(26) الحسيب الكافي الحفيظ

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (فَتحُ الرَّحيمِ الملكِ العَلاَّمِ في عِلمِ العقَائِدِ وَالتَّوحيْدِ وَالأخْلاَقِ وَالأحكامِ المُستنَبَطةِ مِن القرآنِ)
للشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصرالسّعدي
الدَّرس السَّادس والعشرون

***    ***    ***    ***

 

– القارئ : أحسنَ اللهُ إليكَ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ. اللَّهمَّ اغفرْ لشيخِنا وللحاضرِينَ والمُستمعينَ. قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ بنُ ناصرٍ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى وأسكنَهُ فسيحَ جنانِه- في كتابِهِ: "فتحُ الرَّحيمِ الملكِ العلَّامِ في علمِ العقائدِ والتَّوحيدِ والأخلاقِ والأحكامِ المُستنبَطةِ مِن القرآنِ" قالَ -رحمَهُ اللهُ-:

الحسيبُ الكافي الحفيظُ

– الشيخ : نعم، الحسيبُ الكافي الحفيظُ، يعني: ذكرَها جميعاً؛ لأنَّها مُتقاربةُ المعنى، اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ [الشورى:6] وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيبًا [النساء:6] وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق:3] أي: كافيهِ.

 

– القارئ : أي: هوَ الكافي عبادَهُ كلَّما إليهِ يحتاجونَ، الدَّافعُ عنهم كلَّما يكرهونَ فكفايتُهُ عامَّةٌ وخاصَّةٌ.

أمَّا العامَّةُ فقد كفى تعالى جميعَ المخلوقاتِ، وقامَ بإيجادِها وإرزاقِها وإمدادِها وإعدادِها لكلِّ ما خُلِقَتْ لهُ، وهيَّأَ للعبادِ مِن جميعِ الأسبابِ ما يغنيهم ويقنيهم ويطعمُهم ويسقيهم.

وأمَّا كفايتُهُ وحسبُهُ الخاصُّ فهوَ كفايتُهُ للمتوكِّلينَ، وقيامُهُ بإصلاحِ أحوالِ عبادِهِ المتَّقينَ. قالَ تعالى: وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق:3] أي: كافيهِ كلَّ أمورِهِ الدِّينيَّةِ والدُّنيويَّةِ. قالَ تعالى: أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ [الزمر:36] أي: مَن قامَ بعبوديَّتِهِ الظَّاهرةِ والباطنةِ كفاهُ اللهُ ما أهمَّهُ، وقامَ تعالى بمصالحِهِ، ويسَّرَ لهُ أمورَهُ.

قالَ تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً [الطلاق:2] أي: مِن جميعِ المكارهِ والمضايقِ، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [الطلاق:3]

وإذا توكَّلَ العبدُ على ربِّهِ حقَّ التَّوكُّلِ، بأنْ اعتمدَ بقلبِهِ على ربِّهِ اعتمادًا قويًّا كاملاً في تحصيلِ مصالحِهِ ودفعِ مضارِّهِ، وقويَتْ ثقتُهُ وحسنَ ظنُّهُ بربِّهِ حصلَتْ لهُ الكفايةُ التَّامَّةُ، وأتمَّ اللهُ لهُ أحوالَهُ وسدَّدَهُ في أقوالِهِ وأفعالِهِ، وكفاهُ همَّهُ وجلا غمَّهُ.

ومِن معاني الحسيبِ أنَّهُ الحفيظُ على عبادِهِ كلَّما عملُوهُ، أحصاهُ اللهُ ونسَوهُ، وعلمَ تعالى ذلكَ، وميَّزَ اللهُ صالحَ العملِ مِن فاسدِهِ، وحسنَهُ مِن قبيحِهِ، وعلمَ ما يستحقُّ مِن الجزاءِ ومقدارِهِ مِن الثَّوابِ والعقابِ. فهوَ في هذا المعنى بمعنى الحفيظِ، وللحفيظِ أيضًا معنىً آخرُ يقاربُ معنى الكافي الحسيبِ، وهوَ الَّذي تكفَّلَ بحفظِ مخلوقاتِهِ وإبقائِها، إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا [فاطر:41] فهذا حفظٌ عامٌّ.

وأمَّا الحفظُ الخاصُّ فقد قالَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: (احفظْ اللهَ يحفظْكَ) فمَن حفظَ أوامرَ اللهِ بالامتثالِ ونواهيَهُ بالاجتنابِ، وحفظَ فرجَهُ ولسانَهُ وجميعَ أعضائِهِ، وحفظَ حدودَ اللهِ فلم يتعدَّها، حفظَهُ اللهُ في دينِهِ مِن الشُّبهاتِ القادحةِ في اليقينِ، وحفظَهُ مِن الشَّهواتِ والإراداتِ المناقضةِ لما يحبُّهُ اللهُ ويرضاهُ، وحفظَ عليهِ إيمانَهُ وَمَا كَانَ … لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ [البقرة:143] وحفظَ اللهُ عليهِ دنياهُ، وحفظَهُ في أولادِهِ وأهلِهِ ومَن يتَّصلُ بهِ.

كذلكَ ينقلُهُ اللهُ مِن حالةٍ أعلى مِن ذلكَ وهيَ أنَّهُ مَن حفظَ اللهَ وجدَهُ أمامَهُ وتجاهَهُ ويسِّددُهُ ويوفِّقُهُ، وتحصلُ لهُ معيَّةُ اللهِ الخاصَّةِ الَّتي لا تحصلُ إلَّا لخواصِّ الخلقِ.

ثمَّ قالَ رحمَهُ اللهُ تعالى:

الأوَّلُ الآخرُ، الظَّاهرُ الباطنُ

– الشيخ : لعلَّك تقفُ على هذا

 

 

info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة