غاية بالفَظَاعَةِ والهَوْل، {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ} النارُ التي خلقَها اللهُ وأعدَّها للكافرين {نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ} عذابُها يَنفذُ إلى البَواطن، فهي تُحرقُ ظواهرَهم وبواطنَهم، نعوذ بالله، {الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ} مُطبقَةٌ عليهم، لا يرجون منها مَخرجًا ولا فرارًا بل هي مُطبقةٌ عليهم، وهذا يَزيدُ عذابَها عذابًا.

ثم السورة التي بعدَها: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} يُذَكِّرُ ويُعَجِّبُ -سبحانه وتعالى- من أصحابِ الفيل، وهذا فيه الإشارةُ إلى الحدث الكبير الذي جرى في الجاهليةِ، وهو أن الحبشةَ بقيادة الطاغية أبرهة غزا البيتَ الكعبةَ المشرفة غزاها ليَهدمها، وكان معهم فيلٌ يدفعونه أمامَهم، فلما أقبلوا على الحرم صرفَهم الله وصرفَ الفيل، وصار الفيلُ لا يتقدَّم إذا وجَّهوه إلى الحرمِ حَرَنَ، وإذا وجهوهُ إلى خلافِه مشى، هكذا جاء في الخبرِ في السيرة، ولذلك سمَّاهم الله أصحابَ الفيل، وكان مِن شأنهم أنَّ الله أرسلَ عليهم عذابًا وذلك بأنْ أنزلَ عليهم حجارةً من سجيل، جاء في التأريخ أن الحجرَ يسقطُ فيضربُ رأسَ الرجلِ هامتَه ويخرج من دبُرِه فيهلكُ.

{أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ} جعل الله كيدَهم وسعيَهم لمحاربة الحق ومضادّة الحق، جعل الله {كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ} يعني: في ذهاب، لم يبلغوا مرامَهم، بل حالَ اللهُ بينهم وبين ذلك، {وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ} أرسل عليهم طيرًا تحملُ هذه الحجارةَ وتُنزلها عليهم، وجاءتهم فِرَقًا من كلِّ صوب، {تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} جعلَ هؤلاء الغُزاة، هؤلاء الجنود -جنودِ أبرهة- جعلَهم كالعصفِ المأكولِ، والعَصْفُ: هو التِّبن الذي تدوسُه الدَّواب، فالعصفُ الذي أُكِلَ وداستْهُ الدواب، {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ}.

وبعد التذكيرِ بهذه النعمةِ، تذكيرُ قريش بهذه النعمة وهي نعمةُ صَدِّ العدو عنهم وعن بيتِه الحرام، هذه نعمة عظيمة وهي من آياتِ الله، وجاء في السيرة أن ذلك سنةَ مولدِ الرسول عليه الصلاة والسلام، وكان في هذا الحدث إرهاصٌ لبعثتِه صلى الله عليه وسلم.

{لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ} كذلك يُذكِّرُ اللهُ قريشَ بما جعل الله في قلوبِهم من إلفِ هاتَيْنِ الرحلتَين {رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ} فكانَ لقريشٍ رحلتانِ، تجارية، رحلاتٌ تجارية، رحلةٌ إلى اليمن ورحلةٌ إلى الشام، فيرحلونَ في الشتاء إلى اليمنِ، وفي الصيفِ إلى الشام {رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ}.

ثم يأمرُهم -تعالى- شكرًا لهذه النِّعَمِ يأمرُهم بعبادتِه وحده لا شريك له {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ} {هَذَا الْبَيْتِ} إشارةٌ إلى البيت العتيقِ الذي عندهم {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ} وفي إضافةِ الربوبيَّة إلى البيت تشريفٌ للبيت، وقال في الآية الأخرى: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ..} فأضافه -تعالى- إلى نفسِه {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة:125]

{الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} وهذا امتنانٌ من الله بنعمتَيْن: نعمةُ الطعام ونعمةُ الأمن، ولا شكَّ أن الحياةَ مع الجوعِ أو مع الخوفِ لا تكون هنيئةً بل تكون نَغِصَة، فالجوعُ من مُنَغِّصَاتِ الحياة، والخوفُ كذلك، ويذكرُ اللهُ هذا المعنى في مواضعَ يمتنُّ به على أهل مكة، بما يَسُوقُ لهم مِن الأرزاقِ وبما هيَّئ لهم مِن نعمة الأمنِ بسبب البيت {يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [القصص:57] {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل:112] فبدَّلَ اللهُ أمنَهم خوفًا وشِبْعَهُم جوعًا.

{فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} ولكنَّ قريشًا كفروا بنعمة الله وكذَّبوا رسولَه صلى الله عليه وسلم.

وهذه السورةُ سورةُ الماعون بعدَها: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ} وهذا تعجيبٌ مِن الله لِمَن هذه حالُه، يُكذِّب بيوم الدين بيوم الجزاء! يُكذّب بالقيامة يكذب بالبعث والنشور والجنة والنار {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ} فهذا أمرُه عجيب! يُنكرُ البعثَ وأن الله يعيدُ الناس أحياءً ويبعثُهم، والله قد خلقَه مِن نطفةٍ ثم سوَّاه ونفخ فيه من روحه، وجعلَ له سمعًا وبصرًا، والآياتُ في هذا كثيرة.

{أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ} يعني مع هذا الكفرِ فهو كذلك قليلُ الرحمةِ يدفعُ اليتيم ويُهِينُه ويزجرُه، {يَدُعُّ الْيَتِيمَ} عن حقِّه أيضًا فيأكلُ مالَه.

{وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} لا يحثُّ على إطعامِ المسكين، وَلَا يَحُضُّ عَلَى الإحسان بل هو ظالمٌ بخيلٌ شحيحٌ.

{فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} وعيدٌ للمصلّين {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} غافلونَ عن صلاتهم، لا يُؤدُّونها، وفرقٌ بين: "في صلاتِهم ساهون" و {عَنْ صَلَاتِهِمْ} السَّهو في الصلاة لا يَستوجبُ الوعيدَ، بل هو مِن العوارض التي تَعرضُ للمؤمن ولا تضرُّهُ، وجاءتِ السنةُ بجبره وبالإرشاد لما يفعله مَن سها في صلاته، ولكن المذموم الملوم هو الساهي عن صلاتِه الغافلُ عنها فلا يُؤدِّيها، وإن أدَّاها فرياءً كحالِ المنافق، ولهذا قال تعالى {الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ} يُرَاءُونَ الناس {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا}.

ويُحتمَلُ أن هذه السورة مدنية، يُحتمل أن تكون مدنية، {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} يَبخلون بما فيهِ التعاون والإعانةُ للغير، فيبخلُ بأيسرِ الأشياء التي يحتاجُ الناسُ إلى التعاونِ فيها.

 

(تفسيرُ السَّعديِّ)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ رحمَهُ اللهُ تعالى:

تَفْسِيرُ سُورَةِ الْهُمَزَةِ، وَهِيَ مَكِّيَّةٌ، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} الآيات:

وَيْلٌ أَيْ: وَعِيدٌ، وَوَبَالٌ، وَشِدَّةُ عَذَابٍ {لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} الَّذِي يَهْمِزُ النَّاسَ بِفِعْلِهِ، وَيَلْمُزُهُمْ بِقَوْلِهِ، فَالْهَمَّازُ: الَّذِي يَعِيبُ النَّاسَ وَيَطْعَنُ عَلَيْهِمْ بِالْإِشَارَةِ وَالْفِعْلِ، وَاللَّمَازُ: الَّذِي يَعِيبُهُمْ بِقَوْلِهِ.

وَمِنْ صِفَةِ هَذَا الْهَمَّازِ اللَّمَازِ، أَنَّهُ لَا هَمَّ لَهُ سِوَى جَمْعِ الْمَالِ وَتَعْدِيدِهِ وَالْغِبْطَةِ بِهِ، وَلَيْسَ لَهُ رَغْبَةٌ فِي إِنْفَاقِهِ فِي طَرْقِ الْخَيِّرَاتِ وَصِلَةِ الْأَرْحَامِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، {يَحْسَبُ} بِجَهْلِهِ {أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ} فِي الدُّنْيَا، فَلِذَلِكَ كَانَ كَدُّهُ وَسَعْيُهُ كُلُّهُ فِي تَنْمِيَةِ مَالِهِ، الَّذِي يَظُنُّ أَنَّهُ يُنَمِّي عُمْرَهُ، وَلَمْ يَدْرِ أَنَّ الْبُخْلَ يَقْصِفُ الْأَعْمَارَ، وَيُخَرِّبُ الدِّيَارَ، وَأَنَّ الْبِرَّ يَزِيدُ فِي الْعُمْرِ.

{كَلا لَيُنْبَذَنَّ} أَيْ: لَيُطْرَحَنَّ فِي الْحُطَمَةِ {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ} تَعْظِيمٌ لَهَا، وَتَهْوِيلٌ لِشَأْنِهَا.

ثُمَّ فَسَّرَهَا بِقَوْلِهِ: {نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ} الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ الَّتِي مِنْ شِدَّتِهَا {تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ} أَيْ: تَنْفُذُ مِنَ الْأَجْسَامِ إِلَى الْقُلُوبِ.

وَمَعَ هَذِهِ الْحَرَارَةِ الْبَلِيغَةِ هُمْ مَحْبُوسُونَ فِيهَا، قَدْ أَيَسُوا مِنَ الْخُرُوجِ مِنْهَا،

– الشيخ : أعوذ بالله

– القارئ : وَلِهَذَا قَالَ: {إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ} أَيْ: مُغْلَقَةٌ فِي عَمَدٍ مِنْ خَلْفِ الْأَبْوَابِ مُمَدَّدَةٍ لِئَلَّا يَخْرُجُوا مِنْهَا {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا} [السجدة:20] نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، وَنَسْأَلُهُ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ.

– الشيخ : نسأل الله العفو والعافية، نعوذ بالله من النار، {رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ} هذا دعاء عباد الرحمن {رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الفرقان:65] {وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201] فينبغي للمسلم أن يكثرَ بالاستجارة بالله من النار، وفي دعاء التشهد ما بعد التشهد (أعوذُ بكَ مِن عذابِ جهنمَ ومِن عذابِ القبرِ).

 

– القارئ : تَفْسِيرُ سُورَةِ الْفِيلِ، وَهِيَ مَكِّيَّةٌ، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} الآيات:

أَيْ: أَمَا رَأَيْتَ مِنْ قُدْرَةِ اللَّهِ وَعَظِيمِ شَأْنِهِ، وَرَحْمَتِهِ بِعِبَادِهِ، وَأَدِلَّةِ تَوْحِيدِهِ، وَصِدْقِ رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا فَعَلَهُ اللَّهُ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ، الَّذِينَ كَادُوا بَيْتَهُ الْحَرَامَ وَأَرَادُوا إِخْرَابَهُ، فَتَجَهَّزُوا لِأَجْلِ ذَلِكَ، وَاسْتَصْحَبُوا مَعَهُمُ الْفِيَلَةَ لِهَدْمِهِ، وَجَاءُوا بِجَمْعٍ لَا قِبَلَ لِلْعَرَبِ بِهِ، مِنَ الْحَبَشَةِ وَالْيَمَنِ، فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى قُرْبِ مَكَّةَ، وَلَمْ يَكُنْ بِالْعَرَبِ مُدَافَعَةٌ، وَخَرَجَ أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ خَوْفًا مِنْهُمْ، أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ أَيْ: مُتَفَرِّقَةً، تَحْمِلُ أَحْجَارًا مُحْمَاةً مِنْ سِجِّيلٍ، فَرَمَتْهُمْ بِهَا، وَتَتَبَّعَتْ قَاصِيَهُمْ وَدَانِيَهُمْ، فَخَمَدُوا وَهَمَدُوا، وَصَارُوا كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ، وَكَفَى اللَّهُ شَرَّهُمْ، وَرَدَّ كَيْدَهُمْ فِي نُحُورِهِمْ، وَقِصَّتُهُمْ مَعْرُوفَةٌ مَشْهُورَةٌ وَكَانَتْ تِلْكَ السَّنَةُ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَارَتْ مِنْ جُمْلَةِ إِرْهَاصَاتِ دَعْوَتِهِ، وَأَدِلَّةِ رِسَالَتِهِ، فَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالشُّكْرُ.

تَفْسِيرُ سُورَةِ قُرَيْشٍ، وَهِيَ مَكِّيَّةٌ، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {لإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ} الآيات:

قَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّ الْجَارَّ وَالْمَجْرُورَ مُتَعَلِّقٌ بِالسُّورَةِ الَّتِي قَبْلَهَا أَيْ: فَعَلْنَا مَا فَعَلْنَا بِأَصْحَابِ الْفِيلِ لِأَجْلِ قُرَيْشٍ وَأَمْنِهِمْ، وَاسْتِقَامَةِ مَصَالِحِهِمْ، وَانْتِظَامِ رِحْلَتِهِمْ فِي الشِّتَاءِ لِلْيَمَنِ، وَفي الصَّيْفِ لِلشَّامِ، لِأَجْلِ التِّجَارَةِ وَالْمَكَاسِبِ.

فَأَهْلَكَ اللَّهُ مَنْ أَرَادَهُمْ بِسُوءٍ، وَعَظَّمَ أَمْرَ الْحَرَمِ وَأَهْلَهُ فِي قُلُوبِ الْعَرَبِ، حَتَّى احْتَرَمُوهُمْ، وَلَمْ يَعْتَرِضُوا لَهُمْ فِي أَيِّ سَفَرٍ أَرَادُوا، وَلِهَذَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِالشُّكْرِ، فَقَالَ: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ} أَيْ: لِيُوَحِّدُوهُ وَيُخْلِصُوا لَهُ الْعِبَادَةَ، {الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} فَرَغْدُ الرِّزْقِ وَالْأَمْنُ مِنَ الْخَوْفِ، مِنْ أَكْبَرِ النِّعَمِ الدُّنْيَوِيَّةِ، الْمُوجِبَةِ لَشُكْرِ اللَّهِ تَعَالَى.

فَلَكَ اللَّهُمَّ الْحَمْدُ وَالشُّكْرُ عَلَى نِعَمِكَ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ، وَخَصَّ اللَّهُ الرُّبُوبِيَّةَ بِالْبَيْتَ؛ لِفَضْلِهِ وَشَرَفِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ.

انتهى

– الشيخ : وفي هذا التخصيص تشريفٌ، فجاءت هذه الآية بإضافةِ الربوبية إلى البيتِ إليه سبحانه {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ} وفي كلٍّ من الآيتين تشريفٌ، تشريفٌ للبيت، فالبيتُ هو لله، والله ربُّهُ، مالكُه، ومُشرِّفُه، ومُعظِّمُهُ سبحانه وتعالى.

– القارئ : قال رحمه الله تعالى: تَفْسِيرُ سُورَةِ الْمَاعُونِ، وَهِيَ مَكِّيَّةٌ، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ} الآيات:

يَقُولُ تَعَالَى ذَامًّا لِمَنْ تَرَكَ حُقُوقَهُ وَحُقُوقَ عِبَادِهِ: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ} أَيْ: بِالْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ، فَلَا يُؤْمِنُ بِمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ.

{فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ} أَيْ: يَدْفَعُهُ بِعُنْفٍ وَشِدَّةٍ، وَلَا يَرْحَمُهُ لِقَسَاوَةِ قَلْبِهِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَرْجُو ثَوَابًا، وَلَا يَخَافُ عِقَابًا.

{وَلا يَحُضُّ} غَيْرَهُ {عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} وَمِنْ بَابِ أَوْلَى أَنَّهُ بِنَفْسِهِ لَا يُطْعِمُ الْمِسْكِينَ، {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} أَيِ: الْمُلْتَزِمِينَ لِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ، وَلَكِنَّهُمْ {عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} أَيْ: مُضَيِّعُونَ لَهَا، تَارِكُونَ لِوَقْتِهَا، مُخِلُّونَ بِأَرْكَانِهَا، وَهَذَا لِعَدَمِ اهْتِمَامِهِمْ بِأَمْرِ اللَّهِ حَيْثُ ضَيَّعُوا الصَّلَاةَ، الَّتِي هِيَ أَهَمُّ الطَّاعَاتِ وَأَفْضَلُ الْقُرُبَاتِ، وَالسَّهْوُ عَنِ الصَّلَاةِ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ صَاحِبُهُ الذَّمَّ وَاللَّوْمَ، وَأَمَّا السَّهْوُ فِي الصَّلَاةِ فَهَذَا يَقَعُ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ، حَتَّى مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَلِهَذَا وَصَفَ اللَّهُ هَؤُلَاءِ بِالرِّيَاءِ وَالْقَسْوَةِ وَعَدَمِ الرَّحْمَةِ، فَقَالَ: {الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ} أَيْ يَعْمَلُونَ الْأَعْمَالَ لِأَجْلِ رِئَاءِ النَّاسِ.

{وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} أَيْ: يَمْنَعُونَ إِعْطَاءَ الشَّيْءِ، الَّذِي لَا يَضُرُّ إِعْطَاؤُهُ عَلَى وَجْهِ الْعَارِيَةِ، أَوِ الْهِبَةِ، كَالْإِنَاءِ، وَالدَّلْوِ، وَالْفَأْسِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، مِمَّا جَرَتِ الْعَادَةُ بِبَذْلِهِ وَالسَّمَاحِ بِهِ، فَهَؤُلَاءِ -لِشِدَّةِ حِرْصِهِمْ- يَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ، فَكَيْفَ بِمَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ.

وَفِي هَذِهِ السُّورَةِ الْحَثُّ عَلَى إِطْعَامِ الْيَتِيمِ، وَالْمَسَاكِينِ، وَالتَّحْضِيضِ عَلَى ذَلِكَ، وَمُرَاعَاةُ الصَّلَاةِ، وَالْمُحَافَظَةُ عَلَيْهَا، وَعَلَى الْإِخْلَاصِ فِيهَا وَفِي سَائِرِ الْأَعْمَالِ. وَالْحَثُّ عَلَى فِعْلِ الْمَعْرُوفِ وَبذْلِ الْأُمُورِ الْخَفِيفَةِ، كَعَارِيَةِ الْإِنَاءِ وَالدَّلْوِ وَالْكِتَابِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ ذَمَّ مَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

– الشيخ : أحسنتَ، شوف [انظر] تفسير ابن كثير، السورة هذه مدنية أو مكية، كأن عندي فيها احتمال أن تكون مدنية

– القارئ : يقولُ: تفسيرُ السورةِ التي يُذكَرُ فيها الماعونُ، وهي مكيَّة

– الشيخ : سبحان الله العظيم، لأنَّ النفاقَ والرياءُ إنما ظهرَ في المدينة، هذا هو السبب، والصلاةُ والكسلُ عنها كلُّها مِن سماتِ المنافقين، والنفاقُ ما نَجَمَ وظهرَ إلا في المدينة، هذا سببُ التوقُّفِ عندي.

– طالب: القرطبي يقولُ: تفسيرُ سورةِ "الماعون"، وَهِيَ مَكِّيَّةٌ فِي قَوْلِ عَطَاءٍ وَجَابِرٍ وَأَحَدِ قولي ابن عباس، وَمَدَنِيَّةٌ فِي قَوْلٍ لَهُ آخَرَ وَهُوَ قَوْلُ قتادةَ وغيرِهِ.

– الشيخ : المهم صار فيها خلاف، جيّد، صار فيها خلاف.